فى رحاب الذكرى الخامسة والأربعين لنصر أكتوبر 1973، وكما جرت العادة فى جريدة «الوفد» نستعيد مع أبطال تلك الحرب وذلك النصر أمجاداً صنعها الرجال وأحداثاً جساماً مرت بهذه الأمة فى فترة من أهم فترات نضالها الوطنى حققت فيها نصراً على جيش عدو ادعى ذات يوم أنه الجيش الذى لا يقهر، فقهره رجال عاهدوا الله على أن يزيلوا آثار عدوان وقع على جزء عزيز من أرض مصر الطاهرة، هو سيناء الحبيبة. ويسعدنا اليوم لقاء أحد أبطال ذلك النصر، وأحد ضباط سلاح المدفعية، وهو العميد محمد محمد عبدالقادر. ذكريات حرب أكتوبر 73 وأحداث تلك الأيام المليئة بالعزة والفخار لابد أنها كثيرة ومتنوعة ولا تنضب. وبعد مرور خمسة وأربعين عاماً على هذا النصر المستحق، ماذا لديك لترويه لنا وللأجيال الشابة والتى لم تعاصرها، وإن كانت تعيش فى وجداننا جميعاً كأحد مفاخر هذه الأمة فى التاريخ الحديث، وإن كانت هناك دروس مستفادة من تلك الحرب، فما هى وما مدى الاستفادة منها فى الوقت الحالى فيما تخوضه مصر اليوم من حرب ضد الإرهاب؟ وماذا تقول لشباب اليوم بعد تجربتكم الطويلة؟ - السؤال يتعرض لعدة محاور. وأبدأ فأعود قليلاً إلى الوراء إلى ما قبل 1973، وبالتحديد ما بعد نكسة 1967 مباشرة حيث تلك البداية الحقيقية لما حققناه من نصر، فأن تعرف إمكانياتك وقدراتك هى الخطوة الأولى لتحقيق النجاح. ففى تلك الفترة كانت الأحوال المعيشية والاقتصادية والمعنوية فى البلاد متردية إلى أقصى درجة. فعلى مستوى القوات المسلحة: فقد فقدت القوات المسلحة أغلب أسلحتها ومعداتها العسكرية إما مدمرة فى سيناء أو سليمة تركت بناء على أوامر عسكرية من قيادات لم تكن موفقة فى إدارة الحرب لأسباب كثيرة ليس هنا مجال سردها. ولك أن تتصور الحالة المعنوية لقوات مسلحة مهلهلة خرجت من معركة فاقدة كل عتادها الحربى دون أن يسمح لها بخوض غمار الحرب. وليعلم الجميع أن الهزيمة فى معركة مع العدو بعد ملاقاته والالتحام معه أهون كثيراً من أن يكتب عليك الهزيمة دون قتال. ذلك فى العسكرية شىء مهين. أما على المستوى الشعبى: فقد اهتزت إلى حد ما كرد فعل طبيعى الثقة فى القيادة، إذ كان يقال لنا إن إسرائيل لو أقدمت على حماقة الهجوم سيكون مصيرها الإلقاء فى البحر. وهو ما لم يحدث. إلا أن ما حدث شىء عجيب ما كان ليحدث سوى من المصريين، فقد تكاتف الجميع، وظهرت شعارات لا ننساها إلى اليوم منها أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وبدأت عمليات التبرع من كافة طوائف الشعب للمجهود الحربى ولبناء القوات المسلحة يستوى فى ذلك الغنى والفقير، الرجل والسيدة. فتكونت جماعات لتلقى التبرعات، وتبرعت أغلب السيدات بحليهن من الذهب، ومن لم تجد تبرعت بخاتم الزواج. واستغنى الشعب – راضياً - عن كل ما هو ترف، بل أيضاً وأغلب ما هو ضرورى، فكنت تجد الأسرة مخصصاً لها 1 كجم أسبوعياً من اللحم تشتريه من الجمعيات الاستهلاكية. ومع ذلك لا تجد تذمراً أو ضيقاً أو استياء، ولم نر من يفكر فى ترك البلاد أو الهجرة، بل كان الكل يعد الأيام والشهور انتظاراً للمعركة الفاصلة والتى تعيد لهذا الوطن شرفه وكرامته. تلك كانت الروح المصرية المختزنة فى جينات هذا الشعب، والذى بطبعه يرفض الهزيمة، ويتوحد وقت الشدة. ما أن تمت إعادة بناء القوات المسلحة حتى أخذت فى إجراء التدريبات الشاقة والتى تؤهلها لخوض معركة الشرف واستعادة الأرض. خضنا جميعاً