سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ضعف الإرادة القيادية الفاعلة فى الماضى لمحاربة الفساد أصاب الشخصية المصرية بأزمات عنيفة فى دراسة للمستشار الدكتور محمد خفاجى عن دور القاضى الإدارى فى بناء الشخصية المصرية «2»:
يعتبر موضوع الشخصية المصرية قلب الموضوعات بالغة الأهمية سواء على المستوى الشعبى أو المستوى الرسمى للدولة, الذى توليه القيادة السياسية جل اهتماماتها وجهدها, وعلى رأس أجندة الاهتمام العام للوطن, إيماناً منها بغدٍ أفضل للشباب بما يحقق التنمية والرخاء للشعب, وفى ذات الوقت الذى تتولى فيه مصر قيادة العالم فى حربها ضد الإرهاب والعنف والتطرف بكافة أشكاله وصوره، خاصة أن مصر تشهد استضافة منتدى وملتقى شباب العالم للعام الثانى بمدينة شرم الشيخ فى الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر 2018 تحت رعاية القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي. وفى أحدث بحث علمى للفقيه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عن: «المدخل فى فلسفة وفكر القاضى الإدارى تجاه قواعد بناء الشخصية المصرية وإعدادها. دراسة تحليلية فى ضوء الواقع والمأمول» نشر على الصفحة الرئيسية لموقع نادى قضاة مجلس الدولة. ونعرض فى الجزء الثانى تحت عنوان «الشخصية المصرية شرعةً ومنهاجاً» من هذا البحث الهام على النحو التالى: أولاً: عدم وجود إرادة قيادية فاعلة فى الماضى لمحاربة الفساد أدى إلى إصابة الشخصية المصرية بأزمات عنيفة وإهدار المصلحة العامة. يقول الدكتور محمد خفاجى إن الحديث عن الشخصية المصرية مر بعدة مراحل بين الوهن والقوة, ويجب أن نبحث عن أسباب هذا الوهن وأسباب تلك القوة حتى يتحقق القول إنها تمثل شرعةً ومنهاجاً, فقد فقدت الشخصية المصرية فى بعض العقود السالفة الكثير من مميزاتها وبريقها المعهود عنها على مدار التاريخ, بعد أن كانت تسود روح المودة والإخاء فى المجتمع. وكان حب الوطن يتسم بالأفعال لا الأقول, وتبدل الحال بعد غياب المصلحة العامة وتفشى التسلط والفساد الذى يرجع فى الأساس لتوارثات سابقة لم يتناولها أحد بالإصلاح, وتعرضت الشخصية المصرية لأزمات عنيفة وبدأ التهافت نحو المصالح الخاصة وطغيانها على المصالح العامة لتصاب الشخصية المصرية فى فترات الوهن والضعف بداء الأنانية والتسلط، واستشرى الفساد بصورة كثيفة, ولما كانت الشخصية المصرية منذ فجر التاريخ شخصية محبة للخير والقيم والمثُل والمبادئ والأخلاق والعدالة فقد ثارت على نظامين حاكمين خلال فترة وجيزة من الزمن فى ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013. ثانياً: أنظمة الحكم السابقة عجزت عن المحافظة على الإرث الأخلاقى للشعب المصرى فوهنت الشخصية بالعلل. يقول الدكتور محمد خفاجى إن الشخصية المصرية قد تعرضت للوهن والعلل على بعض فترات أنظمة الحكم السابقة, وهى لم تنشأ بين عشية وضحاها، بل كانت نتيجة تراكم عدة عقود مضت, والتاريخ يذكر أن أى شعب لا تلحقه حصانة تعصمه من التحول إلى الأفضل أو تدهوره إلى الأسوأ، وتلعب المعتقدات والثقافة والتقاليد والعادات دوراً بارزاً فى هذا التحول أو التدهور, والحق أن مظاهر الإفساد الذى حلت على بعض الشخصية المصرية لم يكن وليد اليوم ولم ينشأ بين يوم وليلة وإنما هو من تراكم أنظمة حكم سابقة ثبت من خلالها أن الحكام السابقين عجزوا عن المحافظة على الإرث الأخلاقى للشعب المصرى إذ لم يكن هناك ثمة منهج يحمى الشعب من المظاهر السلبية, ولم يجد الفساد أنياباً قوية تقتلعه من جذوره ومنابته. ويضيف الدكتور محمد خفاجى: وذلك على عكس منهج الرئيس السيسى منذ توليه مقاليد الحكم فى البلاد والذى يقوم على إعلان الحرب على الفساد وتطهير الوباء الاجتماعى، وهو ما لا يقل أهمية عن مكافحة الإرهاب, فلا حماية لمجتمع مع النصوص إذا وجد وباء اجتماعى يحمى اللصوص, فالقضاء على الفساد لغة وطنية وعقيدة تنبع وتصب فى صالح الأمة, على أن مسئولية الحفاظ على الشخصية الوطنية