عضو "قيم البرلمان": الحوار الوطني فكرة ناجحة .. وتفعيل توصياته انتصار للديمقراطية    رئيس جامعة الأقصر يشارك باجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    متظاهرون إسرائيليون يغلقون شارع «أيالون» ويشعلون النار وسط الطريق    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    اليوم عيد.. وزير الرياضة يشهد قرعة نهائيات دوري توتال انرجيز النسخة العاشرة    ضبط دقيق مهرب وسلع غير صالحة وسجائر مجهولة فى حملة تموينية بالإسكندرية    في ثالث أيام مهرجان الإسكندرية.. تفاعل كبير مع «شدة ممتدة» و «النداء الأخير»    التمساح سابقا.. مدينة الإسماعيلية تحتفل ب162 عاما على وضع حجر أساس إنشائها    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    شرايين الحياة إلى سيناء    محافظ القاهرة: استمرار حملات إزالة التعديات والإشغالات بأحياء العاصمة    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق «آل شرقاوى» تكشف حقائق جديدة عن ثورة 1919
نشر في الوفد يوم 11 - 03 - 2019

6 أمراء من أسرة محمد على دعموا الحركة الوطنية وهددوا عرش الملك
ماذا كتب الأمير يوسف كمال فى رسالته السرية لصديقه بالصعيد؟
مع الاحتفال بمئوية ثورة 1919, تظهر فصول جديدة وشخصيات كان لها دور بارز مع سعد ورفاقه فى أحداث هذه الثورة وفى حركة الكفاح ضد الاحتلال البريطانى لمصر فى السنوات التالية. هذه الفصول والشخصيات مرت مرور الكرام فى بعض المصادر التاريخية أو المطبوعات الصحفية فى ذلك الوقت, ربما نظرًا لزخم الأحداث الكبير فى هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر الحديث, وتأتى بعض التفاصيل الجديدة المهمة والملهمة التى بدأت فى الظهور مؤخرًا لتضيف المزيد من المعلومات إلى ذلك الزخم القديم. قد تكون وثائق «آل شرقاوى» التى بدأ إبراهيم الشرقاوى عميد الأسرة بنشرها مؤخرًا, والمكتوبة بخط اليد والمنسوبة للأمير يوسف كمال حفيد إبراهيم باشا بن محمد على باشا الكبير, وهى غير مؤرخة, مدخلًا مهمًا للبحث والتحقق من دور أمراء البيت العلويّ أفراد أسرة محمد عليّ, فى الحركة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى أو الأوجه هل كان لهم دور مؤازر أو مناهض للحركة الوطنية? وهذا ما سنحاول التقاط تفاصيله من أكثر مصدر, على الأقل فيما يخص أحد أهم أمراء البيت العلويّ وأكثرهم ثراءً ونفوذًا وتأثيرًا فى الحياة العامة فى تلك الفترة.
فى سنة 1932 لاحظ قاضى محكمة مصر الكلية أثناء نظره دعوى قضائية مقامة من محمود أفندى كامل ضد الأمير يوسف كمال، أن اسم يوسف كمال ذكر فى الدعوى باسم «حضرة يوسف كمال» دون ذكر للقب «الأمير» فاستفسر القاضى عن ذلك من موريس أرقش محامى يوسف كمال، الذى رد أن عدم كتابة اللقب بتعليمات من يوسف كمال.
وفى 15 إبريل سنة 1932 نشرت جريدة المقطم فى عددها 13130 خبرًا نصه: «نشرت الصحف أن الأمير المصرى يوسف كمال ابن عم جلالة ملك مصر تنازل عن لقبه وطلب شطب اسمه من كشوف الأمراء»، ثم عاودت نفس الصحيفة النشر بعدها بأربعة أيام فى العدد 13132 عن نفس الواقعة «فى الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح السبت أول أيام عيد الأضحى ذهب حضرة صاحب السمو الأمير يوسف كمال إلى قصر عابدين وقيد اسمه يوسف كمال بالعربية فى سجل التشريفات ثم عاد بسيارته إلى قصره بالمطرية».
