القدر لا يفرق بين أحد سواء غنيا أو فقيرا مشهورا أو شخصا عاديا هذه كانت آخر جملة سمعتها من النجم الكبير الراحل محمود الجندى فى اتصال تليفونى لحوار لم يكتمل لظروفه الصحية.. لكن الكلمات التى قالها استوقفتنى كثيراً وعادت ذاكرتى مع هذا الفنان الكبير للوراء من حيث أهم المحطات الفنية التى صنعت منه نجماً متميزاً يجيد اللعب فى الأدوار الثانية ويعطيها حجمًا وقيمة ويضيف عليها لدرجة تأخذ عين المشاهد من الدور الأول ربما يكون دور «مصطفى الشوان» فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة» أمام الزعيم عادل إمام والراحلة معالى زايد ونخبة من نجوم هذا الجيل كان هو بداية النجومية ل«الجندى» عندما أبدع فى أداء دور شقيق عادل إمام وأضاف للمساحة التى لعبها فى الدور نجومية خاصة وطعماً مختلفاً لم تفرق بين الدور الأول لعادل إمام والدور الثانى لمحمود الجندى - وفتح دور «مصطفى الشوان» باب الحظ أمام النجم الراحل وتوالت محطاته سواء فى السينما أو الدراما أو المسرح، فتألق فى مسرحية «البرنسيسة» أمام ليلى علوى وفاروق الفيشاوى ونجح فى أن يكون نجم الدور الثانى بلا منافس لسنوات طويلة وصنع محطات سينمائية لا تنسى سواء فى أفلام «اللعب مع الكبار» «حكايات الغريب»، شفيقة ومتولى. وعلى صعيد الدراما لا أحد ينسى أدوار «الجندى» الشهيرة بدءاً من «مصطفى الشوال» ومسلسل أنا وأنت وبابا فى المشمش - الشهد والدموع - أبوالعلا البشرى. عاش نجماً ورحل غاضباً من الوسط الفنى ولا نملك إلا أن نقول وداعًا مصطفى الشوان أسطى الدور الثانى. «حكايتى» و«أبوجبل» يبحثان عن بديل بعد رحيله كتبت بوسى عبدالجواد: عندما يحل الموت بقسوته، وإن كان فيه شىء من الرحمة، تنتظر على عتبته العديد من الخطط والمشاريع التى كانت تشق طريقها إلى النور مترنحة ومحتضرة بسبب رحيل صاحبها، فهناك خمسة أعمال فنية كان الفنان محمود الجندى مرتبطاً بها قبل أن يفارق الحياة فجر الخميس عن عمر يناهز 74 عاماً. يتسبب رحيل أحد صُناع العمل قبل استكمال دوره فيه أزمة كبيرة، إذ يضع القائمين عليه فى مأزق، ما يلزم معه وجود حل، إما بتعديل السيناريو، أو استبداله بفنان آخر فى نفس العمل الفنى. كان محمود الجندى الذى عدل عن قرار اعتزاله مؤخراً، بعد محاولات مضنية من جانب أقرانه من الوسط الفنى، يخوض السباق الرمضانى المقبل بعملين، هما مسلسل «حكايتي» الذى يمثل البطولة المطلقة للفنانة ياسمين صبرى، والذى صور فيه الجندى شوطاً كبيراً من مشاهده. كما كان مرتبطاً بتصوير دوره فى مسلسل «أبوجبل» بطولة مصطفى شعبان، وهو العمل الذى بدأ تصويره منذ فترة، ولكن لظروف مرضه التى استدعت دخوله المستشفى توقف التصوير ليرحل دون استكمال مشاهده. وهناك عمل آخر كان متعاقداً عليه «الجندى» قبل رحيله، وهما مسلسل «ممالك النار» مع خالد النبوى. وعلى صعيد السينما، كان مرتبطاً بعملين، حيث كان يشارك بدور رئيسى فى فيلم «براءة ريا وسكينة» بطولة منة فضالى، وحورية فرغلى ووفاء عامر، الذى يدور حول محاولة إثبات براءة سفاحتى الإسكندرية ريا وسكينة، استنادًا لوقوعهما فريسة ظروف المجتمع وقسوتها، وذلك من خلال الاستشهاد بالعديد من المراجع التاريخية الموثقة. حيثُ صور شوطاً كبيراً من دوره، وفيلم «الطيارة» الذى كان مقرراً أن يبدأ فى تصويره خلال الأشهر المقبلة، وهو من بطولة شريف رمزى، وسلوى خطاب. رحل بعد معاناة مع الجحود والمرض كتب صفوت دسوقى: ليس للموت نظام أو ترتيب أو اختيار فى لحظة فاصلة يتوقف النبض وتغيب الأنفاس ويتحول الإنسان إلى ذكرى وماض. منذ ساعات فقد الوسط الفنى الفنان الكبير محمود الجندى ذلك الإنسان النبيل الذى صنع من الفن طريقا كى يعشش ويتمدد فى وجدان الناس.. لم تكن حياة محمود الجندى ناعمة أو مفروشة بالحرير.. كانت مليئه بالصعاب والأشواك.. تارة كان الأمل يدفعه للطير فى السماء ومرات كثيرة كان اليأس يلف خيوطه حول عنقه ويهدد عزيمته. قبل عامين أصيب الراحل محمود الجندى بحالة من الاكتئاب الأمر الذى دفعه دفعاً قوياً لإعلان اعتزال الفن والانسحاب من الساحة والاكتفاء بمتابعة المشهد من بعيد والاستمتاع بذكريات جميلة مضت. كان القرار غريباً وصادماً خاصة أنه كان متوهجاً ولامعاً ومطلوباً.. وأجرت «الوفد» حواراً مع الفنان الكبير قبل رحيله بعدة أشهر لمعرفة الأسباب التى دفعته لهذا القرار ومهموماً وحزيناً الى حد كبير وتحدث بشكل صريح كعادته وقال: بعد هذا العمر وبعد هذا الرحلة الكبيرة شركات الإنتاج تعاملنى مثل خيل الحكومة فقد غاب المنتج الذى يقدر قيمة الفن والإبداع وظهر المنتج الجشع. أعرب «الجندى» وقتذاك عن أسفه لأن منتجاً شهيراً خفض أجره وماطل فى سداد مساحاته ولم يحترم اسمه.. قائلا: الأعراف انتهت والوسط أصابه الجحود لذا فضلت الانسحاب والاعتزال. كان الرجل مصراً على الانسحاب وصاحب قراره ضجة كبيرة وتدخل فنانون من العيار الثقيل للعدول عن قراره، وبالفعل عاد ولكن كان فى الحلق مرارة دائمة لأن المناخ الفنى أدار ظهره لأبناء جيله ودفع البعض منهم للعمل باليومية. جاء الجندى من أبوالمطامير بمحافظة البحيرة بعد حصول على الثانوية الصناعية قسم نسيج وراح يبحث عن نافذة تؤهله لاحتراف الفن وبعد تفكير عميق التحق بمعهد الفنون المسرحية ولفت الأنظار داخل المعهد وبعد التخرج رفض الخوض فى أى مشاريع فنية إلا بعد تلبيه نداء الوطن فالتحق بالجيش وبسبب ظروف الحرب مكث فيه سبع سنوات وخرج بعد انتصار أكتوبر عام 1973. وقال «الجندى» عن هذا المرحلة: أحب وطنى إلى حد الهيام به وكنت سعيداً بأداء الواجب العسكرى والمشاركة فى الحرب وتخيلت بعد الخروج من الجيش والانتصار أن الدنيا سوف تبتسم إلا أن الواقع كان مؤلماً، حيث وجدت زملاء المعهد صاروا نجوماً تحاصرهم الشهرة من كل جانب، تخلى عنى زملائى ولم يساعدنى أحد، بدأت من الصفر وصعدت السلم من أول درجة وقبلت بأدوار ثانوية، وشيئاً فشيئاً عرفنى الجمهور حتى ابتسم ليّ الحظ.. صحيح أننى نجحت أن أصل القلوب الجمهور، لكن ضريبة النجاح كانت من الصحة والعمر. تألق «الجندى» على شاشة السينما وقدم أعمالاً مهمة ورائعة أبرزها فيلم «اللعب مع الكبار» أمام عادل إمام وحسين فهمى، من إخراج شريف عرفة. واحداً من أهم أعماله، حيثُ جسد فى الفيلم دور «على الزهار» عامل التليفونات الذى ساقته الصدفة إلى الاستماع لمكالمات تليفونية خطيرة ودفعه حبه لوطنه الى البوح بالأمر لصاحبه الذى راح يخطر الأمن على أنه حلم.. وفى نهاية الأمر يدفع على الزهار حياته ثمن الحلم وحبه لوطنه فقد قرر الكبار قتله وإيمانه إلى الأبد.. قدم الجندى على شاشة السينما أعمالاً متنوعة منها - حكايات الغريب - ناجى العلى - شفيقة ومتولى - وتوهج فى الدراما التليفزيونية وقدم أعمالاً كثيرة أهمها -الشهد والدموع - الناس فى كفر عسكر - على الزئبق - عصفور النار - كما قدم أعمالاً مهمة على خشبة المسرح وكان يحلم بإعادة المسرح المدرسى وكان يشعر بالحزن لتراجع دور المسرح. كان «الجندى» إلى جانب قدرته على التمثيل يمتلك خامة صوت مميزة، حيثُ قدم ألبوماً كاملاً بعنوان فنان فقير عام 1990 ولكن لم يحقق النجاح المنتظر لذا تراجع عن الغناء، واكتفى بالتمثيل الذى صنع منه نجماً وخلق له مكانة فى قلب الجمهور العربى من المحيط إلى الخليج. تزوج الجندى ثلاث مرات كانت الأولى من السيدة ضحى حسن وأنجب منها ثلاث بنات وولداً هو المخرج أحمد الجندى وبعد وفاتها تزوج عام 2003 من الفنانة عبلة كامل ولم يستمر الزواج طويلاً وحدث الانفصال بعد عامين وكرر التجربة مرة ثالثة من هيام نجله الفنان جمال إسماعيل. رحل محمود الجندى عن عمر يناهز 74 عاماً تاركاً خلفه سمعة طيبة وميراثاً مشرفاً من الأعمال الفنية الرائعة ليؤكد أن الفنان الحقيقى يرحل جسده فقط لكن أعماله تضمن له البقاء فى وجدان الناس.