«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر عراق صانع الأخيلة:نحن نعيش عالة على الحضارة الغربية منذ خمسة قرون
نشر في الوفد يوم 01 - 08 - 2018


حوار - نهلة النمر
أنا من أسرة زرعت لى جناحين لأطير بهما نحو فضاء الأدب والفن
«البلاط الأسود» رواية ترثى تراجع الموهبة لحساب أشياء أخرى فى بلاط صاحبة الجلالة
نحن بحاجة إلى إعادة النظر فى مفهوم الغربة
«أدونيس» قال لى: «يا ناصر... دبى مصغّر الكون»
رواية «الأزبكية» فكرة مستوحاة من سطر واحد فى كتاب «بونابرت فى مصر»
يبدو أنه بات علينا أن نعيد النظر فيما تربينا عليه ونشأنا، فلم تعد المصطلحات تحمل ذات الدلالات؛ فما غدت الغربة غربة ولا البعد بعداً، ولم يعد السفرالطويل هو ذلك الغريب الذى طالما اختبأنا منه وخبأنا منه أحباءنا. فعلى الرغم من أن الحياة لم تختبرنى بتجربة الاغتراب لكنها منحتنى فرصة مراقبة العائدين، والذين أصبحوا مؤخراً أكثر هدوءاً وثباتاً وثقة فى الأقدار وفى أنفسهم. وهو ما قد يجعلنى أعيد النظر فى بعض أمرى، وربما أسمح لأولادى بالاغتراب فى المستقبل، إذا ما أرادوا ذلك وإذا ما سمحت لهم به الحياة. وإن كنت حتى الآن لا أدرى؛ هل الهدوء الذى يصطحبه القادمون معهم من مطارات العالم إلى القاهرة، هو ذاته الهدوء الذى يعودون به إلى ديارهم المختارة، أم أنهم يتلقفون أعصابهم المنفلتة فور دخولهم إلى صالات الوصول الغريبة عنهم.
على عكس كل هؤلاء كان هو مختلفاً، فلم تمنحه الغربة الهدوء والأريحية اللتين تلحظهما من بداية حديثه، فأنا أتصور أنهما كانا من هبات الميلاد وليس الحياة، لكننى أعتقد أن الغربة منحته أكثر من ذلك؛ منحته الفرصة كى يسأل نفسه ما الذى يريده؟ وما الذى يمكن أن يحقق له السعادة؟ فكانت الإجابة تسع روايات أثرت المكتبة المصرية والعربية، فى الأغلب أنه كتبها جميعاً فى الإمارة التى لا يغيب عنها البشر «دبى»، حيث أسهم فى تأسيس مجلة «دبى الثقافية» بالإمارات عام 2002، وكان أول مدير تحرير لها لمدة 8 سنوات حتى 2010، وأصدر 57 عدداً، وأشرف على إصدار 33 كتاباً من سلسلة كتاب «دبى الثقافية».
ناصر عراق صانع الأخيلة، روائى تؤكد كل رواياته أنه كما أن التاريخ لا يخلو من الرواية فإن الرواية أيضاً لا تخلو من التاريخ، وأن سطراً واحداً فى كتاب كافٍ لكتابة رواية مهمة. فجاء عالمه الروائى من خلال تسع روايات مصحوبة بالتكريم والجوائز، حيث وصلت روايته «العاطل» إلى القائمة القصيرة فى جائزة البوكر العربية، كما حصل على جائزة «كتارا» فى الرواية عن روايته «الأزبكية». تعد «نساء القاهرة دبى»، و«تاج الهدهد» و«الكومبارس، » و«أزمنة من غبار»، و«من فرط الغرام» من أهم رواياته. كما صدر له مؤخراً كتاب «السينما المصرية فى رمضان».