حرباً لا تقل شراسة عن حرب السادس من أكتوبر، تلك هى حرب الاستنزاف، والتى تعتبر بحق تأهيلاً عملياً لجميع القوات لخوض حرب التحرير فيما بعد، وقد كنت خلال الفترة من عام 1969 إلى عام 1972، أول لقاء كنت فى السادس من أكتوبر برتبة نقيب قائداً لسرية مدفعية، وكان مخططاً لى أن أعبر القناة أنا وطاقم مركز الملاحظة فى الساعة الثانية وعشرين دقيقة ضمن الموجة الثانية للعبور. وكنت بوحدتى ضمن الكتيبة قد أعددنا بيانات الأهداف المخصصة لنا ضمن التمهيد النيرانى. وفى التوقيت المحدد بدأت المدفعية فى قصف قوات العدو على الشاطئ الشرقى للقناة وفى العمق متعاونة مع القوات الجوية، ولكل مهامه. بينما بدأت القوات فى العبور بالقوارب ضمن خطة دقيقة ومحكمة. فى الليلة الأولى للقتال وحوالى الساعة الثامنة والنصف مساء بدأت أعداد من المدرعات الإسرائيلية فى الاقتراب من شاطئ القناة لطرد القوات التى قامت بالعبور. واقتربت من وحدة المشاة التى تجاورنى – ولديها أسلحة مضادة للدبابات ذات مدى كبير - فقام الرقيب «معروف» من قوة الفصيلة المشاة بتعمير مدفعه وأطلق طلقة دمر بها إحدى الدبابات الأربع القادمة فى مواجهتنا وصارت كتلة من النيران. ولم ينتظر ليرى نتيجة عمله بل عمر المدفع ثانية وأطلق الطلقة الثانية ودمر بها أيضاً دبابة أخرى، فأطفأت باقى الدبابات أنوارها وأسرعت بالفرار. بعد حوالى الساعة قامت إحدى بطاريات مدفعية العدو بإطلاق نيرانها على موقعنا، وكنا نحتمى بالحفر البرميلية، ولما كان قائد كتيبة المدفعية لم يكن قد عبر حتى هذه اللحظة طبقاً لجدول العبور فقد منحنى لاسلكياً سلطة إدارة نيران كامل الكتيبة. وهنا وبفضل الله تعالى فقد تمكنت مستخدماً إحدى طرق إدارة النيران والتى تدربنا عليها. الأحداث كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها، وإنما هى مقتطفات فقط. ليلة الرابع عشر من أكتوبر وفى الثانية صباحاً لاحظنا صوتاً فى الأمام، ولما كنا فى مقدمة القوات لم يكن أمامنا سوى العدو. أطلقت طلقة مضيئة من أحد مدافعى لاستطلاع الأمر فأضاء المنطقة أمامنا، ووجدنا أن مجموعة إغارة من الجنود الإسرائيليين على بعد أمتار منا، وما أن أضيئت أرض المعركة حتى لاذوا بالفرار، فأطلقنا عليهم النيران، انطلقت وأفراد مركز الملاحظة خلفهم ووقع أحدهم حيث سيطرت عليه. بعد معارك يومية عنيفة ومساندة قوية من كتيبة المدفعية والتى أقود إحدى سراياها على مدى أربعة وعشرون يوماً من القتال. وبعد إيقاف إطلاق النار، أما عن الدروس المستفادة فإنها كثيرة وأذكرها هنا رابطاً إياها بما يدور حالياً فى سيناء من عملية شاملة للقضاء على الإرهاب الأسود. فلا شك أن أول هذه الدروس هو التلاحم والتعاضد بين الشعب وقواته المسلحة والذى بدا جلياً، كما أوضحنا فى تضحية الشعب من أجل توفير السلاح اللازم لقواته المسلحة. دور بارز للجيش الكويتى على جبهة سيناء الكويت تشارك بثلث جيشها فى حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر رغم صغر حجم دولة الكويت وقلة عدد أفراد جيشها إلا أنه كان لها السبق فى الوصول الى ارض الفيروز والتواجد فى منطقة رفح صبيحة يوم الخامس من يونيو 67 ليكون لواء اليرموك الكويتى الوحدة العسكرية العربية الوحيدة التى شاركت الجيش المصرى فى مسرح عمليات سيناء. ولإيفاد لواء اليرموك للجبهة فى مصر قصة تستحق أن تروى.. حيث أقيم احتفال عسكرى كبير فى