الشائعات آفة المجتمعات، وقادرة على هدم شعوب، واندلاع ثورات شعبية، وتدمير نهضة بلد بأكملها، ومصر من الدول التي تعلو قائمة الدول التي يتربص بها الكثير من الأعداء، ويريدون إسقاطها، وعندما فشلوا في إسقاطها مرارًا وتكرارًا في جوانب عديدة، ولما رأوا كم هي أبية وعصية عليهم، قرروا اللجوء إلى إطلاق الشائعات، لتفت في عضد الشعب المصري، لتثبط من عزيمته، إلا أنه في النهاية هيهات أن يصلوا إلى مرادهم. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد أفصح في خطابه للشعب المصري، في الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو، عن انتشار 21 ألف شائعة، في خلال ثلاثة أشهر فقط، وهو معدل هائل في انتشار الشائعات، والتي تؤثر على الأمن القومي المصري. ورصدت بوابة الوفد، آراء عدد من خبراء علم الاجتماع والطب النفسي، لتحليل أسباب انتشار الشائعات داخل المجتمع بهذه السرعة وبهذا الكم الهائل، وما هي آليات الحد من انتشارها... أكدت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، بكلية التربية بجامعة عين شمس، أن وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، هي سبب رئيس في ترويج الشائعات في المجتمع. وأضافت خضر أن مختلف الأعمار أصبحت تتواصل الآن على وسائل الاتصال الاجتماعي، والكل يروج للأخبار، دون التحقق من مصدرها، وهذا دليل على انخفاض وعي الشعب، والوعي الثقافي في المجتمع. وتابعت أستاذ علم الاجتماع، أنه ليس من العدل اعتبار الجيش والشرطة فقط، هما خط الدفاع عن الدولة، بينما الشعب أيضًا، إذا كان مثقفًا، ولديه وعي اجتماعي وثقافي، سيكون جبهة دفاع قوية عن الدولة، لافتة إلى أن غياب الفن الهادف، والبرامج الإعلامية الساعة لرفع المستوى الثقافي للشعب، من أهم أسباب ترويج المواطنين للشائعات، نظرًا لقلة وعيهم. وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أن أي تعامل من قبل الحكومة مع الشعب، لمواجهة الشائعات، سيكون غير مجدٍ، طالما ليس هناك انتماء حقيقي لدى الكثيرين، وعدم شعور الكثيرين بالمسئولية عن الوطن، خاصة وأن هناك نسبة جهل كبيرة في المجتمع، وهذه الفئة تردد ما يقال لها أو تسمعه، في غياب تام عن أي مستوى وعي. وأوضحت الدكتور سامية، أن هيئة الشئون المعنوية يجب أن تستعيد دورها بقوة، وترد على كل الشائعات التي تجتاح مصر، وعن مختلف المجالات، وتفهم المواطنين حقائق الأمور، مضيفة أنه يمكن أن تخصص فقرة في نهاية نشرة الأخبار، لرصد الأخبار الخاطئة التي تم تداولها، والإعلان عن حقيقتها. ومن جانبها، قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن البيئة الخصبة، التي تكون مولدة للشائعات، هي التي تختفي فيها المصادر، ويكون المجتمع فيها متغيرا بشكل دائم. وأضافت منصور، أنه في خضم انتشار الأخبار والمعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي"السوشيال ميديا"، يجب وجود مصادر دقيقة لاستقاء المعلومات. وأشارت أستاذ علم الاجتماع، إلى أنه على الدولة، توفير مراكز معلومات، ومصادر رسمية للأخبار، يتم الرجوع إليها، حال الرغبة في التأكد من صحة أي معلومة أو خبر، وهي تعد الحل الأمثل للقضاء على الشائعات. ولفتت أستاذ علم الاجتماع، إلى أن ثقة الشعب في هذه المصادر، ستأتي من خلال المصداقية في الرد على الشائعات، ومع الثبات على المصداقية، تزداد الثقة. وعلى صعيد آخر، قال الدكتور أحمد عبدالله، مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق، إن أكثر ما يساهم في ترويج الشائعات، هو التعتيم، وأن تكون المعلومات المتاحة غير واضحة. وأضاف عبدالله، أن ظاهرة انتشار الشائعات تم مناقشتها في خمسينيات القرن الماضي، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوصلوا إلى عمل ما يسمى ب"عيادة الشائعات"، وهي تخصيص خط ساخن، للرد على كل الشائعات التي يريد المواطن التأكد من صحتها، ومن الممكن الاستعانة بمثل هذا المقترح لتقليل الشائعات. وتابع مدرس الطب النفسي، أن الغموض وعدم توضيح الأخبار، يتسبب بشكل مباشر، في خلق بيئة