45 ألف منصب تنفيذى تمثل عصب ومفاصل الدولة المصرية، ومن يسيطر عليها يضمن حكم مصر طولاً وعرضاً حتى ولو كانت الوزارات السيادية «الدفاع، الداخلية، الخارجية، الإعلام»، خارج سيطرة الرئيس المنتخب وفقاً للإعلان الدستورى المكمل. ويطرح هذا الرقم الضخم من المناصب والمواقع القيادية فى المحليات والوزارات سؤالاً مهماً وهو: هل يمنح الرئيس تجديد تلك المناصب الرفيعة بدءاً من رئيس الوزراء والوزراء ووكلائهم ورؤساء الهيئات ومديرى العموم إلى أهل الثقة من جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة أم يعطى كل ذى حق حقه وتكون الكفاءة والخبرة من المعايير المهمة والرئيسية عند الاختيار. خبراء السياسة والقانون أكدوا أن هذا هو الاختبار الأول للرئيس محمد مرسى، فحتى لو ترك رئآسة الوزراء ونائب الرئيس بعيداً عن الإخوان، فإن ال45 ألف منصب تنفيذى كفيلة بإحكام سيطرة الإخوان على مفاصل حكم البلاد. وعلى الرغم من تعهد الرئيس محمد مرسى بعدم التفريق بين مصرى وآخر فى أى شىء وبأى حال من الأحوال ،وإسناد وظائف الدولة الرئيسية لمن يصلحون لتوليها وليس فقط إلى من ينتمون للجماعة وحزبها، إلا أن ذلك وحسب خبراء ومتخصصين من الصعب تنفيذه واقعياً بصورة فعلية نتيجة للضغط الذى يمارسه الإخوان، لتمكين المنتمين إليهم من المتوقع المهمة وذلك لإعادة هيكلتها وتنظيمها بما يحقق أهداف التنظيم، وذلك كما يرى المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة، ستحدد مدى استجابة الرئيس الجديد لهذا الاتجاه ومدى رضوخه لضغط جماعته السياسية التى تريد السيطرة على الدولة العميقة كما يزعم قادتها الذين أيدوا «مرسى» للوصول إلى المنصب الذى يشغله حالياً. وتمثل الدولة العميقة حسب رؤية الجماعة فى الجهاز الإعلامى والقوى العسكرية والشرطة والقضاء والقيادات العليا فى السلطة التنفيذية مثل الوزراء ووكلاء الوزراء ومديرو العموم والأجهزة التنفيذية، وتلك الوظائف تبلغ فى مجموعها 45 ألف منصب تنفيذى. وأضاف المستشار «الجمل» أن الهدف من سياسة التمكين هو السيطرة على هذه الوظائف لتحريك الدولة وكفالة أدائها طبقاً للاتجاهات السياسية لجماعة الإخوان وحلفائها من الإسلاميين. على أية حال، فمن الطبيعى أن الرئيس الجديد ونظراً لانتمائه الفكرى والتاريخى والحزبى إلى جماعة الإخوان المسلمين سوف يسعى جاهداً إلى تعيين رجال تابعين له فكرياً فى المواقع المهمة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال السعى لتعيين من يؤمنون بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين سواء كانوا أعضاء بهما أو يحملون فكرها. وبهذا تستطيع الجماعة أن تتغلغل إدارياً وبيروقراطياً للسيطرة على مفاصل الدولة وفقاً لما يراه الدكتور أحمد يحيى، المحلل السياسى، رئيس معهد إعداد القادة، أستاذ الاجتماع السياسى. وقال «يحيى»: «يجب ألا ننخدع بتشكيل مؤسسة الرئاسة من طوائف الشعب المختلفة دون أن يحتكرها أعضاء الإخوان، وربما يكون الرئيس صادقاً فى هذا التعهد، لأن النظرة الأبعد والأهم ليست فى مؤسسة الرئاسة ولكن فى