كانت واقعة تخلى الأمير يوسف كمال طواعية عن لقبه هى الأولى من نوعها والأخيرة أيضًا، فى تاريخ أسرة محمد عليّ الكبير منذ أن أسس «الباشا» دولته فى سنة 1805 بعد أن قضى على دولة المماليك، هذا التخلى والتنازل عن اللقب من الأمير العلويّ كان فى ولاية «أحمد فؤاد» ملك مصر وسيد النوبة وكردفان، وكان مثار جدل واسع فى المملكة المصرية وله أصداء الخارج أيضًا، ولدى الإنجليز المستمرين فى فرض الحماية البريطانية على البلاد فى ذلك الوقت.
كتبت مجلة المصور فى عددها 22 إبريل 1932 ما يلى: «طلعت الصحف اليومية على قرائها هذا الأسبوع بنبأ تنازل سمو الأمير يوسف كمال عن لقبه فقوبل هذا النبأ بالاهتمام الشديد لما للأمير الجليل من المكانة فى النفوس من جهة ولأن الناس لم يألفوا أن يتنازل أمير عن لقبه السامى فى بلدان الشرق من جهة أخرى».
وتورد المصور فى نفس العدد ما يعنى أن رغبة الأمير يوسف كمال فى التنازل عن اللقب ليست جديدة ولكنها تعود لسنة 1931.. «ويستدل من المعلومات التى عندنا أن قرار الأمير يوسف بالتنازل عن لقبه ليس وليد الأيام الأخيرة فقط، ولكنه يرجع للسنة الماضية، إذ أعرب سموه يومئذ عن رغبته فى سلوك هذا المسلك وقيل فى ذلك الحين إنه كتب بهذا المعنى، ومنذ بضعة أسابيع لاحظ بعض الذين لهم علاقة عمل بدائرة الأمير يوسف أن شكل الورق والظروف التى تستعمله الدائرة فى مخاطباتها قد تغير وأنه بعد ما كان يكتب على الورق والظروف دائرة الأمير يوسف كمال أصبح يكتب عليها الدائرة اليوسيفية، كما لاحظ بعضهم أن الأمير بدل بطاقة زيارته بعد ما حذف منها لقب الإمارة فسألوا عن ذلك فقيل لهم إن الأمير متنازل عن لقبه».
ما الذى دفع يوسف كمال للتنازل عن لقبه؟
هل كان يسجل اعتراضه على موقف سياسى ما فى تلك الفترة، أم كان يتبرأ من العائلة المالكة، أم شحطة من فنان تشكيلى، أم زهد مؤقت فى الدنيا؟! خاصة أن ذلك الاستغناء عن اللقب لم يدم سوى شهور قليلة، ولم تجب أية مصادر من الممكن أن تطلق عليها موثقة بشكل صريح ومباشر عن الأسئلة السابقة، وبقى استغناء يوسف كمال عن اللقب مجرد حادثة فريدة من نوعها أشارت إليها بعض المصادر دون تعليل أو تفسير، ليظل ذلك وكأنه سر دفن مع صاحبه فى مقبرته بالإمام الشافعي!
من المهم تتبع بعض الخيوط فى السنوات السابقة لإعلان يوسف كمال تنازله عن الإمارة ربما قد تؤدى إلى تفسيرات أو بالأحرى فإن تتبع التاريخ السياسى للأمير يوسف كمال قد يمكن القياس عليه لوضع تفسير منطقى لسبب هذا التنازل عن اللقب المكتسب بالوراثة والانتساب إلى أسرة تاجر التبغ الألبانى.
الحركة الوطنية المصرية التى دشنها سعد زغلول ورفاقه والتى تحولت إلى ثورة شعبية بالدرجة الأولى تدريجيًا باندلاع ثورة 1919، كانت تضم كل الأطياف، بمن فيها بعض الأمراء من البيت العلويّ رغم كونهم غير مصريين ولا تؤرقهم مسألة استقلال البلاد عن بريطانيا قياسًا كونهم لا يحملون الهوية المصرية من الأساس ويعيشون فى طبقة عالية معزولة بفوارق الثراء والنفوذ والسلطة والدم العلويّ عن باقى الشعب المصرى، إلا أنه وبعكس ذلك فقد كان هناك بعض المغردين خارج السرب، إذ كان هناك جناح داخل أسرة محمد عليّ مشارك بالفعل فى تدعيم الحركة الوطنية بالدعم اللوجيستى والمعنوى.