خصبة لانتشار الشائعات، الأمر الذي يمكن محاربته، من خلال سرعة الرد على الشائعات، مع ضرورة توفر الشفافية والوضوح والصراحة، مشيرًا إلى أن ثقة المواطنين في الردود ستزداد تدريجيًا، كلما كانت الردود دائمًا صريحة وواضحة. واقترح عبدالله، أن تقيم الوزارات من خلال المتحدثين الرسميين بها، مؤتمرًا صحفيًا، بشكل يومي، في الصباح، تلتقي فيه الصحفيين، والرد من خلالهم على كافة الأسئلة التي يريد الشعب معرفتها، والرد أيضًا على الشائعات التي تم إطلاقها. وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي، بكلية الطب بجامعة عين شمس، أن لفظ "شائعات"، يعني ما قيل وانتشر ولكن بدون إثبات، وهو إحدى الآليات المعروفة للحرب النفسية، التي تؤثر على المجتمع ككل بشكل سلبي. وأضافت العيسوي، أن هناك بعض الأوقات، التي تكثر فيها الشائعات، من قبل المغرضين، لنشر حالة "اللا أمان النفسي المجتمعي"، مما يؤثر على القدرة الإنتاجية للفرد، بشكل سلبي، وتعتمد هذه الطريقة، على وضع المواطن دائمًا تحت تأثير القلق والتوتر، وأي شيء يشعره بالحزن، ويتم نشر هذه الحالة في مجالات مختلفة، كي يكون التأثير على كافة قطاعات الشعب، وفي مختلف المجالات. ولفتت أستاذ الطب النفسي، إلى أن الوطن العربي بشكل عام، يعد بيئة خصبة لانتشار الشائعات؛ بسبب الطريقة التي يتعامل بها الشعب مع الأخبار، فأما يتم ترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي "سوشيال ميديا"، من منطلق التوعية، وبحسن النية، ولكن دون التأكد من مصدر الخبر الذي يتم تداوله من الأساس، وأما حب الفرد لأن يكون هو نقطة البداية، ونقطة انطلاق الخبر. وتابعت الدكتورة هبة، أنه من المؤسف، أن هناك صحفا ومواقع إخبارية إلى الآن، لا تزال "تجري" على السبق الصحفي، على حساب الدقة المهنية، وإثبات المصدر والتحقق منه، وحتى أنه بعد أن يثبت خطأ الخبر، لا يتم الاعتذار عنه، مما يؤدي لتفاقم الخطأ وتكراره مرة أخرى. ورأت العيسوي، أن مقاومة الشائعات وانتشارها، يبدأ بالتحقق من مصادر الأخبار والمعلومات التي يتم تداولها، وفي هذه الأوقات الحرجة، لا بد أن تلغى عبارة "مصادري الخاصة" من وسائل الإعلام، على أن يكون هناك مصدر معلومات رسمي عن كل وزارة، تستقى منه الأخبار بشكل دقيق وصحيح. وأوضحت أستاذ الطب النفسي، أن الجهات الرسمية المنوطة بالرد على الشائعات في مؤسسات الدولة المختلفة، تتخذ دور رد الفعل، في حين أنه يجب أن تكون هي الفعل، وهي التي تقود الدفة، وحتى الرد على الشائعات يكون متأخرًا للغاية، بعد أن تكون تفاقمت بالفعل، مما يفقد الرد جزءا كبيرا من مصداقيته. وعن دور المتعاملين مع الأخبار، على وسائل التواصل الاجتماعي، فعليهم التحقق من مصدر الخبر الذي ينشرونه أو ينقلونه، ويمكن تدشين هاشتاج "مين قالك"، للتعرف على مصادر الأخبار التي يتم تداولها ولكن دون إثبات لها. ومن جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن عملية انتشار الشائعات في المجتمع، بشكل هائل في الفترة الأخيرة، يمكن التعبير عنها بأنها "عمليات نفسية أو الحرب النفسية". وأضاف فرويز، أن هذه الشائعات المنتشرة، في مجالات مختلفة، ما هي إلا حرب موجهة ضد الدولة، إذ أنه بعد الفشل في نشر الجامعات الإرهابية في سيناء، وبعد الفشل في الوقيعة بين الشعب والحكومة، لجأ أعداء الدولة، إلى حرب الجيل الخامس، وهي استخدام الشائعات، حتى يشعلوا النفوس بين أبناء الدولة، و"يقعوا في بعض". وأشار أستاذ الطب النفسي، إلى أن كل الشائعات التي يتم انتشارها، لا مصدر واضح لها، إما تكتب جملة "مركز أبحاث"، دون ذكر اسمه أيضًا، فيصدق الشعب دون وعي منه، ومن ثم يتم تداول الشائعة دون وعي. ولفت فرويز إلى أن أسلم الحلول لمواجهة ظاهرة الشائعات، هو أنه لا بد من سرعة رد الدولة عليها، وهناك عديد من الجهات الرسمية التي يمكنها القيام بهذا الدور، على رأسها، المتحدي باسم الرئاسة، ومركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، والمخابرات العامة، قائلًا "يجب درء الشائعات في مهدها لقتلها."