أشعر بالخجل لكوني «غرباوي» من أبناء محافظة الغربية، وأشعر بالخجل لكوني «دلتاوي» من أبناء بحري.. وعزائي أن موطني الانتخابي في الجيزة.. تلك المحافظة الأبية التي انتصرت للحق وأبت أن تسير علي طريق الفلول. لم أتوقع ولو للحظة أن تصوت الغربية لمرشح الفلول، وأن يعطي أبناؤها أصواتهم لأحد رجالات مبارك.. لسبب بسيط وهو أن هذه المحافظة قدمت شهداء من زهرة شبابها وقوداً للثورة العظيمة التي حررت مصر من قبضة الطغاة. كان أهم ما يميز أبناء الغربية حتي وقت قريب هو الطيبة، ومناصرة الحق والدليل علي ذلك أن تلك المحافظة كانت معقلاً من معاقل المعارضة في البرلمان طوال السنوات الماضية سواء كانت هذه المعارضة وفدية أو إخوانية.. أما الآن فقد تبدلت أشياء كثيرة، ورأيت أثناء وجودي في بلدي بسيون أيام الانتخابات وقائع مذهلة تكشف عن تغيرات خطيرة في تركيبة هذا الشعب الذي ظل وفيا حتي وقت قريب. رأيت كيف استطاع رجال الأعمال من أبناء المحافظة ونواب الوطني ومعهم أعضاء المجالس المحلية والعمد والمشايخ أن يغيروا من طبيعة شعب الغربية الطيب ويحدثوا زلزالا في تركيبته التي اشتهر بها علي مدار أكثر من 40 عاماً. كان كل شيء مباحاً.. وكان الشعار الذي رفعه أذناب النظام الذي سقط: «الغاية تبرر الوسيلة».. خرج أذناب النظام من جحورهم وعاثوا في الأرض فسادا وعادوا إلي ممارساتهم القديمة من أجل إحياء الماضي والعودة إلي ما كانوا عليه. لقد نال أعداء الثورة من الشعب الطيب، ودفعوه إلي مناصرة الباطل ودعم الفساد والتصويت إلي دولة الظلم، والتبشير بعودة الطغاة، وكانت النتيجة حصول مرشح الفلول علي أكثر من 60٪ من أصوات المحافظة ليكتب هذا الشعب وثيقة العار بيديه. لن يرحم التاريخ أبناء الغربية والدقهلية والقليوبية ذلك بأنهم صوتوا لمرشح رئاسي قالت عنه إسرائيل إنه كنز استراتيجي لها وأنه آخر فرصة لها في مصر. لن يرحمهم التاريخ لأنهم صوتوا لمرشح يداه ملوثتان بدماء شهداء الثورة في موقعة الجمل فقد كان المسئول السياسي الأول في الحكومة وقت وقوعها. لن يرحمهم التاريخ لأنهم صوتوا «لمبارك 2» ودفعوا في اتجاه إعادة انتاج النظام القديم ولكن بفضل الله خاب ظنهم.. أما أبناء المنوفية فلا عتاب عليهم لأن ما فعلوه كان متوقعا. ولولا صمود أبطال المعركة أبناء الصعيد النبلاء لضاعت مصر وانتهت الثورة.. لقد استحق شعب الصعيد لقب الشعب البطل.. فقد انتفضوا ومعهم أبناء مطروح والسويس والإسماعيلية والبحيرة لإنقاذ مصر وتنصيب الدكتور محمد مرسي رئيساً. سألت مسئولاً صعيدياً معروفاً عنه الشهامة وتربطني به صداقة أكثر من 15 عاماً. قلت له بماذا تفسر ما حدث؟ وكيف صمد أبناء الصعيد أمام اغراء المال الذي بدل نفوسا كثيرة في هذا الوطن فأجابني قائلاً: أبناء الصعيد لا يمكن لأحد أن يشتريهم ولو بمال الدنيا لأن الصعيدي شهم وصاحب ضمير حي ويموت في سبيل تحقيق ما وعد به.. والصعيدي لا تغيره الأحداث ولا يلتفت إلي دعوات المأجورين في الإعلام المشبوه وفي مقدمتهم أن الفلول التي كانت تلعق أحذية المسئولين في النظام القديم وحصلت علي برنامج مكافأة لمشاركتها في الحملة الانتخابية لمبارك في انتخابات الرئاسة المزورة.. والصعيدي لا يفعل إلا ما يمليه عليه ضميره ولا يثق إلا في الشرفاء.. ففلت له: صدقت.. وصدق أبناء الصعيد من الفيوم الحبيبة إلي بني سويف الأصيلة مروراً بأسيوط الباسلة وسوهاج القوية وقنا التي استعصت علي الفلول وأسوان فاكهة القطر. ستدور الأيام وسيظل ابناء الصعيد علي قمة الهرم ومعهم أبناء مطروح الذين وجهوا لطمة قوية للنظام البائد ومعهم شعب السويس الباسل والإسماعيلية وغيرهم من أبناء هذا الوطن الأوفياء. تحية إلي قضاة مصر الشرفاء الذين تحدوا كل الدعاوي المغرضة التي كانت تحرضهم علي الدكتور محمد مرسي.. تحية إلي رابطة «قضاة من أجل مصر» التي كانت عينا ساهرة علي الصناديق.. نتابع ونرصد لحظة بلحظة لتقطع الطريق علي الذين حاولوا العبث بالنتيجة. تحية إلي جنود وضباط القوات المسلحة البواسل الذين أدوا واجبهم تجاه الوطن بصدق وإخلاص.. وكانوا نموذجاً مشرفا في كل انتخابات بصرف النظر عن العبث بمصير مجلس الشعب فهم من كل ذلك براء. لقد انتهت المعركة بحلوها ومرها.. ولكن أبدا لن ننسي جرائم أنصار الفريق شفيق.. لقد تجرأوا علي كل شيء حتي مساجد الله.. فقد رأيت بعيني في مسجد بلال بالرحاب وهم يتعدون علي حرمة المسجد ويحاولون الفتك بخطيب الجمعة الشيخ أحمد عبدالوهاب لمجرد أنه قال إن الصوت أمانة وعلينا أن نحكم ضميرنا أمام الصندوق.. ولانهم يعلمون أن الضمير يرفض شفيق وأن الأمانة تقتضي التصويت لمرسي من أجل ذلك كانت ثورتهم علي الإمام وانتهاك حرمة المكان. لن ننسي الصحفي الكريه الذي كان يتحدث باسم لجنة السياسات وعاد ليطل علينا من جديد داخل المقر الانتخابي لشفيق وكان للأسف وراء الاشاعات الكاذبة وغير الأخلاقية والتي أضرت بمرشحه حتي إنهم انقلبوا عليه في الحملة وطردوه ولكن بعد فوات الأوان. لقد أدهشتني تعليقات الشعب المصري علي نتائج انتخابات الرئاسة التي تزامنت مع صدور اعلان دستوري مشبوه من قبل المجلس العسكري وكان أبرز تلك التعليقات: «المجلس العسكري عليه التشريعية والدستورية والموافقة علي الحرب.. والرئيس عليه النجف والصيني والملايات والتنجيد» إنه تعليق لخص كل شيء وكشف عن سخرية الشعب من القرارات التي تعبت بمقدرات البلاد في تلك اللحظات الحرجة.. وإذا ما انتبهنا إلي تلك التعليقات ووضعنا نصب أعيننا مليونية الثلاثاء التي أشعلت الميدان فإننا سنصل إلي نتيجة مفادها أن اللحظة الفارقة قد اقتربت وأن الشعب لن يرحم أحداً.. وأن هناك ثورة ثانية لا محالة ستكون علي غرار ثورة التصحيح.