كتبت مقالى عصر أمس حول الإنتخابات الرئاسية ومجرياتها ونتائجها ، ومع ساعات الصباح الأولى وجدتنى قبل أن أرسلها لموقع الوفد أقرر أن أغيرها وأكتب من جديد ، فمستجدات الأحداث تحول دون الكتابة عن تجربة جيدة فى الحياة السياسية العربية . وأود أن أشير فى البداية إلى أن الشعب المصرى قبل بنتيجة إستفتاء مارس ، بغض النظر عن الدعاية الدينية وطريق الجنة والنار ، وقبلنا الرغبة الجمعية ، وجاءت الإنتخابات البرلمانية ليظهر الشعب المصرى تحضره مرة أخرى ، وعلى الرغم من التجاوزات الدعائية ، إلا أن الشعب رضخ لإرادة الصندوق ، وكان لسان حالنا يقول إن التيار الدينى كان الأكثر تنظيماً وإستطاع تعبئة الناس ، حتى ولو إختلفنا مع أساليب الحشد والتعبئة ، إلا أننا جميعاً تقبلنا النتائج ، وها هما مجلسى الشعب و الشورى يسيطر عليهما تيار دينى لايمثل فى المجتمع أغلبية تتناسب مع أغلبيته البرلمانية ، وتقبل الشعب . ومر الزمن ووصلنا للمحطة الأخيرة لقطار المرحلة الإنتقالية ، الإنتخابات الرئاسية ، وعشنا جميعاً فترة الدعاية متابعين لما يدور من تنافس بين المترشحين ، ومر يوما الإنتخابات على خير ، فلم نشهد أحداثاً جسام ، ولم تقع مخالفات جسيمة ، وتابعنا الفضائيات التى سخرت كل إمكانياتها لمتابعة الفرز والنتائج الأولية وتحليلها من كل الجوانب ومع كافة الإحتمالات ، وجاء أمس لتعلن اللجنة العليا لإنتخابات الرئاسة النتيجة النهائية ، والتى لم تختلف إطلاقاً عما تناقشه وتحلله وسائل الإعلام على مدى ثلاثة أيام ، أعنى أنها لم تحمل أية مفاجآت . ولم تمضِ سويعات حتى إشتعل الموقف رفضاً للنتيجة ! أى نتيجة ، أليست تلك النتيجة التى نتداولها جميعاً منذ السبت الماضى ، فماذا حدث إذن ؟ أعرف تماماً أن الأثنين اللذين أتت بهما النتيجة قد لايروقا للبعض ، ولكنهما هما من أتى بهما الصندوق الإنتخابى ، لقد تحصلا على مايقارب نصف أصوات الناخبين ، وهل راقت للجميع نتائج الإنتخابات البرلمانية ؟ ، ومن قبلها هل راقت لهم نتيجة الإستفتاء ؟ ماساءنى قبل تطور الأحداث بهذا الشكل الدراماتيكى ، تصريحات بعض المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ ، أوبمعنى أدق الذين لم ينجحوا فى الحصول نسبة تسمح لهم بالوصول إلى مرحلة الإعادة ، فالبعض شكك فى الإنتخابات ( بعدما تأكد خروجه من السباق ) وهذا كافٍ لإثارة الأنصار ، والبعض إعتمد إسلوب التهييج لإظهار نفسه فى صورة المجنى عليه ، والبعض أعلن الرفض المسبق للنتيجة ،والتهديد والوعيد فى حال فوز الآخر ، وهو ما أجج مشاعرالبعض ليحدث ما حدث . إن قبول نتيجة معينة ورفض أخرى أمرٌ غير ديمقراطى ، إن قبول فوزنا ورفض فوز غيرنا أمرٌ غير ديمقراطى ، أن أجد شخصاً كان أمس مرشحاً للرئاسة وأجده اليوم متظاهراً ثم معتصماً رداً على النتيجة (وهو لم يحقق نتيجة تعبر عن شعبية على الإطلاق) أمرٌ غير ديمقراطى ، أن يقوم أنصار مرشح أو أكثر بإقتحام وإحراق مقار إنتخابية لمرشح آخر أمرٌ غير ديمقراطى ، أن يخرج علينا مرشح ليعلن أنه "سيدوس بالأقدام " على من صوتوا لمنافسه أمرٌ غير ديمقراطى ، أن يحاول البعض خلق فتنة طائفية بالمجتمع لأن حسب زعمه فئة صوتت لمرشح معين فرفعت من رصيده أمرٌ غير ديمقراطى ، أن يخرج الخاسرون فى الإنتخابات إلى الشارع ليمنعوا إتمام العملية الإنتخابية أمرٌغير ديمقراطى . لقد عشنا زمناً طويلاً نحلم بالديمقراطية ، ولما حدث التحول وجدناه فى طريق آخر ، البعض يقول ديكتاتورية الأقلية ، والبعض يقول هى الحالة الثورية ، والبعض يراها شرعية الشارع ، إلا أنها فى الأخير هى تحول غير ديمقراطى ، وليتنا نتداركه قبل أن يجعل الكثيرين يكفرون بكثير مما حدث ، وهنا ستكون الأزمه بحق ، لأن وقتها ستكون الفتنة التى يمكن أن تجر البلاد ماعاذ الله إلى حرب أهلية . على العقلاء أن يتحركوا ، وعلى من كانوا إلى الأمس مرشحين للرئاسة أن يكونوا على قدر المسئولية وأن يتصرفوا على قدر أهمية اللحظة ، وأن يثبتوا أنهم ترشحوا من أجل صالح هذا الوطن وشعبه وأنهم حتى بعد خروجهم من السباق لايهمهم سوى مصلحة الوطن ومصالح الشعب . إنقذوا البلد قبل أن يفلت الزمام ، إحموا وطنكم بدلاً من أن تجدوا أمره فى يد غيركم ، إقبلوا بلعبة الديمقراطية وقواعدها وإستعدوا من الآن للشوط القادم فى اللعبة ، فليأتِ من يأتى على كرسى الرئاسة وفقا للصندوق وليتجمع الآخرون فى مقاعد المعارضة ، يحاسبوه ويقوموه ، وليأت غيره بعد أربع سنوات ، وهكذا تدور عجلة الديمقراطية ، فى إطار التحول الديمقراطى . إنكم تتنافسون على رئاسة مصر ، وليتكم جميعاً تكونوا على قدر ذلك الحدث ، سواء وأنتم فى دائرة التنافس أو حتى بعد خروجكم من حلبة المنافسة . لمن لايعى .. إنها مصر .