بث مباشر| الرئيس السيسي يستقبل نظيره الأوغندي بقصر الاتحادية    قرار جديد من البنك الأهلي المصري بشأن حدود الإيداع عبر ماكينات الصراف الآلي ATM    الملك عبد الله يؤكد اعتزازه بقوة ومتانة العلاقات التاريخية بين مصر والأردن    قاضي قضاة فلسطين يعلق على هجوم جماعة الإخوان من تل أبيب على مصر    زيلينسكي يشكر القادة الأوروبيين على دعمهم لاستقلال وسلامة أراضي أوكرانيا    كيف رد الزمالك على شكوى زيزو بشأن مستحقاته.. مصدر يوضح    رئيس اتحاد الطائرة: الارتقاء بالبطولات ودعم الأندية والمدربين ضمن الأولويات    مصر تتوج بميدالية تاريخية في الكونغ فو بدورة الألعاب العالمية    ضبط سائق ميكروباص سار عكس الاتجاه في المنيا    «أنت بطلة ومشوارك كان صعبًا».. أصالة تدعم أنغام بعد خضوعها لعمليتين    جنات: الموسم الغنائى الحالى غنى ومتنوع ويخدم المستمع العربى    وكيل وزارة الصحة بدمياط يتابع رفع كفاءة مبنى الطوارئ بمستشفى كفر سعد المركزي    تقنية «تطويق الشريان الرحمي» تنقذ مريضة في مستشفى قنا    «التنمية المحلية» تكشف تفاصيل التوجيه بإيقاف العمل الميداني لعمال النظافة خلال أوقات الذروة    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    «طبيعي يزعل ولكن».. شوبير يعلق على أنباء مفاوضات بيراميدز مع الشناوي    تطور مفاجئ في صفقة انتقال وسام أبو علي إلى كولومبوس الأمريكي (خاص)    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    "تعليم المنوفية" تبحث خطة تعزيز ثقافة التميز وتكافؤ الفرص    يضم 200 سرير.. وزير التعليم العالي ومحافظ بني سويف يفتتحان المجمع الطبي ل«تعليم» (تفاصيل)    دنيا سمير غانم تكشف سبب منع ابنتها «كايلا» من الحديث مع وسائل الإعلام (فيديو)    أصحاب 5 أبراج الأفر حظًا هذا الأسبوع.. هل أنت منهم؟    معدل التضخم في أمريكا يسجل 2.7% على أساس سنوي    المشاط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    وفد «الحكماء» يتفقد الخدمات الطبية المقدمة للمرضى الفلسطينيين بمستشفى العريش    سفير تل أبيب بالأمم المتحدة: جوتيريش اتهم إسرائيل بممارسة عنف جنسى ضد الفلسطينيين    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    كريستال بالاس يهاجم يويفا بعد حرمانه من الدوري الأوروبي    بعد 6 شهور.. وائل جسار يعود لإحياء الحفلات الغنائية في أوبرا دبي    "الجمهور حاضر".. طرح تذاكر مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    الجمعة.. فرقة واما تحيي حفلاً غنائياً في رأس الحكمة    هاني تمام: "القرآن يأمرنا بالمعاشرة بالمعروف حتى في حالات الكراهية بين الزوجين"    كامل الوزير: عمل على مدار الساعة لتحقيق مستوى نظافة متميز بالقطارات والمحطات    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    اليوم.. إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    موعد والقناة الناقلة لمباراة الزمالك والمقاولون العرب    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    الجمعة.. قصور الثقافة تقيم فعاليات متنوعة للأطفال بنادي الري احتفالا بوفاء النيل    محافظ الجيزة يترأس اجتماع اللجنة التيسيرية لمشروع تطوير منطقة الكيت كات    بالصور.. محافظ الجيزة يستقبل وكيلي مديرية التربية والتعليم بالجيزة    «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف الأردن بمطاحن الدقيق    الدقهلية تبدأ مهرجان جمصة الصيفي الأول 2025 للترويج للسياحة وجذب الاستثمار    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    حملات موسعة لهيئة البترول للتصدي لمخالفات تداول وتوزيع المنتجات البترولية    وزير الصحة يبحث مع مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب تعزيز البرامج التدريبية    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    استمر لمدة ساعة.. ماذا جاء في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الصيني والبرازيلي؟    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء بالأسواق (موقع رسمي)    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم في حياه أسرة منكوبة
نشر في الوفد يوم 02 - 03 - 2011

ان يعلم الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق الذي يمتلك‮ 3‮ قصور وشقتين بالفورسيزون وأخري بالساحل الشمالي والقاهرة والإسكندرية،‮ أن هناك مواطنين في مصر لايجدون قوت يومهم واطفالهم ينامون جياعاً؟‮!!!....
