ذكرت صحيفة جارديان البريطانية أنه وبعد عامين، يبدو أن صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي توشك على الدخول في مرحلة ما قبل الإعلان. وكان ترامب قد أعلن أن خطة السلام، التي أعدها فريقه المكون من محاميين سابقين وصهره جاريد كوشنر، ستكون جاهزة للكشف عنها بحلول نهاية يناير الجاري. وعلى الرغم من الترقب الشديد لمقترحات ترامب لحل أحد أكثر الصراعات التاريخية في العالم، فإن هناك خطة أكثر أهمية للمنطقة يجري تنفيذها بالفعل على أرض الواقع، ألا وهي تقوية يد إسرائيل وإضعاف الموقف الفلسطيني. ونفذت الولاياتالمتحدة مطالب اللوبي الإسرائيلي المتشدد، حيث خفّضت بشكل كبير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وأعلنت مدينة القدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى إغلاق المكاتب الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، فضلا عن إغلاق القنصلية الأمريكية التي تخدم الضفة الغربيةالمحتلةوغزة. وقالت الصحيفة إن صفقة السلام بالنسبة للفلسطينيين - ولكثير من الإسرائيليين - هي مجرد "عرض ثانوي"، موضحة أن القضية الأكبر، التي لا تعتمد على السلام، هي تنفيذ رغبات إسرائيل من قبل إدارة ترامب. وأكد ترامب، مرارا وتكرارا أن تلك الإجراءات تهدف إلى إجبار القادة الفلسطينيين - الذين يرفضونه كوسيط متحيز - على بذل جهود السلام، مضيفا أن إسرائيل ستضطر إلى "دفع ثمن" السلام ، على الرغم من عدم تحديد ماهيته. وكان رد القادة الفلسطينيون أنه لا توجد خطة حقيقية للتوصل إلى حل عادل، حيث صرحت القيادية البارزة حنان عشراوي بأن الخطة "مجرد كذبة"، مضيفة أن "الجميع يعلم أن الولاياتالمتحدة أصبحت شريكة لإسرائيل من خلال تنفيذ سياساتها"، مشيرة "كل ما نراه هو إجراءات أحادية الجانب". وبالرغم من أن إدارة ترامب لم تكشف عن تفاصيل الخطة، إلا أن هناك بعض الجوانب أصبحت أكثر وضوحا. أولاً، على خلاف الجهود السابقة التي قادتها الولاياتالمتحدة، فإن خطة ترامب ستكون على الأرجح أكثر تحديدًا وإلزامًا"، حيث أن "بنود الخطة ستكون مركزة بشكل كبير على المطالب الإسرائيلية القائمة على الآراء السياسية لمؤلفيها". وعلى سبيل المثال، قال جايسون جرينبلات، نائب الرئيس التنفيذي وكبير الموظفين القانونيين للرئيس الأمريكي ومنظمة ترامب، إن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربيةالمحتلة - غير القانوني بموجب القانون الدولي - ليس عقبة للسلام. وكان السفير الأمريكي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، أكثر صراحة في دعمه لبناء المستوطنات الإسرائيلية، وحتى ضم الأراضي الفلسطينية. ثانياً، ستدفع الولاياتالمتحدة كلا الجانبين إلى قبول الصفقة، ما يعني أنها عرضة للانهيار. وقال جرينبلات إن على الأطراف أن تقرر "ما إذا كانت الخطة لصالحهم"، مشيراً إلى أن "الأطراف هم الوحيدون الذين يمكنهم تقديم هذه التنازلات". ويقول مراقبون إنه من الواضح أن أولئك الذين يصوغون الخطة ربما لا يراهنون على نجاحها في تحقيق أهدافهم، والتي يجري تنفيذها بالفعل على أرض الواقع. وقالت الصحيفة أن هناك فئة قليلة جداً يرغبون في السلام مقارنة بالماضي، حيث أظهر استطلاع رأي في أغسطس أن 9٪ فقط من الإسرائيليين يريدون من حكومتهم إعطاء الأولوية للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين في عام 2019. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يدرك تماماً مشاعر الرأي العام وتوجهاته مع اقتراب الانتخابات، إنه لا يرى ضرورة ملحة بشأن كشف ترامب عن خطته للسلام. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان أكثر وضوحا، عندما سئل عن اتفاق سلام يمكن أن يؤدي إلى حكم ذاتي فلسطيني، قال: "أنا لا أهتم بدولة فلسطينية". كما صرحت وزيرة العدل إيليت شاكيد بأنها ستخبر ترامب بأن الخطة "مضيعة للوقت". ومع انخفاض سقف النجاح المتوقع، فسيُجبر الفلسطينيين على أحد الخيارين، إما قبول خطة أمريكية أقل قبولاً لقضيتهم منذ بدء جهود السلام، أو الخضوع للإجراءات العقابية. وإذا تم رفض الخطة كلية، فإن الوضع الراهن سيظل كما هو مع ترسيخ إسرائيل لاحتلالها للضفة الغربية واستمرار فرض الحصار الخانق على غزة. ويصر المسئولون الأمريكيون على وجود جهود حقيقية للسلام، فالمهندسين الثلاثة - جرينبلات وفريدمان وجاريد كوشنر - جميعهم لديهم خلفية تجارية وكانت رؤيتهم هي معالجة الصراع كصفقة. وبفضل الحوافز الاقتصادية، فإنهم يأملون في إقناع الجانب الذي أعطى أولوية للمسائل المبدئية، مثل حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم أو دعوة القدس عاصمة لهم. وفي يوليو الماضي، كتب الثلاثي مقالاً في صحيفة واشنطن بوست أكد فيه إنه "لا يوجد سبب يمنع الفلسطينيين (في كل من الضفة الغربيةوغزة) من تحقيق النجاح الاقتصادي والاندماج في اقتصاد إقليمي مزدهر، إذا سمحوا لنا بالمساعدة". ويرى ترامب أيضا أي مفاوضات على أنها "معاملات"، حيث قال إنه يتعين عليه إجبار الفلسطينيين على التوصل إلى اتفاق بإضعاف أيديهم من خلال تخفيضات المساعدات.