«العنف ضد المرأة».. صرخة نسمعها منذ عقود طويلة. جهات رسمية حكومية ومنظمات مجتمع مدنى جعلت قضيتها الأساسية هى الدفاع عن المرأة ضد العنف، ولكن الغريب أن هذا العنف يتواصل ويستمر ويزداد، لدرجة أن عدداً من الدراسات أكدت أن 86٪ من الزوجات يتعرضن للضرب من الأزواج، بخلاف التحرش فى الأماكن العامة ومضايقات أماكن العمل. ويبقى السؤال: كيف يمكن تجفيف منابع العنف ضد بنات حواء؟.. الإجابة تبدأ من رصد جذور العنف، فحتى بداية التسعينيات فى القرن الميلادى الماضى لم يكن العنف ضد المرأة يتجاوز التعدى البدنى والعقلى على المرأة، كما أنه لم يكن قضية مستقلة تفرد لها المؤتمرات. ثم جاء مؤتمر القاهرة عام 1993، ومن بعده مؤتمر بكين عام 1995، وبدأ يتبلور مفهوم العنف فى مقرراتهما منها، وأصبح يتم التركيز على عفة الفتيات، والتثقيف الجنسى للمراهقين، والتمييز على أساس التوجه الجنسى، والختان، والمهر، وغيرها، وبعدها تم بلورة العنف ضد المرأة فى كل قضية أممية. وبهذا يتحول العنف ضد المرأة من قضية تتفق البشرية على تجريمها، إلى وسيلة من وسائل التغيير الثقافى للمجتمعات، وفرض الرؤى النسوية المتفلتة من قيم الأديان والأخلاق على سائر الشعوب. وفى دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول «العنف ضد المرأة ودورها داخل الأسرة المصرية»، صدرت فى يونية 2017، سجلت النساء الحاصلات على مؤهل جامعى فأعلى، أقل نسبة تعرض للعنف الزوجى بكل أنواعه، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن الأب غالبًا ما يكون هو مرتكب العنف البدنى ضد المرأة عند بلوغها 18 سنة، وأن أغلب النساء بنسبة 86%، قد عانين من مشاكل نفسية نتيجة تعرضهن للعنف على يد الزوج. وذكر الجهاز فى دراسته حول «العنف ضد المرأة»، أن كثيراً من النساء اللاتى تعرضن للعنف على يد أزواجهن لجأن لبيت العائلة طلبًا للمساعدة أو للحماية وبلغت نسبتهن 18.3%، لافتًا إلى أن المرأة تتكلف نحو 1.49 مليار جنيه فى العام من جراء عنف الزوج منها 831.2 مليون جنيه تقريبًا تكلفة مباشرة، و661.5 مليون جنيه تكلفة غير مباشرة. وفى السياق ذاته، رصدت دراسة حديثة داخل محكمة الأسرة بإمبابة، أن 55% من الزوجات التى لجأن للطلاق والخلع، اشتكين من تقصير أزواجهم فى أداء مهامهم الزوجية، بسبب تعاطى العقاقير المنشطة والمواد المخدرة، ما سبب لهم آثاراً جانبية على المدى الطويل. وأشارت الدراسة، إلى أن 100% من الزوجات اللاتى أقمن دعاوى طلاق وخلع وأقيم فى حقهن دعاوى نشوز وطاعة تعرضن للعنف الجنسى، و10% منهن خضعن لإجراءات طبية بسبب تعرضهن لإصابات جسدية، نتيجة لذلك العنف. وأوضحت الدراسة أن السيدات أرجعن أسباب العنف الجنسى نتيجة لعجز الزوج، ما يترتب عليه تصرفات تؤدى إلى تعرضهن للإيذاء، بالإضافة للحصول على المتعة من جانب بعض الأزواج رغم رفض الزوجة نظرًا لما يحدث لها من أضرار، وكثيرًا منهم أكدن أن العلاقة الزوجية أصبحت عقاب لهن من جانب الزوج. ورصدت مكاتب تسوية المنازعات خلال النصف الأول من عام 2017، أن عدد السيدات اللاتى طلبن الخلع