أفكر فى تقديم فيلم عن الهجرة.. وأهرب من الواقع المؤلم بالروايات أنا مخرج الإنسانية.. وأكره العمل فى هوليوود اهتم بطرح العلاقات بين البشر فى أفلامى.. ونتفليكس «طوق نجاه» لصناعة السينما العالية تحدى طفولته الصعبة، فقد حرم من الدفء العائلى بعد وفاة والدته وهو فى السابعة من عمره، وعاش مع والده بمفردهما، فأصبح المخرج الأكثر تتويجاً بالجوائز السينمائية الكبرى. يعترف بأن ظروف حياته المثيرة والقاسية التى عاشها وهو طفل صغير دفعته للاعتماد على نفسه فى كل شىء، كما صنعت منه نموذجاً ناجحاً فى الحياة، لذا لا يجد المخرج الدنماركى بيل أوجست، الذى يشغل منصب رئيس لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الأربعين أى حرج فى الإفصاح عن التجربة الحياتية التى عاشها. يرفض «أوجست» الفانتازيا فى الأعمال الفنية، لأنه مؤمن بأن السينما يجب أن تكون مرآة تعكس ما يجرى فى الشارع من أحداث، ولا يميل بطبعه إلى الأكشن فى السينما، فهو يحب أن يعبر عن مشكلات مجتمعه والمجتمعات الأخرى وقضايا الساعة فى سياق درامي. من واقع أفلامه، تشعر بأن أوجست ليس مخرجا عاديا، إذ يضع لنفسه فلسفة حياتية خاصة يسير وفقا لقواعدها، فهو شخص يهوى اكتشاف ذاته خلف الكاميرات، ولعل هذا هو لب موهبة بيل أوجست، فهو يتسلل إليك من حيثُ لا تدرى، مهام المخرج من منظوره هو «سارد لأحداث مصورة». وهو أول مفتاح لفك شفره هذا الرجل، الذى نال من خلال فيلمه The Conqueror عام 1987 بجائزة السعفة الذهبية، والأوسكار وجولدن حلوب، وهو واحد من ثمانية مخرجين فقط فازوا بالسعفة الذهبية مرتين، وحازوا على الجائزة المرموقة مرة أخرى فى عام 1992 باسم «أفضل النوايا». على هامش جلسة حوارية ضمن فاعليات الدورة الأربعين من مهرجان القاهرة السينمائى، تحدث «بيل أوجست» عن تجربته الفنية، والسينما العالمية وكذلك العربية.. وعن مشاركته كرئيس لجنة تحكيم المهرجان.. وإلى نص الحوار... كيف بدأت علاقتك بالسينما؟ بدأ شغفى بالقصص والروايات فى مرحلة مبكرة، حيث كنت أهرب من الواقع إلى عالم الروايات، وبالطبع هذا ساعدنى على فهم الحياة وأثر فى تكوينى كمخرج، كما أننى كنت أشارك دائما فى فريق التمثيل بالمدرسة، فلا أنسى هذه الأيام التى كانت سبب البسمة فى حياتي. عالم السينما بالنسبة لى هو السحر. عشت طفولة قاسية.. هل أثر ذلك فى تكوينك أو بناء شخصيتك؟ نعم، فقد حرمت من حنان الأم وأنا فى سن صغيرة جدا، وعشت مع والدى، فالحياة فى المنزل كانت جافة، لكن هذه الظروف صنعت منى نموذجا ناجحا. تولى اهتمامك أولا بالصورة.. هل عملك كمصور سينمائى فى البداية أثر على رؤيتك كمخرج؟ جميع المهن داخل عالم السينما مكملة لبعضها، الصورة مهمة جدا فى العمل، فالإنسان يمكن أن يوصل رسالته للجمهور من خلال صورة دون الحاجة إلى نص، لذلك اهتم بالصورة حتى أصل برسالتى للعالم. تعريف المخرج من منظور أوجست.. ما هو؟ المخرج هو سارد لأحداث مصورة، أو بمعنى أدق الحاكى للقصة، ولا بد أن يكون قادر على ربط الجمهور بالعمل وجعلهم يتفاعلون مع رسالة الفيلم وأحداثه وشخصياته. ما السر وراء تحولك من مصور سينمائى إلى مخرج؟ بدأ شغفى أولا بقراءة القصص والروايات، وبعد ذلك أغرمت بالتصوير، وسرد الأحداث من خلال الصورة، وهو ما دفعنى إلى أن أصبح مصورا سينمائيا، ثم بدأت اهتم بالجمع بين السرد والصورة فاتجهت لعالم الإخراج. وهذا التحول يرجع إلى شغفى واهتمامى بالسرد وخلق الأحداث والشخصيات. من واقع أفلامك.. تتعامل مع السينما كرسالة.. وصناعة السينما فى هوليوود باتت تنضب اهتمامها بالأفلام التجارية مؤخرا.. كيف تعاملت مع هذه المشكلة؟ هى بالطبع مشكلة كبيرة، صناعة فيلم ليس بالأمر السهل، خاصة أن عملية الصناعة فى هوليوود الآن باتت تجاربة تبحث عن الربح ولا تولى اهتمامها برسالة العمل، وهذا بالطبع لا يتناسب مع مبدئى وطموحاتى، لذا أكره العمل فى هوليوود، لابد أن يحمل العمل الفنى رسالة أو يتناول شيئا ما. كم كان عمرك حينما أخرجت أول فيلم؟ كنت شابا فى مقتبل العمر، فكان لدى خلفية كبيرة بصناعة السينما، لأن حبها بدأ يتخلل إلى قلبى وأنا فى سن صغيرة، وأتذكر جيدا أن مدرستى كانت تنظم رحلات لمشاهدة الأفلام، وحينها تمنيت أن أكون جزءا من هذا العالم الذى ينتزعك من عالمك لعالمه السحرى هو. أفلامك جميعها تتحدث عن العلاقات.. هذا هو سر ابتعادك عن سينما الأكشن أو الفانتازيا؟ أنا مخرج الإنسانية، معنى بالعلاقات فى المعنى الأول، لذلك اتجه إلى هذا الطرح فى أفلامى، وهو إظهار العلاقات بين البشر، وأنا بطبعى لا أميل إلى أفلام الأكشن برغم أنها تحقق مكاسب كبيرة، وتلقى نجاحا كبيرا، أو الفانتازيا، اعتبر الدراما هى الأساس الذى أتمكن من خلاله إيصال وجه نظرى للجمهور. بعد حصولك على الأوسكار عن فيلم The Conqueror عام 1987.. هل هذا حملكّ مسئولية كبيرة فى أعمالك القادمة؟ بعد حصولى على الأوسكار، بدأت أغير من اتجاهاتى واختياراتى، واتجهت للسر على القصص الإنسانية بشكل أوقع. تميل للواقعية فى أفلامك.. كما القضية المهموم بطرحها فى الفترة المقبلة؟ أرغب فى تناول فيلم عن الهجرة، وذلك بعد تدافق أعداد المهاجرين على أوروبا. هل أنت متابع جيد للسينما العربية؟ لا يوجد لدينا دور عرض تعرض أفلاما عربية، ولكن مع انتشار المنصات الإلكترونية الجديدة بجانب «لايف سكريننج» و«نتفليكس» بالتأكيد ستصبح هناك فرصة أكبر للمشاهدة والاطلاع على ثقافات أخرى. أى نوع من المدارس السينمائية التى تأثرت بها؟ تأثرت بالسينما الأوروبية الحديثة والأمريكية، تحديدا فى فترة الستينات والسبعينات. كيف تلقيت عرض رئاسة لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الأربعين؟ تحمست جدا للمهرجان، ولم اتردد ولو لحظة فى قبول العرض. وما انطباعاتك عن دورة هذا العام من عمر المهرجان؟ أعتقد أن الأفلام بشكل عام جيدة، والمهرجان فيه تنويع كبير، فقد نجح فى جلب عدد من الأفلام التى تعرض عالميا لأول مرة فى المهرجان، بجانب أفلام حصدت جوائز كبير مثل فيلم «روما».