خلال يومين استطاع الرئيس محمد مرسي أن يحل العقد التي ظن كثيرون أنها مستعصية، وحول العداوات التي فرضتها الفترة الانتقالية إلى مصالحات وتوافقات، واستبدل الكراهية المفتعلة بين بعض القوى والطوائف إلى مودة واحترام أثبت مرسي أنه رئيسا لكل المصريين، وفي أول اختبارله وهو حلف اليمين أداء القسم، أرضى محمد مرسي - بذكاء شديد- الأمة المصرية جميعها، فحلف اليمين أمام مليونية ميدان التحرير وسط أجواء احتفالية غير مسبوقة من الثوار، وأكد على أن الميدان الذي يعبر عن الشعب هو مصدر الشرعية، ففرح الثوار في التحرير وكل ميادين مصر وهتفوا له" بنحبك يامرسي". ثم توجه في اليوم التالي إلى المحكمة الدستورية العليا، وحلف اليمين أمامها لتأكيد احترامه للقضاء والدستور والقانون، فأرضى القضاة وأفشل أمنيات أعداء الثورة الذين راهنوا على صدام مصطنع، ولم يفوت محمد مرسي الفرصة وأكد أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية على أنه سيسعى لاستقلال القضاء واحترام السلطات بعضها لبعض. وكانت الخطوة ذات الدلالة هي حلف اليمين في احتفال مهيب بجامعة القاهرة،حيث أدى القسم أمام أعضاء مجلسي الشعب والشورى ولفيف من السياسيين، وأكد على إصراره على عدم الاعتراف بحل البرلمان المنتخب الذي وصفه ب " الشرعي" وسط تصفيق حار من المشاركين في الاحتفال. إلا أن أهم انجاز حققه الرئيس محمد مرسي خلال هذين اليومين هو المصالحة الكبرى مع المجلس العسكري، واستطاع أن يحقق ما عجزت الحركة السياسية والمجلس العسكري عن الوصول إليه خلال العام ونصف العام منذ سقوط مبارك وحتى الآن. لقد بادر الرئيسمرسي برد اعتبارالجيش وقادته وتوجيه التحية لهم وشكرهم على دورهم في حماية الثورة، وكرر تحيتهم بكلمات مخلصة وجدت طريقها بسهولة إلى القلوب فذوبت الكثير من الرواسب التي ساهمت في اتساع دائرة الشكوك وسوء الظن. من جهته بادل المشير طنطاوي هذا الإقبال من الرئيس مرسي بحضور احتفال جامعة القاهرة بصحبة الفريق سامي عنان وتوج فرحة القوات المسلحة بالعرض العسكري في الهايكستب احتفالا بتنصيب الرئيس،ثم بكلمة أكد فيها سعادته بكلام الرئيس، وسلمه درع القوات المسلحة اقرارا علنيا بطاعة قادة الجيش لرئيسهم. لقد بينت فرحة المشير طنطاوي بالرئيس مرسي كم تستطيع الكلمات الطيبة الصادقة من مصدر الحق والقوة أن تنهي حالة الاحتقان التي كادت أن تعطل مسيرة التغيير وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وينتظر الشعب من قواته المسلحة أن تصطف خلف الرئيس مرسي بكل أجهزتها ومؤسساتها وأن تتوقف كل الممارسات التي قد تفهم على أنها منازعة الرئيس في اختصاصاته، وبشكل خاص وقف الأبواق التي تسييء للجيش مثل توفيق عكاشة وغيره من الفاشلين الذين يقدمون أنفسهم كذبا على أنهم يدافعون عن الجيش. بتنصيب الرئيس محمد مرسي انتهينا من نصف المشوار وبقى النصف الثاني من الشوط، ونتمنى أن تتخلص القوى السياسية من السلبيات التي شاهدناها خلال الفترة الماضية، وأن تتخلص من الروح الانتهازية التي اتسمت بها سلوكيات البعض. نريد أن نرى توافقا حقيقيا وإنكارا للذات، وليس تكالبا على اقتسام ما يراه البعض وكأنه كعكة، كل يريد أن يأخذ منها. فلنترك الرئيس محمد مرسي يختار الشخص المناسب لتولي رئاسة الوزراء وأعضاء الحكومة، دون ضغوط وإملاءات ومحاولة فرض أسماء بعينها، فالرئيس لن يقدر على تنفيذ برنامجه والانطلاق بدون وزارة متوافقة معه متكاملة مع أهدافه وطموحاته. نريد حكومة منسجمة، حتى وإن كانت من ألوان متعددة،لأن التحديات التي تنتظرهم كبيرة، وإن لم يخلع الوزراء أرديتهم الحزبية ويعملوا بروح الفريق من أجل مصر فلن ينجحوا في تحقيق ما ينتظره الشعب المصري. علينا كشعب، أن نساعد الرئيس في أداء مهمته ونعطيه الفرصة ليمارس مهامه بكل قوة وحرية،دون أن نشكل ضغطا عليه. علينا أن نصطف خلف الرئيس حتى تخرج مصر من عنق الزجاجة وننطلق بمصر الجديدة لتتبوأ مكانها كدولة قائدة ورائدة للعالمين العربي والاسلامي. بقلم:عامر عبد المنعم