‬وهل كان يشعر أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني سابقاً‮ الذي نهب مايتجاوز ال18‮ مليار جنيها بملايين المصريين الذين يلتحفون الفضاء ليلا‮.. هل تذكر احمد المغربي وزير الإسكان السابق وصاحب ال17مليار جنيه يوما‮ ,‬ساكني العشش والمقابر والخيام؟‮!!!.... وهل صدق جمال مبارك أمين لجنة السياسات‮ »‬الوريث اللي راحت عليه‮« مارآه بالقري الأكثر فقرًا التي زارها،‮ وكانت مغلفة‮ »‬بورق السيلوفان‮« وقت مروره؟‮!!!.. هل رحم حبيب العادلي وزير الداخلية السابق الذي خصص‮ 4‮ فيلات لأبنائه داليا ورانيا وجيهان وشريف بمارينا بفروق أسعار تصل إلي‮ 43‮ مليون جنيه أحلام الفقراء والمهمشين؟؟‮!!.. هل زار رئيس مجلس الشعب السابق أحمد فتحي سرور,‬،‮ الذي تربح من منصبه‮ 4‮ قصور يبلغ‮ الواحد‮ 15‮ مليون جنيه،‮ العشوائيات التابعة لدائرته الأشهر فقراً‮ في مصر؟؟؟‮!!
هل نسي الرئيس السابق حسني مبارك‮ صاحب ال70‮ مليار دولار انه يحكم أكثر من‮ 80‮ مليون مصري،‮ وكرس مجهوده لتظليل محاسيبه من النظام الفاسد،‮ وهل نسي هو نفسه كل خطاباته عن محدودي الدخل أم إنها كانت مجرد كلمات يقرؤها دون ان يدركها ؟؟‮!!!‬
نعم‮ ...‬للأسف كان هؤلاء جميعهم يخادعون انفسهم ضاربين بمآسي‮ الكادحين عرض الحائط،‮ غير مكترثين بالضعفاء وتناسوا أوجاع شعب هلكه الجوع والفقر‮... والحقيقة المرة أن مصر بها أكثر من45٪‮ يعيشون تحت خط الفقر العام حسب تقرير التنمية البشرية العربية،‮ و‮ 46٪‮ لايجدون الطعام الكافي‮... و‮ 12٪‮ منهم بلا مأوي يضمهم‮.. و60٪‮ محرومون من التعليم بالرغم من المجانية التي تدعيها أبواق النظام‮.. بالإضافه الي‮ 48‮ مليون نسمة يعيشون في‮ 1221‮ منطقة حسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ب1221‮ منطقة‮. وهذا ماجعل مصر تحتل المركز الثاني عربياً‮ في الفقر بفضل سياسة التهب والظلم والاستغلال‮.
هنا مأساة لأسرة مصرية فقيرة تمثل السواد الأعظم لهذا الشعب المغلوب علي أمره عشناها يوماً‮ كاملاً‮. لنذكر المسئولين في محبسهم بمصائبهم وبتصريحاتهم الرنانة تجاه هذا الشعب المطحون‮.
‮»‬والله لو كان الفقر رجلاً‮ لقتلته‮« عبارة علي رضي الله عنه تذكرتها كثيراً‮ طوال طريقي إلي أسرة أبو عبدالرحمن‮.. عندنا تسللت عبر مدقات ضيقة لأ شاهد منازل معدمة ووجوهاً‮ أضناها الفقر‮... وأطفال‮ »‬لم ترهم ماما سوزان‮« يحلمون بالتحرر من عششها‮.