مدرسة تدريب المشاة بالكويت بعد ظهر يوم 28 يونيو 1967 لتوديع لواء اليرموك، وخاطب أمير الكويت حينذاك الشيخ صباح السالم الصباح منتسبى لواء اليرموك قائلا «لقد قررت أمتنا حسم هذا الأمر وقبول التحديات الإسرائيلية، وخوض المعركة متى نشبت، الى نهايتها» إلى أن قال «كم كان محبباً لدى أن أكون معكم، كواحد منكم أشارككم المخاطر والمصير فى السراء والضراء». وقام قائد لواء اليرموك العميد صالح محمد الصباح باستلام علم الكويت من الأمير الراحل والاستئذان بمغادرة أرض الكويت لتحقيق هدف الأمة. وفى 2 يونيو تم نقل كتيبة المشاة 5 وكتيبة المغاوير؛ حيث وصلت الى مطارات القاهرة، ومطار فايد ومطار كبريت والتحقت القوة الكويتية بالفرقة السابعة المصرية بقيادة الفريق عبدالعزيز سليمان فى رفح ضمن قطاع منطقة عمليات العريش، وتم إعداد مقر لقيادة اللواء فى نادى ضباط قاعدة فايد واستخدمت إحدى المدارس كقاعدة للمشاة الكويتيين لحين إرسالهم للجبهة. ومما يذكر أن الجيش الكويتى كان يتكون من ثلاثة ألوية، وبإرسال الكويت للواء اليرموك يكون قد تم إرسال ثلث الجيش الكويتى للجبهة بتسليحهم الحديث. وكان تشكيل لواء اليرموك الذى تجاوز عدده ألف مقاتل قد تقرر عقب استقلال الكويت وتكون من أربع كتائب هى كتيبة الدبابات وكتيبة الصواريخ وكتيبة المغاوير وكتيبة المشاة. ولم تكن مشاركة الكويت فى نصر أكتوبر مقصورة على المشاركة العسكرية بل غطت الجوانب الاقتصادية أيضا عبر قيادة الكويت جهوداً أدت إلى قرار حظر صادرات البترول للدول الداعمة لإسرائيل، فضلاً عن تلبية احتياجات الجبهة من اسلحة وعتاد. كذلك لم تقتصر المشاركة الكويتية على الجبهة المصرية وحدها بل شاركت ايضاً بقواتها على الجبهة السورية ايضاً. على الجبهة المصرية استمر وجود كتيبة مشاة كويتية من كتائب لواء اليرموك الذى وصل الى مصر خلال حرب يونيو وشاركت هذه الكتيبة خلال حرب الاستنزاف.. وبعد اندلاع الحرب قررت الكويت إرسال قوات اضافية إلى الجبهة المصرية أسوة بما أرسلته إلى الجبهة السورية. واشتملت هذه القوات الاضافية على عدد 5 طائرات من طراز الهولى هنتر الإنجليزية من إجمالى عدد 8 طائرات كانت بحوزة القوات الجوية الكويتية إضافة إلى طائرتى نقل من طراز سى-130 هيركوليز تحمل الذخيرة وقطع الغيار. ووصلت الطائرات إلى مصر فى مساء يوم 23 أكتوبر ونزلت فى قاعدة قويسنا التى كانت أنوارها مطفأة لظروف الحرب وحال وصول الطائرات الكويتية أضىء المدرج لثوان محددة لنزول الطائرات.. وأقام السرب 30 يوماً فى القاعدة ثم نقل إلى قاعدة كوم أوشيم ثم لقاعدة حلوان الجوية والتى قضى فيها مدة 7 أشهر تدرب خلالها على ضرب الأهداف والقتال الجوى. عاد السرب إلى الكويت فى منتصف عام 1974. قائمة الشرف.. شهداء الكويت على الجبهة المصرية 1/ جندى عصام سليمان قاسم السيد / 12-4-1968 قناة السويس 2/ جندى زريق زيدان هرشان الرشيدى / 17-6-1970 قناة السويس 3/ جندى محمد فارس محمد العجمى / 17-6-1970 قناة السويس 4/ جندى مقعد جليعيص منير العتيبى / 17-6-1970 قناة السويس 5/ نقيب على أحمد حسن النصار / 26-6-1970 قناة السويس 6/ رقيب على محمد سلطان حمد / 26-6-1970 قناة السويس 7/ عريف نصار ناصر دلوم الرشيدى / 17-6-1970 قناة السويس 8/ عريف فرحان حمود محمد الرشيدى / 17-6-1970 قناة السويس 9/ وكيل عريف فلاح عبدالله السعيد / 10-4-1970 قناة السويس 