نجح الكاتب والسيناريست مجدى صابر فى خلق موسم درامى موازِ لدراما رمضان، بأعماله التى أعادت المشاهد للشاشة الصغيرة مجدداً بعد انقطاع تام لسنوات. فهو ليس الكاتب الذى يحلق بخياله وقلمه لعالم الخيالات المفرطة، بل هو المبدع الذى يربط الواقع بالخيال، حين يشطح بخياله، ويفجره ليقدم واقعه. قطع عهداً على نفسه عندما قرر أن يطوع قلمه فى خدمة الفن، بأن يكتب عن النماذج المهدرة التى لم تأخذ حقها فى الدراما، فهو أول من طالب فى أعماله بدمج ذوى الاحتياجات الخاصة فى المجتمع، مثلما رأينا فى «الرجل الآخر»، و«للعدالة وجوه كثيرة» وأخيرا فى مسلسله الجديد الذى يُذاع الآن على القنوات الفضائية «عائلة الحاج نعمان»، من خلال شخصية «خالد» المريض بالفصام، فقد نجح من خلال هذا العمل أن يصنع من المريض النفسى بطلاً تدور حوله الحبكة الدرامية للأحداث. يرى «صابر» أن تجربة «عائلة الحاج نعمان» تمثل تحديا كبيرا بالنسبة له، لأسباب عدة أهمها التحرر من لقب «سيناريست الصعيد» الذى لقب به مؤخراً بعد النجاح اللافت للنظر، الذى حققه مسلسل «سلسال الدم»، وتقديم بطل العمل فى صورة مريض نفسي. داخل أحد المقاهى الشهيرة بحى مدينة نصر، الذى يعتبره صومعته الفكرية، إذ شهد على الكثير من إبداعاته، التقينا به، للوقوف معه على أهم المحطات فى مشواره الفنى، وكشف كواليس عائلة الحاج نعمان، ومن أين وكيف يستمد أفكاره التى يغلفها فى نص درامى يمزج بين الواقع والخيال، وكانت فرصة أن يتحدث عن مسلسله «أفراح إبليس» وكواليس العمل الذى سيعرض قريبا. وإلى نص الحوار.. * نجحت فى صنع موسم آخر بديل لدراما رمضان ربما تفوقها أيضاً.. كيف ترى مردود هذا النجاح؟ - البعض كان يتهمنى بالجنون حينما عرض مسلسل «سلسال الدم» خارج موسم رمضان، وبعد النجاح الكبير الذى حققه تأكدت أن العمل الجيد يستطيع أن يفرض نفسه على المشاهد دون الالتزام بموعد أو موسم محدد، أعتقد أن نجاح سلسال الدم فتح البوابة الملكية للأعمال الدرامية الأخرى لعرضها خارج الموسم الرمضانى، ونواصل هذا النجاح بمسلسل «عائلة الحاج نعمان» و«أفراح إبليس» اللذين حازا على إعجاب الجمهور وحققا نسب مشاهدة عالية. وخير دليل على قولى كثرة الإعلانات التى لمسها المشاهد فى المسلسل. * هل أنت مع فكرة عرض المسلسلات خارج الموسم الرمضاني؟ - هناك أعمال جيدة تتعرض للظلم فى الموسم الرمضانى بسبب تزاحم عدد المسلسلات المشاركة فى السباق، وتحقق نجاحها فى العرض الثانى للمسلسل، ليس ضد أو مع فكرة عرض الأعمال الفنية خارج الموسم الرمضانى، ولكن مؤمن بفكرة أن الدراما ليس لها موسم محدد، وعرضها خارج رمضان لا يقلل من قيمتها وخير دليل على ذلك النجاح الكبير الذى حققه مسلسل «سلسال الدم» حيثُ نجح فى استقطاب عدد كبير من الإعلانات التى يبحث عنها المنتج والقناة الفضائية. * على ذكر الفواصل الإعلانية.. ألم ترَ أن الإعلانات الكثيفة تقطع العمل الدرامى وتشوه قيمة المحتوى؟ - كل شيء له مزايا وعيوب، ويجب أن نعترف أن التليفزيون المصرى هو الذى كان يحجم هذه العملية، لكن أين التليفزيون الآن؟ لا توجد سوى القنوات الفضائية التى تسعى للحصول على أكبر قدر من الإعلانات لتعويض ما دفعوه مقابل شراء حقوق عرض المسلسل، وكذلك المنتج الذى يرى فى «الإعلانات» طوق نجاه لتغطية تكاليف العمل، كما أن كل قناة فضائية الآن لها حساب على موقع اليوتيوب، تعرض فيه أعمالها دون فواصل إعلانية وهو مفيد للعمل الذى نجح فى توسيع قاعدة جماهيره وللمشاهد الذى يمكنه متابعته دون فواصل. * حقق «عائلة الحاج نعمان» ردود أفعال إيجابية فى أولى حلقاته.. كيف تقيم هذا النجاح خاصة أن العمل يلعب على وتر التيمة الاجتماعية؟ - سعيد جدا بهذا النجاح لأسباب عديدة، أهمها أن البعض كان يصنفنى أننى كاتب صعيدى فى «سلسال الدم»، وأعتقد أننى كسرت هذا التصنيف لأننى كاتب دراما اجتماعية فى الأصل، على الرغم من أننى قدمت «الدراما الصعيدية» فى سلسال الدم من منظور اجتماعى، بدليل أن المسلسل امتد إلى 225 حلقة، وثانى سبب أن المسلسل حقق ردود فعل إيجابية وهو دراما اجتماعية بحتة، بعيدا عن الجريمة والنماذج المشوهة، والسبب الآخر وهو الأهم أنه لأول مرة فى تاريخ الدراما يقدم بطلا مريضا بالفصام من أولى الحلقات حتى آخرها. * ولماذا اخترت الفصام تحديدا؟ - هذا المرض منتشر فى مصر، يصنف أنه مرض عقلى يندرج تحته عشرات الحالات ولكن له علاج، وأعتقد أننى قدمت روشتة علاجه لأسر المرضى فى المسلسل، واستعنت فى شخصية «خالد» التى يجسدها تيم حسن، بالدكتور نبيل القط أستاذ الطب النفسى، لمراجعة المسلسل كما أنه جسد دور الطبيب المعالج لحالة خالد، العمل يحمل رسالة وهى كيفية معالجة مريض الفصام واحتوائه بالحب والحنان الحقيقى وليس الزائف، ولابد أن يستمر فى العلاج ومراجعة الطبيب بشكل دوري. * ليست هى المرة الأولى التى تقدم فيها «متحدى الإعاقة» فى أعمالك، هل تتعمد ذلك أم الصدفة كان لها دور فى كل عمل؟ - تعهدت منذ دخولى عالم الدراما أن أسلط الضوء على النماذج المهدور حقها فى المجتمع، والفئات الخاصة من النماذج التى لا تلقى اهتماما كبيرا من جانب الإعلام، كما أننى وجدت أن الأسر التى يولد فيها طفل معاق، يخشون من الإعلان عنه خوفا من المزاعم غير القائمة على أساس الاعتقاد بأن المعاق نذير شؤم داخل هذه الأسرة، وأعتبر أول كاتب طالب بدمج الفئات الخاصة مع المجتمع فى مسلسل «الرجل الآخر» عندما قدمت نموذج أحمد رزق، وأيضاً فى مسلسل «للعدالة وجوه كثيرة» قدمت نموذج مجهول النسب، وبسببه قررت الدولة منح إعانات لهذه الحالات، وأخرجت منهم نماذج مفيدة للمجتمع. * المكان هو البطل فى «عائلة الحاج نعمان» لماذا اخترت «دمياط» لتنطلق منها بؤرة الأحداث؟ - من الأشياء الجديدة فى المسلسل أن المكان هو البطل، ودمياط محافظة بكر لم تقترب لها الدراما إلا قليلا، لذا قررت أن أسلط الضوء على أهالى المحافظة، لذا جعلت الحاج نعمان تاجر أثاث، وأحمد بدير تاجر حلويات ودمياط تشتهر بذلك، وأعتقد أن مشاهد البحر فى رأس البر عملت تنوعاً واختلافاً وروحاً حلوة فى المسلسل. * توظيف الأبطال فى المسلسل رؤية مخرج أم كاتب؟ - تسكين الأدوار يتم من خلال المخرج لأنه يكون لديه رؤية جيدة، والتسكين هنا فى المسلسل كان جيدا، فلا أتصور أحداً مكان آخر، كل واحد فى العمل بطل فى مكانه ودوره. وفى الحقيقة سهر الصايغ عاملة دور تُمنح عليه الأوسكار. * أعمالك دائما ما تكون متشعبة بالأحداث والصراعات.. من أين تولد لك الفكرة؟ - أعمالى قريبة من الواقع، وتلمس نماذج من الشارع المصرى، لو تحدثنا عن «عائلة الحاج نعمان» استمدت فكرته من حدث واقعى تعايشته، وذلك عندما كنت معزوما على زفاف ابنة أحد أصدقائى وجدت العريس عليه مظاهر هستيرية، ثانى يوم علمت أن العريس حاول قتل عروسته ليلة الدخلة، وتبين أنه مريض بالفصام دون أن يخطروا أهل العروسة وعائلتها، ومن هنا جاءت بذرة العمل وغلفتها فى إطار درامى اجتماعي. * أخرجت من تيم الحسن مواهب إبداعية جديدة فى شخصية «خالد»، هل ترى أن الدور أضاف لقدراته كممثل؟ - عندما اجتمعت مع المخرج أحمد شفيق والمنتج صادق الصباح، رشح تيم حسن خاصة أنه كان يعمل معه مسلسل «الهيبة»، فى البداية خشيت أن تيم يرفض الدور لصعوبته وتعقيد الشخصية، وبعد أن أرسلت له المادة على الإيميل الشخصى الخاص به، وجدته يهاتفنى وهو مُنتشٍ وسعيد جدا، وقال لى «أنت بتدينى اختبار جديد فى التمثيل»، فى الحقيقة حضّر تيم للشخصية بشكل جيد حيثُ ذهب إلى مرضى الفصام لمحاكاة أدائهم الحركى واللفظى، وكان دكتور نبيل القط لصيقاً فى كل المشاهد، أعتقد أن تيم خاض اختبارا صعبا واجتازه بنجاح. * بين الصعيد ودمياط.. ما المحطة الجديدة والقادمة فى «أفراح إبليس»؟ - أفراح إبليس كان تحديا كبيرا بالنسبة لى، لأننى هنا اكتمل جزء لكاتب كبير بحجم محمد صفاء عامر، واجهتنى مشكلة لأن الجزء الأول قضى على أبطال رئيسيين مثل مقتل آيتن عامر، وشلل جمال سليمان، إلى جانب اعتذار عبلة كامل عن الجزء الثانى، فالأمر استغرق منى 6 أشهر تفكيراً فى كيفية صنع بؤرة صراع جديدة داخل العمل، فأدخلت بعض التعديلات على عدد من الشخصيات لإيجاد مكان لها فى الجزء الثانى مثل مقتل أيتن عامر جعلتها إصابة خفيفة وليست وفاة، وشلل جمال سليمان جعلته نفسيا وليس عضويا للشفاء منه، وأدخلت شخصيات جديدة على العمل مثل الفنان الكبير الراحل محمود الجندى، ومنى عبدالغنى، وصابرين. * عدد حلقات العمل تتحكم فيها طبيعة الأحداث أم التسويق؟ - الاثنان، غير ذلك كل كاتب وله أفكاره هو وحده الذى يستطع أن يحدد طبيعة القماش يتطلب كم عدد من الحلقات، ففى مسلسل «سلسال الدم» كان مطلوبا على 60 حلقة فقط، لكن أثناء كتابتى وجدت أن هناك مناطق وصراعات كثيرة يمكن تناولها بشكل جيد فامتدت الحلقات حتى وصلت إلى 225 حلقة. * سلسال الدم أثرت تجربتك كصعيدي.. فكيف نجحت فى نقل صورة حقيقية تعكس طبيعة أهالى دمياط فى «عائلة الحاج نعمان»؟ - ذهبت إلى دمياط وجلست مع تجار أثاث وحلوى، وأخذت منهم بعض اللزمات وقدرت أضفرها فى الدراما الخاصة بى حتى أنقل صورة حقيقية تعكس طبيعة أهالى المحافظة وتشبعهم نفسيا ومعنويا.