كتبت – دينا دياب: لن أعود إلا بعمل يحترم تاريخى الأعمال الأدبية عملة نادرة فى الدراما.. والإذاعة مازالت تحفظ ماء وجه الفن .. حزين على حال المسرح اكتشفتنى فاتن حمامة و«الباب المفتوح» وش السعد عليه 1963.. «الباب المفتوح»، رشحته الفنانة فاتن حمامة لدور «محمود» 1964.. ظهر كطفل بفيلم «أمير الدهاء» بشخصية «عصام» ابن «شاهين وياسمين» 1985.. قدم أول مسلسل دينى «محمد رسول الله» 1983.. بطولة مسلسل موسى بن نصير 2012.. آخر ظهور تليفزيونى فى مسلسل «السيت كوم»، «لسة بدرى» 2015 - المسلسل الإذاعى «قناة السويس» 2018.. مسلسل «لست وحدك» على إذاعة البرنامج العام. الفنان القدير محمود الحدينى أحد أهم فنانى الدراما والمسرح، هو شريك فى كافة الأعمال الفنية التى تناولت قيمة العائلة، تستدعيه الذكريات بمجرد مشاهدة عمل مثل: «الراية البيضا» و«هى والمستحيل» و«ليالى الحلمية» و«السقوط فى بئر سبع» و«السبنسة» و«محمد رسول الله».. ويجعلنا نتساءل: أين هو وكيف لهذه القامات المهمة أن تغيب عن الساحة الفنية الآن، لتكون المفاجأة اعترافه بابتعاده عن الساحة الفنية مجبر بسبب الشللية التى سيطرت على الوسط فى الآونة الأخيرة. «الحدينى» قامة مسرحية وسينمائية كبيرة، بدايته من «الباب المفتوح» مع الفنانة القديرة فاتن حمامة صنعت منه نجما مطلوبا فى كافة الأعمال الفنية، مؤمن بأن الفن رسالة ولذلك اكتفى بالأعمال الإذاعية معتبرا أن تقديمه لعمل يحافظ على تاريخه الفنى كافى ليقول «مازلت موجود».. النجم القدير حاورناه عن أسرار غيابه، وفتح لنا كواليس عمله مع أسامه أنور عكاشة ومحمد فاضل.. وكشف لنا عن رأيه فيما يقدم على خشبة المسرح الآن. فى البداية سألته.. ما سر هذا الغياب.. ألا يعرض عليك المشاركة فى أعمال فنية؟ - أجبرت على الغياب ومعى جيل كامل من الفنانين والكتاب والمخرجين، غبنا لأننا لم نعد نجد أعمالا تحترم المشاهد، فى السنوات العشر الأخيرة تحول الوسط الفنى، إلى شللية، كل شلة تعمل مع بعضها، أصبحت معايير الاختيار نفسها غريبة، قطاعات الإنتاج تغيرت وأصبحت اتجاهاتها تقديم عمل فنى يجمع فلوس فقط دون رسالة كل هذه التحولات جعلت جيلا كاملا من المبدعين يغيبون ويكتفون بما قدموا ليحافظوا على تاريخهم أمثال: بشير الديك ومجدى أبوعميرة ومحمد فاضل وإنعام محمد على ومحمد السيد عيد وبهاء الدين إبراهيم ويسرى الجندى وغيرهم، سر غياب كل هؤلاء أن الفن أصبح سبوبة ولم يعد رسالة. هل تقصد أن المنتجين الآن لا يعرضون عليك أعمال؟ - الأزمة لم تعد فى عرض الأعمال لكن المؤلف «يفصّل» سيناريو باسم بطل العمل الذى يبيع الفيلم أو المسلسل، وتركيزه يكون كيف يكتب سيناريو لبطل من الجلدة للجلدة، لكنه لا يعرف أن الأدوار المصاحبة لهذا الدور هى سبب نجاح العمل، العمل الفنى عمل جماعى، لكن الاعتماد على تقليل مساحات الأدوار، أصبح تقليل من مستوى الفنان، من السهل أن يشارك الفنان كضيف شرف فى العمل، لكن الصعب أن يحول صناع الأعمال الفنية دور الأب والجد والأم وكبير العائلة لشخصيات فرعية بجانب شخصية واحدة تكون موجودة فى كل مشهد فى المسلسل. هل ترى أن العيب فى كتاب هذا الجيل؟ - دعنا نتفق أن السيناريو أساس العمل الفنى، بمقارنة بسيطة بين الأعمال المقدمة الآن والمقدمة سابقا، لابد أن نتذكر أعمال مثل «ليالى الحلمية» و«الراية البيضا» و«أرابيسك» و«زيزينيا»، إذا بحثت عن البطل فى المسلسل ستجد أن الرسالة هى البطل، وأنت تشاهد «زيزينيا» تشعر أنك تسكن فى الإسكندرية وتعيش مع اهلها، الاهتمام بالتفاصيل نفسها يعيشها المؤلف ويرصدها فى كتاباته، وهكذا فى كافة الاعمال التى تم تقديمها، أتذكر أن أسامة أنور عكاشة كان يتفاعل مع كل شخصية يقدمها ينزل الشوارع ليعايش الناس ويكتب عنهم وعن مشاكلهم، الآن الكتاب يعتمدون على ما يوصف بورشة الكتابة، العمل الفنى من روح كاتبه، فكيف تتفق ورشه فى روح واحدة، أذكر ونحن نصور مسلسل «ليالى الحلمية» أسامة أنور عكاشة كان متواجدا مع إسماعيل عبدالحافظ فى كل مشهد يتم تصويره، لكنه يريد أن يرى تجسيد الأرواح التى كتبها أمامه، ويختار مع المخرج فريق العمل، لأن المهم هو النص، لا أنكر إننى افتقد أسامة أنور عكاشة وروحه، وافتقد موهبة هذا الجيل كلما تابعت قضية أو شاهدت مشهد من مسلسل على شاشة التليفزيون. ولكن دائما ما يقال إن الفن هو مرآة للمجتمع.. وما يقدم بالسينما والتليفزيون من تأثير الواقع؟ - هل يعنى ذلك أن فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات كانت فترة رفاهية ولم يكن هناك جرائم أو تجاوزات، الإرهاب ظهر فى الثمانينات والتسعينات، العشوائيات زادت فى هذه الفترة، حتى بالنظر لكل الروايات الأدبية التى قدمت فى هذه الفترة كان يؤكد أن هناك انحلالا وهناك تجاوزات فى المجتمع أكثر من الآن بكثير، لكن كتاب الدراما كانوا يراعون ضمائرهم فيما يكتبون، الدراما ليست فضحا للواقع بقدر ماهى رسالة لإصلاح هذا الواقع، وإلا ما الفارق بين التناول الفنى والتناول الأدبى، الدراما لا ترصد لكنها تعالج وهو أحد أدوارها، أين الأعمال التاريخية والأعمال الدينية التى تحس الجيل الجديد على معرفة دينه، أين الأعمال التى تتناول دور الأب وقدسيته فى البيت، لكن ما نراه الان تصوير كيف للسيدة أن تقلل من زوجها أمام أبنائها، أصبحت الدراما تتعمد تشويه دور العائلة وهذا كفيل ان يدمر أجيالا كاملة. فى رأيك.. ما السر وراء غياب الأعمال الدينية؟ - أحمّل التليفزيون المصرى مسئولية غياب الأعمال الدينية، إذا لم تتدخل الدولة لتقديم أعمال ذات رسالة فمن يقدمها، للأسف فى جيلى كنا مؤمنين بدور ماسبيرو فى الفن، لكنه الآن لا يوصف إلا بفوضى، مكان للموظفين، ما سمعته أن العاملين فيه يتقاضون 225 مليون جنيه مرتبات وهنا السؤال أين المنتج الذى يقدمه هؤلاء، لماذا الإصرار على إهدار المال العام فى ماسبيرو بهذا الشكل، لو وجهت قطاعات الإنتاج مجهودها وأموالها فى إنتاج مسلسل تليفزيونى دينى محترم أو تاريخى ذات رسالة، قطاع الإنتاج هو من أنتج مسلسلات «الفرسان» و«لا اله الا الله 1 و2» «محمد» «عمر بن عبد العزيز»، «عمر بن الخطاب»، لم نسمع أبدا عن منتج خاص قدم عملاً دينيًا، فالإنتاج الخاص يسعى لإنتاج مسلسل يعرض على 10 فضائيات، لكنه لم يضع أمواله فى مسلسل يحمل رسالة فقط، الملابس والإكسسوارات موجودة فى ماسبيرو بقطاعات إنتاجه، كل المخرجين والكتاب معينين فى ماسبيرو وتخرجوا منه، لكنه للأسف تحول لثكنه للموظفين فقط دون إبداع. كيف ترى الحل؟ - لابد أن نعترف أن ماسبيرو تعرض لمؤامرة، متمثلة فى سرقة تراثنا وعرض الفضائيات للأفلام والمسلسلات، وعدم محاسبة المسئولين عن سرقة هذا التراث، الآن أسمع المسلسلات الإذاعية التى سجلتها على إذاعات خارجية ولا أعرف من سربها، وعلى حد علمى أن هذه الأعمال لم تباع، الحل هو إعادة هيكلة ومحاسبة كل مسئول فرط فى تراث ماسبيرو وتركيز الدولة على قطاعات الإنتاج الحكومية من جديد وأن تتدخل بشكل أساسى لتقديم محتوى يرتقى بالذوق العام باستغلال قدرات الموظفين المتواجدين فى المبنى. قدمت مؤخرا مسلسل «لست وحدك» على إذاعة البرنامج العام.. هل ترى أن الإذاعة مازالت تحافظ على مكانتها؟ - لم يعد أمامنا سواها، والحمد لله أن هناك من يستوعب أن الأعمال الأدبية مهمة أن تقدم فى الإذاعة، هذا العمل من تأليف يوسف السباعى ورغم أن دور الأب فيها فى 15 حلقة فقط، لكن إذا استمعت إليه تعرض دور الأب فى تربية ابنته وحمايتها، ومساعدتها فى اختيار شريك حياتها. من الملاحظ أن أغلب اعمالك الإذاعية هى أعمال أدبية.. لماذا؟ - لأننى مؤمن أن العمل الأدبى يحمل عملا فنيا محترم، قدمت «واحة الغروب» و«قناة السويس» وأنا وجيلى مؤمنين أن التوثيق الأدبى هو أكبر الأفضل فى السيناريوهات، أصل الكتابة هو الرواية والقصة، وحتى بعيدا عن الأعمال الأدبية أرى ضرورة لتوثيق كل التطورات فى الدولة، السد العالى وقناة السويس وإنشاء الكبارى، كانت الإذاعة تهتم كثيرا بتوثيق كل هذه الأحداث ليعرفها الأجيال المختلفة، وهذا ضرورة أن يهتم به الفن. والسينما.. رشحتك الفنانة القديرة فاتن حمامة لفيلم «الباب المفتوح» وقدمت العديد من الأعمال المهمة وبعدها أيضا غبت.. لماذا؟ - بالفعل اكتشفتنى الفنانة القديرة وهى من عرضت علىّ الدور فى الفيلم واعتبره وش السعد على، لكننى أصبح من الصعب أن أشارك فى أى عمل سينمائى الآن ببساطة لأننى لن أشارك فى عمل فنى يقدم البلطجة صورة حية للمجتمع، هناك منتجون يسعون لتشويه صورة المجتمع المصرى ولا أسمح لنفسى أن أقدم عملا يقلل من بلدى، السينما لها معايير خاصة فى اختيارتها، العمل السينمائى يعرض فى العالم كله، وهو صورة متجسدة للمجتمع، ومن خلال متابعتى للأعمال السينمائية الآن كلها تعتمد على تقديم صورة السيدة كغانية، والرجل بلطجى، حتى الجرأة المقدمة أصبحت فجة، ما يحدث فى السينما الآن «حرام»، وأوجه رسالة لكل منتج أن يراعى الله فى صورة بلده. فى رأيك كيف ترى مستوى الأعمال المسرحية الآن؟ - بصراحة أنا حزين لما وصل إليه حال المسرح فى مصر، تخرجت فى معهد الفنون المسرحية وأول ما تعلمت فيه هو احترام عقليه المشاهد، وتقديس ذوق الجمهور الذى يجلس أمامى، على مدار مشوارى الفنى كنت ارتجف بمجرد أن أخرج للجمهور على خشبة المسرح لأننى أعلم أن الحكم سيكون قاسيا، والخطأ لن يقبل، للأسف ما تعلمنا لم يعد موجودا فى المسرح الآن، أغلب ما يقدم هو «اسكتشات»، الإنتاج الخاص فى المسرح جعل الفرق تبحث عن أى وسيلة حتى لو كانت تافهة ليضحك بها الجمهور، رغم أن الإنتاج الخاص فى الثمانينات والسبعينات أخرج عمالقة من الفنانين المسرحيين أصبحوا نجوما للصف الأول فى السينما والتليفزيون، لكن الآن معظم الفرق تحاول تصوير أى عروض لتعرض على الفضائيات وتجمع منها أموال واعتبر ذلك جريمة فى حق الأجيال الجديدة، فهو دعوة للابتذال والإسفاف، فطالما تعلمنا أن المسرح هو الوسيلة الأقرب للارتفاع بالذوق العام.