المصرية لا تقع على الدولة وحدها, بل يتشارك فيها المجتمع من خلال دور المدرسة والأسرة والمسجد والكنيسة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. فخريطة البناء الاجتماعى لمصر هى شفرة التقدم ومفرداتها. ثالثاً: علل الشخصية ترعرعت نتيجة استغلال الدين فى تحقيق أهداف سياسية مرتبطة بالتطرف والعنف والإرهاب. وحقيقة الأمر أنه إذا كانت علل الشخصية قد نتجت عن أنظمة حكم سابقة عجزت عن الحفاظ على الإرث الأخلاقى للشعب المصرى, فإن تلك العلل قد ترعرعت فى ظل استغلال الدين فى تحقيق أهداف سياسية ترتبط بالتطرف والعنف والإرهاب ووجدت لها أرضاً خصبة للإنبات السيئ وأطلقوا على المجتمع أكاذيب تحت شعار الأسلمة وفى أيديهم أفاعٍ ضارية وخناجر سامة فى جسد الوطن. ويطرح الفقيه الدكتور محمد خفاجى تساؤلاً مهماً فى فلسفة نظام الحكم وحمايته ممن يلبس الدين ثوب السياسة وينتهج باسمه العنف والإرهاب, بقوله حينما نشخص داء ظاهرة «علل الشخصية» فعلينا البحث فى علاقة الحاكم بالمحكوم. ويثور التساؤل: من من الطرفين يُنتج الآخر ويؤثر فيه؟ وللإجابة عن هذا التساؤل, ينبغى تحليل العلل لمعرفة أسباب الظاهرة, وكما قال المفكر والفيسلوف الإنجليزى «توماس هوبز»- وهو أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا وأكثرهم شهرة خصوصاً فى المجالات القانونية والفلسفية والأخلاقية والتاريخية- فى كتابه «التنين» من أنه يجب معرفة المعلومات أو الظواهر ابتداء من الفهم الصحيح للعلل أو الأسباب، وأن الإنسانية فى حالة عراك متصل عنيف، إلا أننا لا نتفق مع ما قاله توماس هوبز من أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وهو عدائى بطبعه، ذلك لأننا نرى أن السعادة الحقيقية للبشر تجد بيئتها الطبيعية فى قواعد القانون الطبيعى وقواعد العدالة وهى التى جعلها فقهاء القانون من مؤخرات مصادر القاعدة القانونية, ففى تلك القواعد تجد البشرية فى رحاب السلم الاجتماعى والطمأنينة والاستقرار. ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه وفقاً للقواعد الكلية والمبادئ العامة للإسلام المستنير فإن الإنسان يولد على الفطرة التى فطر الله الناس عليها, وقرينة الإنسان البراءة, فالناس يولدون أحراراً والإنسان بريء حتى يثبت فساده، والإسلام الوسطى المستنير تعبير عن حقيقة الفطرة السليمة التى يولد عليها الإنسان وإصلاح ما يفسده الدهر منها. وحينما نبحث فى مجال علم الاجتماع القانونى الإنسانى وعن علاقة الحاكم بالمحكوم لنعرف أيهما يبدأ فى التأثير فى الآخر, سنجد التاريخ يقول إن الإفساد فى مجال الفاشية الدينية يبدأ فى الأعم الغالب من الحالات من الحكام, إذ إنه استناداً إلى استخفاف الحاكم للمحكومين واستخدام صكوك الجنة والنار تنشأ القاعدة الاجتماعية الشهيرة: «الناس على دين رؤسائهم أو ملوكهم», وبهذه المثابة وتأسيساً على تلك القاعدة تنشأ القاعدة الاجتماعية الثانية المترتبة عليها التى تقول: «كما تكونوا يولى عليكم»، أى أن الشعوب بعد أن يفسدها حكام الفاشية الدينية التى تستخدم الدين فى السياسة تصبح هى من يحافظ على فساد الحكم بكل السبل غير المشروعة عن طريق العنف والإرهاب، بل قد يتطور بها الأمر فتصبح نتيجة التشويش الدينى المغلوط هى من ينتج الحكام الفاسدين, فالفاشية الدينية تعرض المجتمعات للتاَكل بين الأمم, وهذا فى عدد غير قليل من الدول حديثاً. وحينما تصل الشعوب إلى هذه المرحلة تصبح عملية الإصلاح والتطوير صعبة جدا ومعقدة للغاية. ويشير الدكتور محمد خفاجى إلى أن الإصلاح الحقيقى من وجهة نظرنا هو من يقوده الحاكم نفسه ويمتلك فيه من أدوات التأثير على المحكومين الذين يتعين عليهم أن يساعدوه على بلوغ إصلاح ما أفسده الحكام السابقون وما أفسدته الفاشية الدينية من معاول هدم للشخصية المصرية الأصيلة المرتبطة منذ آلاف السنين بفكرة الوطن. رابعاً: الشخصية المصرية كانت فى طريقها للانهيار والفوضى لولا يقظة الرئيس السيسى الذى أنقذ مصر وشعبها. يقول