كتبت - هدير إسماعيل: بعد أن بلغت مجدها وتطورها، قلّت بل اختفت، ربما كان مآل ذلك قصورا من الكُتاب، أو سوء فهم من القرّاء، أو احتياجات سوق الكتب ..معا نتعرف على أسباب اختفاء أو ندرة أدب القصة القصيرة من إنتاجنا الثقافي. * نشأتها وتطورها و القصة القصيرة هي نوع أدبي نثري، يقوم على الحكي، يتميز بوحدة المكان ضمن فترة زمنية محددة لتوضح موقفا أو عدة مواقف من الحياة الواقعية، ولابد أن تكون القصة القصيرة متحدة ومنسجمة في أحداثها وقد تكون لها وحدة شخصيات أو عدة أشخاص مختلفين، أما عن دراما القصة القصيرة فغالبا ما تكون قوية، وكثير من القصص القصيرة تمتلك حسا كبيرا من السخرية أو دفقات مشاعرية قوية لكي تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الأحداث في الرواية. وقد انتقلت القصة القصيرة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية في القرن العشرين بعد أن مرّت بالعديد من التحولات وحدث لها الكثير من التطوير في الشكل والبناء في القرن التاسع عشر في أوروبا خاصة على يد الفرنسي موباسان، والروسي أنطون تشيخوف، اللذين يدين لهما كُتاب وقراء القصة القصيرة والأدب حول العالم بالكثير من الفضل. أمّا في العالم العربي فقد أدت حركة الترجمة في مطلع القرن العشرين إلى تعريف القرّاء والكتّاب العرب بهذا اللون الأدبي، ويعتبر المنفلوطي ومحمود تيمور أول من كتب القصة القصيرة الحديثة باللغة العربية. يغلب على القصة القصيرة أن يكون شخوصها مغمورين وقلما يرقون إلى البطولة والبطولية، فهم من قلب الحياة حيث تشكل الحياة اليومية الموضوع الأساسي للقصة القصيرة وليست البطولات والملاحم. ومن أشهر الروائيين الذين كتبوا القصص القصيرة، نجيب محفوظ مثل مجموعته "خمارة القط الاسود" ، و يوسف السباعي الذي قدم أكثر من 22 قصة قصيرة، ويوسف إدريس رائد القصة القصيرة في العصر الحديث، وأشهر مجدديها ، وغيرهم. وفي الوقت الراهن يندر أن نجد مجموعة قصصية لكاتب شاب ، حتى الكتاب الكبار ينحون منحى الاخرين ويتجهون لكتابة الروايات الطويلة وربما ذات الأجزاء الكثيرة . وعن أسباب اختفائها أو ندرتها ، يقول أحمد عبد الجواد، صاحب دار نشر عابر، في حديثه لبوابة الوفد : إن ظاهرة اختفاء القصة القصيرة يرجع لميل ورغبة الإنسان في الحكي الطويل الذي تقدمه الرواية، وهو ما انتقل مع الأجيال المختلفة من الشعب الذي أقبل على أول مطولة سردية عرفها العالم وتُرجمت ، وهي "ألف ليلة وليلة". لافتا إلى أن دور النشر عامل كبير في انتشار، أو اختفاء القصة القصيرة فهي تبحث عن المعايير النقدية والأدبية الصحيحة لها من حيث التكثيف، وكفاءة السرد، وقليل جدًا في مصر من يلتزم بمعايير القصة القصيرة، وخاصة فكرة الدهشة فهي غير موجودة ولكنها توجد بكثرة في الرواية، كما أن أغلب دور النشر تلبي احتياجات السوق، وهي الروايات الطويلة التي تعزل القارئ فترة عن حياته. الامر نفسه يراه جمال عبد الرحيم، صاحب دار نشر المكتبة العربية ، مؤكدا أن هناك أكثر من سبب لاختفاء القصص القصيرة، أوله أن رواج القصة القصيرة أٌقل في المبيعات من الروايات، فبالتالي فإن الناشر لا يُقبل عليها، السبب الثاني هو عدم وجود كُتاب متمكنين من كتابة القصة، على عكس الرواية، والثالث أنها ليس لها مستقبل سينمائي فمن الصعب ان تتحول لفيلم سينمائي كالرواية، ونادرًا ما تتحول القصة القصيرة إلى حلقة تليفزيونية. في حين يرى الروائي رامي أحمد أن اختفاء القصة القصيرة يشبه كثيرًا ظاهرة إقبال الناس على المسلسلات التركية والهندية لطولها، وذلك بسبب الحياة الروتينية التي نحياها ؛ لذا يعمد القارئ للهروب من الواقع لفترات أطول وهو ما توفره الرواية ، فعلى الرغم من أن فن القصة القصيرة هو أساس الكتابة، إلا أن معظم الكتاب لا يتجهون لها، كما أن الامر مرتبط بدور النشر، فهي تقدم ما يحتاجه منها القرّاء، فثقافة الناس تتكون من خلال ما ينتج ويعرض عليها، فهناك كُتاب قصص قصيرة كُثر ، منهم عمرو عدلي الحاصل على جائزتين في القصة القصيرة، كما أن السوشيال ميديا تساهم بشكل كبير في انتشارها، فقط ينقصها أن تكتب وتطبع على ورق.