مع تأليف سعد زغلول وفدا من السياسيين المصريين للسفر إلى باريس لعرض مسألة استقلال مصر عن بريطانيا، تبرع الأمير يوسف كمال بمبلغ ألف جنيه لتعزيز جهود الوفد المصرى، وهو على الأرجح كان من يقود جناح الوطنية المصرية داخل أسرة «الباشا»، ثم اندلعت ثورة 1919 وأوفدت بريطانيا اللورد ملنر وزير المستعمرات للتحقيق فى أسباب الثورة ومحاولة الوصول إلى حل لا يتعارض مع مصالحها.
تلمح مصادر تاريخية أن يوسف كمال كان يقود جناحًا مواليًا علانيةً للحركة الوطنية المصرية داخل أسرة محمد عليّ، هذا الجناح تألف من الأمراء كمال الدين حسين وعمر طوسون ومحمد عليّ إبراهيم ويوسف داود ومنصور داود وفى مقدمتهم الأمير يوسف كمال بالطبع، هذه الموالاة العلانية والمناصرة للحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزى بدأت تفصح عن نفسها وصارت معلومة للقاصى والدانى وقد كان أول ظهور لموالاة هذا الجناح علانية فى مقاطعة لجنة ملنر ببيان نشر فى الصحف.
أصدر هؤلاء الأمراء ال 6 بيانًا نشرته صحيفة الأهرام فى 3 يناير 1920 كالتالى: «أبناء مواطنينا الأعزاء يوم ما اقتضت الإرادة الصمدانية إيداع مصير مصر بين يدى من كان خالق مصر الحديثة وخادمها ألا وهو جدنا وسيدنا الأعظم المرحوم محمد على الأول وقد جمعت القدرة الإلهية فى شخص هذا البطل الشجاعة فى أعماله مع الصدق والولاء نحو مصر فأرادت المشيئة الربانية أن يعقب هذا الشخص الجليل ذرية تقطن هذه الأرض الطاهرة ومن ثم فقد فرض الله علينا خدمة مصر وإخواننا المصريين والسير فى أثر جدنا الأكبر لتحقيق آماله الشريفة ولتتميم أعماله النافعة لبلادنا والمطالبة بحقوق مصر والمصريين، وتأييدًا لمطالب الأمة فقد جئنا نطالب باستقلال مصر استقلالًا تامًا بلا قيد ولا شرط».
ذلك البيان الذى نشر فى الأهرام كانت لغته حادة وصريحة وحماسية فى المطالبة بالاستقلال التام وهى حال هذا الجناح فى الأسرة العلوية المنضم إلى الحركة الوطنية، ثمة نعومة فى اللغة ومواءمة سياسية بدأت تظهر لدى نفس الجناح عندما مخاطبة ملنر نفسه!
كتب الأمراء ال 6 مذكرة إلى اللورد ملنر: «ولما كان هذا العمل الصادر عن الشعب المصرى يعد دليلًا بارزًا على إخلاصه الذى لا يدع مجالًا للشك لأحد أن يتهمه
بأنه يعمل تأثيرات شخصية أو عوامل خاصة، بل كان نابعًا من أعماق قلوبهم، لذا فإننا لا نقتصر على الموافقة التامة لجميع مطالب الأمة المصرية، بل ننضم إليها لنكون جسمًا واحدًا فى المطالب بحقوق وطننا والتمسك بالاستقلال التام لمصر».
سنة 1920 شهدت أيضا واقعة مهمة تستقى منها التأكيد أن الأمير يوسف كمال كان هو القائد لذلك الجناح الموالى للحركة الوطنية داخل البيت العلويّ، فبعد فشل مفاوضات سعد زغلول ملنر تكونت لجنة فى القاهرة لمساندة أعضاء الوفد وترأسها محمود سليمان باشا وضمت يوسف سابا باشا وعبدالخالق ثروت باشا وإسماعيل صدقى باشا وجعفر والى باشا وآخرين وأسندت الرئاسة الشرفية لهذه اللجنة للأمير يوسف كمال.
تذكر مصادر تاريخية أن اجتماع هذه اللجنة كان مقررًا له فى جنينة الأزبكية ومنعته الحكومة ليقام بعدها فى فندق شبرد، وألقى يوسف كمال خطبة أشاد فيها بجهود الوفد برئاسة سعد زغلول وقال: «لولا تشدد الحكومة البريطانية الذى لا مبرر له لطالبنا بالاستقلال المنشود، هذا التشدد لا يمكن أن يثنى عزائمنا، بل يزيد اتحادنا ويضاعف جهودنا فى نيل الحقوق بالطرق المشروعة»، وفى نهاية الاجتماع قررت هذه اللجنة إرسال برقية تأييد لسعد زغلول يعلنون تمسكهم بالاستقلال التام ورد سعد زغلول برسالة خص بها الأمير يوسف كمال أعرب فيها عن شكره له لترأسه المأدبة الوطنية.
