مصر بوتقة فريدة ينصهر فيها الجميع، فيصبح الكل فى واحد فأهلها كانوا وما زالوا نسيجاً واحداً لا يمكن أن ينفصل، هذه حقيقة يعلمها الجميع وتؤكدها الحقائق التاريخية ، فشعب مصر طوال تاريخه واحد لا ينفصم، والفتنة التى تطفو على السطح من وقت لآخر ما هى إلا مجرد زوبعة فى فنجان، يحاول خلالها البعض أن يزكى نزعة التفرقة والتشاحن بين عنصرى الأمة، وفى المقابل نجد الوعى الشعبى يؤكد كل يوم أن المصريين نسيج واحد لا يمكن أن تنفصم عراه. المساجد والكنائس تؤكد أنه لا فرق بين مسلم ومسيحى فى قلب مصر، ففى حين تستقبل المساجد عشرات المسيحيين كل يوم تستقبل الكنائس مثلهم من المسلمين، وبعيدًا عن المناسبات الدينية أو الاجتماعية التى يحضرها البعض للمجاملة أو الوجاهة السياسية، إلا أن دور العبادة فى العرف الشعبى هى قبلة للمصريين جميعا، لا يدخلونها للعبادة فقط ولكنها «بركة» تشمل الجميع مسلمين ومسيحيين، وفى مقدمتها مساجد بعينها مثل السبع بنات والسيدة نفيسة والسيدة زينب، وكنائس سانت تريزا ومار جرجس والعذراء مريم بالزيتون والمنيا، حتى أصبحت قبلة للمصريين جميعا، يدخلونها آملين من الله تحقيق أحلامهم فى النجاح أو الشفاء أو الزواج أو غيرها. فى الوقت نفسه تشهد الهضبة الوسطى بالمقطم إنشاء مجمع دينى يشمل مسجداً وكنيسة ومستوصفاً خيرياً ومكتبة، تبرعت بأموالها سيدة قبطية وبعد وفاتها تولى أبناؤها إنشاء المجمع الذى يعد صفعة على وجه كل من يحاول إزكاء روح الفتنة فى مصر. أول مسجد فى مصر الإسلامية أنشأه مسيحى الهلال والصليب.. تاريخ الوحدة الطويل 100 عام هى عمر شعار «يحيا الهلال مع الصليب»، اللذان تعانقا لأول مرة خلال ثورة 1919، إلا أن هذا الشعار متحقق ومتجسد فى قلوب المصريين منذ أزمان بعيدة، فالمصريون الذين رحبوا بالفتح العربى لمصر ليتخلصوا من اضطهاد الرومان، سرعان ما عرفوا الإسلام وتمسكوا به، بل إن علماء مصر برعوا فيه أكثر من أبناء الجزيرة العربية أنفسهم، ومن مصر انتشر الإسلام فى أفريقيا كلها. واليوم يتعانق الهلال والصليب فى كل مكان قولاً وفعلاً، فوجود المساجد بجوار الكنائس ليس مجرد صدفة، إنما هو دليل على ترابط المصريين ووحدتهم، وتأكيد على أن مصر فعلاً «فيها حاجة حلوة». ويكفى أن نذكر أن أول مسجد بنى فى سيناء أثناء الفتح الإسلامى بناه عامل مسيحى من أهل طور سيناء يدعى بنيوتى جريجورى، وهو مسجد معروف باسم مسجد الكيلانى أو الجيلانى. يذكر أن المسلمين حينما دخلوا مصر دخلوها من ناحية سيناء وقاموا بإنشاء أول مسجد بها لإقامة الصلوات فاستعانوا بهذا العامل المسيحى الذى أنشأ المسجد بجوار مقام لأحد مشايخ سيناء يحمل نفس الاسم والمسجد معروف باسمه حتى الآن. وطوال التاريخ ظل المصريون نسيجا واحدا تتجاور كنائسهم ومساجدهم، ويعيش المسلمون والمسيحيون جميعاً متجاورين متحابين حتى ظهرت جماعات الإسلام السياسى كالبثور على سطح المجتمع وراحت تضرب على أوتار الفتنة لإحداث شقاق فى المجتمع، إلا أن الضمير الشعبى رفض