قد لا يختلف اثنان على المجلس العسكرى هو المسئول الاول عن حالة الارتباك والتوتر التى تعيشها البلاد حاليا، ليس فقط كونه المسئول عن إدارة البلاد فى هذه المرحلة، بل لأنه وراء معظم الأزمات التى تحدث من حين لآخر بقراراته المتسرعة وفرمانته الغريبة المريبة منذ تسلم المسئولية، فى غفلة من الثوار، عقب تنحى "مبارك" فى الحادى عشر من فبراير 2011. فرِّق تسد ولكن الشىء المؤكد ان المجلس العسكرى ليس المتهم الوحيد، بل ان هناك ادوات تساعد المجلس على تنفيذ مخططاته واجنداته الهادفة الى اجهاض الثورة. والمؤسف ان المجلس يطبق سياسة الاستعمار البريطانى القديم ببراعة تامة، التى تقوم على منطق "فرق تسد" مستغلا فى ذلك النفوس الضعيفة والمشتاقيتن والمتآمرين والباحثين عن المصالح الشخصية اصحاب الاجندات الخاصة. وقد نجح المجلس فى تطبيق هذه السياسة، وأتت ثمارها طيلة الفترة الماضية، حيث تشرذمت وتفرقت قوى الثورة حتى ان الفصيل الواحد تقسم الى عدة فصائل مشتتة. المصالح والتخوين الا انه لا يمكن لأى شخص او جهة ان تعتمد على هذه السياسة على طول الخط دون ان تذل وتخطىء، بالفعل اخطأ المجلس العسكرى اكثر من مرة، وكانت الفرصة مواتية لتوحد القوى الوطنية فى اكثر من مناسبة، الا ان المصالح الضيقة واثارة الفتن والشكوك والتخوين، كانت كلها حائلا دون توحد القوى وبناء جبهة وطنية واحدة تعلوا عن مصالحها واجنداتها، وتضع المصلحة العليا للوطن امامها تتصدى لمن يدير البلاد. غلطة العسكرى القاتلة وخلال فترة لا تتجاوز 5 ايام قدم المجلس العسكرى فرصة ذهبية اخرى للقوى الوطنية كى تتوحد ، فقد صدر القرار المشبوه من وزير العدل بمنح رجال القوات المسلحة والمخابرات الحربية حق الضبطية القضائية يوم الاربعاء 13 يونيو، ولم تمر 24 ساعة حتى صدر قرار مريب آخر من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب وعدم دستورية قانون العزل السياسى ، ولم يمر 48 ساعة اخرى حتى صدر الاعلان الدستورى المكمل الاكثر ريبة وشبهة، وبعدها بأقل من 24 ساعة ترددت انباء عن قيام المجلس العسكرى بتعيين رئيس ديوان رئيس الجمهورية ، وبالامس اصدر العسكرى بيانا يهدد فيه ويتوعد ويحذر . شعور القوى بالخطر وهنا شعرت القوى الوطنية الحقيقية التى لا ترى سوى مصلحة مصر امام اعينها بالخطر، فقررت ان تنسى الماضى بكل خلافاته وانشقاقاته ومراراته وخياناته وشكوكه، ولم تكتفى بمواصلة الاصطفاف معا فى الميادين الذى بدأ منذ اصدار الاعلان الدستورى يوم الاحد الماضى، بل انها اقدمت على ما لم تقدم عليه من قبل، حيث جلست لأول مرة على مائدة واحدة بالامس مع الدكتور "محمد مرسى" مرشح حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الاخوان المسلمين فى انتخابات الرئاسة، والاقرب للفوز حسب النتائج شبه الرسمية، ليخرج الجميع ببيانا مشتركا يؤكد على وحدة القوى الوطنية الثورية الفاعلة ونسيان خلافات الماضى ، ويضع مجموعة من المبادئ الحاكمة التى تم الاتفاق عليها لتكون بمثابة وثيقة مشتركة يتم الالتفاف حولها لمواجهة هيمنة المجلس العسكرى ورغبته فى عدم تسليم السلطة للرئيس المنتخب، باالمخالفة لكل وعوده لسابقة. الشعب يريد التوحد وفرح الجميع بهذ اللحظة المهمة التى لم تحدث منذ 11 فبرير 2011، وكانت الفرحة الاكبر عند القطاع العريض من المجتمع المصرى الذى لا يهمه سوى الاستقرار والامن والامان، وليس لهم اى اجندات او حسابات اخرى، بما فى ذلك هؤلاء الذين قد يختلفوا ايدلوجيا مع بعض القوى المشاركة فى الاجتماع والوثيقة، خصوصا ان الاسماء والرموز التى شاركت وظهرت فى المؤتمر الصحفى ، محل ثقة ولا يختلف عليها اثنان، مثل الكاتب والاعلامى "حمدى قنديل" والدكتور "حسن نافعة"، والاعلامى "وائل قنديل" رئيس تحرير جريدة الشروق والناشط المعروف "وائل غنيم" و"احمد ماهر" المتحدث باسم الحركة