ناصر عراق بدأ حياته فناناً تشكيلياً، وقع فى هوى التمثيل أيام الجامعة وأخرج عدة مسرحيات، امتهن الصحافة، لكنه فى بداية الألفية الثالثة لم يكن له سبيل سوى الإنصات لغواية الرواية. ما الذى لا يمكنك أن تقدمه إلا من خلال الروايات، ولا تستطيع قوله من خلال لوحة أو مسرحية أو حتى مقال؟
- هذا سؤال بالغ الأهمية، ذلك أنه يتضمن وحدة الفنون، ففى ظنى أن المبدع الحقيقى يجب أن يتعامل مع مجالات الفنون والآداب المختلفة برحابة صدر، فيتفاعل معها وينفعل بها، حتى يثرى التخصص الذى انشغل به واطمأن إليه. وبالنسبة لى فقد منحتنى المقادير موهبة الرسم بشكل لافت، فمارستها بشغف منذ كنت طفلاً لم يتجاوز الرابعة، ومازلت بالمناسبة أرسم يومياً، وعندما اطلعت على «الأيام» لطه حسين وأنا طالب فى الثالث الإعدادى بهرتنى أيما إبهار، وبعد شهور قليلة قرأت ثلاثية نجيب محفوظ موفورة الشهرة، فقررت أن أكون مثل هذين الرجلين، ولكن كيف؟ وهكذا ظل حلم كتابة الرواية يراودنى ويضغط على أعصابى من عقد إلى آخر، حتى بلغت الأربعين عام 2001، فلم أستطع المقاومة، وعزمت على خوض عباب بحر الرواية بكل قوة، وليكن ما يكون بعد أن نهلت ومارست الكثير من الفنون. فالرسم والتمثيل والإخراج المسرحى، كل ذلك لم يجعلنى أكتفى، فالأفكار والرؤى والمشاعر تتلاطم فى رأسى، وهذه الفنون لا تكفى لأن تعكسها كلها، وكانت الرواية هى الأقدر على التعبير عما يدور داخلى من أفكار وآراء. وأزعم الآن أن ممارستى للفنون المختلفة وكذلك الصحافة كل ذلك عزز من مهاراتى الروائية إذا جاز القول.
مارست الرسم منذ الرابعة من عمرك... ومازلت حريصاً عليه حتى اليوم، رغم كل انشغالاتك والتزاماتك!! ليس بالأمر العادى أن يحدث هذا، وليس بالعادى أيضاً أن تتوافر لدى شخص ممارسة كل ما مارست دون أكتاف يتكئ عليها، فمن الذى حرث هذه التربة وأعدها للغرس؟
- هذا صحيح تماماً، فقد نشأت فى أسرة عاشقة للآداب والفنون،
فالوالد الراحل عبدالفتاح عراق كان مثقفاً عصامياً بامتياز. صحيح أن ظروفه الاجتماعية القاسية حرمته من التعليم الرسمى مبكراً، إلا أنه كان يقرأ طه حسين وسلامة موسى والعقاد وشوقى والمتنبى وما تيسر من ترجمة لدوستويفسكى وشكسبير وماركس ودارون ولينين وغيرهم من مفكرى العالم ومبدعيه العظام. كما كان رساماً بارعاً، وأذكر جيداً كيف كان يرسم لى منذ طفولتى المبكرة وجوه المشاهير أمثال جمال عبدالناصر ويوسف وهبى، فضلاً عن إتقانه الشديد لرسم الطيور والحيوانات. وبالمناسبة والدى هذا هو الذى تولى تعليم والدتى القراءة والكتابة، كما أنه اصطحبها معه إلى صالون سلامة موسى الذى كان يقيمه فى بيته بالفجالة فى أربعينيات القرن الماضى. وقد تأثر أشقائى «نحن سبعة أشقاء ترتيبى السادس»، بشغف والدى بالمعرفة واهتمامه اللا محدود بالفن والأدب والفكر والسياسة، الأمر الذى جعلنى محظوظاً بهذه الأسرة الكريمة التى غرست فى وجدانى عشقى الشديد لكل فروع الأدب والفن، فلكِ أن تعلمى أننى مارست كتابة الخط وأتقنته إلى حد كبير تأثراً بأبى، الذى كان خطاطاً ماهراً أيضاً، وشقيقى الأكبر الراحل إبراهيم الذى يعد المعلم الثانى بالنسبة لى، ورغم أنه كان محاسباً، غير أنه كان قارئاً نهماً ومطلعاً بشكل رائع على فنون المسرح والسينما العربية والأجنبية، وكم اصطحبنى وأنا طفل لزيارة المتحف المصرى والقبة السماوية وشرح لى بإيجاز وتشويق يناسب الطفل من هم المصريون القدماء؟ وكيف صنعوا هذه الحضارة العتيدة؟ كذلك شقيقى الأكبر الثانى المهندس فكرى، رعى الله أيامه ولياليه، أسهم، ومازال، فى تعزيز معارفى وصقلها، خاصة فى مضمار اللغة العربية وأسرارها وتراكيبها، رغم أنه مهندس كهرباء، أما شقيقى الراحل فوزى فهو الذى زرع لى جناحين لأطير بهما نحو فضاء السينما وجمالها حلاوتها، فتشبعت روحى بكل ما هو جميل وفاتن فى مجالات الأدب والفن.