والطلاق للضرر لتعرضهن للعنف الجنسى الذى ينتج عنه عنف جسدى 1040 زوجة. فيما شكت 1640 سيدة من عجز أزواجهن، كما أكدت 630 زوجة تعاطى أزواجهن العقاقير المنشطة والمواد المخدرة. وعن بعض القضايا التى رصدت معاناة الزوجات مع العنف، أكدت «صابرين. م» أنها أقامت دعوى طلاق أمام محكمة الأسرة بإمبابة «دائرة العجوزة»، بعد زواجها بحوالى «10 أشهر»، كان الزوج يعانى من مشاكل طبية منعته من أداء العلاقة الزوجية. وأشارت إلى أنها حين نصحته بالخضوع للعلاج عند طبيب متخصص رفض وبدأ فى التعدى عليها وتعنيفها واعتدى عليها ضربًا وإجبارها على توقيع تنازل عن كل منقولاتها وطردها من المنزل. سيدة أخرى، تجلس على كرسى، تطوى يديها النحيلتين، وبدأت فى استرسال ذكرياتها المؤلمة مع زوجها، تقول «كوثر. ص»: «بدأت أتعرض إلى الضرب على يد زوجى فى بداية زواجنا، فكان يمسك برأسى وشعرى ويضربنى بقوة فى الحيط، تم حبسنى فى المنزل ومنعنى من الخروج، حتى أصبح المنزل شبيهاً بالمعتقل، وقطع عنى أى اتصال بأهلى الذين يسكنون بعيدًا عنى، طلبت الطلاق أكثر من مرة، إلى أن أذعن الزوج فطلقها شفهياً، ولما كان هذا النوع من الطلاق يستدعى إثباته فى المحكمة الشرعية التى ينتمى إليها الزوج، كان عليها أن تتوجه إلى تلك المحكمة بعد أن انتقلت للعيش مع أهلها تاركة بيت زوجها. زوجة تدعى «سميرة. ع»: بدأت حديثها بنبرة حزينة، تجسدتها مأساتها طيلة 6 سنوات مع زوجها، بمنزله بمنطقة إمبابة، انتهت حياتها بالخضوع لكثير من التدخلات الطبية لإنقاذها بسبب شذوذ زوجها وتعنيفها جنسياً. وأكدت أنها أقامت دعوى خلع فى أبريل الماضى، بعدما تحملت الكثير من الإهانات والعنف الجسدى، مشيرًا إلى أنها أم لطفلين، وحاولت كثيرًا الصلح مع زوجها وتغيير سلوكه تجاهها ولكن لا أمل فى تغييره.. وقالت: «كل مرة بعد عودته للمنزل ينتقم منها لدرجة تجعلنى أكاد أموت فى يديه». وفى السياق ذاته، تحكى «أمينة. ص» 34 عاماً، أنها تركت زوجها بعد ثلاثة أشهر من الزواج بسبب العنف الجنسى الناتج عن تناوله المواد المخدرة.. وأشارت إلى أنها أقامت فى دعوى الطلاق للضرر التى أقامتها ردًا على دعوى النشوز التى أقامها زوجها، لافتة إلى أنها أدركت إذا استمرت معه ستخرج من المنزل جثة هامدة.. وقالت: «انتهزت غيابه وهربت من المنزل، ومنذ ذلك الوقت وهو يرفض تطليقى مما دفعنى للوقوف أمام محكمة الأسرة لطلب الخلع». حكايات هؤلاء النسوة، نقطة فى بحر من المعاناة التى تتعرض لها المرأة، حيث أشارت دراسة لمؤسسة قضايا المرأة المصرية، بالتعاون مع مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف، لشهادات لنساء تعرضن للضرب المبرح، وأخريات كان زوجها يجبرهن على تناول المخدرات حتى أدمنت. وأوضحت الدراسة أن هناك العديد من الأسباب وراء العنف ضد المرأة، أهمها الثقافة الذكورية للمجتمع والتى تسمح للزوج بمعاملة الزوجة بقسوة وعنف وإيذاء بدنى ونفسى ومادى، بالإضافة إلى رغبة بعض الأزواج فى التأكيد على سلطتهم وقوتهم فى المنزل، والاعتقاد الخاطئ السائد بأن «الزوج له الحق فى أن يفعل ما