ذلك وظل الهلال والصليب متعانقين وظهر هذا جلياً إبان ثورتى 25 يناير و30 يونية، حينما وقف المسيحيين يحرسون إخوانهم المسلمين أثناء الصلاة، وحينما حضر المسلمون القداسات التى كانت تقام فى آحاد الثورتين. والتسامح والإخاء ليس وليد الثورات والمعارك السياسية فقط، إنما هو جزء متأصل فى تاريخ مصر والمصريين، ويكفى أن نذكر أن أشهر أديرة مصر دير سانت كاترين يضم بين جنباته مسجداً تم بناؤه ليؤكد على التسامح بين الأديان فى مصر، هذا المسجد أنشئ فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله عام 1106 ميلادية، حيث يضم المسجد كرسى شمعدان من الخشب عليه نص كتابى من عهد الإنشاء فيه اسم منشئ الجامع، وهو أبو المنصور «أنوشتكين الآمرى» نسبة إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، الذى بنى هذا المسجد وثلاثة مساجد أخرى بمناطق سيناء، كما يوجد بالمسجد نص كتابى محفور على واجهة منبره بالخط الكوفى يؤكد أن بناءه تم فى عهد الآمر بأحكام الله وتاريخ الإنشاء واسم منشئ المنبر وهو الأفضل بن بدر الجمالى عام 500 هجرية. ولهذا المسجد أهمية كبرى لدى أبناء سيناء خاصة قبيلة الجبالية التى تقوم بأعمال حماية الدير، كما أنه كان يمثل أهمية للحجاج المسلمين فى طريقهم لمكةالمكرمة عبر سيناء، وما زال المسجد يحتفظ بكتابات تذكارية عديدة على محرابه لحجاج فى طريقهم إلى البيت الحرام. ومن سيناء إلى القاهرة حيث تتجلى روح التسامح والوطنية فى منطقة مصر القديمة التى تتجاور فيها الكنائس الأثرية وأول مساجد القاهرة (مسجد عمرو بن العاص) وعلى مقربة منه مسجد أحمد بن طولون، لتحفر فى ذاكرة المصريين جميعاً عناق الهلال والصليب الأبدى فى قلب مصر. ومصر- التى وصفها المقريزى بقلب الأرض – ستظل دائماً هى الأم التى تجمع شمل أبنائها، وأن وحدتها لن تتأثر وأبناؤها لن يتفرقوا أبداً، ويكفى أن نذكر أن الدولة نفسها نفت عن نفسها شبهة التعصب لأحد طرفى الأمة بإنشاء أكبر كنيسة فى مصر والشرق الأوسط وهى الكاتدرائية الأرثوذكسية بالقاهرة، حيث ذكر الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل فى أحد مقالاته بمجلة وجهات نظر أنه عند بناء الكاتدرائية، طلبت الكنيسة من الرئيس عبدالناصر المساعدة فى بناء الكاتدرائية، فقرر بناءها كاملة على نفقة الدولة، وطلب عبدالناصر من مؤسسة البناء والتشييد أن تتولى شركات المقاولات التابعة للمؤسسة بناء وتجهيز الكاتدرائية، وإضافة التكاليف على حساب العمليات الأخرى التى يقوم بها القطاع العام، وعقب قيام ثورة 30 يونية توجه الرئيس السيسى شخصياً للكاتدرائية لتقديم التهانى فى الأعياد وتقديم واجب العزاء فى ضحايا العمليات الإرهابية الغادرة، كما أقر البرلمان قبل أكثر من عام قانون إنشاء دور العبادة والذى يزيل العقبات التى كان يضعها المتشددون أمام إنشاء الكنائس من قبل، ويتساوى المسلمون والمسيحيون فى الحق فى إنشاء دور العبادة. لا تفريق فى «البركات» بين مسلم ومسيحى أقباط فى زيارة «أولياء الله الصالحين» روحانيات الأماكن المقدسة لا تجعلها أماكن للعبادة، فقط وإنما قبلة لكل من يريد الراحة والسكون والتقرب إلى الله الواحد الأحد، هذه الروحانيات جعلت المساجد غير مقصورة على المسلمين، بل جعلتها ملاذاً للمسيحيين أيضاً، ففى مصر الحقيقية لا فرق بين مسلم ومسيحى، ومن له حاجة عند الله ينشدها فى أى مكان، لذلك تستقبل مساجد مثل السبع بنات، السيدة زينب، السيدة نفيسة وغيرها، عشرات المسيحيين يومياً ينشدون قضاء حوائجهم. يعد مسجد السبع بنات من أشهر مساجد القاهرة، وسبب الشهرة ليس دينياً وإنما أسطورة توارثها المصريون منذ حوالى 600 عام، فتاريخ هذا المسجد يعود لعام 1418 ميلادية حينما بناه الأمير «فخر الدين عبدالغني» المملوكى من الحجر، تخليداً لذكرى بناته السبع اللائى توفين عذراوات بسبب مرض الطاعون، حيث قام بدفن رفاتهن فى المسجد الذى يتسم بالفخامة والشموخ من الداخل والخارج، وله مدخل واحد، وكان ملحقاً به مدرسة لتعليم الأطفال «كتاب» وبئر. وارتبط هذا المسجد فى أذهان المصريين جميعاً بتزويج الفتيات اللائى فاتهن القطار، لذلك تتوجه إليه مئات الفتيات من المسلمات والمسيحيات خاصة يوم الجمعة للابتهال إلي الله ليرزقهن بابن الحلال، ونتيجة لهذه الشهرة راح أصحاب مكاتب الزواج يستغلون حوائط المسجد الخارجية للإعلان عن خدماتهم لتوفير شريك الحياة. وفى المسجد لا تلتقى عيناك بفتيات وسيدات ريفيات بسيطات فقط، وإنما تجد فتيات جامعيات مسلمات ومسيحيات كلهن أتين لهدف واحد وهو الدعاء لله بإيجاد «ابن الحلال»، لفت نظرى وجود فتاة تجلس على أحد الجوانب تنتظر انتهاء الصلاة دون أن تؤديها، سألتها فقالت أنها تدعى س. م. اكتشفت من الاسم أنها مسيحية، حاصلة على بكالوريوس تجارة عمرها 34 عاما، تعمل فى أحد البنوك الكبرى، وقالت إنها فقدت الأمل فى الزواج بعد أن تقدم لها أكثر من عريس ومع ذلك ينتهى الموضوع لأسباب تافهة، فنصحتها إحدى صديقاتها بزيارة المسجد والدعاء فيه أن تجد ابن الحلال. وأكدت أنها دخلت على شبكة الإنترنت وقرأت عن زيارة المسيحيين للمساجد فوجدت أنها أمر عادى، فجاءت مع صديقتها المسلمة التى كانت تصلى، وأثناء ذلك راحت تدعى الله أن يوفقها للحصول على زوج المستقبل. الغريب أن الأسطورة تلزم رواد المسجد من الفتيات بالذهاب إليه سبع مرات متتاليات، يفرق بين كل مرة وأخرى 7 أيام وطواف صحنه سبع مرات والدعاء، بعدها تتحقق المعجزة ويفك الله كرب الراغبات فى الزواج، ورغم علم الجميع أنها مجرد أسطورة، إلا أن المسجد يستقبل فى أيام الجمع مئات الفتيات، عدد كبير منهن من الجامعيات، كلهن يهدفن لأمر واحد وهو «ابن الحلال». كما يستقبل مسجد السيدة نفيسة عشرات السيدات المسيحيات يومياً أيضاً والسبب الاعتقاد السائد بقدرة نفيسة العلم على تزويج الفتيات وحل المشاكل الزوجية وإنجاب الأطفال. والسيدة نفيسة هى ابنة الحسن بن على بن أبى طالب، وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت فى مكةالمكرمة