عزف الأقباط عن الذهاب إلى الكاتدرائية ،دقت أجراس الحزن ،وخيم الصمت على أروقة الكنيسة المرقسية في أول إحتفال رسمي بعد رحيل "البطريرك"،انطفأت الأنوار ،واتشحت الجدران بلون الرثاء ،حتى المقاعد ركنت إلى وحدتها ،بعد أن كانت قبل بضعة أشهر تئن من الزحام والهتافات المتدافعة ناحية البابا شنودة الراحل"تاييدا"و"إعجابا" بلمحاته الطريفة وبهجة كان يضفيها على الحاضرين لحظة صعوده إلى مقعده. اختلف المشهد خارج أسوار الكنيسة المرقسية وداخلها،ولاحت بوادر الهجر القبطي ل"القداس" تاثرًا بفراق البابا ،منذ غروب شمس أول أمس السبت ،دلل على ذلك قلة التواجد الأمني خارج الكاتدرائية ،وسهولة إجراءات التفتيش خلف البوابات المعدنية اثناء الدخول إلى الكنيسة ،مصحوبا بالغياب اللافت للقيادات الكنسية على غير المعتاد في مقدمتهم الأنبا آرميا سكرتير البابا ،وأعضاء المجلس الملي ،والنواب الأقباط بمجلسي الشعب والشورى. قرابة التاسعة مساءا، ترأس الأنبا باخوميوس قائمقام البطريرك قداس عيد القيامة ،بمعاونة عدد من الأساقفة يتقدمهم الأنبا يؤانس سكرتير البابا ،والأنبا موسى أسقف الشباب،واتساقا مع حالة الحداد دخل باخوميوس من باب خلفي للكنيسة ،رافضا الدخول من الباب الرئيسي الذي دأب البطريرك الراحل على الدخول منه طوال 40 عاما ،ومقعد صغير إلى جوار الكرسي البابوي المغلق ب"إكليل" من الورود البيضاء ،تعلوه صورة "البابا شنودة"،هو موضع جلوس"القائم مقام"،قبيل تأهبه للجلوس تراجعت خطاه إلى الوراء ،وارتسمت على تجاعيد وجهه المخبأة خلف لحية كثيفة بيضاء ،علامات الحزن ،وإرهاصات البكاء ،وإلى جواره كان الأنبا يؤانس والأنبا موسى يدفعانه إلى التماسك والجلوس حرصا على مشاعر عشرات الأقباط الحاضرين ،والملايين المتابعين القداس على شاشات الفضائيات. قاوم باخوميوس أحزانه ،وجلس متكئا على عصاه ،وجهه إلى أسفل، وذاكرته تسبح في ذكريات 40 عاما تقاسم خلالها مع البابا شنودة الراحل لحظات الإنكسار ،والإزدهار. أمام "باخوميوس" فاضت عينا "إبراهيم عياد" مرنم البابا شنودة بالدموع ،آذنة بوصلة شجن امتدت لبضع دقائق على أجواء القداس ،تخللها بكاء مستتر من فريق الترانيم الذي لم يفتأ نظره ينقطع عن المقعد البابوي الخالي. بعيدا عن المقعد البديل شرع "باخوميوس" في إلقاء كلمته التي استهلها ب"تهنئة" للأقباط الأرثوذكس بعيد القيامة الذي يتزامن مع رحيل البابا ،لافتا إلى أن المجمع المقدس يتقدم بالشكر لكل من بادر بالتهنئة والعزاء من كبار المسئولين بالدولة في مقدمتهم المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة،وكل الأحباء في السلطتين التنفيذية والتشريعية،وكافة ابناء الشعب المصري بمختلف توجهاتهم. واستطرد قائلا: "إذا كان احتفالنا يتزامن مع رحيل البابا شنودة الثالث فإننا نودعه على رجاء القيامة, ولا نخاف من الموت ولا ننظر إليه من خلال القبر المظلم". واختتم باخوميوس كلمته بعبارة للبابا شنودة قائلا"لن ننسى عبارته ،إن الراعي إذا استراح تتعب الرعية". مقاعد الصفوف الأمامية على خطى المقعد البابوي ،تشكو فراغها من كبار رجال الدولة ،باستثناء بضعة أماكن حرص أصحابها على الحضور ،في مقدمتهم منير فخري عبدالنور وزير السياحة ،ومحمد فتحي البرادعي وزير الإسكان ،ومندوب عن وزارة الداخلية ،وعمرو موسى المرشح الرئاسي،وأحمد شفيق المرشح الرئاسي ،وهاني عزيز رجل الأعمال البارز ،والقمص سرجيوس سرجيوس وكيل البطريركية ،وسفير المجر. وازدحمت المقاعد الأمامية على غير العادة بعدد من الشخصيات القبطية ،من بينهم ممدوح رمزي الناشط القبطي ،ونجيب جبرائيل رئيس منظمة الإتحاد المصري لحقوق الإنسان ،وحل عدد من شباب الكشافة والمسئولين عن التأمين ضيوفا على مقاعد الوزراء . وتعددت أوجه الخلاف بين إحتفال عيد الميلاد ،آخر المناسبات الرسمية للبابا شنودة ،وعيد القيامة أول الأعياد بعد رحيله ،يأتي أبرزها في غياب ممثلي المجلس العسكري ،وكبار القيادات السياسية ،ومرشحي الرئاسة ،ود.محمد البرادعي الذي حضر عيدي القيامة الماضيين،ونواب الأغلبية البرلمانية ،غير أن المشهد المتكرر هو إمتناع الفريق أحمد شفيق عن مصافحة منافسه في سباق الرئاسة ،عمرو موسى ،وجلوسه في صف الوزراء بعيدا عن موسى الذي تصدر المشهد فور دخوله إلى الكاتدرائية ،وعقب إنتهاء القداس ،وسط ترحيب قبطي واسع ،مكنه من البدء ب" مصافحة" الأنبا باخوميوس قبل الوزراء ومندوب الداخلية .