[شريف عبد الغنى يكتب :بقاء «الأسد» وإعادة إنتاج «مبارك» و«بن علي» و«القذافي»!] «بعد ساعات قليلة من الآن سيقرر المصريون مصير الأمة العربية» الرئيس التونسي منصف المرزوقي. «الانتخابات الرئاسية المصرية ستؤسس لدور الأمة في خارطة العالم» إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في غزة. «تنبهوا -أيها المصريون- أنتم تنتخبون رئيساً لكل العرب» الكاتب اللبناني طلال سلمان. «أكاد أحلم بيوم يسمح فيه لكل عربي أن يشارك في انتخاب رئيس مصر، لأن مصر هي التي تحدد المصائر، إن حضرت حضر العرب وإن غابت غابوا» الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي. هذا غيض من فيض التعليقات التي ملأت فضاء العالم، تعليقاً على مشهد الانتخابات الرئاسية المصرية. هذه الآراء تكشف عن جانبين: الأول أنه من العار أن حكم هذا البلد العظيم والمؤثر في يوم من الأيام شخص اسمه «حسني مبارك». مكانة العالم العربي تدهورت بتدهور مصر في عهده. من هنا نفهم لماذا أطلق عليه ساسة الكيان الصهيوني تعبيرهم الأثير «كنز إسرائيل الاستراتيجي»، ولماذا شعرت بعض الأنظمة بالحزن لما قامت الثورة ضده، بل ومارست ضغوطاً على القاهرة وساومتها للإفراج عنه مقابل معونات لا تسمن ولا تغني من جوع. هم واثقون أنه لن يأتي أحد غيره -ربما باستثناء أحمد شفيق- يهبط بمكانة «أم الدنيا»، ويتيح لهذا أو ذاك أن يقفز على حساب الدور المصري. «إن حضرت مصر حضر العرب وإن غابت غابوا».. أوجز «البرغوثي» فأنجز. حينما يتحرك القلب تصل الدماء إلى الأطراف. ولما يمرض القلب يتوقف الجسد. مصر سباقة دائماً. هكذا يقول التاريخ ويدّون.. إذا نهضت رفعت معها أمتها إلى قمة جبل الانتصار، ولو وهنت هبطت بالجميع إلى جب الانكسار. في 1952 قاد جمال عبدالناصر ثورة يوليو. أنشدنا وغنى العرب معنا بعد تأميم قناة السويس «ضربة كانت من معلم.. خلّى الاستعمار يسلم». خرج الاحتلال البريطاني من مصر «القلب». «عبقرية المكان» -حسب وصف العبقري جمال حمدان- فتحت الطريق أمام تحرر العالم العربي كله. ولما رسخ عبدالناصر حكم الثوار في مصر، ولم يطبق الديمقراطية قلده الثوار العرب، وبدأت فصول ديكتاتورية طويلة أسفرت عن استبدال «الاستعمار الخارجي» ب «استعمار داخلي». عندما انتصرت مصر في حرب أكتوبر، بدأت معالم انتعاشة ونهضة معيشية عربية بارتفاع أسعار البترول. ولما تخلت القاهرة عن خيار «المواجهة الاستراتيجية الشاملة» مع «العدو» ودخلت مع السادات مرحلة «خيار السلام الاستراتيجي» مع «أولاد العم» في «كامب ديفيد» الأولى، لم تمض سوى سنوات ليحترف العرب «تخليل الخيار» في مؤتمرات ومناطق متنوعة حتى لو كان «خيار صوب بعيد عن الطزاجة ومليء بالهرمونات» بداية من «مدريد» ومروراً ب «أوسلو» و «وادي عربة» وانتهاء ب «كامب ديفيد» الثانية. «الربيع العربي» هبّ على تونس أولاً، لكن لا أحد ينكر أنه لما انتقل إلى مصر كان الاهتمام العالمي أقوى. هذا لا يقلل أبداً مما فعله التوانسة الأبطال، لكن طبيعة نظام «بن علي» وعدد سكان تونس يختلف بكل تأكيد عن طبيعة نظام «مبارك» وعدد سكان مصر. ثورة الياسمين لم تحفل بدراما وتشويق مثلما حفلت «ثورة 25 يناير». في تونس الأمور سارت طبيعية وهرب الزعيم وزوجته، و «عسكرها» قصروا الطريق وعادوا مبكراً إلى ثكناتهم. في مصر حدث العكس، بقى العسكر ودخلوا بالبلاد في متاهات مختلفة تخللتها «مليونيات» ودماء سالت وضحايا سقطوا. وظل «مبارك» ب «سريره الطبي» في قفص المحاكمة يخطف الأبصار، قبل أن يعود إلى جناحه «الرئاسي» الفاخر -وعلى