ولم يكن يوسف كمال داعمًا للحركة الوطنية فقط، بل شرسًا ضد من يهاجمونها أو يوالون الاحتلال الانجليزى حتى وإن كانوا من أبناء عمومته أمراء الأسرة العلوية، فقد نشر يوسف كمال فى الصحافة المصرية فى ذلك الوقت ومعه الأمير عزيز حسن حفيد الخديو إسماعيل بيانًا استنكرا فيه تصريحات الأمير إبراهيم حلمى لصحيفة التايمز البريطانية، والتى عارض فيها حصول مصر على الاستقلال وطالب بتمديد الوجود البريطانى بمصر لفترة قصيرة لأنها بحاجة إلى إرشاد بريطانيا !
هذا الهجوم الضارى الذى قاده يوسف كمال قائد جناح الأمراء ال 6 الداعمين للحركة الوطنية، ضد الأمير إبراهيم حلمى كان سببًا على ما يبدو فى حدوث مخاوف لدى الحكومة والقصر من تعاظم نفوذ يوسف كمال، لدرجة أن وزارة عبدالخالق ثروت باشا فى مارس 1922 أبدت مخاوفها من عقد اجتماع دعا إليه يوسف كمال، وترددت شائعات فى أوساط الحكومة والعائلة المالكة تقول إن يوسف كمال ينوى معارضة الملك، وهو دفعه لنفى ذلك فى جريدة «االليبرتية» الفرنسية فى حديث مطول.
تحركات الجناح الموالى والمؤيد لمطالب المصريين فى الاستقلال عن بريطانيا والمؤلف من 6 أمراء فى البيت العلويّ بدأت تترد حوله الشائعات وأصبح يخشى من تعاظم نفوذه، وإحداثه خللا بالأمن العام ومن ثم يخشى على الملك نفسه!
قبل ظهور هذه المخاوف قام جناح الأمراء الموالين لمطالب الاستقلال عن بريطانيا برئاسة يوسف كمال، بإرسال رسالة إلى السلطان العثمانى فى 28 فبراير 1928 وسموه خطابًا تضامنيًا مع الأمة المصرية وشمل 4 مطالب.. إعلان استقلال مصر وسودانها وسيادتها التامة فى الداخل والخارج، تخويل جماعة وطنية حق مناقشة الرسالتين اللتين قدمهما المندوب السامى البريطانى عن حكومته للحكومة المصرية والرد عليها «يقصد مشروع المعاهدة والتبليغ البريطانى»، وأن يكون من حق الجماعة الوطنية وحدها أن تحضر مشروع الدستور، وأن تجرى الانتخابات بكامل الحرية بعد إلغاء الأحكام العرفية وإعلان حرية الصحافة والعفو عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وأن بقاء الحالة الحاضرة مع وجود الجيوش البريطانية فى مصر يضر بالاستقلال لأن هذه الأحوال لا تستوى هى ومبادئ الحرية الشخصية.
وربما تفسر هذه الرسالة إلى السلطان العثمانى سبب قلق دوائر الحكم فى القاهرة من هؤلاء الأمراء وربما ذهب هذا القلق إلى أبعد من فكرة تعاظم النفوذ إلى السيطرة على سدة الحكم بتأييد الجماعة الوطنية المصرية المطالبة بالاستقلال، يوسف كمال سارع بعدها ليدلى بتصريحات لجريدة «االليبرتية» الفرنسية التى كانت تصدر فى القاهرة، توضح أنه كان يرد على مخاوف القصر، أكد يوسف كمال على ولاء الأمراء وخص منهم الأميرين عمر طوسون وكمال الدين حسين عضوى حلفه فى البيت العلويّ، وقال عنهما إنهما لا يطيقان أن يمس مقام وارث محمد عليّ ولا يمكن للأمراء أن يفكروا بالطمع فى العرش ولا يجب أن يتصور إنسان أكثر تعلقًا بالأسرة المالكة والملوكية أكثر منهم!