الروائى يمكنه أن يصنع من سطر واحد فى كتاب التاريخ عالماً روائياً كاملاً، وناصرعراق اتخذ من التاريخ خلفية لعوالمه الروائية فى أكثر من عمل، ما حجم الصعوبات والمتعة التى واجهتها فى مثل هذا النوع من الكتابة؟
- اتفق مع حضرتك تماما، وأذكر جيداً أننى قرأت سطراً واحداً فى كتاب «بونابرت فى مصر» للمؤلف الأمريكى «ج. كريستوفر هيرولد» أوحى لى بفكرة رواية «الأزبكية»، ومع ذلك، يتحتم القول إن الروائى الذى يستهلم التاريخ يواجه صعوبة بالغة، فعليه أن يعود لمراجع كثيرة جداً، وعليه أن يمتلك وجهة نظر حول الحياة والكون، وعليه أن يتكئ على منظومة فكرية متماسكة، وعليه أن يستند إلى موقف سياسى واضح، وعليه قبل أى شىء أن يتمتع بموهبة لافتة تجعله قادراً على استثمار المادة التاريخية بذكاء من أجل إنشاء معمار روائى محبوك وممتع، فالروائى غير المؤرخ، وإنما الروائى صانع أخيلة من نسيج الماضى بهدف إثراء عقل القارئ الحديث، وطرح الأسئلة المثيرة التى تؤرقه فى حاضره.
فعل الاغتراب فى البشر لا يستهان به، لكن الكثيرين يرون أن الاغتراب داخل الأوطان أكثر وأشد قسوة منه خارجها. وأنت تعرضت كثيراً لهذه الفكرة من خلال كتاباتك كما فى «العاطل» مثالاً وليس حصراً، هل تعتبر نفسك عشت ألم تجربة الغربة سواء داخل الوطن أو خارجه، وما الذى لم تُبح به من خلال كتاباتك عن الغربة؟
- أغلب الظن أننا بحاجة إلى إعادة مفهوم الغربة فى ظل الثورة التكنولوجية الجبارة، وفى إطار التطورات المدهشة فى عالم المواصلات، ذلك أن العالم صار قاب قوسين أو أدنى من روح الإنسان وعقله وقلبه وربما جسده. بالنسبة لى، عندما غادرت القاهرة عام 1999 وانتقلت للعمل فى دبى لم أشعر بوخز الغربة الذى يتحدث عنه الكثيرون، لماذا: لأننى عملت فى المجال الذى أحبه وهو الصحافة، ولأننى كنت أصطحب معى زوجتى وأبنائى، ولأننى عملت مع أشقاء إماراتيين يتسمون بالذكاء والطيبة وتقدير الموهوبين المصريين، ولأن ثورة التكنولوجيا جعلتنى على تواصل يومى مع بلدى الأم ومع أهلى وأصدقائى، كما أن الإمارات تحديداً بلد عفى متسامح قادر على استيعاب البشر
من أى مكان فى الكوكب، وهكذا يمكن القول إن عملى فى دبى وإقامتى فى الإمارات منحانى فرصة ذهبية لتطوير إمكاناتى الإبداعية والصحفية انطلاقاً منها، كما أننى أتعامل يومياً مع جنسيات مختلفة، الأمر الذى جعل أدونيس يقول لى مرة ونحن نسير فى أحد مولات دبى: «يا ناصر... دبى مصغّر الكون».