عام 145ه وجاءت مع عائلتها إلى مصر عام 193 ه، وقضت فى مصر 15 عاماً، وأحبها أهل مصر وتمسكوا بها، حتى بعد وفاتها رفضوا نقل رفاتها من مصر إلى البقيع، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى زوجها فى رؤية قائلا له «اترك نفيسة لأهل مصر فإن البركات تتنزل عليهم ببركتها». وتذكر كتب التراث أنه إبان إقامتها فى مصر شح النيل وجف منسوبه، فجاء الناس إليها وقالوا لها إن منسوب النيل قد انخفض فخلعت حجابها وطلبت من أهل مصر أن يلقوا به فى ماء النيل ففاض النيل ببركة الله وبركة نفيسة العلم. هذه المعجزة وغيرها جعلت المصريين يتعلقون بها وأصبح مسجدها قبلة للمسلمين والمسيحيين، لعل المعجزات تتحقق بعد الدعاء فى هذا المكان الذى يفيض بالروحانيات والهدوء والسكينة. ومن مسجد السيدة نفيسة إلى مسجد السيدة زينب حيث يتوافد آلاف المصريين كل يوم لا فرق بين مسلم ومسيحى، الكل يستجير بأولياء الله الصالحين مستبشرا بهم لعل الله يحقق الآمال والأحلام. ورغم أن السيدة زينب بنت على بن أبى طالب لم تعش فى مصر سوى عام واحد، حيث جاءت إلى مصر عام 61 هجرية بعد موقعة كربلاء، وتوفيت عام 62 هجرية، إلا أن لها مكانة خاصة لدى المصريين، حيث يعتبر مسجدها قبلة ترنو إليها قلوب مريديها من المسلمين والمسيحيين الذين يتوافدون على مسجدها كل يوم للتبرك بالضريح الأشهر، كما أن مولدها الذى يقام فى شهر رجب من كل عام يعتبر من أشهر الموالد التى تقام فى مصر، ويستمر الاحتفال به لأسبوع كامل، وتبدو فيه روح الألفة والإخاء والتعاون. ويؤكد الشيخ محمد عبد الله أحد عشاق المقام الزينبى أن هناك سيدات مسيحيات يأتين للمسجد للتبرك والدعاء أمام مقام أم العواجز حيث عرف عن السيدة زينب حبها للفقراء ومساعدتها لهم، وهو ما رسخ فى أذهان المصريين حتى الآن، مشيرا إلى قصة سيدة مسيحية جاءت إلى المسجد بعد أن ظلت 10 أعوام دون إنجاب، مع عدم وجود موانع طبية لديها أو لدى زوجها، وقالت أنها رأت فى المنام أنها توقد شمعة كل يوم أمام المقام لمدة 30، وبالفعل استمرت السيدة تأتى كل يوم توقد شمعتها، وبعد انتهاء الثلاثين يوماً بشرها الطبيب أنها حامل. وقال إن التبرك بأولياء الله الصالحين عادة مصرية، فالجميع يعلم أن كل شىء بأمر الله تعالى، ولكن زيارة أولياء الله الصالحين تريح النفوس، والدعاء فى الأماكن المقدسة مستجاب بإذن الله، مشيراً إلى أنه ينتمى إلى إحدى الطرق الصوفية التى تهيم عشقا فى آل البيت المحمدى، مؤكدا أن المصريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية يثقون بآل البيت. أيضاً كان مسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة أحد المساجد التى يقبل عليها المسلمون والمسيحيون على السواء حتى سنوات قليلة مضت، حيث كان بالمسجد بئر قديمة كانت تستخدم للوضوء عند إنشاء المسجد، وبعد تطويره ظلت المياه بالبئر وثارت حولها شائعات تدور حول قدرة هذه المياه على القضاء على العقم إذا تم صبها على الظهر، ومن هنا كان المئات