محمد علي‮ »‬أبو عبد الرحمن‮« عمره‮ 54‮ سنة عامل محارة باليومية ويحصل علي معاش استثنائي‮ 160جنيهاً‮ من الشئون الاجتماعية مشروط بتقديم تقرير يثبت مرضه ويعول أسرة،‮ مكونة من الزوجه‮ »‬مني‮« في الأربعينيات من عمرها وربه منزل،‮ وابنتين‮ »‬رحمة‮ 8‮ سنوات‮« وآية‮ »‬4‮ سنوات‮« وعبدالرحمن‮ 9‮ سنوات‮ »‬3‮ ابتدائي‮«‬،‮ تعيش بعشوائية المواردي‮ »‬عزبة فتحي سرور‮« التابعة لحي السيدة زينب‮.
وفي بيت بسيط أشبه ب»عشة متهالكة‮« ذات باب خشبي وجدران متهدلة من الطوب اللبن المتآكل ملئ بالشروخ‮ ذي منفذ سلك وحيد‮ »‬طاقة نور‮« تطل‮ علي الحارة‮.. وقبل أن تدخل منزلهم المتواضع تخشي وقوعه فوق رأسك، وبمجرد أن تنزل‮ 3‮ درجات سلم تجد أمامك‮ 3‮ غرف وبوتاجاز وغسالة متهالكة ومرحاضاً‮ سيئاً‮ تخرج منه رائحة سيئة كفيلة بتدمر صحة أسر كاملة وليست أسرة أبو عبدالرحمن فقط‮.. استقبلتنا‮ »‬أم عبدالرحمن‮« بملابس مهلهلة أصابتها بالإحراج ودفعتها لتغييرها‮ »‬بجلبيه استلفتها من الجيران‮«.‬
دخلنا‮ غرفة تتسم بالفقر المدقع‮ »‬جحر‮« ضيق مساحته لا تتعدي ال12‮ متراً‮ حاولت‮ اقتناص مكان للجلوس‮ مع‮ »‬أم عبدالرحمن‮« وبالكاد وجدت مكاني علي طرف السرير،‮ بعد‮ سيطرة الأولاد علي كنبة بسيطة بأحد الأركان‮ تعلوها‮ »‬مطبقية‮«‬،‮ ويواجه السرير باب الغرفة مغطي بستارة قماش،‮ وتجد بجواره دولاباً،‮ ظلت أم عبدالرحمن واقفة طوال حديثها لضيق الغرفة‮.‬
في التاسعة صباحاً‮ خرج أبو عبدالرحمن‮ من منزله دون إفطار لتوفير الغذاء لأطفاله ولم تجد الزوجه مايكفي لإفطار أولادها فلجأت الي الحيل بأن الغذاء سيحمل لهم طعاما طيباً،‮ فرح الأولاد إلا أن جوعهم كان أشد، فاحضرت طبق فول‮ »‬فائض من فطار أمس‮« وقدمته لهم،‮ لم يكن صالحاً‮ لأنه أصابه العفن‮ »‬بس الجوع كافر‮« فاضطروا إليه‮.. وبطبيعة الحال هذه‮ الأسرة لا تعرف‮ غير قائمة طعام محددة‮ »‬فول وبطاطس ومكرونة وباذنجان‮ وعدس‮«..‬إذا توفرت لهم‮ الوجبات الثلاث كاملة‮... وهو نادراً‮ ما يحدث‮... و»يوم ما تفكر الأسرة‮« تظبط نفسها بتكون علي هياكل الفراخ البيضاء أو الأجنحة والكيلو فيها بخمسة جنيهات،‮ وفي الغالب تتوفر عند حصول‮ »‬محمد‮« علي عملية محارة جديدة‮ ».. أما عن خبز الأسرة‮ بجنيه ويا»دوب‮« يكفي يومين علي حسب تقدير أم عبدالرحمن‮ »‬امرأة اقتصادية وغير مبذرة علي الاطلاق‮ »‬بتستخسر تشتري بأكتر من جنيه وبتعتبره بزخ وافتراء لأن في ناس مش لاقية تاكل وكأن هما لاقيين يعني‮!!!‬
كل شئ مشترك
في هذه الحجرة خمسة أفراد يأكلون وينامون ويقضون يومهم والغرفة‮ »‬لاتحتمل مساحتها التحرك‮ أو استضافة‮ 7‮ أشخاص وإذا تجمعوا سرعان ماتشعر بالاختناق،‮ وهو ماحدث بالفعل عندما دخلت الينا إحدي اخوات أم عبدالرحمن‮ »‬لتتعرف علينا‮... والمفاجأة كانت إن الغرف ال3‮ هي من نصيب جيران‮ »‬أم عبدالرحمن‮« والمرحاض مشترك بينهم،‮ وتضم اخواتها،‮ إحداهما مطلقة ولديها طفلان،‮ وأخري متزوجة تخدم حماتها في بيت آخر‮ ،‮ والأخيرة هي جارتها وأبناؤها ال3.‬‮ وكل هؤلاء يتقاسمون إيجار المنزل سوياً،‮ قمنا لمشاهدة محتويات المنزل فدخلت مرحاضاً‮ مظلماً‮ ولا ينصح بتكرار التجربة ذي رائحة سيئة وحيطان عليها‮ غضب الزمن‮ ضيق للغاية،‮ ومثير للاكتئاب والسخط‮.‬
