أسعار الأعلاف في أسوان اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    استقرار نسبي في أسعار الخضراوات والفواكه بأسوان اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    غلق طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي ومنازل الضبعة وبوابات دهشور بسبب الشبورة    بوتين يشيد ب«بطولات جنود كوريا الشمالية» في حرب أوكرانيا    تحطم طائرة رئيس الأركان الليبي في تركيا.. تحقيق شامل وتفاصيل الرحلة الأخيرة    رئيس وزراء أوكرانيا السابق: تمسك زيلينسكي بالجيش المقاتل يدل على عدم اهتمامه بالسلام    مودرن سبورت يعلن رحيل مجدي عبد العاطي    نتائج مباريات الجولة الأولي لدور المجموعات فى كأس أمم إفريقيا 2025    النصب على الرئيس    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    حين يكون الخطر قريبًا.. كيف تحمي الدولة أطفالها من الاعتداءات الجنسية؟    بعد صعود حاد.. استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس 25 ديسمبر    تحدث بعد الجرعة الثانية، اكتشاف سبب التهاب عضلة القلب النادر بعد لقاحات كورونا    "العدل" الأمريكية تكشف عن مليون وثيقة إضافية مرتبطة بإبستين وتبرر أسباب تأخر النشر    كان على وشك الزواج.. حبس ربة منزل لقتلها طليقها بشبرا الخيمة    تطعيم الجديري المائي بمراكز «فاكسيرا» في القاهرة والمحافظات    الكويت تدين الهجوم المسلح الذي استهدف أفراداً من الشرطة الباكستانية    الكرملين: المفاوضات حول أوكرانيا ينبغي أن تجري خلف أبواب مغلقة    وزير الثقافة يلتقي محافظ الأقصر لبحث تكثيف التعاون    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    سقوط نواب بارزين وصعود وجوه جديدة.. أطول ماراثون برلماني يقترب من خط النهاية    بعد 159 عامًا في قصر العيني.. «البرلمان» ينقل جلساته للعاصمة الجديدة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 25 ديسمبر 2025    إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تطلق النار على مناطق بخان يونس ومدينة غزة    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارة ملاكي وربع نقل بقنا    ضربة قوية لداعش.. القبض على طه الزعبي وعناصر تابعين له بريف دمشق    براءة المدعي عليه لانتفاء أركان الجريمة.. حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    عاجل- طقس الخميس، الهيئة العامة للأرصاد الجوية: ظاهرتان تؤثران على طقس الخميس في جميع أنحاء مصر    بالصور .. محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد    ترتيب أمم إفريقيا - رباعي عربي في الصدارة عقب الجولة الأولى    خبير مروري لتليفزيون اليوم السابع: تغليظ عقوبات المرور يعالج سلوكيات خطرة    محافظ الدقهلية يتفقد موقع انفجار أنبوبة بوتاجاز بعقار المنصورة    لم تحدث منذ 70 عاما، محمد علي خير يكشف "قنبلة مدبولي" للمصريين في 2026    الكاميرون تفتتح مشوارها الإفريقي بانتصار صعب على الجابون    كأس الأمم الأفريقية 2025.. الكاميرون تهزم الجابون بهدف "إيونج"    موعد مباريات اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025| إنفوجراف    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    تحت عنوان: ديسمبر الحزين 2025.. الوسط الفني يتشح بسواد الفقدان    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية السباح يوسف    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بعد عام    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    التعليم وتغير قيم الإنجاب لدى المرأة.. رسالة دكتوراه بآداب السويس    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    محافظ القليوبية: توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي تمهيدا للتشغيل التجريبى    محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يتفقدان أعمال التطوير بمكتبة مصر العامة    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة الكاميرون × الجابون Twitter بث مباشر دون "تشفير أو اشتراك" | كأس الأمم الإفريقية    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    إقبال كثيف للمصريين بالخارج على التصويت بانتخابات النواب والفئة العمرية "31–50" عامًا تتصدر    صحة الفيوم تطلق مبادرة "صوت المريض" لدعم مرضى الكلى    محافظ البحيرة تتفقد القافلة الطبية المجانية بقرية الجنبيهي بحوش عيسى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: لمن العصمة داخل الكنيسة القبطية؟
نشر في الوفد يوم 09 - 01 - 2019

البابا له مركز التقدم على أساقفة إيبارشيات الكرازة المرقسية
الرئاسة رتبة محبة ومشاركة فى العمل والتدبير مع شركاء الخدمة الرسولية
القوانين لا تجيز للبابا أن يفعل شيئاً دون رأى جميع الأساقفة
المجمع المقدس هو صاحب القول الفصل.. وقراراته تعبير عن مشيئة الله
عندما كان السيد المسيح موجوداً على الأرض اختار فئة مخصوصة من المؤمنين، وسمى هؤلاء المختارين كنيسة، هذه الكنيسة قد فوض لها الرب نفسه حق سن الشرائع، وفرض الوصايا على المؤمنين، والأمر بحفظها بقوله: «كما أرسلنى الآب أرسلكم»، «من سمع منكم فقد سمع منى»، وأمر المؤمنين بإطاعتها وسماع كلمتها، وتوعد من يخالفها بالفرز من شركة المؤمنين.