كما حرص يوسف كمال على التأكيد أنه والأمراء لا ينتمون لأى حزب سياسى، وفى ذات المقابلة الصحفية أعلن عن مضمون اجتماعه الذى كان ينوى تنظيمه والذى أعلنت وزارة عبد الخالق ثروت باشا تخوفها من عقده لما قد يحدثه من خلل بالنظام العام، وأورد يوسف كمال ل«الليبرتية» أنه كان ينوى خلال الاجتماع تجديد عهد الإخلاص والولاء للوطن والعرش، وإرسال تحية وإعلان الاحترام والإعجاب بسعد والمنفيين والمعتقلين السياسيين وسائر القائمين بخدمة القضية الوطنية وتأكيد ما تكنه القلوب نحو النزلاء الأجانب من الود والإكرام واعتبار التصريح البريطانى المعلن لمصر فى 28 فبراير 1922 قرارًا باستقلال لفظى مقيد بقيود الحرية وأخيرًا تمسك الشعب المصرى بحقه فى وضع دستوره بواسطة ممثليه فى هيئة جمعية وطنية.
استمر النشاط السياسى لحلف الأمراء الستة فى البيت العلويّ لسنة 1925 ففى هذه السنة أعلنت حكومة أحمد زيور باشا حل مجلس النواب ودعا الصحفى أمين الرافعى لاجتماع البرلمان بمجلسيه رغم عدم موافقة الحكومة بفندق الكونتيننتال، وعلى أثر ذلك دعا الأمير كمال الدين حسين الأمراء إلى عقد اجتماع فلبى منهم الدعوة عدد كبير وكان منهم الأمير يوسف كمال وقروا رفع كتاب إلى الملك احمد فؤاد يؤيدون فيه مطالب اجتماع نواب الأمة فى 12 نوفمبر 1928 بعودة الحياة النيابية، وأناب الأمراء يوسف كمال لتقديم هذا الكتاب إلى الملك.
بعد العام 1925 خفت النشاط السياسى لهذا الحلف أو الجناح فى البيت العلويّ، فى المقابل فإن نشاط يوسف كمال فى الثقافة والأسفار وطباعة المؤلفات الجغرافية والأعمال الخيرية وتنمية ممتلكاته فى الصعيد والإسكندرية والقاهرة لم يخفت بل زاد، ومرت السنوات حتى فجر مفاجأة مدوية فى إبريل 1932 بإعلان تنازله عن لقب الإمارة ولم يعلن عن سبب إقدامه على ذلك، غير أن معظم التكهنات تشير إلى أمرين هما اعتراضه على سياسات الحكومات فى تلك الفترة أو استئنافًا لما بدأه من نشاط مناهض للوجود البريطانى فى مصر، وفى الحالتين فإن يوسف كمال كان مصرًا على هذا التنازل، لدرجة أن على شريف سكرتيره الخاص أكد ذلك لصحفية المقطم فى 11 مايو 1932.
فى السنوات التالية لم يظهر يوسف كمال كناشط فى الساحة السياسية وربما اكتفى بالمراقبة والمتابعة وحذا حذوه باقى أعضاء حلفه أو جناحه فى البيت العلويّ وهم الأمراء كمال الدين حسين وعمر طوسون ومحمد عليّ إبراهيم ويوسف داود ومنصور داود.
وعلى ما يبدو أنها ليست النهاية، يوسف كمال وإن كان توقف عن كتابة نداءاته نيابة عن حلفه فى الصحف المصرية والأجنبية، فإنه يكتب بعضها إلى الإمام أبوالوفاء الشرقاوى صديقه فى نجع حمادي!
فى أحد الأيام وبينما كان الشيخ والإمام أبوالوفاء الشرقاوى
يجلس فى ساحته العامرة شمال شرق مدينة نجع حمادى نحو 63 كيلو مترا شمال مدينة قنا، تلقى رسالة: «حضرة الأستاذ الفاضل صباح الخير أرجوكم أن تطلعوا على ما كتبته وليبقَ الأمر بيننا، فإن أمكنكم أن تحضروا لتناول العشاء معى فى منتصف الساعة السابعة من مساء اليوم لكان ذلك موجبًا لسرورى، وقتئذ نتباحث والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وكان كاتب الرسالة هو الأمير يوسف كمال.
