وسط أجواء متناقضة بين تعهدات حكومية بإجراء انتخابات «تنافسية نزيهة»، وانتقادات لمعارضة ترى أن النتائج محسومة سلفا، أدلى الناخبون التونسيون بأصواتهم، أمس، فى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، لم ينافس فيها الرئيس المنتهية ولايته زين العابدين بن على سوى 3 مرشحين، 2 منهم معروفان بقربهما من السلطة، وهما محمد بوشيحة، مرشح حزب «الوحدة الشعبية»، وأحمد الأينوبلى، مرشح «الاتحاد الديمقراطى الوحدوى»، إضافة إلى المرشح الثالث، أحمد إبراهيم، الذى أكد أن السلطات تعمدت تعطيل منحه إذنا رسميا لبدء حملته الانتخابية أسبوعا كاملا رغم بدء الحملات ال 3 الأخرى قبله ب 7 أيام. ورغم بلوغ عدد الناخبين المقيدين فى الجداول الانتخابية نحو 5 ملايين مواطن يحق لهم التصويت، تشهد مراكز الاقتراع إقبالا ضعيفا، وهو ما جاء متسقا مع توقعات منتقدى نظام بن على (73 عاما)، بفوزه بفترة ولاية خامسة خلال ال 22 عاما التى حكم فيها البلاد منذ عام 1987، شهدت الأعوام الأخيرة منها 3 انتخابات رئاسية تعددية، أفرزت جميعا فوز المرشح نفسه لحزب «التجمع الدستورى» الحاكم. وخلال الحملة الانتخابية، التى اقتصرت المنافسة النسبية فيها على مرشحى الانتخابات التشريعية ال 1080 المنتمين إلى 9 أحزاب إضافة لبعض المستقلين، تبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات، وأكد نشطاء حقوق إنسان محليون ودوليون أن الحكومة تمارس التضييق على مرشحى المعارضة لضمان فوزها، وقالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن الانتخابات تجرى فى مناخ من القمع. فى المقابل، خرج الرئيس المنتهية ولايته عبر وسائل الإعلام المملوكة للدولة – رغم انتهاء الحملة الانتخابية – للرد على تلك الاتهامات، مؤكدا أنها جزء من «حملة أكاذيب» تشنها المعارضة، التى رأى أنها «تخذل بلادها» من خلال استقوائها بأطراف أجنبية. ورغم إقرار الكثيرين بحالة «الحراك السياسى» الحادثة على الساحة التونسية منذ اتجاهها للانتخابات التعددية، ترى تيارات معارضة رفضت المشاركة فى الانتخابات أن انخراط البعض فى تلك الانتخابات «مغامرة محكوم عليها مسبقا بالفشل»، لأنهم ليسوا سوى «معارضة مفروضة من أجل ديكور ديمقراطى صورى لا أكثر»، ويدللون على ذلك ب «كوتة» أو حصة ال 25%، أى ما يعادل 35 مقعدا «الممنوحة» مسبقا منذ عام 1994 من الحكومة لأحزاب المعارضة بين «راديكالية» و«موالية» – حتى الخاسرة منها – لشغل مقاعد فى البرلمان، مع ضمان الحكومة فوزها بأغلبية ال 214 مقعدا.جاءت تلك الانتقادات على لسان الأمين العام السابق للحزب الديمقراطى التقدمى أحمد نجيب الشابى، فى تصريحات خاصة ل «المصرى اليوم»، وقال الشابى، وهو أبرز الشخصيات المعارضة التى قاطعت الانتخابات، إن السلطات عمدت فى التغييرات الدستورية الأخيرة التى أجرتها قل بضعة أشهر إلى إقرار «قانون على المقاس»، بهدف إقصائه هو شخصيا من المشاركة فى العملية الانتخابية. الأمر نفسه ذهب إليه أمين عام «التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات» مصطفى بن جعفر، الذى قرر مقاطعة الانتخابات الرئاسية والاستعاضة عنها بخوض الانتخابات البرلمانية، وصرح جعفر ل «المصرى اليوم» بأن الانتخابات «صورية»، وأنها ستفضى بالضرورة إلى «تجديد المبايعة» ل«بن على». ومن بين المتنافسين المشاركين فى السباق الرئاسى، علق أحمد إبراهيم، مرشح «حركة التجديد»، على ما يجرى بأن الانتخابات شهدت «تقهقرا خطيرا للوراء»، خاصة ما يتعلق بالترشيحات وسير الحملة، مشددا على أن «التحول الديمقراطى ضرورة وطنية لم تعد تحتمل التأجيل». وفى مفارقة انتخابية، أكد المنذر ثابت، أمين عام الحزب «الاجتماعى التحررى»، أحد الأحزاب الليبرالية، ل «المصرى اليوم»، أن بن على أثبت خلال ممارسته الحكم أنه بالفعل «رئيس لكل التونسيين»، وتأتى المفارقة كون «ثابت» يدعم خوض حزبه المعارض للانتخابات التشريعية، ويعلن فى الوقت نفسه دعمه لمرشح الحزب الحاكم، قائلا إنه «الضامن لتقدم المشروع الإصلاحى والداعم الوحيد للتعددية.. وإن تونس لاتزال تحتاج للرئيس بن على على رأس الدولة».