عدت سريعاً‮ الي أفراد الأسرة وتوقفت عند محمد الذي تزوج مني منذ‮ 8‮ سنوات‮ في نفس الغرفة التي تربت بها مع والديها قبل‮ رحيلهما،‮ لم يمتلكوا بها أي شيء‮ حتي السرير ويفترشان الأرض للخلود الي النوم،‮ وبالكاد‮ قسطوا‮ بعض مكملات الحياة من سرير وغسالة وبوتجاز قديم متهالك وبرضا متناهي مني تقول‮ »‬إحنا أحسن من‮ غيرنا قدرنا نجيب كل الحاجات دي‮«... وقطعت حديثها‮ بنظرة ألم وقلة الحيلة‮« »‬نحاول نحببهم في بعض ونعلمهم من لحم الحي في زمن لا يرحم‮.. كانوا يوزعون حلوي‮ »‬بربع جنيه‮« عليهم وعلي أصدقائهم‮.
أما صحة الأسرة فحدث ولا حرج فهي سيئة للغاية طبيعي تكون مهدرة لأن أبو عبدالرحمن لايقدر علي توفير العلاج لأفراد أسرته وعبر عن ذلك بقوله‮ »‬حرام أكشف ب‮ 15‮ جنيهاً‮« لكنه ممكن يكسر القاعدة لو الحالة متيسرة شوية وهو نادراً‮ مايحدث‮.. وقعت أسرته في‮ مفترق طريق عندما انزلق رب المنزل من أعلي‮ »‬الصقالة‮« بعمله وأصيب بالغضروف وظل يعالج لشهور بالمنزل بمنح وعطايا أهل الخير التي لاتدوم‮ غالباً‮ ووقتها توقفت الحياة،‮ وظلت مني واضعة إيديها علي خدها من الخوف علي مستقبلهم المبهم و مكتفية بالدموع ليلاً‮ نهاراً،‮ ولم تستطع مساعدة زوجها لمرض رجلها التي تصاب بالتورم نتيجة وقوفها لفترات طويلة‮... ولم يكن كساء الأسرة أكثر حظاً‮ من صحتها لأن‮ استعارة الملابس من بعض الجيران أو المساعدات المقدمة من‮ جهات الخير‮.. هي السبيل الوحيد لسترة الأبناء صيفا وشتاء‮.. أظهرت آية قناعتها في سعادة إنها تملك ما لا يملكه أقرانها‮.. وهمست في أذني‮ »‬ماما لبستنا أحلي حاجة عشان أنتم هنا‮.. تعالوا كل يوم‮«.‬
دخل‮ »‬أبو عبدالرحمن علينا‮« الثالثة عصراً‮ بعد ساعات قضاها في الشارع يبحث عن فرصة جديدة للعمل‮.. جلس في يأس لأنه عاد بخفي حنين كالعادة ولم يجد ما يكفي طعام الغد،‮ حملت نظراته البسمة البائسة ناظراً‮ الي أطفاله في حالة تفكر‮.‬
أشد مايصعب علي أنفسهم استضافة أحد‮... يتصببون عرقاً‮ من الخجل‮.. حاولت الأسرة‮ التظاهر بالعيشة الكريمة أمامنا إلا أنها لم تستطع أن تخبئ ما خلفه النظام البائد من ظلم وضح علي شقوق المنزل وتجاعيد وجه الأطفال‮... تفاخروا بالغذاء الذي جهزته مني اثناء تواجدنا في منزلهم وكانت الساعة تشير إلي الرابعة عصراً‮. والوجبة هي مكرونة ومخلل،‮ التف الأطفال حول البوتاجاز لمساعدة والدتهم في طهي الطعام،‮ قامت بتقشير البطاطس وتسخين مكرونة‮ »‬بايته‮«.. مائدة‮ بسيطة بدون صينية تضع الأطباق علي الأرض