عندما يدق فصل الشتاء الأبواب يهرول الجميع بحثًا عن الدفئ، وهنا يكمن السؤال كيف يتم توفير الدفئ والرعاية لكائنات لا حول لها ولا قوة، تكاد تملك مشاعر وأحاسيس كالبشر ولكن لم تقوى على التعبير عنها، لذا تتبع إدارة حديقة حيوانات الجيزة روتين مميز لتوفير كافة سبل الراحة لتلك الحيوانات. وكل حيوان له طبيعة خاصة، فالزرافات بينها وبين البرد والسقيع عداء كبير لا تقوى على تحمله والتعايش معه، هكذا قال اللواء طبيب الدكتور محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان بمصر. وأوضح رجائي في حواره ل"بوابة الوفد"، أن الحديقة بها زرافة واحدة فقط لذا يتعاملون معها بحرص شديد للحفاظ عليها، وتم بناء مبيتها عكس اتجاه الرياح لصدها وتفاديها، طبقًا لأسس علمية، وطوال فصل الشتاء يجهز بيتها يوميًا ويُفرش بقش الأرز في كل مساء لتوفير الدفئ، حتى وعندما تأكل منه يعطيها طاقة عالية تساعدها على التدفئة. التغذية شق هام جدًا لوقاية الحيوان من البرد، لذا تحرص الحديقة على توفير المأكولات ذات السعرات الحرارية العالية لبعض الحيوانات التي تتأثر بانخفاض حرارة الجو، فبعضهم يحتاج لتناول المشروبات الدافئة، مثل الشمبانزي أحد أهم الحيوانات بالحديقة لأنه مهدد بالانقراض. يعد الشمبانزي شبيه للإنسان ولديه قدرة كبيرة على التفكير والاستيعاب، فهو يحصل على مشروبات دافئة صباحًا مثل الشاي، والبليلة باللبن، لمنحه الإحساس بالدفئ وإعطاءه طاقة، أما القرود تحب شُرب الشاي بلبن، هذا ما أكده رجائي. أما عن عملاق الغابة الحنون، تملك حديقة الحيوان فيل واحد فقط مثله كمثل الزرافة ووحيد القرن، وتحرص على التعامل معه وإسعاده بقدر الممكن، فيقدم له يوميًا وجبة كبيرة من الأرز بلبن، ويُدهن جسمه بالكامل بنوع من الزيت الحراري، لحمايته من البرد. وكذلك شبيه الإنسان من الطراز الأول "إنسان الغابة"، صُمم بيته بمواصفات خاصة ووضعت المكيفات به لتهيئة الجو المناسب بطبيعته الجسمانية لأنه لا يتحمل البرد الشديد وكذلك الحر الشديد. وقال رجائي، إن الحديقة بها قسم تغذية كامل لاستقبال كافة أنواع التغذية الخاصة بالحيوانات من أعلاف ولحوم وعليقة جافة، ويوجد أيضًا قسم للطهي لإعداد الوجبات المطهية طبقًا للمعايير الدولية ومراعاة نسب العناصر الغذائية بالطعام. وتحصل الحديقة على كميات محددة يوميًا من الخضار والفاكهة تُجلب طازجة، لمنح الحيوانات كل ما يحتاجونه ومحاكاة الطبيعة لهم، حتى أن هناك أنواع مثل الدببة والشمبانزي يأكلون الأيس كريم في فصل الصيف. أما عن موسم التزاوج، أكد رجائي، أن هناك إجراءات هامة يجب توفيرها لحدوث التزاوج بين الحيوانات، وهي التغذية الجيدة والإثراء البيئي والرعاية البيطرية وإعاطئهم أنواع محددة من المقويات، ففي حال حدوث قصور في أي من تلك الإجراءات يعزُف الحيوان عن التزاوج، لافتًا إلى الفيلة التي لم تتزاوج أبدًا في الأسر لذلك من الصعب تناسلها. وقد خرجت حديقة حيوانات الجيزة من عضوية المنظمة الدولية عام 2004، نظرًا لظروف وكيفية التعامل مع الحيوانات وعدم تهيئة البيئة لهم وتدهور حالتهم، فقد كان هناك قصور شديد في رعاية الحيوانات وصحتها وعدم النظافة وانتشار الأمراض بينهم. وقال