جامعة بنها تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة "من أجل قلوب أطفالنا" بكفر شكر    محافظ أسيوط: تجهيز 139 لجنة لانتخابات النواب بالدائرة الثالثة    بنها الأهلية توافق على إنشاء مستشفى جامعي جديد بالعبور    الوفد: الإجراءات الانتخابية الجديدة تحفز المواطنين على النزول بكثافة.. فيديو    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    مصر تحقق إنجازا تاريخيا بصادرات غذائية تتجاوز 5.8 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر    وزير الاستثمار يعلن اعتماد "إعلان القاهرة للتجارة"    محافظ المنوفية يطلق إشارة بدء التشغيل التجريبى لمشروع صرف صحى منشأة السادات    هيمن عبد الله: دعم المشروعات المتعثرة يضمن تعظيم الاستفادة من الأراضي الصناعية    لأول مرة مصر تتسلم رئاسة مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية حماية بيئة البحر المتوسط من التلوث    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل جديد لوظائف بدولة الإمارات    حصيلة ضحايا الفيضانات في إندونيسيا وسريلانكا وتايلاند ترتفع إلى 1046 شخصًا    ترامب يتدخل فى انتخابات هندوراس بسبب تيتو عصفورة.. اعرف القصة    الكرملين: نأمل مواصلة المشروعات النووية والدفاعية مع الهند    إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل نتنياهو للمطالبة برفض العفو عنه    مدرب الجزائر يحذر من مفاجآت كأس العرب أمام السودان    بابا الفاتيكان: الطريق لتحقيق السلام في لبنان يبدأ بتجاوز الخلافات العرقية والسياسية    فيريرا يقرر اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أحمد حسام ميدو    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    محمود ناجي حكما لنهائي كأس ليبيا بين أهلي طرابلس وأهلي بنغازي    محمود ناجي حكما لنهائي كأس ليبيا في القاهرة    موعد مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد بالدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    كأس العرب - مؤتمر مدرب العراق: مواجهة البحرين صعبة.. ونستعد بالبطولة للملحق العالمي    المشدد 6 سنوات ل 3 عاطلين بتهمة التنقيب عن الآثار في المطرية    جولة حقوقية بالعاشر من رمضان تكشف تطور برامج الإصلاح والتأهيل    الأرصاد تعلن أماكن سقوط الأمطار بعد قليل    مديرية تموين الفيوم تضبط 101 مخالفة تموينية متنوعة داخل دائرة المحافظة    هي المسؤول الأول.. محامي تلاميذ "ALS" المعتدى عليهم يطالب بمحاسبة إدارة المدرسة    مصرع شاب غرقا بترعة النعناعية فى المنوفية    عم حارث ضيف "فضفضت أوي" مع معتز التوني .. غداً    عمر خيرت يعد جمهوره بمفاجآت موسيقية لم يسمعها من قبل    محمية رأس محمد تستقبل فتيات الملتقى الثقافي ال22 ضمن مشروع "أهل مصر"    ماسح الأحذية.. قضية إنسانية تفوز بأفضل عرض في مهرجان شرم الشيخ المسرحي    سامح حسين يصدر بيانا حول حقيقة تعيينه عضوا بهيئة تدريس جامعة حلوان    "الأوقاف": حجم مشاركة غير مسبوق في مسابقة القرآن الكريم العالمية    رغم انتهاء المرحلة الثانية .. فضائح انتخابات مجلس نواب السيسي لن تتوقف    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لعدد من مشروعات الخطة الاستثمارية لعام 2026/2025    حوادث المدارس والحافز.. مشاهد تُعجل بنهاية "وزير التعليم" في الوزارة.. دراسة تحليلية.. بقلم:حافظ الشاعر    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    تحرير (141) مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    الاحتلال يفجر منزل أسير بنابلس ويقتحم بلدة برام الله.. وتحذيرات من تفاقم الأزمة بغزة    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    راقصا أمام أنصاره.. مادورو يمد غصن زيتون لواشنطن    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    كيف تكشف المحتوى الصحي المضلل علي منصات السوشيال ميديا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأمون فندى يكتب:دولة مياه الشرب والصرف الصحي
نشر في الوفد يوم 18 - 06 - 2012


[مأمون فندى يكتب:دولة مياه الشرب والصرف الصحي]
مأمون فندي
خلط مياه الشرب بالصرف الصحي في مصر هو اسم رسمي لا يتوقف عنده أحد في بلد قوامه يصل إلى 90 مليون نسمة، فهناك هيئة رسمية حكومية تابعة للدولة اسمها الرسمي هو «الهيئة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي»، أي أن المصريين ببساطة ليس لديهم مشكلة في خلط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي على الأقل في العنوان أو في اسم تلك الهيئة الرسمية.
حالة اشتباك المفاهيم والتباسها هي حالة عامة في المجتمع المصري الذي يمر بتحولات كبرى، كلما بينتها للمصريين إما أن يهتف بعضهم في غضب بأنك تتبنى مشروع جلد الذات وأن جميع المجتمعات هكذا ولكنك لا تنظر في مصر إلا إلى نصف الكوب الفارغ، وإما أن يغفل البعض التناقض تماما في هزة كتف وامتعاضة مصحوبة بمص الشفاه تتبعها عبارة «وإيه يعني».
