كنت حيران فى تفسير منع الصحفيين من حضور مراسم حلف محمد مرسى اليمين أمام المحكمة الدستورية، وتبادر إلى ذهنى أنه يكون ربما من باب الإشفاق عليهم، لأن يوم الرئيس كان مشحوناً، ابتداءً من حلف اليمين وانتهاء بتسليم السلطة من «العسكرى» ومروراً بلقاء النخبة فى جامعة القاهرة والتى تسببت فى تعطيل امتحانات طلاب الآداب والحقوق ، رغم أن اللقاء كان يمكن أن يعقد فى أى يوم آخر.. لكن الرئيس كان لديه إصرار شديد على أداء اليمين أمام جهتين الأولى فى ميدان التحرير، وأمام نواب البرلمان الباطل داخل الجامعة، ومجبر على الأداء أمام المحكمة الدستورية العليا. وجاء كلام المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية فى آخر النهار، ليزيل أى لبس ويقضى على أية حيرة فى تفسير منع الصحفيين بالتحديد فى مراسم أداء اليمين، فى حين حضورهم لقاءى الجامعة، ومراسم تسليم السلطة فى الهايكستب من «العسكرى». قالت «تهانى» التى تعادل مليون «راجل»، إن هناك أزمة اندلعت بين أعضاء المحكمة الدستورية و«مرسى» قبل حلف اليمين، لإصراره على أداء القسم سراً، واستغرقت الأزمة حوالى 45 دقيقة لإصرار الرئيس على السرية فى أداء القسم بالمخالفة للدستور الذى يشترط العلانية فى أداء اليمين، وهددت «تهانى» وقضاة آخرون فى المحكمة الدستورية بالانسحاب إذا أصر «مرسى» على موقفه المخالف للقانون والدستور. وقالت المستشارة تهانى الجبالى التى تحترم الدستور والقانون، فى التصريحات التى نشرتها «الوفد» أمس، ان قضاة الدستورية أفهموا «مرسى» خطورة عدم أداء القسم «علانية» وأن أداءه سراً، يعد باطلاً لمخالفته الدستور والقانون، وأوضحت «تهانى» أنه تم افهام الرئيس أسباب بطلان مجلس الشعب كاملاً، وليس ثلثه فقط، وأن مجلس الشعب يعد باطلاً بقوة القانون، وبعد شد وجذب وإصرار من المحكمة الدستورية قلعة الحرية والديمقراطية، استمر حوالى ساعة إلا خمس عشرة دقيقة اضطر «مرسى» لأداء القسم علانية مرغماً ومضطراً.. وعندما تخرج المستشارة «تهانى» لتكشف هذه الحقائق وتؤدى دورها الوطنى مرتين فى إخلاص شديد، فإنما تستحق كل تقدير وتبجيل، فالأولى عندما تصدت مع باقى قضاة الدستورية لمنع مخالفة الدستور ومنع رغبة الرئيس فى أداء القسم سراً، والثانية لأنها قامت بدور الصحفى لتنقل الحقائق كاملة إلى جموع الشعب المصرى بعد ما تم حرمان الصحفيين من تغطية مراسم القسم. إن منع الصحفيين من حضور مراسم القسم، هو أولى خطوات تكميم الأفواه وحجب الحقائق عن الناس، لكن هناك عيوناً للوطن تحرسه وتخشى على مصير هذه الأمة المصرية، وما فعلته «تهانى» يذكرنى بما فعلته المستشارة الجليلة نهى الزينى، تلك السيدة التى كشفت ألاعيب التزوير فى الانتخابات البرلمانية فى عهد الرئيس السابق الطاغية الذى خلعه المصريون.. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أعظم سيدات مصر قبل رجالها الوطنيين الذين يعطون دروساً فى الوطنية للقاصى والدانى.. وما أجملكن يانساء مصر اللواتى تمنحن أبناءكن حب الوطن وحسن رعايته والخوف عليه. وبذلك أكون قد وجدت تفسيراً لما فعله المستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية، عندما فاجأنا خلال كلمته فى جامعة القاهرة، بقيامه بالتأكيد على أن «مرسى» أدى القسم أمام المحكمة وقيامه بترديد القسم، وكان وجه الغرابة فى هذا الصدد أن العالم أجمع شاهد «مرسى» على الهواء وهو يردد القسم، فلماذا يعيد «سلطان» التأكيد على أدائه اليمين مرة أخرى.. ولما تحدثت المستشارة الجليلة «تهانى» وكشفت حقيقة الأزمة بين قضاة المحكمة و«مرسى»، التمست العذر للمستشار فاروق سلطان الذى أعاد التأكيد على أداء الرئيس للقسم. وفى مراسم تسليم السلطة كانت هناك واقعة بالغة المرارة والأسى أيضاً وهى قيام فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بالانسحاب من حضور المراسم، لاكتشافه أن رئاسة الجمهورية لم تحدد له المكان المناسب للجلوس، فهل يليق ونحن مقدمون على عصر جديد وحياة سياسية جديدة، أن نقلل من شأن هذا العالم الجليل، ومن شأن مؤسسة الأزهر الشريف؟!.. ولا يمكن قبول أية أعذار فى هذا الصدد، فالذين ينسون الأزهر، إنما يقصدون ذبح الوسطية الدينية التى تتمتع بها هذه المؤسسة العريقة سواء كانوا يقصدون ذلك أم لا يقصدون، ففى الحالتين الموقف لا يبشر بخير، ولا ينبئ عن نية صافية ممن ارتكبها.. وحتى لو كان هذا غير مقصود فلماذا لم يتم تدارك الموقف سريعاً و«لملمة» الأمور لمنع التأويلات والتفسيرات.. لكن يبدو أن الأمر كان متعمداً لضرب مؤسسة الأزهر فى مقتل، الذى فعلته مؤسسة الرئاسة يتعمد إحداث وقيعة بين «مرسى» و«الأزهر»، وبين المؤسسة العسكرية والأزهر، فهل هذا يليق. الذى فعلته مؤسسة الرئاسة مع شيخ الأزهر، هو نفس التصرف الذى فعلته مع الصحفيين عندما منعتهم من تغطية مراسم حلف اليمين.. إننا بذلك نبدأ أولى خطوات صناعة الفرعون ولا أعتقد أن المصريين سيقبلون مرة أخرى وجود فراعين، فقد انتهى عصرهم وولى إلى غير رجعة.. وفى هذا الصدد ليس لدى أمل على الاطلاق فى أن يقوم السيد ممدوح الولى نقيب الصحفيين الهابط على النقابة بالبراشوت، باتخاذ موقف حاسم تجاه ما فعلته الرئاسة بمنع الصحفيين، وأتمنى أن يخيب ظنى ويقوم بموقف تجاه مهزلة منع الصحفيين لأن سكوته على ذلك يعنى بداية ذبح حرية التعبير، ومنع وحجب المعلومات عن الصحفيين، ولولا سيدة جليلة مثل المستشارة تهانى الجبالى ما عرفنا الأزمة الخطيرة التى اندلعت طوال 45 دقيقة بين المحكمة الدستورية والسيد محمد مرسى الرئيس المنتخب.. يانقيب الصحفيين افعل شيئاً حتى يشعر الصحفيون أنك واحد منهم.