هذه الكنيسة بعد أن لبست قوة من العلا طفقت تذيع بشرى الخلاص فى كل الأقطار، وتنادى بالإيمان وتتلمذ الكثيرين وتضمهم إليها، ولما اتسع نطاق الكرازة، وسادت المسيحية، وتأسست الكنائس فى بلاد كثيرة، وضع لها الشرائع، والأنظمة لتكون أساس شعائرها.
صحيح أن الله هو صاحب الشريعة، ولكنه اكتفى بوضع مبادئها تاركاً لرسله أن يبنوا على أساسه المتين، فسار الرسل على الخطة المعينة لهم بإرشاد الروح القدس لخير بنيها، وتقدمهم فى النعمة ونموهم فى الحياة الروحية، ومساعداً على خلاصهم وكافلاً خلاص الآخرين.
سفر الأعمال
وقد فعلت الكنيسة ذلك بناء على السلطان المعطى لها من الله، وكان أول عمل لها من هذا القبيل فى سفر الأعمال، حيث اجتمعت ووضعت شريعة النهى عن أكل الدم والمخنوق وغيرهما، وأعلنت هذه الشريعة للكنائس بمنشور رعائى رسولى على يد بعض الرسل.
وكان القديس بولس يطوف فى سورية يشدد الكنائس، ويأمرهم أن يحفظوا وصايا الرسل، على أن الكنيسة فعلت غير ذلك إذ انتخبت شماسة، وسامت أساقفة وقسوساً، ثم وضعت ترتيبات أخرى مثل انتخاب الرعاة، وكيفية ممارسة الخدمة الإلهية، وسياسة الكنيسة، كما وضعت شريعة الزواج، ونظام الأحكام، والقضاء بين المؤمنين، وأمرت بالخضوع للسلطة الزمنية.
ولا يخفى أن بين تعاليم الكنيسة، وبين الشريعة اتحاداً شديداً، ومشابهة كلية لأن مصدرهما واحد هو الله نفسه، وغايتهما خلاص المومنين وبنيانهم فى المسيح، ونسبة الشريعة الإلهية لتعاليم الكنيسة، كنيسة الأساس للبنيان، فالشريعة أساس الواجبات والفرائض، وتعاليم الكنيسة تشرح ما أشكل فهمه، وتضع القوانين الوضعية بحسب ظروف الزمان وحالة الحياة.
فالشريعة تحتم علينا الإيمان بالله، وتعاليم الكنيسة تشرح بالتفصيل كيفية هذا الإيمان، وتضع نظاماً لإقامة شعائر العبادة، الأولى: تأمر أن يكون الزواج مقدساً، والثانية تبين شروطه وترتيبه، الأولى تأمر بالصوم، والثانية تبين كيفيته، وما يجوز وما يمنع فيه من الأطعمة، وتحدد وقته، إلى غير ذلك.