مباشرة‮... احرقتنا دموع‮ »‬مني‮« المستحية‮ بعدما لاحظت فشلها في إخفاء فقرهم أمامنا‮.. عندما جلس الأب والأم وأطفالهما في حلقة ضيقة يصعب بها الحركة‮ تكاد ابنتهم الكبري تختنق من عدم راحتها في الجلوس علي الطعام،‮ فيختبئ نص جسدها تحت السرير لتترك مكان لوالدها واخوتها الزمتنا بالخروج من الغرفة‮... كيف لهم الاستمتاع بطعامهم مع تكرار هذا السيناريو يومياً‮... وكانت الوجبة‮ »‬البايتة‮« هي الوحيدة في يومهم‮ ،‮ لأن مني اكتشفت انها لا تملك جنيها لشراء الجبنة التي يأكلها أطفالها في العشاء فآخر جنيه في جيبها اشترت به‮ »‬مخلل وسلك‮« لنظافة الأطباق‮.‬
‮... ينتظرون شهر رمضان ليهربوا من مائدتهم المعهودة ويتجهوا لموائد الرحمن لعل وعسي ان تحمل إليهم بأصناف باتوا عاماً‮ كاملاً‮ يأكلونها‮.‬
فعلاً‮ هم يضحك وهم يبكي‮ »‬لأن أسعد أيام حياتهم عندما اشتري محمد‮ »‬فرخة مشوية‮« وده الهم اللي يضحك‮.. أما اللي يبكي إنه رفض يشاركهم أكلها لتوفيرها لأسرته المسكينة‮.
دردشة الجيران
لا يخلو منزل من تداول مايحدث حالياً‮ في مصر والثروات التي يتم الكشف عنها والقصور والمليارات المنهوبة في الخارج،‮ خاصة بمنازل العشوائيات والفقراء من عانوا سطوه الظلم‮.. بعد تناول الأسرة‮ غذاؤها تجمع جيران مني الساعة الخامسة مساء في‮ غرفتها انحشرت بها ثلاث سيدات فقط ومني‮.. وأكبر سكان منطقة‮ »‬مني‮« سناً‮ »‬أم راوية‮« عاشت بعزبة المواردي منذ‮ 50‮ عاماً‮ بعهود جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، وتعتبر عهد مبارك الأسوأ بين هؤلاء‮ ،‮ ذلاً‮ وفقراً‮ وارتفاعاً‮ في الأسعار ومراراً‮ وفساداً‮ وظلماً‮ للفقراء،‮ وأمراضاً‮ وأوبئة‮ »‬قالت ام راويه ان هناك فرقاً‮ كبيراً‮ بين تنحي مبارك وعبدالناصر ووقت إعلان تنحي عبدالناصر،‮ بعد نكسة‮ 1967‮ احتشد أهالي بني سويف‮ »‬منشآتها‮« للنزول إلي القاهرة للإعلان عن تأييدهم له ومطالبته بالعودة إلا أن الصورة اختلفت مع مبارك الذي طرده شعبه بعد‮ 18‮ يوماً‮ من التحايل عليه بالتنحي‮.‬
أحسن من مبارك
وفي الظلام يستوي الأعمي والبصير‮.. مثل ينطبق تماما علي وصف سيدات المواردي لحالة مبارك ورجاله بعبارة‮ »‬الحمد لله احنا في نعمه واحنا دلوقتي احسن من حسني مبارك نفسه علي الأقل إننا معتادين ننام خايفين‮.. لكن هو أول مرة يحس احساسنا بعد‮ 30‮ سنة من حكم النار والحديد‮.. الرؤوس اتساوت خلاص‮ »... ويتذكرون نعم الله عليهم بأنه منحهم مستشفي القصر العيني بجانبهم‮ ومدرسة لتعليم أولادهم،‮ وكل ما يؤرقهم ان تزيل هذه النعم‮!!!..‬
فتحي سرور‮ ..‬ناهب السيدة
لم يفلت‮ »‬سرور‮« من انتقادات الجيران و»شر البلية مايضحك‮« فهو نائب‮ السيدة زينب التي تتبعها عزبه المواردي،‮ يسكنها مايزيد علي‮ 3‮ آلاف أسرة تحت خط الفقر،‮ يلجأون إلي‮ »‬حنفية‮« مياه عمومية أول الشارع‮ ليغسلوا فراشهم ويشربوا منها‮...