يشاء وقتما شاء وكيفما شاء دون اعتبار لرغبة الزوجة أو رضائها أو حالتها النفسية أو حالتها الجسدية فى ذلك الوقت، وأن على الزوجة الإذعان لرغبة الزوج». حلول واقتراحات أشارت دراسة جديدة للمجلس القومى للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسى، إلى أن مدينة القاهرة من أكثر العواصم فى العالم الأكثر خطرًا بالنسبة للنساء فى 2017، واعتبرت الدراسة التى نشرها المجلس على صفحته الرسمية، أن القاهرة أسوأ من دلهى فى حصول المرأة على الرعاية الصحية، وبخصوص المضايقات التى تتعرض لها المرأة أظهرت الدراسة أن حوالى 6. 6% من السيدات تعرضن لتحرش فى المواصلات العامة و9.6% تعرضن له فى الشارع و1.3% تعرضن له فى المؤسسات التعليمية و3٫7٪ تعرضن له فى أماكن العمل، وكشف تعداد 2017 أن 2% نسبة الزواج المبكر فى مصر لفتيات أقل من 18 سنة. وبخصوص اقتراحات لحل هذه الأزمة، قالت دكتورة نيفين عبيد مؤسسة المرأة الجديدة: إن علاج هذه الأزمة، يكمن فى تعليم المرأة وتثقيفها سياسيًا واجتماعياً، مشيرة إلى أن مستوى العنف ينخفض عندما تكون المرأة متعلمة، فى حين أعلى نسبة تعرض للعنف تكون بين الأميات وغير العاملات وساكنات الريف وبين نساء الأسر ذات المستوى الاقتصادى المتدنى، لذا فإن كل الأنشطة التى يمكنها أن تساند المرأة اقتصادياً والتى تندرج تحت عنوان «التمكين الاقتصادى» للمرأة يمكن أن يكون له تأثير كبير فى الحد من العنف والذى يرتبط فى الغالب بالفقر. وأشارت إلى أنه لا بد أن يتم مساندة المرأة اقتصاديًا وتشجيعها بمنحها بعض القروض الصغيرة وتدريبها على إدارة مشروعها الصغير وتسويق منتجاتها، لافتة إلى أن هذا الأمر سيكون له دور كبير فى محاربة العنف، فضلًا عن الاهتمام بتعليم الإناث والقضاء على الأمية تماماً، خاصة أن نقص التعليم والثقافة يؤديان إلى احتمالات تعرض الإناث لكافة أشكال العنف ضد المرأة. ومن جانبها، قالت الدكتورة عزة كامل، مدير مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية: «إن نشر الوعى يساعد المرأة فى حل مشاكلها ومحاربة العنف القائم ضدها، هذا بالإضافة إلى التوسع فى توفير دور الضيافة للنساء المعنفات والتى تقوم بإنشائها وزارة التضامن الاجتماعى». وحثت «كامل» بضرورة الاهتمام بالتوعية الإعلانية لمناهضة العنف ضد المرأة وترسيخ مبادئ التفاوض والنقاش والإقناع بين أفراد الأسرة بدلًا من ممارسة العنف الجسدى أو النفسى ضد المرأة. واختتمت حديثها، بضرورة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة فى المجتمع والتى تنظر للمرأة نظرة دونية، مشيرة إلى أن هذا الدور يقع على عاتق المؤسسات التعليمية المختلفة ودور الدعاة والوعاظ فى المساجد والكنائس ورفع مستواهم العلمى والثقافى، لافتة إلى أن الفهم الخاطئ للدين بالنسبة لعقاب المرأة يؤدى غالبًا إلى عواقب وخيمة تنعكس آثارها على الأسرة والمجتمع، علاوة على توعية الآباء والأمهات بأساليب التربية الصحيحة للأبناء وتجنب القسوة الزائدة أو التدليل الزائد الذى يخلق لدى الأبناء الرغبة فى الانتقام والعنف.