والوصايا التى وضعتها الكنيسة، كانت بإرشاد الروح القدس، الذى حل عليها يوم عيد «البذيكوستى» وهم فى العلية، وذكرها بكل ما قاله لها الرب، وأرشدها إلى ما هو نافع لبنيان جسد المسيح، كما صرح الرسل بأنفسهم بقولهم لأنه قد رأى الروح القدس ونحن، وقد حذا الرسل حذو معلمهم إذ أقاموا لهم خلفاء ومنحوهم الحق المعطى لهم من الرب ليحسنوا التصرف فى كنيسة الله، وإقامة الرعاة فى الكنائس، وترتيب أمورهم، وهؤلاء رتبوا الأمور الناقصة، ووضعوا أموراً كثيرة لازمة لبنيان الكنيسة بالسلطان المعطى لهم من الله.
وتعاليم الكنيسة منها ما هو خاص بالإيمان وترتيب الأسرار، ومنها ما يختص بنظام الكنيسة وإدارتها، فإذا كانت الكنيسة هى رعية ورعاة، فإن هؤلاء الرعاة هم الطغمة الكنائسية التى أسسها الله لإهداء الناس إلى الخلاص بالتعليم والخدمة الإلهية، فهم مرسلون من قبل الله، ومعادلون بسلطتهم وواجباتهم للأنبياء والرسل، وخدمتهم وإن تكن جارية على الأرض فإنها تسير على خطة النظام السماوى، وقد أسس هذه الطغمة الله نفسه دون مساعدة إنسان، ولا ملاك ولا رئيس ملائكة، وأعطاهم سلطانا لم يعطه الله للملائكة، ولا لرؤساء الملائكة، لأنه لم يقل لهؤلاء: ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء، وما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء.
ولعمرى إن ملوك الأرض مقتدرون أن يضبطوا الأجسام على الأرض فقط، أما سلطان الكهنوت فإنه يمس النفس، ويرتفع إلى السماء، وما يفعله الكهنة على الأرض يكممه الله فى السماء، وما ذلك إلا لأنه أعطاهم هذا السلطان: من غفرتهم له خطاياه غفرت، ومن أمسكتموها عليه أمسكت، هؤلاء الرعاة هم ما يطلق عليهم الأساقفة والقمامصة والقسوس.
الكرازة المرقسية
والمعروف أن الكرازة المرقسية هى الأقاليم والمناطق التى كرز فيها القديس مرقس بعد صعود السيد المسيح، وتلك التى امتدت فيها الكرازة بعد استشهاده بمجهودات شعب وإكليروس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حتى اليوم.
ويمكن تعريف الكرازة بمعنى آخر، بأنها جماعة المسيحيين فى الوحدة الجغرافية التى يرعاها فيها أسقف، والأسقف يمثل حضور السيد المسيح وسط شعبه داخل الكنيسة، وهو راعٍ لرعية الله الناطقة على مثال المسيح الراعى الصالح، وطبيب نفوس وأرواح المؤمنين على مثال السيد المسيح طبيب نفوسنا وأرواحنا، وهو الذى يطلب الحل والمغفرة للخطاة التائبين من فم الثالوث الأقدس، وهو الذى يضم للكنيسة المؤمنين الجدد بسر المعمودية، وهو الذى ينقل للمؤمنين تعليم المسيح وكرازة الرسل، وهو الذى يمثل الله أمام شعبه، الذين اختاروه ليكون فماً لهم فى الكنيسة أثناء خدمته، ويرفع صلواتهم واعترافاتهم وتوبتهم وقرابينهم ليقبلها الله، وهو الذى يقود مسيرتهم الروحية فى هذا العالم، فيرشدهم ويخلدهم ويعظهم ويوبخهم إذا فعلوا الخطية، حتى يتوبوا ويرجعوا عن خطاياهم، وذلك إلى النفس الأخير حتى يشيعهم بالصلاة، وطلب الرحمة لنفوسهم إلى مثواهم الأخير.
وتوجب القوانين الكنسية أن يكون لكل إيبارشية أسقف، ويبقى الأسقف مرتبطاً بإيبارشية حتى الممات، والمعروف أن الإيبارشية هى الوحدة الجغرافية التى يرعى الأسقف شعبها، ويتم تحديد الحدود الجغرافية للإيبارشية حال رسامة الأسقف، ولا يجوز أن يتعدى أسقف على إيبارشية لها أسقفها، كما لا يجوز للأسقف التدخل فى تدبير إيبارشية غيره، كما لا يجوز نقل أسقف من إيبارشية إلى إيبارشية أخرى خالية.