ويبدو أن محتوى الرسالة كان سريًا وهذا ما يمكن ملاحظته من جملة «وليبقَ الأمر بيننا»، وعاجلًا أيضا باعتذار الأمير لصديقه العلّامة عما ورد فى رسالته من أخطاء لغوية «ملحوظة لا تؤاخذونى على الغلطات اللغوية لأننى تركت اللغة العربية اللطيفة من ست عشرة سنة ولم يكن ذلك بغير أسف».
الصداقة التى جمعت الطرفين بدأت بلقاء مشترك جمع بين محمود باشا سليمان، وكيل مجلس شورى القوانين، ووالد محمد محمود باشا الذى ترأس أربع حكومات قبل ثورة يوليو 1952، والأمير يوسف كمال، والعارف بالله الشيخ أبو الوفاء الشرقاوى، وذلك اللقاء تم بالضرورة قبل 1929 وهى السنة التى توفى فيها محمود باشا سليمان عين أعيان أسيوط.
يقول الشيخ إبراهيم الشرقاوى حفيد الإمام أبوالوفاء إن محمود باشا سليمان كان صديقًا للعائلة وأحد أتباع جدنا الأكبر العالم أحمد بن شرقاوى والمعروف بلقب أبو المعارف، وفى إحدى زياراته للساحة الشرقاوية، علم «سليمان» بوجود الأمير يوسف كمال فى مجموعته المعمارية فى نجع حمادى، لمباشرة أملاكه، فعقد العزم على زيارته وطالب من الشيخ أبو الوفاء الشرقاوى مرافقته إلى قصر الأمير، وتم اللقاء بالفعل بين الثلاثة فى ضيافة الأمير، وحدث تلاقٍ فى الأفكار بين العارف بالله والأمير يوسف كمال، الذى كان مثقفًا ثقافة رفيعة، حتى صارا صديقين يتبادلان الزيارات والخطابات والبرقيات فى حال غياب الأمير عن نجع حمادى.
بدأ الأمير يوسف كمال رسالته ل"الشرقاوى"، قائلًا: «ما كنا نود نحن أحفاد محمد على وأمراء مصر أن يقع من فرد أو فريق، ما يحملنا على إصدار مثل هذا البلاغ خصوصًا وهناك احتمال أن يأول معناه الحقيقى تأويلًا باطلًا يستفيد منه الحذرون على منافعهم من غير أبناء بلادنا للتأثير على الرأى العام فى الخارج، وإقناعه بأن فى مصر خلافا بين المصريين على النقاط الحيوية الخاصة بالمسألة المصرية أى استقلال مصر والسودان استقلالًا تامًا بغير قيد ولا شرط».
ويظهر من بداية الرسالة أن محتواها يتعلق بقضية استقلال مصر والسودان عن بريطانيا، ووجود خلاف فى الأسرة العلوية نحو هذه القضية، وهو ما يحمل تأكيدًا أن يوسف كمال وقت كتابة هذه الرسالة، كان مازال يقود حلف الأمراء الستة داخل البيت العلويّ.
وفى الفقرة التالية من الرسالة يشير يوسف كمال بأصابع الاتهام إلى جماعات من السياسيين لم يحددهم، يعطلون قضية استقلال مصر «ولابد أن الأدلة والبراهين توالت ولم تزل تتعاقب، غير تاركة لمن يريد أن يهضم حقوقنا ولا وجه واحدا ليؤيدوا تلك الأراجيف والخزعبلات التى استعملها الخصوم فى بادئ الأمر جدًا فى هدم قضيتنا الرابحة بعونه تعالى وبإخلاص المصريين جميعًا لوطنهم، حتى أصبح الخصم أول من يعترف للمصرى بالثبات بعد أن كان يتهمه بالتزعزع وأول من ينحنى له محترمًا ومجلًا بعد أن كان يسمح لنفسه بالتظاهر بغيرهما من الشعور.
كنا فى الوقت نفسه وللسبب المذكور آنفًا نستنكر على كاتبى المقالات الطويلة وأصحاب الخطب الرنانة عملهم هذا، وذلك لعلمنا أن صدى تلك المقالات والخطب لا يبقى دويه داخل القطر المصرى فقط، بل سيتعدى هذه الدائرة، وما كنا بآمنين من أن فائدة تبادل الآراء والأفكار تحريريًا أو شفهيًا لا تنقلب ضررًا إذا حُرفت فى الألفاظ الحقيقية ومثلت الروح المحركة تمثيلًا كاذبًا لفائدة الغير».
