هل من المنطق ...أن يطالب أحد سائقي الميكروباس ...إلغاء ...إدارة المرور من وزارة الداخلية ...لأن أحد ضباط المرور قام بتحرير مخالفة مرورية لهذا السائق ؟! وحتى لا يكشف السائق عن السبب الحقيقي لطلبه يزعم ...أن المرور في الشوارع ليس بحاجة إلى مَنْ يضبط حركته ..!! وهل من المعقول ...أن يطالب أحد الطلاب ....بإلغاء الجامعة ....لأن أحد أساتذة الجامعة ....ضبطه وهو يغش في الإمتحان ؟!....وحجته الوهمية هنا ...تقول : إن الجامعات المفتوحة أفضل الآن ...وهي تغني عن دور الجامعة في المجتمع ... وهل من المعقول ...والمنطق– معاً- ....أن يطالب أحد المواطنين .... بإلغاء ( محاكم الأسرة ) ...لأن إحدى المحاكم ....قضت بأحقية زوجته بحضانة ابنهما ؟ ...ويزعم هذا المواطن ..تدعيماً لوجهة نظره : أن المجالس العرفية أفضل ...لحل مثل هذا القضايا ..حتى لا تترك المحاكم ..وإجراءات التقاضي .. أثراً سيئاً ..في نفوس الابناء ..وأسرهم .. عزيزي القارئ ....إذا كانت إجابتك عن الأسئلة المتقدمة ب ( نعم ) ...أنصحك ألا تستكمل قراءة هذا المقال ... لأن معنى الإجابة ب ( نعم ) ...أننا سنلغي دور كل موظف أو جهة في المجتمع ...عندما تتصادم مصالحنا الشخصية...والذاتية ...مع الوظيفة التي أُسنَدت لهذا الموظف أو هذه الجهة ...فالمجتمع – أي مجتمع – يقوم على توزيع وظائف الدولة على جهات وموظفي الدولة ...ولا يحق لأحد أن يطالب بإلغاء...جهة معينة ...لأنها قامت بوظيفتها المسندة لها في النظام القانوني .. وإذا كان ذلك كذلك ....فأعتقد أنك معي – عزيزي القارئ – في عدم أحقية ما يطالب به بعض أعضاء مجلس الشعب ... بضرورة حل (( المحكمة الدستورية العليا ))....بسبب أنها ..تقوم بوظائفها ...وأصدرت حكمها بعدم دستورية بعض النصوص التي أرتكزت عليها ...إنتخابات مجلس الشعب المنحل ...ومن ثم فإن هذا المجلس منعدم ولا وجود له ... فهذا المطلب لايتفق والمنطق القانوني السليم ...وإن كان ينم عن وجود (( صراعات سياسية )) في المجتمع ...صراعات تريد أن تلتف حول حكم المحكمة الدستورية العليا القاضي بإنعدام مجلس الشعب ..وعدم وجوده من الأساس ..فهو وُلِّد ميتاً.. أي هو ..والعدم سواء .. ولقد تجسد الهجوم على المحكمة الدستورية العليا .... في عدة وسائل ... من أبرزها ... الوسيلة التشريعية ...والوسيلة السياسية ...( أي التصريحات والآراء الموجهة )....عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة..ومن خلال شبكة التواصل الإجتماعي (( الإنترنت )). فمن ناحية الوسيلة التشريعية ....فقد تمثلت في ... (( الهجوم الإستباقي )) الذي كان يسعى إليه بعض اعضاء مجلس الشعب المنحل المتمثل في مشروع القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية ... حيث كان يستهدف ... تقليم أظافر هذه المحكمة ....والهبوط بالمكانة العالية لإحكامها ....من درجة ((الأحكام التي ...لها قوة القوانين )) .... إلى درجة ( الفتاوى ) الإستشارية .... التي يمكن وضعها في ... أقرب ...... درج ... من ادراج ...مجلس الشعب .....أو مجلس الشورى .. وفيما يتعلق بالوسيلة السياسية ( أي التصريحات السياسية الموجهة ) ... فمن أبرزها ...ذلك الهجوم الحاد الذي شنه بعض أعضاء مجلس الشعب المنحل .... حيث ... أعلنوا عن رفضهم أن تتحول المحكمة الدستورية العليا إلى سلطة فوق السلطات الثلاث حيث أنها استطاعت حل البرلمان ، وسيؤدي الرئيس القسم الدستوري أمامها ، بالإضافة إلى تدخلها في أعمال اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور . وواضح أن مبررات هذا الهجوم .... غير منطقية .... وهي أشبه .... بمبررات سائق الميكروباس والطالب ... والزوج ... المشار إليهم...لأن ما ينعاه ....هؤلاء النواب السابقون ... ....