إما غضب شديد من النقد وإما تجاهل تام له، وتلك حالة مصرية ثابتة لم تغيرها لا هذه الثورة ولا الثورة التي سبقتها أو ربما لن تغيرها الثورة القادمة، فالبلادة الفكرية وعدم الإحساس بالتناقض في المفاهيم أصبحت سمة من سمات النخب المصرية المختلفة، وإذا كانت الثورة تحدث في الرأس، فرأس النخبة في مصر على ما يبدو ليس فيها سوى مزيد من الشعر الأسود الذي ينتظر الخروج من فروة الرأس ويجد طريقه إلى الهواء الطلق.
ولا يمكن لثورة أن تنجح إلا بتفكيك المفاهيم السائدة التي تختلط فيها مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، ففي خلط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي في الواقع والمقنن في اسم الهيئة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي هناك حالة خلط ذهني تؤدي إلى حالة تلوث وطني للمفاهيم قد يصيب الوطن كله بالتسمم.
دولة تخلط رسميا مياه الشرب بالصرف الصحي تحتاج إلى جدل وحوار عام، ولكن القائمين على الحوار في مصر بتلفزيوناته وإذاعاته وصحفه لا يقبلون أن نناقش عصب المفاهيم الحاكمة للمجتمع لأن في ذلك أيضا تعرية لمن يطلقون على أنفسهم نخبة.
كتبت في السابق هنا وتحت عناوين مختلفة نقدا للمجتمع المصري لم يلق استحسانا لأنه وحسب آراء من يتصدرون الشاشات فيه قسوة. فكيف لي - كما قال لي أحدهم في القاهرة - أن أقول عن الطبقة الوسطى إنها «الطبقة الوسخة»؟ لا يهم أنني شرحت في مقال كامل كيف تنتقل الطبقة من حالة الطبقة الوسطى إلى الطبقة الوسخة. قلت يومها إن الطبقة ليست مفهوما اقتصاديا فقط بل هو مفهوم اقتصادي ملفوف بمنظومة قيمية، فإذا ما نزعنا القيم عن الأموال تتزحلق الطبقة الوسطى من موقعها إلى طبقة «وسخة» أي طبقة خالية من القيم.
كتبت أيضا ومنذ سنين عن مجتمع «فاتني القطار» أي أن المسؤولية في مجتمعاتنا تقع على القطار وليس على من تخلف عنه، بينما في اللغات الحية الأخرى نقول «أنا الذي لم يلحق بالقطار». المسؤولية تقع على عاتقي أنا وليس على القطار. وسؤالي هنا لمجتمع الثورة هو: كيف تحدث ثورة على الأرض في وقت لا تفكك فيه مفاهيم بالية، تختلط فيها رسميا مياه الشرب بالصرف الصحي؟
في مصر ومنذ الثورة هناك محاولة وإصرار على فض الاشتباك بين الصرف الصحي ومياه الشرب في الواقع وفي عقول المصريين، ولم ينجح المجتمع حتى هذه اللحظة في أي نوع من الجدة الحضارية لفتح حوار نقدي حول المفاهيم الحاكمة لمجتمع تم تجهيله لمدة ستين عاما أو أكثر، مجتمع يهتف بماضي الافتخار ولكنه يحيا حياة الاحتقار والفقر والعوز.
لم يعد المصريون في المدن الكبرى يشتمون رائحة الزبالة التي تملأ الشوارع، إذ أصبحت رائحة الزبالة سمة من سمات الشوارع، ولا أستطيع أن أعرف تكلفة رفع القمامة من الشارع إلا أن أقول إن هناك بلدانا أخرى في العالم نظيفة، إلا إذا كانت النظافة سمة من سمات الشعوب، فكيف لشعب يعيش في شوارع متسخة أن يتفاخر في ذات النفس بأنه ابن حضارة قديمة صنعت تاريخ العالم؟!
هذا الكلام بالطبع لا يصدقه إلا العقل المصري وحده، ذلك العقل الذي لا يرى تناقضا في تسمية هيئة مياه الشرب المطلوب منها جودة ونقاء المياه، أن يخلطها بالصرف الصحي. تفكيك المفاهيم هو الحل، والعقل النقدي هو الحل، العقل الذي ينتقد العبارات السيارة والدارجة التي تلهج بها الألسنة رغم أنها خلط يثير الغثيان حرفيا. كيف لوطن يريد أن يتقدم ولا يرى غضاضة في خلط مياه الشرب بالصرف الصحي؟!
القصة في مصر اليوم ليست دستورا أو رئاسة أو برلمانا، بل هي ذلك الخلط بين ما هو أدنى وما هو خير في نفس واحد وفي عبارة واحدة، خلط في المفاهيم يؤدي إلى ضبابية في الرؤية. والثورة رؤية، والأوطان رؤية، فإن اختلطت الأمور في رؤوس الشعوب واختلطت مياه الشرب بالصرف الصحي، فلا يكفي أن نكرر عبارات حب الوطن، فالحب لا يحدث إلا في حالات الصفاء، ولا يحدث في حالات التلوث.
كتبت قبلا مقالا بعنوان «الثورة في مجتمع متخلف»، وقلت فيه إن الثورة التي لا تكون الحرية بمعناها المطلق هي نتيجتها، فبئس الثورة هي. الثورة لا تكون على النظام السياسي، بل تقوم أولا ضد النظام الاجتماعي والمنظومة الثقافية الحاكمة للمجتمع. من دون تفكيك الثقافة الرثة السائدة لا تحدث ثورة.. الرئيس لا يصنع المجتمع ولا يغير ثقافة، وكذلك الصندوق الانتخابي، الثورة تغيير ثقافة، وثقافة تغيير، وهذا لم يحدث في مصر حتى الآن، لأن مياه الشرب مختلطة بالصرف الصحي في الرؤوس وفي الشارع في ذات الوقت.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.