ويشيد الأمير يوسف كمال بموقف سعد زغلول وعدلى يكن فى فقرة تالية «وكنا نود أن نرى أن الروح المحركة تبقى على الدوام الروح الوطنية والشعور الوطنى والغيرة الوطنية والفائدة العامة فقد حقق الله آمالنا على الدوام ولنا فى ذلك أعظم فخار، فلم نر لا سعدًا ولا عدلى ولا حافظ ولا غيرهم يحيدون لحظة عن النقطة الجوهرية، وأملنا وطيد ويزيد توطده يومًا بعد يوم فى أن نرى نابغى القوم يضحون بأنفسهم فى خدمة صالح وطننا العزيز يدركون عظمة مسئوليتهم نحو مواطنيهم، يثبتون أمام الصعاب ثبات الرجال فيشيدون لكل مصرى بخدمتهم لأمن مصر دعائم المجد والسعادة إن شاء الله».
قبل أن نستكمل قراءة رسالة الأمير يوسف كمال المهمة والنادرة كوثيقة تؤرخ للأحداث والظروف السياسية فى فترة كتابتها والتى كانت محفوظة لدى الأسرة الشرقاوية ومعها وثائق أخرى، ونشرها الشيخ إبراهيم الشرقاوى منذ أيام، يجدر بنا الإجابة عن السؤال: لماذا خص يوسف كمال الشرقاوى بهذه الرسالة؟ صديقًا مقربًا أم شريكًا فى القضية الوطنية؟
لم يرتبط الإمام أبوالوفاء الشرقاوى بصلة صداقة فقط مع الأمير يوسف كمال الذى كان يقود الحلف الداعم للحركة الوطنية داخل البيت العلويّ، كان الإمام شريكًا أصيلًا فى الحركة الوطنية المصرية المطالبة باستقلال البلاد.
يقول فخرى عبد النور فى كتابه دور سعد زغلول والوفد فى الحركة الوطنية: «ولمّا قربنا بالباخرة من منزلى وجدنا هذه الجموع الهائلة ورأيت بينهم الأستاذ الشيخ أبوالوفاء الشرقاوى، فنبهت سعد باشا إليه فقال: يظهر لى أنه صغير السن. فقلت نعم ولكنه كبير المقام واسع العقل وهو يمثل رجال الدين المتنورين المثقفين. فلمّا رست الباخرة أقبلت جماعة من عائلتى فواز وأبوستيت وحملوا الشيخ على أكتافهم وخاضوا به فى اليّم حتى وصلوا للباخرة فصعد إليها وتقدم منه سعد باشا وعانقه وأراد تقبيل يده تكريمًا لمركزه الدينى إلا أنه أبى وامتنع. ثم نزل إلى الباخرة صاحب النيافة الأنبا يوساب مطران جرجا.
ووقف سعد على ظهر الباخرة يحيى الجماهير بمنديله الأبيض وابتسامته المشرقة وإلى جانبيه الشيخ أبو الوفا والأنبا يوساب وحولهم أصحاب سعد. فكان هذا المنظر الرائع عنوانًا لحركتنا القومية».
ما رواه فخرى عبدالنور كان وصفًا للحظة استقبال سعد زغلول للإمام أثناء رحلة سعد ورفاقه إلى الصعيد بالباخرة نوبيا فى سنة 1924، وربما يكفى هذا الوصف للاستدلال على دور العالم الزاهد وحجة عصره فى الحركة الوطنية أبو الوفاء الشرقاوى، وهذا يحدد أيضا السبب المباشر الذى دفع يوسف كمال أن يختص الشرقاوى بهذه الرسالة السرية والتى لم ينشرها فى الصحف كعادته ربما بسبب تعرضه لضغوط من المندوب السامى البريطانى فى مصر.