الدكتور محمد خفاجى إنه بقراءة متأنية فى الأحداث المحيطة فى عالمنا العربى أكاد أجزم أن الشخصية المصرية كانت فى طريقها إلى الانهيار والفوضى, كما شهدتها بعض بلاد المنطقة كالشخصية اليمنية والشخصية الليبية والشخصية السورية التى سادها جميعاً الخراب والدمار بفعل فساد الفاشية الدينية التى تستخدم الدين فى تحقيق ماَرب سياسية وتجعل من العنف طريقاً محتوماً للوصول للسلطة بكل السبل غير المشروعة التى تعتمد على الترويع والتخويف والعنف والإرهاب, ولولا يقظة الرئيس السيسى الذى أنقذ مصر وشعبها من ذلك الانهيار وتلك الفوضى, وسيذكر التاريخ فى انصع صفحاته المجيدة أن الرئيس السيسى له زمام المبادرة بلا ادعاء أو مزايدة افتدى بروحه وقوة إرادته كيان مصر, وكانت ثورة 30 يونيه 2013 وحماية الجيش للشعب فى عهد مسئوليته عنه, نقطة تحول فارقة سيذكرها التاريخ بأحرف من نور شاهدة على أيام الفوضى, وشاخصة على أحداث العنف لجماعة مارقة عن أصول ومفاهيم صحيح الدين. ويضيف الدكتور محمد خفاجى لعله من تجارب التاريخ القول أن عملية البناء والتنمية لأى شعب يريد التقدم تقتضى وقتاً طويلاً وجهداً شاقاً عسيراً, ومن الإنصاف القول أيضاً إنه فى ظل البناء والتنمية توجد الكثير من المعوقات على طريق الإصلاح بعضها يرجع التأثر بفعل سياسات سابقة مانعة لأى جهد إصلاحى فى المجتمع, وخوفاً من أن يؤدى التغيير الذى يحققه ذلك الإصلاح إلى التأثير وتعديل موازين القوى المالية الملتصقة بتلك الأنظمة والمستفيدة منها من جهة أخرى, وأدى ذلك إلى غياب التنافس الحقيقى وانعدام التطوير، وانتشرت السلبية والاعتماد على الآخرين وسادت حقب من الزمان مقصورة على المصالح الشخصية والفئوية للمنتمين لعهود الفساد السياسى والدينى, وبهذه المثابة صُنعت علل الشخصية المصرية التى لا تعتمد على ذاتها وتقوم على سلب حقوق الشعب. ويؤكد الدكتور محمد خفاجى الدور الفاعل للمسجد والكنيسة بقوله: ما زلت أرى دور المسجد والكنيسة من أهم الأدوار اللازمة لخطاب دينى مستنير يقوم على تصحيح مفاهيم مغلوطة عن رسالة الإسلام السمحاء بعيداً عن العنف والعدوان, وأراها منظومة تربوية خطيرة لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعى والتعايش فى أمان وطمأنينة, فدور المسجد والكنيسة جوهرى فى المحافظة على الشخصية المصرية الأصيلة للحيلولة دون وصول الاَراء المتطرفة لمدعى العلم وضعاف الفهم ودعاة العنف من أن تتخذ من المنابر طريقاً للوصول للفقراء والمحتاجين وهم قوة لا يستهان بها فى تحقيق الماَرب والخديعة السياسية، والذين يلجأون فى عملية ممنهجة فى بث روح اليأس والقنوط وتشويه كل مبادرات للإصلاح والتغيير والتنمية, ولا يجب على المسئولين والمصلحين فى هذا الوطن أن يستهينوا بهذه المخططات التى تسيرها ليل نهار, أطراف من الجماعة الإرهابية وأعوانهم. خامساً: خريطة البناء الاجتماعى لمصر هى شفرة التقدم ومفرداتها وبناء الشخصية المصرية يحتاج إلى تعميق فكرة المصلحة العامة وتجريدها من شوائب الأنانية. يقول الدكتور محمد خفاجى والرأى عندى أن الطريق الصحيح فى إعادة بناء الشخصية المصرية يحتاج إلى تعميق فكرة المصلحة العامة وتجريدها من شوائب الأنانية، فنحن نحتاج إلى إعادة تقدير حق المصلحة العامة ووضعه فى مكانه المناسب فى كل أعمالنا, ولا ريب أن غياب فكرة حق المصلحة العامة جعل من الشخصية المصرية مصابة بعلل الأنانية وتغليب مصالحها الخاصة ولو تعارضت مع مصالح الوطن, ذلك أن غياب مراعاة المصلحة العامة فى السابق وعدم وجود شخصية قيادية مؤمنة باستئصال سمات الأنانية فى الحال أسهم بشكل كبير فى تغليب المصالح الفردية على المصلحة العامة, مما يقتضى الفهم والوعى واتباع سياسة الترهيب والترغيب لتلافى سمات الأنانية والمنافع الخاصة وزرع حب المصلحة العامة فى نفوس الشعب, وهو الأمر الذى تسعى إليه الآن الدولة فى كل مؤسساتها وعلى كل الجهات والهيئات أن تحذو حذوها. وغداً نستكمل الجزء الثالث من هذا البحث المهم.