من المسلمين والمسيحيين يتوجهون للمسجد للحصول على مياهه الشافية، حتى قامت وزارة الآثار بتغطية البئر، وبعد أن تمت معالجة مشكلة المياه الجوفية بالمنطقة جفت مياهه، وأصبح المسجد داراً للعبادة فقط تقام فيه الشعائر الدينية والصلوات ويعد مزاراً سياحياً، حيث إنه أول مسجد أقيم فى الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية. معجزات «أم النور» تتغلب على الاختلاف الدينى مسلمون يطلبون الشفاء فى «سانت تريزا» الكنائس فى مصر ليست دور عبادة للمسيحيين وحدهم، ولكنها أيضاً مقصداً للمسلمين، يتوجهون إليها للتبرك والبشر، وهناك كنائس اشتهرت فى الوجدان الشعبى المصرى بأنها مزارات للمسلمين والمسيحيين معاً. فبعيداً عن زيارة الكنائس الأثرية كالكنيسة المعلقة أو دير سانت كاترين، فهناك كنائس تستقبل كل يوم روادها من المسلمين والمسيحيين على السواء، أشهرها كنيسة سانت تريزا بشبرا، والتى يعشقها كل سكان المنطقة ويأتى إليها الزوار من كافة المحافظات أيضاً. هذه الكنيسة تتبع طائفة الأقباط الكاثوليك، وأنشأت عام 1931، على الطراز البازيليكى الشبيه بالمعابد الرومانية، وتنسب إلى قديسة فرنسية عاشت فى مصر ودخلت الدير وهى لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، اسمها «مارى فرنسوا تريزا مارتين» وعرفت بالأم تريزا ولقبت ب«وردة المسيح الصغيرة»، ورغم أنها عاشت حياة الرهبنة لمدة 9 سنوات فقط حيث توفيت عن عمر يناهز الرابعة والعشرين عاماً، إلا أنها أعمالها كانت سبباً فى حب المصريين جميعاً لها وليس المسيحيين فقط. وتستقبل الكنيسة كل يوم مئات الزوار من المسلمين والمسيحيين المحبين للأم تريزا، بل أنه توجد بها غرفة تحتوى على عدد من اللوحات الرخامية موقعة باسم كبار المشاهير، منها عدة لوحات من المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، كتب فيها «شكراً لأمنا الحبيبة تريزا»، «باركينى أيتها الأم الطاهرة»، «كونى بجوارى أيتها القديسة الطاهرة»، «إلى روح القديسة الطاهرة تريزا مع شكرى العميق» حيث اشتهر العندليب بحبه لهذه القديسة التى كان يتبرك بها ويعتقد فى وقوفه إلى جواره فى مرضه. كما توجد لوحة أخرى موقعة باسم «نجاة حسنى» أو المطربة نجاة الصغيرة، كتبت فيها «باركينى أيتها الأم الحنون»، كما توجد لوحة باسم فريد الأطرش كتب فيها «نتبارك دائماً بروحك الطاهرة يا أمنا الحنون»، وكتبت شقيقته الفنانة أسمهان «شكراً على مساعدتى أيتها القديسة الحبيبة»، ولوحة أخرى موقعة باسم الموسيقار محمد عبدالوهاب عام 1958، كتب فيها «شكراً للأم الطاهرة»، أما أم كلثوم فقد كتبت فى لوحتها الموقعة عام 1960 «أتبارك بك دائماً أيتها الأم الطاهرة». وإلى جوار لوحات المشاهير توجد لوحات أخرى موقعة بأسماء مسلمين ومسيحيين ببركتها، كتبها أشخاص عاديون بأقلامهم الشخصية، من بينهم مصطفى على مصطفى الذى كتب «شكراً على الشفاء أيتها القديسة الطاهرة وذيل كتابته بتاريخ أكتوبر 1984»، أما رحمة عبدالله فكتبت «باركينى