فى فقرة أخرى من رسالة الأمير إلى الشرقاوى يطالب بالسياسيين بضبط لغتهم والتدقيق فيما يستخدمونه من ألفاظ حتى لا يؤخذ عليهم ويؤثر على القضية الوطنية: «إلا أننا نعلم أن الحمية والهمة كلما توافرت فى الإنسان زادت حدة الرجل، فالذى نأمله من رجالنا الأبطال ألا يتركوا العنان لتلك الحدة حتى لا يزعم أعداؤنا أن هناك شقاقا أو اختلافا فى الآراء على النقاط التى ليست جوهرية ليس بكفر، وما أسهل إزالة الخلاف حيث إن المحرك للجميع هو بلا شك حسن النية والإخلاص، نود منهم أن يمعنوا النظر ويدققوا البحث فى معانى الكلمات التى تُستعمل فى تكوين الجمل والكلام، لأن الرجل الذى يشغل مركزًا عاليًا بين قومه إذا تفوه بكلمة «وبالأخص فى الأمور السياسية»، فى غير محلها فلا يكون تأثير معنى الكلمة بسيطًا أو مُتممًا لجزء من جملة.
بل ليعلم المتكلم أن هناك صاغيان فإن كان المخاطب أولهما فالخصم ثانيهما وهو حريص ومحترس، فإما أن تكون الكلمة مخيبة لآماله معجزة له فى عمله وإما كانت مفيدة له معينة على انبثاق سمه هكذا ننصح رجالنا باجتناب التلفظ بالكلمات غير اللائقة بمراكزهم وخصوصًا متى كانوا يلقون خطاباتهم فى مجمع من الناس».
ويستفيض يوسف كمال فى شرح مقصده فى فقرة أخرى ثم يعلو بنبرة الرسالة ويستبدل لغته الناعمة بأخرى حماسية وكأنه يختص أشخاصًا بأعينهم وربما يكون الملك نفسه من ضمنهم ..«فعلى كل من يعتقد أنه ناب عن هذه الأمة وعلى كل من رأى أن من الوجوب عليه أن يكتب أو يقول شيئًا فى صالح الأمة المصرية العزيزة وعلى كل من سمح لنفسه بالنزول إلى ساحة العمل للدفاع عن حقوق مصر والمصريين، وعلى كل من انطربت أذناه بتصفيق أو بكلمة فليعش ويحيا ليعلم أنه مملوك لمصر وليس بمالك وأنه خادم للمصرى وليس بسيده وأنه مسئول عما يقول ويفعل وليس هو الأمر الناهى، وأن حظ الأمة ليس بألعوبة بين يده وأن الأربعة عشر مليونا من المصريين ليسوا بقطيع من الغنم وأنه إن أخطأ أو زل فالأمة ساهرة رقيبة على ما يفعل وأن قوة الأمة بعد قوة المولى لا تعجز عن تقييم من اعوج، وأن الأمة ستنزل بالحق بمن ضل وكفر أشد العقوبات وأن الأمة المصرية لأمة تعى وتدرك وتعرف كيف تميز بين هذا وذاك ومع اختلاف عقائد أبناء مصر فهم جميعًا بقوله تعالى مسترشدون فلا يغرنّهم منا عذوبة الكلمة ولا ظواهر السر وهم على ما نقوله بألسنتنا وما تطويه أفئدتنا وما تعمله أيدينا ل «بالمرصاد».
ثم يعود للتهدئة فى الفقرة الأخيرة: «ثم نحن لا نوجه اليوم كلامنا هذا لأشخاص مقصودين ومعدودين كلّا، ولكن لما كنا نعلم أن الأليق والأجدر برجال القوم المداومة على ما كانوا عليه وما هم عليه و«الحمد لله»، أردنا أن نراهم وهم أجدر من غيرهم بقبول نصيحتنا، يقدمون بسيف ماض وبأيديهم الطاهرة روح المنافسات الشخصية وليبقوا على ما هم عليه من التفادى للوطن والتسابق لخدمة صالح المصريين والتواضع أمام الحق مع التسامح عن حسن طويه إلا فيما ينافى صالح البلاد والعباد».
ويختم رسالته إلى الشرقاوى قائلا: «فتضرعوا أيها الإخوان المصريون، ونتضرع معكم إلى المولى سبحانه وتعالى لكى يرشدنا جميعًا إلى ما فيه الخير لمصر وأن يصوننا من الهفوات وأن يأخذ بيدنا ويوفقنا وهو خير الناصرين».
هذه الرسالة غير المؤرخة والتى تحتفظ بها الأسرة الشرقاوية ضمن وثائق تاريخية أخرى، يرجح الشيخ إبراهيم الشرقاوى أنها قد تعود تاريخيًا إلى نهاية الثلاثينيات أو بداية الأربعينيات من القرن الماضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.