نفقتنا- بأكبر بمركز طبي عالمي لا يستطيع عوام المصريين دفع ثمن قضاء ربع ساعة بداخله. حتى بعد الحكم عليه ونقله إلى مستشفى «السجن»، فإن فصول الدراما لم تنته بعد تأكيد خبراء قانون أن «البراءة» تنتظره في «النقض». سقوط مبارك لا يتساوى أبداً مع سقوط بن علي. ظن المصريون أن «المخلوع» قدر لا فكاك منه، وأنه باق وهم زائلون. كان خروجه من «القصر» زلزالاً مدوياً أسقط كثيراً من الأوهام في نفوس أبناء «المحروسة» قبل العالم. عبقرية المكان «نقلت شرارة» الغضب فوراً إلى ليبيا واليمن وسوريا، والطابور فيه من ينتظر دوره. والثورة تنادى: هل من مزيد. نصل إلى مربط الفرس. الحالة المصرية الآن فريدة من نوعها. تأثيرها سيمتد حتماً إلى محيطها. «المحروسة» تشهد هذه الأيام مواجهة بين الثورة والثورة المضادة.. المستقبل والماضي.. النور والظلام.. جلباب الشعب وعباءة مبارك. إما أن تنتصر الثورة بوصول المرشح «الإخواني» الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة أو تعود مصر إلى عصر «الديكتاتور» بكل ما فيه من فساد وإفساد وسرقة ونهب وانحدار لمكان ومكانة مصر مع «أحمد شفيق» تلميذ مبارك النجيب والمتفاخر دوماً بأن «المخلوع» مثله الأعلى. شواهد وسوابق التاريخ و «عبقرية المكان» تؤكد أنه لو انتصرت الثورة المصرية فستستكمل الثورات العربية مشوارها بالنجاح. ولو أعيد إنتاج وتعليب «مبارك جديد» فسنرى -ولو بعد حين- «زين» آخر في تونس و «معمر» بديلاً في ليبيا و «صالح» إضافياً في اليمن.. وسيبقى «الأسد» في عرينه السوري. النقطة الأهم، إن وصول التيار الإسلامي لحكم مصر، سيساهم في نضوج الحركات الإسلامية في عموم العالم العربي. سيقتنع الجميع أن الطريق السلمي والصناديق هي الفيصل وليس حمل السلاح ضد السلطة. «الإخوان المسلمون» انتهجوا منهجاً سلمياً طوال تاريخهم.. تحملوا تنكيل وملاحقات كل الحكومات ودخلوا سجون ومعتقلات كل الأنظمة. حقهم في السلطة مشروع تماماً ما دام بأصوات الشعب وليس بتزوير إرادة الأمة. توليهم الحكم إضافة لرصيد وتجربة التيار الإسلامي. الوجود في موقع المسؤولية له التزامات لأن «اللي إيده في السلطة مش زي اللي إيده في المعارضة». نضج ممارسة الإسلاميين للسياسة وتأثيرها الإيجابي على تفكيرهم، وضح جلياً في مواقف «السلفيين» بمصر. كانوا في السابق لا يعترفون بالديمقراطية ويعتبرونها كفراً واضحاً وضلالاً بيّناً، ولا يتظاهرون سوى من أجل النساء المسيحيات اللاتي يقال إنهن محتجزات داخل «الكنائس» بعد إشهار إسلامهن، لكنهم خلال انتخابات مجلس الشعب الأخيرة دخلوا اللعبة بنفس قواعدها. ارتضوا بأحكامها وما تفرزه «صناديق الاقتراع»، وصاروا يشاركون في مظاهرات ضد ديكتاتورية «العسكر». ورغم أن هناك الكثير من المآخذ على أدائهم داخل البرلمان، فإنهم بمرور الوقت سيكتسبون مزيداً من الخبرات بما يجعلهم إضافة حقيقية للحياة السياسية. وقد نالوا إعجاب معارضيهم قبل مؤيديهم عند تعاملهم مع أحد نوابهم صاحب قضية «تجميل الأنف» الشهيرة. سارعوا بفصله من حزبهم وإجباره على الاستقالة من مجلس الشعب بعدما ادعى كذباً أنه تعرض لعملية اعتداء من «بلطجية» أسفرت عن تحطم أنفه. الخائفون والمروجون ل «فزاعة الإخوان» والتيار الإسلامي، عليهم أن يجيبوا بصراحة مطلقة الآن: هل يقبلون حكماً يختلفون مع بعض توجهاته الفكرية، أم يتحالفون مع من تلوثت يده بدماء الشباب الطاهر ويعيد إنتاج أحد أسوأ أنظمة الحكم في التاريخ، ومن ثم انتقال الظلام من القاهرة -قلب العروبة- إلى ربوع الأمة؟! نقلا عن صحيفة الشرق القطرية