• بمناسبة الأنباء التى وردت عن ظهور جديد لأنصار فكرة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، الذين وجهت لهم تهمة قتل طالب هندسة بالسويس، عقاباً له على السير فى الشارع، مع خطيبته ، بدون محرم، وجدت يدى تذهب طواعية، إلى كتاب تلقيته منذأيام ، بقلم الكاتب الكبير حلمى النمنم، وأصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بعنوان «الحسبة وحرية التعبير» . وفى رأيى أن هذا الكتاب يستحق القراءة فى هذا الزمن الذى يتهدد فيه المفكرين وأصحاب الرأى بالتكفير ومخالفة شرع الله، لمجرد أنهم يقومون بإعمال عقولهم، التى خلقها الله سبحانه وتعالى، من أجل مهمة محددة، وهى التفكير، ومعرفة صحيح الشرع، والاجتهاد فيما لم يظهره النص أو السنة المؤكدة. • حلمى النمنم قال فى مقدمة كتابه، إن المسلمين الأوائل لم يعرفوا مصطلح «الحسبة» ولم تعرف بينهم وظيفة المحتسب ، ولم يرد فى القرآن الكريم ذكر لهذا المصطلح ، ولا ظهرت تلك الوظيفة بهذا المسمى فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.. فلم يرد فى السيرة النبوية أنه عين أحداً من صحابته فى تلك الوظيفة، ولا ظهرت هذه المهمة فى عهد الخلفاء الراشدين وكان الولاة يعينون القضاة وقادة الجيوش ويرسلون السفراء، ولكن لم يعين أحدهم محتسباً، ولم تكن هذه الوظيفة قد ظهرت فى ظل قوة وازدهار الدولة الأموية، ولم نعرف أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز اختار محتسباً فى أى من المدن العربية!! وقال النمنم إن الدارسين اختلفوا حول ظهور تاريخ ظهور الحسبة والمحتسب فى الدولة الإسلامية، فهناك من ذهب إلى أنها ظهرت فى نهاية العصر الأموى، استناداً إلى الإشارة التى وردت فى طبقات ابن سعد إلى تعيين محمد بن عبد الرحمن ومن بعده إياس بن معاوية محتسبين فى مدينة «واسط» ثم تعيين عاصم الأحول مسئولاً عن الحسبة فى مدينة الكوفة، وطبقاً لهذا الرأى تكون الحسبة قد عرفت أولاً فى العراق ، وهناك رأى آخر يقول إنها ظهرت أولاً فى الدولة العباسية. 2 • تعالوا نقرأ فقرات مهمة من الكتاب: فى العقود الأخيرة شهد المجتمع المصرى والعربى حالة استقطاب حادة بين المدنى والدينى وذلك بظهور جماعات دينية متشددة تدعو الى الحياد ضد الدولة والحاكم لأنه لا يطبق شرع الله الواقع أننا نراجع ما أخذته هذه الجماعات على الحكام فإنه يتلخص فى انهم أرادوا هؤلاء الحكام أكثر استبداداً وتسليطاً وأشد طغياناً ثم تطور الأمر مع بعض هذه الجماعات ان اعتبرت الجهاد واجباً ضد المجتمع ذاته لأن المجتمع فى رأي هؤلاء البعض لم يعد مسلماً ويحتاج الى اعادة بناء عقيدته وقد أخذت هذه الجماعات بأفكار سيد قطب عن جاهلية المجتمع فقررت ان تجاهد ضد المجتمع وفى المقدمة منه المبدعون من كتاب وفنانين لذا وجدنا عملية تكفير ممنهجة لرموز الحياة الثقافية والفكرية ثم تكفير طه حسين وصدرت عدة كتب عنه بهذا المعنى ترى لم لم يكن طه حسين فى ذمة الله ترى ماذا كان يمكن ان يحدث له أو يجرى معه؟ وفى صيف سنة 1992 جرى اغتيال الكاتب والباحث د. فرج فودة بسبب موقفه من الدولة الدينية نفذ عملية الاغتيال أحد التنظيمات الجهادية لكن قبل اغتيال فرج فودة تمت ادانة افكاره من معظم الكتاب والباحثين الإسلاميين، الطريف ان افكار فرج فودة قال بها بعد ذلك الرئيس الايرانى الاصلاحى محمد خاتمى!! ونفس الذين أدانوا أفكار فرج فودة رحبوا بها حين صدرت عن الرئيس خاتمى!! بعد فرج فودة جرت محاولة اغتيال نجيب محفوظ وفشلت المحاولة لكنها تركت فى محفوظ عاهة لازمته حتى ما تبقى من حياته 3 ويحكى لنا النمنم حكايات حول الحسبة: ودخلت القضايا والصراعات السياسية الداخلية الى حلبة القضاء لدعاوى الحسبة وجدنا دعوى ضد الدكتور محمد البرادعى يطالب فيها صاحبها بإسقاط الجنسية عنه لأنه طبقاً لما جاء فى مذكرة الدعوى تم اعداده من قبل جهاز المخابرات الأمريكية ومنح المنصب الدولى ضد رغبة الدولة المصرية مما يقطع لدى صاحب الدعوى انه رجل الولاياتالمتحدة والهدف من اسقاط الجنسية ألا يتمكن البرادعى من رئاسة مصر، فى نفس الدعوى طلب المدعى اسقاط الجنسية عن جمال مبارك حتى لايتمكن من رئاسة مصر هو الآخر وبذلك تنجو مصر من كارثة التوريث مبرر صاحب الدعوى فى اسقاط الجنسية عن جمال مبارك انه يحمل الجنسية الأمريكية. لم نجد فى ملف الدعوى ورقة واحدة تثبت الادعاء عن الدكتور البرادعى ولا على جمال مبارك، الطريف أن المذكرة التى قدمها المدعى تذهب الى ان الرئيس حسنى مبارك قد انتقل الى رحمة الله سنة 2004 لكن العاملين برئاسة الجمهورية تكتمتوا الأمر تماماً وجاءوا بشبيه مبارك هو الذى يحل محله وهو الذى أدى اليمين الدستورية فى 2005. وهناك دعوى رفعت ضد نوال السعداوى يطلب فيها المدعى بترقب وصول الدكتورة نوال الى مطار القاهرة ومنعها من دخول مصر نهائياً ثم اسقاط الجنسية المصرية عنها والسبب فى ذلك ان المدعى قرأ فى الصفحة الأولى فى المصرى اليوم عن مسرحية للدكتورة نوال بعنوان الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة وذهب المدعى الى أن المسرحية تمثل اعتداء سافراً على الذات الالهية وأن الكاتبة دأبت على الاعتداء على الدين الاسلامى من خلال كتاباتها وعلى تقاليد ومبادئ المجتمع الإسلامى دون رادع وطالب المدعى بمحاسبة وزير الثقافة بصفته لأن واجبه ان يصادر كل اعمال وكتب نوال السعداوى ويمنعها من التداول ولم يفعل وطالب كذلك بمحاسبة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لأنه لم يطالب بمحاكمة د. نوال باعتبارها مرتدة على الدين الاسلامى. المفارقة ان المسرحية التى تحدث عنها الخبر، لم تطرح فى الأسواق نهائياً ولم تتحدث عنها الكاتبة ولكن الذى ذكرها هو الناشر محمد مدبولى فبعد ان طبعت المسرحية ورأى عنوانها قرر جمع كل النسخ وقام بحرقها نهائياً ولم يحتفظ بنسخة واحدة ولا المؤلفة لديها أى نسخ منها هو يتحدث عن نص وهمى من الناحية الفعلية فضلاً عن انه ليس من حق وزير الثقافة مصادرة اعمال أى كاتب أو كاتبة ليس ذلك من اختصاصه ولا من مهامه. صحيح ان معظم هذه القضايا رفضت ولكنها تكشف ان الكل يريد توظيف الحسبة فى المجال الذى يريده. • الحسبة ليست حقاً للمحتسب ولكنها وسيلة للسيطرة السياسية والإرهاب الفكرى للخصوم.. ومحاولة التدخل فى شئون الناس عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هى أيضاً تحمل هدفاً سياسياً فى مصر بعد الثورة.. وستكون كل هذه التصرفات ناتجة عن الديمقراطية التى يفسرها البعض طبقاً لهواه فى وطن مسكين يريد حريته ولم يثر لكى يذهب ديكتاتور ويأتى محتسب!!