«فى ظنى أن شخصية كل كاتب منثورة فى جميع أعماله بشكل أو آخر، بمعنى أن أفكار الشخصيات الروائية وآراءها وطموحاتها وعذاباتها جزء مما اعترى الكاتب نفسه فى مشواره مع الحياة، حتى لو كان جزءًا غامضًا باهتاً. فضلاً عن أن الروايات الأولى غالبًا ما تستند إلى استلهام مناطق ما من سيرة الكاتب»، أنت قلت ذلك وأنا أتفق معك تماماُ. بصراحة إلى أى حد تتفق هذه الرؤية مع روايتك «البلاط الأسود»؛ بمعنى هل صادفت فى حياتك شخصية مثل «صالح رشدى» يمكن أن نعتبره بطلاً لهذه الرواية؟
- من حسن حظى أننى عشقت الصحافة منذ صباى، ومارستها حتى وأنا طالب فى كلية الفنون الجميلة، فقد أصدرت مع اثنين من أصدقائى مجلة ثقافية عام 1981، باسم «أوراق». وبعد تخرجى مارست الصحافة حتى غادرت إلى دبى، حيث عملت فى صحف كثيرة، كما كنت مراسلاً ثقافياً لعدة صحف عربية، كل ذلك جعلنى أتعامل وأرى صحفيين من مختلف الأنواع، منهم الموهوب الدمث المهذب الجاد، ومنهم الأفاق محدود الموهبة، ومنهم الموهوب والمنافق فى آن واحد وغير ذلك، وبالتالى شخصية «صالح رشدى» فى رواية «البلاط الأسود» يمكن اعتبارها نموذجاً بائساً لمزيج من حفنة من الصحفيين الذين رأيتهم فى مشوار حياتى مع الصحافة طوال أكثر من ثلاثة عقود، علماً بأننا لا يمكن أن نفصل بين تردى الأوضاع السياسية وبين ظهور هؤلاء الانتهازيين فى عالم الصحافة، فقد كانت حقبة مبارك مشحونة ببؤس صحفى مستديم ظهر فى حجم النفاق الرخيص للسلطات وفى تراجع المهارات المهنية بشكل محزن، وفى تولى كثير من غير الموهوبين المناصب الكبرى فى المؤسسات الصحفية القومية.
ناصر عراق يحتفى بالمرأة دائماً وينتصر لها فى أغلب أعماله. ما أكثر الشخصيات النسائية التى تعاطفت معها بشدة فى كتاباتك خاصة فى «نساء القاهرة دبى»؟ ولماذا؟
- يقول الشاعر الفرنسى «أراجون» إن المرأة مستقبل العالم، ذلك أن المرأة هى التى تقود تطور البشرية، فهى التى تختار الأفضل والأقوى والأذكى من الرجال ليصبح أباً لأبنائها، مثلما يحدث فى عالم الحيوانات بالضبط، وهذا ليس تقليلاً أبداً من شأن الإنسان، وإنما هو فهم لمجريات التطور الذى يعد قانوناً رئيسياً فى حياة الكائنات الحية. إن حفاوتى بالمرأة تعود إلى أمور كثيرة، فقد تأثرت بوالدتى كثيراً، تلك التى كانت تقرأ روايات الهلال وتقصها لى وأنا طفل، وبالمناسبة عندما رحلت فى عام 1997 كانت تضع تحت وسادتها فى المستشفى رواية ماركيز «سرد أحداث موت معلن» التى كانت مفتونة بها كثيراً، وكذلك شقيقتى الكبرى الراحلة الدكتورة ماجدة، التى نالت درجة الدكتوراه فى الفيزياء النووية من لندن فى ثمانينيات القرن الماضى. لقد كانت تشرح لى قصائد أم كلثوم وعبدالوهاب التى كتبها شوقى وأبوفراس الحمدانى، ولا ننسى دور الكاتبات المصريات والأجنبيات فى تنوير عقولنا أمثال لطيفة الزيات وبنت الشاطئ وشارلوت برونتى وايزابيل الليندى وغيرهن، أما ما فعلته وتفعله أم كلثوم فى الرقى بالمشاعر فحدثى ولا حرج، كذلك فنانتنا المبدعات أمثال فاتن حمامة سناء جميل وغيرهن كثيرات. من هنا ينبثق انحيازى التام للمرأة، أما سوزان بطلة «رواية نساء القاهرة. دبى» فهى أقرب الشخصيات الروائية التى ابتكرتها إلى قلبى، لأنها تمثل النموذج الجاد العاشق الفنان الرافض لكل قهر اجتماعى.