أما بالنسبة للإيبارشية المدنية العظمى
الإسكندرية، فمن المعروف أن من يتولى هذه الإيبارشية هو رئيس الأساقفة، وهو البابا بطريرك الكرازة المرقسية، ومقر هذه الإيبارشية مدينة الإسكندرية، حيث كرز القديس مرقس الرسول.
ورسامة أسقف على مدينة الإسكندرية تعنى أن الأسقف الجديد هو المسئول عن رعاية نفوس شعبها وذلك بكل الوسائل والطرق والتدابير التى على كل أسقف أن يرعى بها شعبه، وذلك من خلال مجمع القسوس، ومجلس الشمامسة ومجلس الأراخنة.
وبسبب المركز المميز لأسقف الإسكندرية، ومسئولياته الخاصة، بوضعه كرئيس أساقفة الكرازة المرقسية، وبسبب وجوده فى القاهرة، فقد جرى التقليد أن يعين البابا وكيلاً له ينوب عنه أثناء غيابه عن مدينة كرسيه، ولا يملك البابا ولا المجمع المقدس تعيين أسقف لمدينة الإسكندرية، ذلك لأن القوانين الكنسية تحظر وجود أسقفين في إيبارشية واحدة، وقيام بابا الإسكندرية بمهمته الأساسية كراع وأسقف لشعب الإسكندرية يفترض أن يكون قد انتخبه أهلها برضا وقبول حر ليكون هو راعيهم.
وأسقف الإسكندرية هو رئيس أساقفة، وبطريرك الكرازة المرقسية، طبقاً لما أقره المجمع المسكونى الأول المنعقد فى نيقية عام 325 فى قانونه السادس من أن لأسقف الإسكندرية الرئاسة على كنائس مصر وليبيا والخمس مدن، وبهذه الصفة يكون للبابا مركز التقدم، والرئاسة على أساقفة إيبارشيات الكرازة المرقسية، ولا يملك أى أسقف أن يأخذ هذه الرئاسة لا بسعايته ولا بسعاية آخرين.
ولأن الرئاسة فى المسيحية هى خدمة للكل، لذلك فإن البابا ملزم بأن يحتضن الجميع، وأن يضم إليه الكل وأن يستوعبهم جميعاً فى محبة.
أسقف الإسكندرية
ورئاسة أسقف الإسكندرية على أساقفة الكرازة هى فى المفهوم الكنسى «رئاسة بالمحبة» بين أساقفة متساوين لأن خدمة الأسقفية التى يتقلدها بابا الإسكندرية، هى نفسها خدمة الأسقفية التى يتقلدها باقى الأساقفة، فرتبة الأسقفية واحدة، فأسقفية حلوان والمعصرة التى يتقلدها نيافة الأنبا بيسنتى وخدمته فيها هى نفس الخدمة التى يتقلدها الأنبا تواضروس فى أسقفية الإسكندرية، لأن كليهما أساقفة متساوون، إذ لا توجد رتبة أعلى من رتبة الأسقف يرقى إليها أسقف ليصير البابا.
فلقب البابا والبطريرك، ورئيس الأساقفة كلها أسماء تطلق على أسقف الإسكندرية، ورئاسته لأساقفة الكرازة المرقسية هى وضع قانونى من واقع الحال.
هذه الرئاسة فى الحقيقة هى مشاركة فى العمل والرأى والتدبير مع الأساقفة الشركاء فى الخدمة الرسولية، والشركة بين البابا وبين شركائه فى الخدمة الرسولية تعنى المشاركة معاً فى إصدار القرارات، والقيام بالأعمال والتصرفات العامة أى التى تعم وتهم الكل، والتى لا يكون لها صفة المكانية التى تخص خير الإيبارشية الروحى وحدها.
وقد نص القانون الرسولى رقم 25 على أن: أساقفة كل إقليم لا يفعلون شيئا كبيراً إلا برأى المتقدم وليضع كل واحد أفعاله وحدها التى هى لخير كرسيه، ولكن الذى يقام رأساً أى أولاً عليهم لا يفعل شيئا بغير رأى الأساقفة كلهم، وهكذا يكون اتفاقا واحدا.
كما نص القانون الرسولى رقم 34 على أن لا يعمل الأساقفة شيئا إلا بموافقة البابا، وهو لا يعمل شيئا بدون موافقتهم جميعا.