يا أمنا الحبيبة»، أما مريم حسن فكتبت «شكراً على النجاح أيتها الأم الحبيبة». ويعتبر يوم 20 سبتمبر يوم مولدها عيداً لسكان منطقة شبرا جميعاً حيث تستقبل الكنيسة آلاف الزوار سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين، يتوافدون جميعاً لإضاءة الشموع للقديسة الطاهرة التى يتبركون بها لتحقيق أحلامهم. وأكد القائمون على الكنيسة أنها تستقبل الكثير من النذور، من مختلف الطوائف المسيحية ومن المسلمين أيضاً مما يعكس عمق المحبة التى تجمع المصريين جميعاً. وفى مختلف ربوع مصر يوجد عدد كبير من الكنائس تحمل اسم السيدة العذراء، يأتى إليها مئات المسلمين للحصول على البركة، خاصة كنيسة العذراء بالزيتون، والتى يقال إنها شهدت معجزة ظهور السيدة العذراء، أكثر من مرة بل إن منهم من يتوجه من أقصى محافظات الشمال إلى محافظة المنيا وتحديداً إلى قرية دير الجرنوس التابعة لمركز مغاغة لزيارة كنيسة العذراء التى أقيمت فى الموضع الذى زارته العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر، حيث تفجرت لهم عين ماء ليشربوا منها، وأقاموا فى هذا المكان لمدة 4 أيام، وتحفل هذه الكنيسة بعشرات القصص عن المعجزات التى حدثت لروادها وهو ما جعلها مزاراً لكل الآملين فى النجاح والشفاء والإنجاب وتحقيق الأحلام. كما يعتبر مولد السيدة العذراء بأسيوط واحداً من أهم المناسبات الدينية، التى يحتفل بها المسلمون والمسيحون على حد سواء حيث يبدأ الاحتفال يوم 7 أغسطس، وينتهى يوم 21 من نفس الشهر، وهو يواكب لجوء «العائلة المقدسة» إلى جبل درنكة بأسيوط، وتستقبل المحافظة وقتها مسلمين ومسيحيين من كافة محافظات مصر. فالسيدة العذراء أو أم النور كما يحلو للمصريين تسميتها هى أحد أهم المقدسات المصرية، فهى مقدسة لدى المصريين جميعاً لا فرق فى ذلك بين المسلمين أو المسيحيين. القديس المشترك فى فيلم أمير الظلام كان للفنان عادل إمام «أفيه» شهير حول مولد سيدى العريان، البعض لا يعلم أن هذا القديس حقيقى ويحتفل به أهالى المعصرة وحلوان مسلمون ومسيحيون، فرغم أنه من المعروف أنه قديس مسيحى يحمل اسم برسوم العريان، وتوجد كنيسة بالمعصرة تحمل اسمه، إلا أن المسلمين أيضاً يقدسونه ويعتبرونه ولياً ويتوجهون لزيارته باستمرار مقدمين له النذور، معتبرين سيدى العريان ولياً من أولياء الله الصالحين. ومن القصص الشهيرة التى يرددها أبناء المنطقة قصة سيدة مسلمة لم يكن يعيش لها أطفال، فنذرت إن عاش طفلها ستقوم بإشعال شمعة لسيدى العريان كل يوم لمدة عام، وبالفعل عاش الطفل وكانت تصطحبه معها أثناء تقديم نذرها، واشتهر الطفل بين أبناء المنطقة بالعريان. ولا تزال كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذوكس بمصر القديمة وجهة للكثير من المسلمين والمسيحيين الذين يتبركون بالقديس العظيم للنجاح وتحقيق أحلامهم فى الشفاء من الأمراض المختلفة، أو الإنجاب. سيدة قبطية تتبرع بأموالها لإنشاء كنيسة ومسجد: مجمع الوحدة الوطنية «صفعة» على