على عكس أغلب الكتاب لم يقدم ناصر عراق الغرب بصفته الشيطانية المطلقة فى أعماله، إنما رأى فيه بشراً يخطئ ويصيب، لماذا تكون حريصاً فى كل كتاباتك على ألا يغضب أحد؟
- الأمر ليس له أى علاقة بغضب الناس أو إرضائهم، وإنما يتجلى فى موقفى الفكرى من الغرب، حيث أرى دوماً أن الحضارة الإنسانية سلسلة متواصلة، كل جماعة أسهمت فى تطويرها بنصيب، فالفراعنة واليونانيون والرومان والمسلمون أضافوا الكثير للحضارة، ولكن نحن منذ خمسة قرون تقريباً نحيا فى زمن الحضارة الغربية التى أنتجتها أوروبا، وبالتالى لا يمكن أن أغفل هذا أو أعاديه، صحيح أن الغرب عمل على استعمار الشعوب الضعيفة ونهب خيراتها، إلا أنه أيضاً وهب لنا الفكر والعلم والصناعة والتكنولوجيا والقانون المدنى الحديث والآداب والفنون، ولنعترف بأن كل ما نستخدمه الآن من فواكه التكنولوجيا مثل الموبايل والكومبيوتر والطائرة والسيارة والغسالة والبوتاجاز والتلفزيون والصحيفة... كل ذلك اخترعه الغرب، ولم نخترعه نحن العرب. فكيف أعاديه؟ وكيف لا أستفيد منه لأشارك فى بناء الحضارة، لأنه من العيب أن نظل عالة على الحضارة الحديثة نستهلك ما تنتجه فقط.
جميع حوارات الشخصيات فى أعمالك وكذلك صوت الراوى يتحدث اللغة العربية، على الرغم من أن كثيراً من الكتاب فى الأقطار الأخرى لابد لهم من تحلية كتابتهم بلهجات إقليمية.. بل أكثر من ذلك يمكن أن يدخلوا أكثر من لهجة أيضاً داخل اللغة الواحدة كواسينى الأعرج مثلاً. ألا ترى أن هذا النوع من الكتابة يكسب العمل شخصية تخصه وتخص وطنه ولغته؟
- فى ظنى أن اللغة العربية الفصحى الرشيقة هى التى تجمع العرب كلهم من الماء إلى الماء، فمن الصعب جداً أن نفهم فى مصر مثلاً نصاً مكتوباً باللهجة المحلية الجزائرية أو المغربية، وكذلك يصعب على السورى أن يفهم اللهجة الخليجية إلى آخره، لكن الجميع قادر على استيعاب النص، بكل ما فيه من حوار وصوت الراوى إذا كان مصاغا بالفصحى الجذابة. ولنا فى نجيب محفوظ أسوة حسنة، فقد جعل الشحاذين والقوادين وبائعى البسبوسة والعاهرات وصانعى العاهات كلهم يتحدثون بالفصحى الأنيقة البسيطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.