10/ وكيل عريف مسلط محمد فالح المطيرى / 17-6-1970 قناة السويس 11/ وكيل عريف سعيد سعد سعيد الرشيدى / 17-6-1970 قناة السويس 12/ جندى محمد مطلق ملحق العتيبى / 17-6-1970 قناة السويس 13/ جندى منيف دويم دخيل الله / 10-4-1970 قناة السويس 14/ جندى دغيثر فيصل القحطانى / 30-4-1970 قناة السويس 15/ جندى نويران رجا دابس / 30-5-1970 قناة السويس 16/ جندى مفرح دخيل مجاهد العنزى / 17-6-1970 قناة السويس 17/ جندى سعود براك نجا العنزى / 17-6-1970 قناة السويس 18/ جندى عشوى فرحان سمحان العنزى / 17-6-1970 قناة السويس 19/ جندى خنيفر حمود عايد الشمرى / 17-6-1970 قناة السويس 20/ جندى نايف حمود مبارك الشمرى / 17-6-1970 قناة السويس 21/ جندى مطر عبدالرحمن منشد العتيبى / 17-6-1970 قناة السويس 22/ جندى سعود عويض محمد الحربى / 17-6-1970 قناة السويس 23/ جندى نجم هجرس هلال سالم / 6-12-1971 قناة السويس 24/ جندى عيد هادى جلوى العنزى / 23-12-1971 قناة السويس 25/ رائد خالد عبدالله الجيران / 20-10-1973 قناة السويس 26/ ملازم أول عبدالله محمد نصار الشمرى / 21-10-1973 قناة السويس 27/ ملازم على صالح سليمان الفهد / 10-10-1973 قناة السويس 28/ وكيل أول مضحى خلف جعيلان الفضلى / 20-10-1973 قناة السويس 29/ رقيب محمد سعد مناور / 21-10-1973 قناة السويس 30/ وكيل عريف غتار زبن ضافى المطيرى / 21-10-1973 قناة السويس 31/ رقيب دبى حمد جادر الشمرى / 21-10-1973 قناة السويس 32/ عريف فراس فارس سطام العنزى / 21-10-1973 قناة السويس 33/ وكيل عريف عايض حجاج شعف العنزى / 21-10-1973 قناة السويس 34/ وكيل عريف على مذكر معلا الحربى / 21-10-1973 قناة السويس 35/ وكيل عريف ساير سعود فرحان الشمرى / 21-10-1973 قناة السويس 36/ وكيل عريف تميم محمد سعيد / 21-10-1973 قناة السويس 37/ جندى مطلق على دليان الشرارى / 22-10-1973 قناة السويس 38/ جندى مبارك مفلح فيصل الدوسرى / 20-10-1973 قناة السويس 39/ جندى مهنى عمران سالم عبيد باشكيل / 22-10-1973 قناة السويس 40/ جندى مهنى أحمد شحاته أحمد / 21-10-1973 قناة السويس 41/ جندى مهنى رضا على الشيخ ابراهيم / 21-10-1973 قناة السويس 42/ جندى سعد منير كويد العتيبى / 22-10-1973 قناة السويس اختفاء كلمة «أنا» وحل محلها «نحن» بين أفراد ومؤسسات الشعب، فذاب الفرد داخل المجموع. الدور الوطنى التلقائى لأغلب رجال الأعمال فى التبرع لصالح المجهود الحربى وتخصيص أعداد من سيارات النقل الخاصة بشركاتهم وكتب عليها «مجهود حربى» لتمييزها، وتسليمها للقوات المسلحة دون مقابل من الدولة أو حتى طلب ذلك. الالتفاف حول شعار يجسد الهدف من المرحلة مثل «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فلا تجد من يسخر أو يحقر من هذا الشعار أو يبخل بمال أو جهد فقد وعى الجميع أهمية العمل به. إنكار الذات والذى تمثل على سبيل المثال فى رفض السيدة أم كلثوم العودة لأرض الوطن بعد أن سقطت فى أحد مسارح باريس وكسرت ساقها أثناء غنائها فى حفل مخصص دخله لصالح المجهود الحربى خشية خسارة ذلك العائد. واستمرت فى غنائها جالسة طبقاً للبرنامج المقرر. رفض جميع الفنانين تقاضى أجراً عن أغانيهم الوطنية والتى أشعلت روح الحماس لدى الشعب. ومنهم عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب ونجاة الصغيرة وفايدة كامل وكانوا أعلام الغناء فى