ومفاد ذلك أن القرارات لها صفة العمومية، وتخص الكنيسة كلها، يجب أن تصدر برأى واتفاق البابا وكل الأساقفة، احتراماً لروح المجمعية التى تتميز بها الكنيسة الأرثوذكسية، فمهما تعدد الأشخاص داخل الكنيسة، ومهما تعددت الآراء، فإنها يجب أن تكون فى وحدة الروح والمحبة.
وقد حرم الرسل 21 الاعتماد على السلطة الزمنية للتملك على الكنيسة، فنص صراحة على أنه إذا استعان الأسقف برؤساء هذا العالم، وتملك على الكنيسة من جهتهم فليقطع ويطرد، هو وكل من شاركه.
وتنص الدستيلية 4 على أن من يتبع الراعى السوء فإن موته ظاهر أمامه.
وينص قانون باسيليوس على أن الأسقف لا يتكلم على أحد من الإكليروس بسوء من قبل أن يسمع أولاً الكلام، لأنه مكتوب، والذى يبدأ بالكلام قبل أن يسمع فهو جهل منه وعار.
واستناداً إلى ذلك فإنه ليس مسموحاً لأى عضو فى الإكليروس أن ينعت عضواً آخر بتهمة الهرطقة والمروق عن الإيمان، مشهرا به وسط المؤمنين فى الكنيسة على منابر الوعظ، أو على العامة فى الصحف، أو فى وسائل الإعلام المختلفة.
ذلك لأن هذه التهمة الخطيرة لا يقوم بتوجيهها إلا مجمع مسكونى أو مكان مؤيد بمشورات علماء اللاهوت، وبعد حوار شخصى فى حضور علماء مشهود لهم مع من هو مدعى عليه بذلك، ولابد من قضاة من الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الشقيقة، حتى ينتفى أى شك فى نزاهة الحكم، وصدق التهمة أما إذا لم تتم هذه الإجراءات، واتهم الاكليروس بعضهم بعضاً بهذه التهمة، فإنهم يكونون قد ارتكبوا ذنباً يتوجب المؤاخذة ويستأهل العقاب.
وتنص قرارات قرطاجنة 55 على أن أى أسقف مضى إلى الأحكام الخارجية، واستعان بالرئاسات المدنية على حكم كنيسة الله، وخرج على طقس الكهنوت، وعما يليق بها فقد أمرنا بقطعه من درجته ظالماً كان أو مظلوماً.
وتنص الرسل 29 على أن أى أسقف استجار فى تدبيره بالبرانيين أو برؤساء العالم، بقصد ذلة شعب الله والاستعلاء عليهم بما لا يجب، فهو محروم، وليقطع هو وجميع من أعانه على ذلك.
وقد صدرت بتاريخ 2-6-1985 اللائحة الأساسية للمجمع
المقدس ناصة فى المادة الرابعة منها على أن المجمع المقدس هو السلطة الكهنوتية العليا فى الكنيسة القبطية الارثوذكسية، وهذه السلطة تشمل الاكليروس وكل الشعب، ونصت المادة السادسة على أن يتكون المجمع من البابا البطريرك رئيساً ومن كل من أصحاب درجة الأسقفية، ومن رؤساء الأديرة والخورى، بسكوبس، ووكلاء البطريركية أعضاء.
وعضوية المجلس عضوية مدى الحياة، ويسقط من عضوية المجلس من يخرج على قواعد الإيمان المسيحى السليم أو من يقع فى الهرطقة، أو البدعة أو من يصاب بالجنون أو من يصدر من المجمع حكم ضده بالقطع أو الحرمان.
والمجمع هو أيضاً السلطة التشريعية فى الكنيسة، ويملك سن القوانين واللوائح، وهو السلطة القضائية العليا، ويملك الحكم على صاحب أية درجة من درجات الكهنوت، وهو المسئول عن الإيمان والعقيدة، وهو المرجع الأول فى طقوس الكنيسة، وقرارات المجمع نهائية غير قابلة للطعن.
ويجتمع المجلس برئاسة البابا البطريرك، ولا يجوز أن يجتمع بغير رئاسته فى حياته، إلا فى حالة إذا كان البابا فى حالة صحية متأخرة جداً تمنعه من الكلام والتفكير، وفى حالة طلب أكثر من نصف أعضاء المجمع من البابا أن يدعو المجمع، وامتنع، وفى هذه الحالة يجتمع المجمع بغير رئاسة البابا ويرأس الاجتماع أقدم المطارنة.