رجائي، إنه تولى رئاسة الإدارة المركزية لحدائق حيوان مصر عام 2016 وسعى منذ ذلك الوقت على الارتقاء بمستوى الحديقة ورعاية حيواناتها، واقفًا على ناصية الحلم، للعودة إلى عضوية الاتحاد الدولي، مؤكدًا أن ذلك لم يتم إلا بدعم الاتحاد الإفريقي الذي مازالوا عضوًا فيه . وفي جولة ميدانية بالحديقة، التقينا بعم وحيد حارس الشمبانزي، الذي روى لنا يومياته مع أصدقائه كوكو وإنجي على حد وصفه. الصداقة لم تقتصر على البشر وحدهم، بل ضرب عم وحيد وحيوانات الشمبانزي مثل في الحب والإخلاص والوفاء، فكيف لهذا الحارس أن يتعايش مع الشمبانزي ويتحدث ويلعب معه بتلك التلقائية. يبدو الشمبانزي وهو بداخل قفصه وكوب الشاي بيده في مشهد مثير لاستغراب الزوار، الذين يتبادلون الضحك والنكات من الموقف، وعلاوة على ذلك عندما يطعم عم وحيد "كوكو" البليلة بالمعلقة وكأنه طفله المُدلل، وهنا تتعالى ضحكات الأطفال من الكوميديا التي يظهر بها كوكو وحارسه. وقال عم وحيد صاحب ال 48 عامًا، إنه يأتي كل صباح في تمام السابعة ليبدأ يومه مع أقرب أصدقائه ويرعاهم، ففي البداية يسقيهم مياه دافئة محلاه بالعسل الأسود لوقايتهم من الإصابة بالكحة، وبعدها يخرجون إلى قفص العرض أمام الجمهور، ويعتاد الشمبانزي على تناول الفاكهة من رمان وتفاح وقصب. أما عن المبيت، فهو مصنع من الخشب ويُفرش بقش الأرز في كل مساء للتدفئة، وفي أحد زوايا البيت توجد ثلاجة تضم الألبان والشاي والعسل والأدوية المخصصة لحيوان الشمبانزي. وجاء عم نادي عبد الحليم حارس الزرافة في المحطة الثانية من الجولة. قال عم نادي، إنه في كل صباح يراقب خطوات الزرافة ليطمئن على صحتها ويلقي نظرة على فضلاتها للتأكد من إتمام عملية الهضم، ويضع لها وجبة الإفطار، فهي تتناول يوميًا 4.5 كيلو حبوب مدشوشة مزيج من الدريس والعدس والذرة والفول والردة، وحوالي 3 كيلو فاكهة متنوعة من تفاح وبرتقال ورمان. ويعد البصل طعام هام للزرافة لأنه يقوي مناعتها ويقيها من أمراض الشتاء، ويفرش بيتها بقش الأرز كغيرها من الحيوانات للتدفئة. بتعرفني من نبرة صوتي واستحالة تتجاوب مع حد غيري، هكذا قال عم نادي عن الزرافة، مؤكدًا أنها تنام أوقات قليلة. وتعد "نعيمة" من أهم المحطات بالجولة. تداعب الزوار بزلومتها، وتجري وتمرح داخل قفصها، تعشق تناول السكريات التي تمنحها السعادة. بتحب تاكل القصب والبطاطا والجزر، هذا ما أوضحه عم محمد أحمد حارس الفيلة نعيمة، وبعد تناولها الإفطار تهرول إلى الخارج للوقوف تحت الشمس وعيناها ممتلئة بالفرحة. أما عن وجبة الحلو، فتكون أرز بلبن مختلط بالعسل الأسود، وهنا قام عم محمد بتحضيرها داخل المبيت لينادي عليها "نعيمة".. فتأتي مُسرعة للداخل وملئت خرطومها لتفرغه في فمها وصوتها يدوي بأرجاء البيت. وقال عم محمد، إن نعيمة تأكل يوميًا 75 كيلو برسيم، و5 لبش قصب، ووعاء كبير من الأرز بلبن، و10 كيلو بطاطا، و10 كيلو جزر، و20 كيلو خس، مضيفًا أنه يتم فرش المبيت بالدريس ووضع القصب معها في كل مساء، نظرًا إلى أن نومها لا يتعدى الساعتين. وأختتم، أنه يقوم بدهنها بزيت السيارات المختلط بزيت الطعام، للحفاظ على جلدها من التشقق خلال الشتاء، ومنحها حرارة، وفرش قفص العرض بالتراب.