لم يستطع‮ »‬سرور‮« طوال‮ 21‮ سنة كعضو في مجلس الشعب ورئيس له أن يقدم لهؤلاء سوي موائد رحمن مليئة‮ بطعام فاسد وغير نظيف،‮ واكتفي‮ بنهش محافظة القاهرة في منازلهم المتهدمة،‮ هددههم المحافظ بهدمها‮ وتركهم معلقين بين الأمل والألم‮ »‬ينظر رجال السلطة الي الفقراء علي انهم‮« زبالة‮ " ولا يحق لهم ان يحيوا حياة كريم وهو الامر الذي جعلهم يقولون علي سرور‮ »‬صحيح‮ باب النجار مخلع‮«.. وفجأة انفرط عقد المجلس‮ »‬العفوي‮« عندما نادت راوية‮ علي والدتها،‮ وانصرفت متأسفة من صداعنا بمشاكلهم، وذهبت معها ابنتها وجارتها لتواصل أسرة أبو عبدالرحمن رواية مأساتها‮.
أمنيات الصغار وهبش الكبار
الأحلام‮.. منفذ العائلة الوحيد للنيل من واقعهم الأليم‮... تكاد تتقطع قلوبهم عند النظر الي المسلسلات‮.. في نظرة أمل وتلقائية عفوية لآية ورحمة،‮ شايفة الفستان ده جميل أوي لما أكبر هتجوز واحد‮ غني وأجيب زيه ومش هنساكي سأشتري لكي واحد،‮ والشقه دي جميلة أوسع من بيتنا شوية‮« علماً‮ انها شقة فاخرة والفرق شاسع بين عشتهم وبينها‮.. أما عن خيالات مني بسيطة‮ »‬شقة بها‮ غرفتان وصالة‮ « غرفة لها ولزوجها،‮ والأخري للبنات،‮ وعبدالرحمن ينام في الصالة‮.. استفاقت من خيالاتها‮ »‬لامؤاخذة الأحلام خدتني‮«.. فعلاً‮ الأحلام اخذت أم عبدالرحمن بعيداً‮.. أسرة لا تمتلك إلا‮ 160‮ جنيهاً‮ لما ربنا بيفرجها‮!.. ولا يملكون‮ غيرها من حطام الدنيا‮«.