وقرارات المجمع تعتبر صحيحة إذا صدرت بموافقة ثلاثة أرباع عدد الحاضرين، أو أكثر، ويحتسب صوت رئيس المجمع بصوتين، وقرارات المجمع ملزمة للجميع حتى للأعضاء غير الحاضرين أو الذين لم يوافقوا، وكل عضو من أعضاد المجمع يخالف قرارات المجمع أو يسىء إلى سمعته أو سمعة قراراته يعرض نفسه للمساءلة.
ومفاد ما تقدم أن البابا البطريرك لا يفعل شيئاً بغير رأى الأساقفة كلهم، فكافة القرارات الخاصة بالكنيسة ولها صفة العمومية، يجب أن تصدر برأى واتفاق الأساقفة جميعاً، فالمجمع المقدس على النحو السالف بيانه هو الجهة المختصة بمعاونة البابا فى إدارة أمور الكنيسة، إعمالاً لمبدأ الروح المجمعية الذى أقرته القوانين الرسولية.
وقد حدد القانون الخامس من مجمع نيقية المسكونى ضرورة انعقاد المجمع مرتين في السنة بفحص شئون الكنيسة مع البابا، واتخاذ قرارات في شأنها، وهذا العمل المنوط بالأساقفة وهم على هيئة مجمع، يفترض ممارسة الأساقفة مسئوليتهم دون تهيب من أحد، أو انعزال أو سلبية، وهذا يفترض مُسبقاً أن يكون قد تم اختيارهم طبقاً للإجراءات التى أوجبتها الطقوس الكنيسة، ليكونوا قادرين على أن يؤدوا هذا العمل، دون خوف أو مجاملة على حساب الحق الكنسى، فإذا أدوا هذا الدور تحت ضغط أو خوف أو إرهاب، فستصاب الكنيسة بالخلل وتعم الخسارة وستعانى الأجيال القادمة من آثار تعطل العمل المجمعى، لأن أمانة الكنيسة في كل جيل تقاس بمدى أمانة أساقفتها وشعبها، بالمجاهرة بالإيمان المسيحى، والحق الكنسى، وسيسجل التاريخ مدى هذه الأمانة من جيل إلى جيل!
وباستقراء محاضر جلسات المجمع المسكونية والمكانية تبين للعلماء أن المناقشات كانت تتم على نسق المناقشات فى مجلس الشيوخ فى الدولة الرومانية، وأن الأساقفة كانوا يجلسون بنفس الوضع الذى كان يجلس به الشيوخ، وكانت المناقشات تدار بنفس طريقة إدارة جلسات مجلس الشيوخ، فرئيس الجلسة هو الأسقف المتقدم، ويبدأ الأساقفة فى عرض الموضوعات المطلوب أخذ الرأى فيها، ويبدى كل أسقف رأيه فى الموضوع المطروح، ثم يبدى البابا رأيه، وتأخذ بعد ذلك الأصوات، وكان كل أسقف يبدى رأيه بمنتهى الحرية دون التأثر برأى البابا سواء كان سلباً أو إيجاباً إلا فى حدود الحق وسلامة الضمير.
الحق الكنسي
وتاريخ الكنيسة يُظهر أن إعلان الحق الكنسى والدفاع عن الإيمان لم يكن أمراً سهلاً، بل كان أمراً صعباً للغاية ومن أجله تألم قديسون، وعانوا، وحكم عليهم ظلماً، ونفوا وعذبوا، بل وماتوا وهم مظلومون من مجامع لم تقبل الكنائس قراراتها لمجانبتها الحق الإلهى.
فالمعروف أن القديس أثناسيوس حكم عليه فى مجمع صور سنة 335، والقديس يوحنا ذهبى الفم حكم عليه فى مجمع السنديانة عام 403 ونفى ومات وهو محروم ومنفى، والقديس ذيوسقوروس حكم عليه فى مجمع خلقيدونية سنة 451 ونُفى، ولكن فى النهاية، ومن كل هؤلاء حُفظ الحق الكنسى، ووصل إلينا طاهراً بلا عيب فى أواخر الأيام.