وجه المتشددين تشهد الهضبة الوسطى بالمقطم فصلاً جديداً فى ملحمة الوحدة الوطنية التى يسطرها المصريون كل يوم، حيث يتم إنشاء كنيسة ومسجد وبينهما مكتبة ومستوصف خيرى لعلاج أبناء المنطقة. الجديد فى المشروع أنه يقام بأموال أسرة مسيحية، حيث وهبت السيدة سنية عبدالملاك ثروتها قبل وفاتها لإنشاء المجمع، وبعد وفاتها تولى أبناؤها استكمال المشروع الحلم الذى يهدف لتأكيد فكرة الوحدة الوطنية. على قدم وساق يجرى العمل بمشروع مجمع الوحدة الوطنية بالمقطم، كنيسة ارتفعت قوائمها، وتم الانتهاء من الدور الأول منها لتبدأ العمل بالفعل فى خدمة أبناء المنطقة، وفى المقابل مسجد ظهرت معالمه بعد أن تم إنشاء الهيكل الخرسانى والقبة الخاصة به، وتوجد لافتة للمشروع كتب عليها «مجمع الوحدة الوطنية، مشروع إنشاء كنيسة ومسجد ومكتبة ومستوصف خيرى». وعن المشروع يقول الدكتور نبيل لوقا بباوى أحد أبناء السيدة سنية صاحبة الفكرة إن هذا المشروع دليل على وسطية الإسلام، فالدين الإسلامى يسمح لغير المسلمين بإنشاء دور العبادة بل إن الخليفة عمر بن الخطاب قام بإنشاء كنيسة فى الإسكندرية عام 641 م من بيت مال المسلمين، وهى كنيسة مارمرقس ببوكلى الآن، وأضاف: حينما شعرت والدتى رحمها الله بدنو الأجل جمعتنا نحن أبناءها السبعة وطلبت منا عدم تقسيم ثروتها بعد مماتها بيننا، وطالبتنا بتخصيص كل ما تملك لبناء كنيسة ومسجد، وكانت ثروتها تقدر ب 6 ملايين جنيه، وبالفعل سعينا لتنفيذ الوصية، وطلبت من الرئيس الأسبق حسنى مبارك السماح بتنفيذ المشروع فوافق وحصلنا على موافقة المجلس الشعبى المحلى لمحافظة القاهرة فى 1 مايو عام 2001، إلا أن إصدار التراخيص تم تعطيله لأكثر من 10 سنوات، فالتقيت الرئيس مبارك- وكنت وقتها عضواً بمجلس الشورى – وجددت الطلب و تقدمت بطلب رسمى للسفير ماجد عبدالفتاح مدير مكتب الرئيس للمعلومات - وقتها-، وبالفعل تمت الموافقة على الطلب فى 24 يناير 2011، وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 2011، بالترخيص لطائفة الأقباط الأرثوذكس بإقامة كنيسة ضمن مجمع المواطنة والوحدة الوطنية المزمع إنشاؤه على قطعة الأرض رقم 2 بالحى الثالث تقسيم الهضبة الوسطى بالمقطم، ولكن قيام الثورة أعاق إصدار التراخيص، حتى جاء المجلس العسكرى لتسيير أمور البلاد، وفى عام 2012 أصدر المشير طنطاوى قرارًا بإنشاء المجمع وقامت محافظة القاهرة بتخصيص 8 آلاف متر لبناء المجمع، إلا أن السلفيين والإخوان حاولوا إجهاض المشروع وقتها بحجة عدم قيام مسيحى بإنشاء مسجد، وقاموا بإنشاء مقهى فى هذا المكان لمنع إقامة المسجد، فلجأنا للشرطة والنيابة والحى وقاموا بإزالة المقهى وتولى الحاج عطا محمود طه الإشراف على غنشاء المسجد، وأكد أن هذه الأسباب كانت السبب فى تأخر إتمام إنشاء المسجد حتى الآن، بينما تم إنشاء 3 أدوار بالكنيسة الدور الأول تقام به مدارس الآحاد ومن المفترض أن يخصص الدوران الثانى والثالث لإنشاء كنيسة كبيرة لاستيعاب أهالى المنطقة. وأشار إلى أن البابا تاوضروس زار الكنيسة ولولا دعمه لما وصلنا لما تم بها حتى الآن. يذكر أن الدكتور نبيل حاصل على الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية بعنوان «حقوق المسيحيين فى الدولة الإسلامية» وأشرف على الرسالة الدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، وناقشها الدكتور على جمعة والدكتور محسن عبودى، وأشار إلى أن اطلاعه على الشريعة الإسلامية أكد له وسطية الإسلام فى السماح لغير المسلمين بمباشرة حقوقهم الدينية، وأضاف قائلاً: الرسول سمح لمسيحيى آل نجران بالصلاة فى المسجد، وقال من آذى ذمياً فقد آذانى.. ومن آذانى فقد أذى الله، وقال أيضاً من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم الدين»، كما أن القرآن أمر باحترام أصحاب الأديان الأخرى واستند لنص الآية الكريمة «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» صدق الله العظيم والتقط العميد فكرى لوقا أحد المشرفين على المشروع أطراف الحديث، مشيراً إلى أن هذا المشروع هو امتداد لمصر المعتدلة التى يتجاور فيها المسلمون والمسيحيون بكل حب وود، فطوال التاريخ المصرى والمسجد يجاور الكنيسة، وهو ما نراه فى مجمع الأديان بمصر القديمة، وحتى دير سانت كاترين نفسه يضم مسجداً إسلاميا، لذلك فنحن نقوم بتمويل هذا المشروع تمويلاً أسرياً فيما بيننا ليكون دليلاً على وحدة عنصرى الأمة، وأكد أنهم ماضون فى استكمال المشروع من أموالهم الخاصة للتأكيد على أن المصريين جميعاً على قلب رجل واحد. وداخل الكنيسة التقينا والقس شنودة يونان قس كنيسة القديسين مار مرقس ومار لوقا بالهضبة الوسطى، والذى أكد أن المنطقة لا توجد بها كنيسة، وأضاف كنت أعمل بها من قبل دون وجود مقر، لذا فبمجرد أن تمكنا من إنشاء دور واحد بالمبنى قمنا بتجهيزه وتخصيص قاعة للصلاة لخدمة أهالى المنطقة، وحضانة ومدرسة الأحد، وبالفعل بدأنا العمل فى توفير الخدمات لأهالى المنطقة لا فرق فى ذلك بين مسلم ومسيحى، وأشار إلى أنه بسبب ظروف ثورة يناير 2011 أصبح الكثير من المصريين يحتاجون للمساعدة وهو ما تقوم به الكنيسة الآن، بالإضافة إلى الدور الدينى والتعليمى والأخلاقى لزرع الأخلاق القويمة فى نفوس النشء والشباب، حيث نحاول محاربة السلوكيات السلبية الموجودة لدى الشباب. وأكد أن مكتبه فى الكنيسة هو مقر استقبال الحاج عطا المسئول عن إنشاء المسجد، مشيراً إلى أن المهندس المسئول عن إنشاء المسجد قبطى، وهذه هى مصر التى نريدها جميعاً يتعاون فيها المسلم والقبطى لخدمة المجتمع الأكبر، وأكد أن تعاليم السيد المسيح تحث على مساعدة الإنسان واحترامه بغض النظر عن دينه أو جنسه، فالمسيح قال «أحب قريبك كنفسك» وهذا ما نفعله، وما يجب أن يفعله الجميع. هذا المجمع دليل دامغ على وحدة مصر والمصريين وتأكيد أنه مهما حاولت طيور الظلام النيل من وحدتها فلن تجد لذلك وسيلة ما دام أهلها فى رباط إلى يوم الدين كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.