‮»‬آية‮« بنت الثامنة اعوام تحدثت عن‮ ثورة‮ 25‮ يناير‮.. توجه رسالة لمبارك‮ »‬منك لله انت اللي بوظت الدنيا وخربتها وعيشتنا في فقر وتعب،‮ أنا فرحانة إنه مشي بس زعلانه علي الشهدا‮ »‬كلمات تكاد تصدم عند سماعها تخرج من طفلة ولا تجيد نطق بعض الحروف خاصة حرفي اللام والراء فتنطقهما ياء إلا أنها استطاعت أن تختزل‮ حياتها في جملة الي المسئول عن الرعية
هنموت هنا
فقر أسرة عبدالرحمن لم يدفعها للتخلص من‮ غرفتهم الضيقه يتمنون‮ العودة اليها إذا خرجوا‮.. كانت كلمات مني عنها‮ »‬اتعودت أعيش في أوضة صغيرة الوسع بيخنقني،‮ وأنا عاملة زي السمك لما بيخرج من الميه بيتخنق، اتربينا هنا وهنموت هنا‮«‬،‮ وأبنائهم هم قلقهم الوحيد،‮ وألف سؤال وسؤال يدور في أذهانهم يومياً،‮ هل سيلاقو نفس المصير؟ هل ثوره‮ 25‮ يناير ستغير حياتهم؟‮!!‬،‮ والعلم وحده عند الله لأن أسرة محمد وجيرانه أيضاً‮ يرون أنهم بعيدون عن نظر الحكومة في كل الأحوال سواء في عهد عبيد أو نظيف أو شفيق يموتون ويحيون دون يوم سعيد في حياتهم،‮ إلا انهم يرفعون شعار‮ »‬القناعه كنز لا ينفي‮«... عندما تلامس حياة هذه الأسرة لابد أن تتساءل بنفسك عن مصيرها في حالة فقدان الأب أو ضياع رأس ماله‮ »‬صحته«؟‮.. لذلك لاحظت كثيراً‮ الشجن في ملامح أبو عبدالرحمن وهو يتحدث عن اسرته،‮ ورسم سيناريو مرعباً‮ أصابنا بالخرس وهو ماذا لو توفي؟؟‮.. حتما سيتشرد الاطفال ويفقدون نفحات النظام‮.. ولن يستطيع هؤلاء الأطفال الالتحاق بالمدارس‮.. ويصبح عبدالرحمن ابن ال9‮ أعوام رب المنزل وتضيع البراءة‮...‬
تجمع اطفاله حوله يشدون من أزره‮ غير فاهمين لما يدور‮.. »‬أنا لن اعيش لكم طويلا لكن ربنا معانا وعمره ماهيخذلنا والأكيد انه احنا عانينا من حكامنا‮.. تشققت يداي من المحارة‮.. ودابت كعوب أرجلي من البحث عن فرصة مقاولة جديدة‮.. والعمر بيجري‮.. يعلم الله انني اعمل في بيوت فاخرة لكنني لم أنظر أليها أبداً‮ بعين الحقد‮.. خائف علي مستقبلكم يضيع بعدي‮.. سامحوني لم أولد‮ غنيا‮«. كلمات أبو عبدالرحمن التي لم يدركها أطفاله لصغر سنهم ولسيطرة الأحلام عليهم لكن ادركتها زوجته‮ " بحسك فالدنيا ياأبو عبده‮ ..‬والله بحبه وعمره ما استخسر فينا حاجه وهو لو معاه مش بيبخل علينا‮«.‬
‮»‬الأسرة والثورة‮«‬
اختلفت أحداث البلطجة علي أسرتنا الفقيرة‮ لعيشهم في الخلاء‮... بالطبع لا يملكون ما يخافون علي سرقته إلا شرفهم هو‮ ثروتهم،‮ وهذا ماروعهم عندما قام طارق علام‮ بالتحدث عن‮ 62‮ حالة اغتصاب وهو في حالة جنونية بأحد البرامج التليفزيونية،‮ جعلهم لا ينامون الليل حاملين السكين‮. وأسرة أبو عبدالرحمن توقف رزقها تماما طوال ال18‮ يوماً‮ اضطرت وقتها أم عبدالرحمن‮ »‬للسلف‮« من الأصدقاء‮.. وفشلت المحاولات لأن كل الأسر أحوالها واحدة‮... فماذا تتخيلني مثل هذه الظروف؟؟‮.. كان الله أكرم علي الأسرة عندما فوجئوا بشخص‮ غريب يدق بابهم ليعطيهم‮ 20‮ جنيهاً‮ علي سبيل الصدقة واضطرت الأسرة لقبولها تحسبا من الاتجاه الي ما يغضب الله‮.‬
دقت الساعة الثامنة وحان وقت مغادرة الأسرة بعد ساعات امتزجت بالرضا والعطف والحزن والأمل وعذوبة طفولة مشردة مع أسرة بسيطة علمتنا القناعة والصبر علي البلاء،‮ وبابتسامة راضية وصافية ودعناهم،‮ وختموا يومهم برسالة‮ للرئيس القادم‮ »‬اتق الله فهي لاتدوم لأحد‮«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.