الناشطة القوية " 6 ابريل"، وغيرهم من القيادات الوطنية وممثلى الجبهة الوطنية للتغيير. حائط صد لحماية الثورة والحقيقية ان هذه القوى شكلت حائط صد قوى ومنيع لحماية الثورة وترفعت عن التخوين والتشكيك، وهو ما ازعج المجلس العسكرى الذى يدرك ان استمراره فى الحكم يقوم على استمرار الشرذم والتشتت، فخرجت ابواقه الاعلامية ليلا فى الفضائيات ، التى لم تهتم بالمؤتمر حتى من الناحية المهنية، لتشكك وتقلل من شأن ما حدث ، وتردد بان المشاركين فى الاجتماع لا يمثلوا الثوار والقوى الوطنية ، وغيرها من اساليب جهاز امن الدولة المنحل الذى تعلمها هؤلاء جيدا ولا يزالون يمارسونها ، فقد خرج احد الخبراء الذي يوصف بأنه خبير فى شئون الجماعات الاسلامية على احد الفضائيات ليشكك ويقول ان لديه معلومات عن مؤتمر مماثل اليوم "السبت" وستشارك فيه قوى اخرى، وهو نفسه الذى سبق ان شكك فى محاضر فرز اللجان الفرعية فى بعض اللجان الانتخابية حسبما تردد. مؤتمر مضاد وبالفعل نقلت الفضائيات مؤتمرا صحفيا اليوم حضرته بعض الاحزاب والناشطين الذين اطلقوا على انفسهم الطرف الثالث، وهى تسمية غريبة حيث انه جرى العرف فى كل بلدان العالم ، ان يكون هناك طرفان معارضة ، وان اختلفت اتجاهاتها وميولها ، وحكومة بمعنى اننا لم نسمع عن معارضة تعارض بعضها البعض ، بدلا من ان تعارض الحكومة ربما تتنافس ولكن لا تعادى بعضها ، ورغم ان مثل هذا الامر ليس سيئا ان تتعدد الاراء والاتجاهات ، الا ان توقيت المؤتمر وما جاء فيه من قرارات واللغة التى استخدمها المتحدثون تجعلك تشعر وكأن المؤتمر جاء للرد على مؤتمر امس او بمعنى آخر تشكيل جبهة اخرى ليكون لدينا جبهتان ليس جبهة احدة ، ونعود الى سياسة الفرقة والتشرذم ، او ربما ان هذ الجبهة ستكون مساندة للطرف الاخر وهو المجلس العسكرى . إقصاء الاخوان والسؤال اذا كان الحاضرون فى هذا المؤتمر الذين نكن لهم كل احترام، يريدون التوحد والعمل من اجل مصر ، اما كان لهم ان ينضموا الى التحالف الذى تم تشكيله بالامس ويترفعوا عن خلافات الماضى ، واذا كانت الحجة فى جماعة الاخوان المسلمين وما يقال عن التيار الدينى والدولة لدينية ، فهل من الممكن ان يتم تجاهل وجود هذه الجماعة وقوتها فى الشارع، ويتم اقصائها من الحياة السياسية، ام يتم الاعتراف بوجودها على الارض والتعامل معها كواقع والاتفاق معها على قواسم مشتركة ، والتخلى عن فزاعة الدولة الدينية وترويج ان هناك معسكرين فى مصر اما الدولة الدينية او الدولة العسكرية ، حقيقة ان هذه المقولة كلمة حق يراد بها باطل ، لأن الواقع هو اما الدولة المدنية التى تعتبر جماعة الاخوان المسلمين جزء منها شئنا ام أبينا، بغض النظر عن ميولها، او لدولة العسكرية التى يمثلها العسكر. بأمانة لم يكن لهذا المؤتمر ولا ما طرح فيه اى ضرورة لأنه علامة على الفرقة والتشتت الذى يستفيد منه الطرف الاخر. تأييد العسكرى وشفيق ولم يمر اليوم حتى سمعنا عن مظاهرة محتملة تنظمها بعض القوى عصرا امام النصب التذكارى لتأييد المجلس العسكرى والفريق "احمد شفيق" المرشح فى انتخابات الرئاسة، بمشاركة احزاب وعناصر سياسية مثل الكاتب "مصطفى بكرى" والنائب السابق "محمد ابو حامد" ، ما يثير الدهشة ، مع الاحترام الكامل لحق كل شخص فى التعبير عن رأيه ايا كان، هو توقيت المظاهرة وربط تأييد المجلس العسكرى بتأييد الفريق "شفيق" ، حيث ان المجلس العسكرى حسب ما يعلنه ، يقف على مسافة واحدة من المرشحين وليس له مرشح فى انتخابات الرئاسة ، والسؤال هل المشاركون فى المؤتمر من قوى طنية يؤيدون الاعلان لدستورى المكمل ومنح العسكريين حق البطية القضائية ، وهل هذا من وجهة نظرهم فى صالح الحريات والديمقراطية وانتقال السلطة وهى كلها مطالب الثورة ، ام انها ضد الثورة وضد الشعب ؟!... الاجابة عند المشاركين فى هذه المظاهرة المريبة العجيبة .