هذا الوقت. روح الانتماء التى تبدت فى أجلى صورها فى تقدم شباب الجامعات لمراكز التطوع دون طلب منهم فور البيان الأول للقوات المسلحة بعبور القناة. فلم تجد من يسفه فى البيان أو يشكك فيه. الامتناع الذاتى عن ارتكاب أى مخالفات للقوانين، وتمثل ذلك فى عدم تحرير محضر سرقة واحد فى جميع مراكز الشرطة إبان أيام الحرب. تضامن الأشقاء العرب مع مصر فور إعلانها عبور القوات فى مشهد يعكس روح الأخوة، فقامت دول السعودية والإمارات بتحويل مسارات سفنها والتى تنقل البترول لأوروبا إلى مصر. بل أعلنت أنها ستقطع إمدادات البترول عن أى دولة تتدخل فى الحرب لصالح إسرائيل. كذلك دور ليبيا فى الإسراع بشراء طائرات ميراج لصالح مصر واستلام الطيارين المصريين لها، كذلك المشاركة الفعالة من العراق الشقيق بطائراته وطياريه. ومازال بعض من شهدائهم مدفوناً بمقابر الجيش الثانى الميدانى. واليوم تخوض مصر حرباً لا تقل أهمية فى مدخلاتها ومخرجاتها عن تلك التى خضناها عام 73 بل لعلها تزيد. ذلك أنه بمقارنة سريعة بين حرب السادس من أكتوبر 73 و«العملية الشاملة سيناء 2018» تبين لنا عدة اختلافات تؤكد أن تلك العملية قد تكون أكثر صعوبة مما دار عام 73. فالزمن غير الزمن، وعدو أكتوبر 73 معروف لدينا ومرئى لنا، بل ويرتدى زياً نعلمه جيداً مختلفاً عما نرتديه، يتحدث لغة غير لغتنا، مكانه معلوم وسلاحه مرصود وتقدير قوته ممكن بوسائل الاستطلاع، وطرق الوصول إليه واضحة لا لبس فيها، حتى وسائل الضغط السياسى والاقتصادى عليه معلومة لذا كانت هزيمته رغم ضراوة المعارك ممكنة مادامت المعلومات عنه متوفرة. أما عدو العملية الشاملة: «الإرهاب»، فأهم ما يميزه أن الإرهابى يعيش بيننا، يرتدى ملابسنا، وربما يعمل فى نفس محل عملنا. أكثرهم شباب تم اللعب على حشو رؤوسهم بمفهوم خاطئ للدين، فظن أن دخول الجنة مرتبط بما يحققه من عمليات اغتيال أو تفجير أو انتحار تحت مسمى عمليات استشهادية، والدين منهم براء. والكثير منهم كان الإغراء بالمال هو وسيلة تجنيدهم فلا عقيدة لديه يتبعها وإنما عبادته للمال، وما أكثر المال فى أيدى أعداء مصر. لذا فإن العقائد مختلفة وكذلك الأدوات مختلفة عما كان فى حرب أكتوبر 73. الأمر الذى استدعى أيضاً خططاً مختلفة للقضاء على هذا الإرهاب الأسود. كأن تقوم مقاومته – بجانب السلاح – على تغيير المفاهيم الدينية الخاطئة وتصحيح الخطاب الدينى ومقارعة الحجة بالحجة، والتأكيد على ما جاء بكتاب الله من دعاوى التسامح ونبذ العنف والتمسك بصحيح الدين دون شذوذ أو جنوح. إلا أن هذا لن يغنى عن القوة فى مواجهة القتلة والانتحاريين بل يكمله. أرى أن يطلع شبابنا بالذات على تلك الدروس ولينظر أيها ما يجب عليه الأخذ بها فى مساندته لتلك الحرب الدائرة الآن ضد الإرهاب الأسود فى أقصى شمال شرق سيناء؟ نحن هنا لا نطالب الشباب بالتطوع فى القوات المسلحة فهذا واجبها تؤديه، ولكن يجب علينا أن نكون خطاً دفاعياً ثانياً خلفها. فالتفانى فى العمل واجب وطنى، والتقليل من إضاعة الوقت على المقاهى واجب وطنى، وعدم التنادى بالنداءات الهدامة والشعارات السلبية. أقول للشباب: كنا مثلكم وفى أعمار تقل عن أعماركم متحملين مسئوليات كثيرة ليس من بينها ما هو خاص أو شخصى، وإنما كلها وطنية ومن أجل رفعة هذا البلد. كان عمرى وقت قيام حرب أكتوبر 73 أربعة وعشرين عاماً، وكنت أحمل على كاهلى مسئولية أربعة مدافع.