السيطرة على المناصب القيادية وشبه القيادية والمحليات بدءاً من وكلاء الوزارات ورؤساء ونواب المؤسسات والهيئات ومديرى العموم والمحليات والإدارة الوسطى، حتى يتمكن من السيطرة على جميع مصالح وهيئات ومؤسسات وإدارات الدولة. ويضيف: من المؤكد أن الإخوان يفكرون فى هذا الأمر، بل ويعملون عليه منذ فترة بوجود عناصر إخوانية فى مختلف المصالح والهيئات يتركزون فى القيادات الوسطى ويسهل ترقيتهم مع الوقت ليكون المسئولون الأوائل من هذه الأماكن. وتابع «يحيى»: أخشى على مصر من هذا التوجه سواء كان باسم الدين أو بغير ذلك فمصر أكبر من الجماعة ومصلحة مصر ومستقبلها يجب أن يكون فى المقام الأول. ويرفض الدكتور أحمد يحيى فكرة «الرئيس المستقيل» فهو جاء بفكر الإخوان ويسعى إلى تنفيذ مشروع النهضة الإخوانى، وبالتالى فكما يوجد رئيس ليبرالى أو اشتراكى أو يسارى أصبح لدينا أيضاً رئيس إخوانى لكى نحاسبه ونراقبه وفق هذه الرؤية، فنؤيده إذا نجح ونحاسبه إذا فشل. فاروق العشرى، أمين التثقيف بالحزب الناصرى، عضو المكتب السياسى للحزب، يرى أن الرئيس الجديد «على المحك» فى مسألة تعيين كبار القيادات التنفيذية والمحلية ورؤساء الهيئات الاقتصادية وغيرها من قيادات المصالح والجماعات، وهل سيركز على اختيار الأكفأ والأكثر خبرة بالدرجة الأولى دون النظرة إلى مرجعيته الفكرية. ويضيف أن كل العيون ستكون مفتوحة لمراقبة مدى التزام الدكتور «مرسى» بهذه القاعدة خاصة أنه أعلن صراحة أن جميع المصريين بالنسبة له سواسية بغض النظر عن الدين أو أى انتماء سياسى أو حزبى، وأنه سوف يكون حريصاً على عدم الانحياز بعد اختيار أى مسئول، وبالطبع فإن جميع القوى الوطنية والحزبية التى مدت له يدها مهنئة استعداداً للتعاون فى تحمل المسئولية لدعم المصالح الوطنية سوف تكون منتبهة وجاهزة لمواجهة أى شطط. وتابع «العشرى» أن «مرسى» تقدم باستقالته من حزب الحرية والعدالة ولم يعد ينتمى لأى تيار وتخلى عن كل انتماء حزبى طوال تواجده فى موقعه كرئيس للجمهورية وهو التزام أدبى وسياسى فى الوقت ذاته، ويتعين الحرص عليه جوهراً وليس شكلاً فقط. وطالبت الدكتورة كريمة الحفناوى، الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى، العضو البارز فى حركة كفاية، الرئيس محمد مرسى، بأن يصبح رئيساً لكل المصريين ويتعامل لمصلحة الوطن فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفنية وبالتالى فيجب أن يولى من يصلح وتصبح معايير الكفاءة هى الأساس فى اختيار الوظائف التنفيذية ونبتعد عن معايير المحسوبية وأهل الثقة واستغلال المنصب فى تعيين الأقرباء واستخدام سلطاته. وقالت للرئيس الجديد إن هذه مرحلة خطيرة نريد فيها أن نتخلص من الفساد والفاسدين، فإذا لجأ لتعيين الإخوان فى المناصب التنفيذية نكون قد استبدلنا الحزب الوطنى الفاسد القديم بالحزب الإخوانى الجديد، أو الحزب الوطنى الإسلامى!! وتابعت: لابد أن يعرف الرئيس الجديد أن هناك شعباً فى الميدان يثور ويحاسب ويراقب ويسقط أى أحد لا يعمل لمصلحة الوطن، ولن يترك أحداً يعيد الفساد مرة أخرى.