وبذلك فإن المجمع المقدس هو صاحب القول الفصل فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأساس ذلك قانونان هامان: أولهما قانون الشركة إلى ينص على ألا يعمل الرئيس ولا المدبر فى كنيسة الله شيئا من الأعمال إلا بمشورة أصحابه، وما يتفق عليه رأيه ورأيهم جميعاً فيما يقع فيه رضا الله، وصلاح الشعب، بمعنى أن الرأى الذى يصدر من المجمع المقدس يجب أن يكون فى صالح الرعية ومطابقاً للتقليد الكنسى الصحيح، وبالتالى فإنه لا يجب الاختلاف بين الأساقفة على ما يقره الحق الكنسى.
وثانيهما: قانون المشورة بمعنى أن يشاور الرئيس زملاءه الأساقفة وتؤخذ توقيعاتهم فى المكتوب وتنسخ منه نسخ، وتقرأ فى جميع الكنائس، وتعلن لكل الإبارشيات.
وكل عضو فى المجمع يبدى رأيه بمنتهى الحرية فى الموضوع المطروح على المجمع، ولا يملك المجمع مساءلة الأسقف الذى يعترض على آراء زملائه، كما لا يملك المجمع سلطة حرمان الأسقف الذى يخالف رأى الأغلبية لأن كل الأعضاء بمن فيهم البابا أساقفة، وجميعهم متساوون، وبالتالى فليس من بينهم من يملك إجبارهم على إبداء رأى معين، فلكل أسقف منهم أن يبدى رأيه بمنتهى الحرية، ولا يملك أحد حرمانهم من هذا الحق، فعضوية الأسقف فى المجمع المقدس، هى عضوية دائمة تستمر طوال حياته، ولا تسقط هذه العضوية إلا عن الأسقف الذى يخرج على قواعد الإيمان المسيحى السليم، أو عن الأسقف الذى يقع فى الهرطقة أو البدعة أو الأسقف الذى يصاب بالجنون أو الأسقف المحكوم عليه بالقطع أو الحرمان.
وإذا كان المجمع المقدس هو مجمع الأساقفة المدعوين لمواجهة مشكلات معينة فى حياة الكنيسة، أو لرسامة أساقفة جدد فى الكراسى الشاغرة، ولكنه ليس صاحب سلطة فوق الكنيسة، فالوظيفة الأساسية للمجمع فى الكنيسة الارثوذكسية هو الاتفاق على رأى معين يعبر فيه عن مشيئة الله وتقبله الكنيسة بشرط التزام جانب الحق الكنسى، والله هو الذى يسوس كنيسته بقوة قدرته وضبطه لكل شىء، ومن خلال الحق الذى استعلن للكنيسة بالرب يسوع المسيح.
وعلى هذا الأساس فإن الله هو السلطة الوحيدة فى الكنيسة، فسلطان الله فى الكنيسة هو حق مطلق وحيوي وأساسى للكنيسة، فالرب قال: من لا يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثنى والعشار، ومعنى ذلك أن سلطان الكنيسة ليس بشرياً تماما، إنه مستمد مباشرة وبالتحديد من الله.
والسلطان الموكل للبشر فى الكنيسة هو من أجل وحدة المؤمنين، وحين أقول إن السلطان موكل أولاً إلى الكنيسة وليس لأى مجموعة من أعضائها فإننى أعبر عن عقيدة أرثوذكسية مهمة، لأن المفهوم الأرثوذكسى لكنيسة يؤكد أن الكنيسة ليست مكونة من أجزاء منفصلة، بل هى جسد كل واحد، وحتى السيد المسيح كرأس لجسده هو داخل ضمن الكنيسة كعضو فيها، ولكنه العضو الذى له موضع الرئاسة وحق المجد والكرامة، وهو المرجع الأول والأخير فيها.
لذلك فالسلطان فى الكنيسة ليس هو سلطان البابا أو الأساقفة، فالسلطان المطلق والحكم المطلق هو معقود لله، ولوحدة كل المؤمنين مع رأسهم الإلهى، والكنيسة ككل لها كل الحق، بل عليها ألا تمتثل لأى أسقف مهما كان شأنه إن اتضح أنه غير أمين لمشيئة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.