على المحكمة الدستورية ... تسمح لأى مواطن بأن يطالب بإلغاء مجلس الشعب – في حابة وجوده -... لأنه قام بسن تشريع .... ينظم ... علاقات قانونية هو طرفاً فيها ... بحجة أن هذا التشريع .... أضر بمصالحه الشخصية ...فالصحفي – على سبيل المثال – له ان يطالب بإلغاء مجلس الشعب ... إذا أصدر قانوناً .... ينظم – فقط ...ولا يمنع - حرية التعبير وضوابط النشر في الصحف والمجلات ووسائل التعبير الأخرى .. وإذا قيل – بل قيل بالفعل - إن المحكمة الدستورية أصدرت حكما ( بدون نص ) في حل مجلس الشعب. وهو ما لم يطلبه الخصوم، مما أخل بحق المتقاضين ؛ فالرد على ذلك سهل يسير .. إذ أن المحكمة الدستورية .. بحسب .. طبيعة وظيفتها ... لها أن تطبق المبادئ الدستورية الحديثة ... سواء أكانت هذه المبادئ مستمدة من النصوص الدستورية المصرية المتعاقبة ..أم مستمدة من المبادئ الدستورية في الأنظمة القانونية المعاصرة .. فضلاً عن أنها تطبق المعاهدات والإتفاقات الدولية التي تلتزم بها الدولة المصرية .... لذا لا يجوز القول بأنه يتعين تجميد نشاط المحكمة لحين وضع الدستور الجديد ؛ لأن التراث الدستوري المصري والعالمي يسمح للمحكمة بأن تقوم بوظيفتها القضائية ...كما أن هذا القول ينطبق بنفس الدرجة على منصب رئيس الجمهورية والبرلمان – بغرفتيه – إذ مفاد هذا الرأي أن ننتظر حتى يصددر دستوراً جديداً قبل إنتخاب رئيس الجمهورية وقبل إجراء إنتخابات مجلسي الشعب والشورى .. أما القول بأن المحكمة بحكمها - بعدم دستورية بعص النصوص التى أرتكزت عليها إنتخابات مجلس الشعب - قد خالفت مبدأ الفصل بين السلطات، وحكمت (( خلال 50 يوماً )).. مع أن العرف في أن القضايا تستغرق أمام تلك المحكمة (( ثلاث سنوات)) ...فهذا قول حق يراد به باطل ... فالعرف المذكور لا يمنع من أن تقوم المحكمة بالفصل في الدعاوى المطروحة أمامها طالما انها أستوفت كافة إجراءاتها ...فالمحكمة لم تتعد دورها في الحكم بعدم الدستورية فهى قالت كلمتها بهذا الشأن ... ...ولكن ...هل أحكام القضاء تصدر ... لوضعها في (( الصالونات )).... لنتفرج عليها ...أما أنها ....تصدر لتفصل في صحة أو عدم صحة وضع معين .....فمقتضى عدم الدستورية أن يُزال مجلس الشعب من الوجود ....فأحكام المحاكم ليست كآراء الفقهاء وشراح القانون تظل حبيسة كتبهم ودراساتهم ...وإنما الأحكام تفصل في أمر معين ..فيترتب على ذلك ....تغيير وضع فى الواقع والحياة ....فالمحاكم ليست أكاديميات نظرية...وإنما هى تصدر أحكاماً.. ....لها تطبيق عملي في الواقع ... وتبقى كلمة : 1- المحكمة الدستورية العليا .... هي صرح قضائي عظيم ... لا يمكن المساس به أو تعطيل عمله ... إلا إذا إنتقلنا .. من عصر الدولة ... والمجتمع المنظم ... إلى عصر الفوضى والهمجية ... 2- المحكمة الدساورية العليا ... هي الحصن الأخير ... الذي يحتمي به المواطن ... للدفاع عن حقوقه ... وحرياته العامة ... فلا تهدموا .. هذا الحصن المنيع ... 3- المحكمة الدستورية العليا (( المصرية ))... هي ثالث محكمة دستورية على مستوى العالم ... وعلى كل مصري أن يفتخر بوجودها في بلده ... لا أن يسعى لتعطيلها ... أو لهدمها .. 4- إن المرتعشين من بقاء المحكمة الدستورية العليا... هم – في الغالب الأعم – يريدون فرض أجندة تشريعية ...لمصر ... تغيَّر من هويتها ... لصالح مشروعهم الخاص ... ويخشون أن ترتد سهامهم في نحورهم ...طالما بقيت المححكمة الدستورية العليا ... تحتل مكانتها في النظام القانوني والقضائي المصري.. 5- هيهات هيهات أن يهدم صرح هذه المحكمة ...التي تقوم بدورها في تحقيق ..العدالة الإنسانية التي تسعى إليها مصر الثورة ... التى أصبح شعارها .... عيش .. حرية .. عدالة إنسانية .. * أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام - كلية الشريعة والقانون بطنطا - والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا