توقّف هنا، وتأمّل في المكان وفي الزمان وفي الحَدَث وفي بطل وتفاصيل المشهد. المكان: مصر العروبة والإسلام. الزمان: عصر الأحد، الرابع من شعبان 1433ه، الرابع والعشرون من يونيو 2012. الحَدَث: إعلان اسم أول رئيس منتخب اختاره الشعب المصري (المسلم) بأغلبيته وبكامل حريّته التي شهد لها الزمان والمكان، والله بعد ذلك شهيد. بطل المشهد: الدكتور (ابن البلد: محمّد مرسي العيّاط) نزيل سجون (طُرة) إبان عصر الطغيان (والحكم الجبري) الذي تولّى واندحر وليس لهُ بعدُ أن يعود إلى يوم القيامة. وإليكم بعض تداعيات المشهد وإيحاءاته: عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م على أيدي (الضبّاط الأحرار) وبعدما آلت الأمور إلى الزعيم الراحل (ناصر) لم تتشوّف إليه وإلى زعامته الجماهير المصريّة والعربيّة إلا بعد (موقفه البطوليّ) عندما قام بتأميم قناة السويس 1956، وبعدما تبيّن للجميع حينئذ أنّ (ابن الصعيد المصري) سوف يقف سدّاً منيعاً في وجه الأطماع والهيمنة الغربية الاستعمارية على الأمم المستضعفة، خاصة في أمّتنا المستهدفة. واليوم وأنا أستمع إلى (الزعيم المصري) الجديد (ابن الثورة) في خطاباته وتصريحاته المليئة بالحماس والإحساس بالصدق -هكذا يبدو لي- يذهب بي التفكير كلّ مذهب، ثمّ أُطلق لنفسي عنان الحُلم بعيداً، وآملُ -كما يأملُ أهل مصر والعربُ أجمعون- أن يضع (هذا الرجل) القادم من نبض (الذين استُضعِفوا في الأرض) -وما هم بالضعفاء!- أن يضع أقدام الأمّة على أوّل الجسر، الذي تطلّع إليه بطل (أكتوبر) الشهيد (السادات) عندما أطلق بعد انتصار (معركة العبور) كلماته البليغة: «لقد استطاعت أمّتنا أن تعبُر الجسر ما بين اليأس والرجاء». ثمّ ما لبث الجسر أن تحطّم قبل أن تعبُرَهُ الأمّة بأكملها، فارتدّت على أعقابها على إثر ما وقع عقب ذلك التاريخ من أحداثٍ عظام قَطَعَت على الأمّة الطريق، فانكفأت (دول الطوائف العربيّة) تُناصب بعضها بعضاً العداء، وتتبادل مع بعضها الشتائم، وتحيك لبعضها المؤامرات بتحريض أعوان الشياطين، واتّباعاً لكل ناعق، فتعطّلت المسيرة، وخيّم اليأس والخيبة جيلاً آخر، حتى جاء عصر ثورة شباب «منتديات العالم الافتراضي» فانقلبت كلّ الموازين، وتلألأ الحُلم وازدهر كرة أخرى، وإني لأظنُّ أن القدر الأعلى لن يرضى هذه المرّة أن تذهب أحلام الشباب سدى، أو أن تتبخّر طموحاتهم في العزّة والراحة الكُبرى المرجوّة أدراج هوى الطامعين والمقتاتين على لقمة عيش الضعفاء المسحوقين، فأصحاب الأهواء أولئك -في الواقع- لا يَرتضيهم الخالق، ولا يقوم بسيرتهم العوجاء الخرقاء قَوام مخلوق، ولا يُحبُّهم أهل الأرض ولا سكّان السماء، فهُم يعيشون عالة على الماء والهواء والغذاء، وإن غابوا عن هذه الحياة فلن تبكي عليهم السماءُ ولا الأرضُ. من تلك البديهيّات فإنني أستطيعُ القول: إنّ الشعوب العربيّة على امتدادها تتطلّع وتأمل الكثير والكثير من المنجزات والأهداف الكبار في ظل رياح التغيير التي هبّت على عالمنا، وهي تدعو ربّها سبحانه أن ترى تلك الأهداف تتحقق على أرض الواقع، أو على أقل تقدير تتمنّى أن ترى العَرَبَة نحوها تسير، على هدى وثباتٍ وحزمٍ وعزمٍ لا يلين ولا يستكين، بواسطة أيدٍ متوضئة متطهّرة، وبأصحاب نفوسٍ كرامٍ بَرَرة، وبقلوبٍ مؤمنة مطمئنّة، تمتلك عزائم مثل الجبال الراسيات، لتُعلن الحرب على كلِ فاسدٍ ومُفسد، ولِتَضَعَ الرجلَ القوي الأمين في مكانه الذي ينفع الله به البلاد والعباد، ليرُدّ على أصحاب الحقوق حقوقهم، ولِيقمَعَ كلّ أصحاب النفوس الخبيثة التي تسوّل لهم الاعتداء على حُرمات الناس ودمائهم وأعراضهم وأموالهم. هذا وغيره كثير مما نتمنّاه ونتطلّع إليه من القيادة المصرية الجديدة الفتيّة، ومن سائر القيادات التي تبوّأت في أمّتنا مقاليد الحكم وتصدّرت مراكز القرار. أما الكلام عن (مصر الحبيبة) وعن أبنائها -وهم (أخوال المؤمنين) الذين أوصانا بهم رسولنا عليه الصلاة والسلام- فالكلام عنهم قد ابتدأناه، وابتدأه قبلنا الكثيرون، ولمّا ينتهي بعد! ولنا فيه محطّات وَوَقفات لاحقة -بإذن الله- ولكنني أقول هنا للمصريين أولاً، وعلى رأسهم الرئيس المصري (الأمل) ولكل من يمتلك ناصية التأثير (بالسيفِ أو بالقلمِ): لكل أمر مقدّمات قطعيّة ثابتة، إنْ تَحَقّقتْ، نتجَت عنها نتائج يقينية راسخة، كذلك قال الله العليم: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»، ولقد صبر المصريون دهوراً طويلة، فبقي الشرط الثاني الذي تُنالُ به الإمامة الراشدة القويمة، وهو شرط اليقين والثبات على أمر الله المسطور في كتابه ووفق هدايات رُسله، وقد بيّنه القرآن في مواضع شتّى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ». ولْيَعْلَم الجميع في (مصر وخارجها) أنهم لن يَبلغوا مراتب المجد وذروته السامقة، حتى يكونوا على مستوى (القليل) الذين ذكَرَهُم ربُّنا في (التي شيّبَتْ شعر نبيّنا): « فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ»، ولا يكونوا كالذينَ (ظلَموا) واتّبعوا (مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ) أي: بظلمٍ اجترحه أهلُ القرى الظالمة على أنفسهم (وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). أجل (مصلحون) يا سيادة الريّس! وكما نقول: (الميدان) يا أهلنا في أرضِ (ابن العاص)، ويا (أيُّها الإخوان)! ولنا لقاء، والسلام على أهل مصر المؤمنين، وإنّا إلى مجدكم ونصركم راغبون. نقلا عن صحيفة العرب القطرية