حرب شرسة تستعر من جديد فى سوق الحديد، أحد أهم الأسواق الاستراتيجية فى مصر. طرفا الحرب هذه المرة ينتميان إلى صناعة الحديد. الطرف الأول يتمثل فى مصانع كبيرة متكاملة لديها كافة مراحل إنتاج الحديد بدءاً من خام البيليت أو المكورات وحتى المنتج النهائى. والطرف الثانى عبارة عن مصانع صغيرة ومتوسطة تستورد خام البيليت وتعيد درفلته وصولاً إلى حديد التسليح. والمشكلة تتمثل فى موجة انخفاض كبيرة فى الأسعار العالمية للبيليت، ما دفع المصانع الصغيرة تحصل عليه بسعر يقل نحو 800 جنيه عن تكلفة الإنتاج المحلى لكل طن بحسب مصادر بالسوق. وأصل الحكاية أن قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الربيع الماضى بفرض رسوم وقائية على صناعة الصلب دفع كثيراً من من المصانع فى العالم إلى تصدير السلع الوسيطة مثل البيليت للهروب الرسوم الحمائية على المنتج النهائى، وهو ما ساهم فى تراجع كبير فى أسعار البيليت. وانعكاساً للوضع بين منتجى البيليت ومستورديه من الشركات الصناعية، ظهر فارق سعرى كبير بين حديد التسليح الذى تبيعه الشركات الكبرى مثل العز والمصريين وبشاى، وذلك الذى تبيعه الشركات المتوسطة مثل الجارحى. وبلغ متوسط سعر الطن فى الشركات الكبرى نحو 12200 جنيه، بينما بلغ السعر فى الشركات المستوردة للبيليت نحو 11500 جنيه. ولم يكن أمام الشركات الكبرى سوى محاولة تحجيم الفروق فى التكلفة من خلال الحد من دخول البيليت المستورد رخيص السعر، من خلال التقدم بطلب رسمى إلى جهاز مكافحة الدعم والإغراق بوزارة لتجارة والصناعة يطالبون فيه بفرض رسوم على واردات البيليت بنسبة 10%. وضمت الشركات المطالبة برسوم الإغراق كلاً من حديد عز الدخيلة، السويس للصلب، حديد المصريين، وشركة بشاى للحديد، وتمتلك تلك الشركات 11 مصنعاً للحديد. ويبلغ إجمالى عدد مصانع الحديد طبقاً لتصريحات جمال الجارحى رئيس الغرفة المعدنية 27 مصنعاً، ويتبنى الجارحى موقف الطرف الثانى باعتباره مستخدم للبيليت المستورد. وكشفت مصادر بسوق الحديد ل «الوفد» أن الحكومة حائرة بين توجهين الأول أن يتم فرض رسوم على البيليت المستورد حماية للمصانع المنتجة، والثانى وهو الحل الأفضل أن يتم تخفيض تكلفة الإنتاج للمصانع التى تقوم بعمل البيليت من خلال تخفيض تكلفة الطاقة المستخدمة والكهرباء. وأكدت المصانع أنه فى كلتا الحالتين لن تقوم شركات الحديد بزيادة الأسعار بسبب قلة الطلب المحلى فى الوقت الحالى، ولوجود مخزون كبير لدى كل شركة من الشركات. أضافت المصادر أن الكرة الآن أصبحت فى ملعب وزارة التجارة والصناعة التى يُنتظر خلال أيام أن تبت فى طلب فرض رسوم على الواردات من البيليت. ومن المتوقع حال فرض الرسوم أن تكون فى حدود 10% بحد أقصى 47 دولاراً فى الطن، مع فرض رسوم على الحديد المستورد من كافة المناشئ العالمية بنسبة 15%. وكان سوق الحديد قد شهد بوادر أزمة فى الصيف الماضى بعد دخول كميات كبيرة من الحديد السعودى، بلغت نحو 50 ألف طن. وقدمت غرفة الصناعات المعدنية قبل بضعة أسابيع مذكرة تفصيلية حول أسعار الغاز والكهرباء إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، طالبت بخفض سعر الغاز إلى أربعة دولارات للمليون وحدة. وتناولت المذكرة آثار تقسيم محاسبة الكهرباء إلى شرائح موضحة أن المصانع التى تستورد البيليت تستخدم ضغطا منخفضا ينتج عنه ارتفاع تكلفة الطن بالزيادة الأخيرة 40 جنيها، بينما ترتفع التكلفة لدى المصانع متوسطة الضغط إلى مائتى جنيه فى الطن، و300 جنيه فى المصانع التى تعمل بضغط عالى. ويعنى ذلك أن تحول المصانع إلى درفلة الحديد بعد استيراد البيليت أفضل لها من صناعة الحديد بالكامل لديها. وطبقا لبيانات اتحاد الصناعات فإن إجمالى حجم الطاقات الانتاجية للمصانع المحلية يبلغ نحو 11.5 مليون طن سنويا، فى الوقت الذى يتراوح فيه حجم الاستهلاك المحلى بين 8 و9 ملايين طن سنويًا. ويُمكن ترتيب الشركات المنتجة كالتالى: حديد عز الدخيلة فى المركز الأول بإنتاج يتراوح بين 3.5 و4 ملايين طن سنويا وبحصة سوقية تقترب من نصف حجم الاستهلاك المحلى، وتليها مجموعة «بشاى للصلب» فى المركز الثانى وتنتج نحو مليونى طن سنويًا، ثُم مجموعة «حديد المصريين» (أبو هشيمة) فى المركز الثالث بما يقارب مليونى طن بعد تشغيل مصانعه الجديدة. وفى المركز الرابع تأتى شركة السويس للصلب بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 800 ألف طن، وكانت المجموعة تابعة للقطاع الخاص قبل أن يستحوذ عليها جهاز الخدمة المدنية فى العام الماضى. أما المركز الخامس فى الإنتاج فتحتله مجموعة الجارحى، والتى تمتلك مصنع عتاقة، والمصرية للصلب ويبلغ إنتاجها نحو 700 ألف طن. وتشير الدراسات المستقبلية إلى توقع ارتفاع حجم الطلب على الحديد فى مصر إلى أكثر من 12 مليون طن بحلول سنة 2020 وهو ما يتطلب زيادة الطاقات الإنتاجية خلال السنوات القادمة.