تحقيق: دعاء مهران كل سنة وأنت طيب.. ورمضان كريم.. عبارات وجدها المتسولون وسيلة أسرع لاستجداء عطف الناس مستغلين الأجواء الروحانية لشهر الصيام فى الضغط على المواطنين فى كل مكان لإفراغ ما فى جيوبهم مع الاتجاه إلى الإكثار من الصدقات والإحسان إلى الفقراء. وللأسف أصبحت ظاهرة التسول فى رمضان أو فى غير رمضان إلى ما يشبه عمليات النصب والاحتيال، وذلك باختلاف القصص الوهمية والكذب والادعاءات لنيل أكبر قدر من الأموال السهلة التى تأتى دون عناء العمل وشقائه. ظاهرة التسول وصمة فى جبين المجتمع يجب التصدى لها بكل السبل.. وعدم الاكتفاء بالمطاردات الأمنية، فالظاهرة اجتماعية وتحتاج لمزيد من بذل الجهد على كثير من الأصعدة. يبدو أننا نعيش مرحلة مهرجان التسول للجميع، نتيجة انتشار تلك الظاهرة التى أصبحت تهدد المجتمع وتشوه صورة مصر أمام العالم، خاصة بعدما اتخذ المتسولون العديد من الحيل الجديدة، لابتزاز المواطنين وسلبهم أموالهم، وبعدما كان المواطنون يتعاطفون مع المتسولين، أصبحوا اليوم يثيرون غضبهم، بعدما اتخذ العديد منهم مهنة التسول للتربح وجمع الأموال، دون مشقة وعناء، وكشفت العديد من الدراسات الاجتماعية والقانونية أن التسول أصبح تجارة رائجة، سواء على الصعيد الفردى أو على صعيد العصابات المنظمة. واتخذ العديد من المتسولين حيلاً جديدة، من أهمها استئجار أطفال مشوهين، وسرد قصص وحكايات مأساوية، كما هناك بعض المتسولين أصبحوا يذهبون للتسول أمام السفارات العربية والأجنبية، وإن كان بعضهم يجلس بعيداً عن السفارات العربية والأجنبية، ولكن عندما يلحظون خروج ودخول بعض المسئولين يهرولون إليهم ليتسولوا منهم، والتى تعطى صورة بالغة السوء عن مصر، كما هناك حيلة جديدة للتسول، بالوقوف بسيارة فارهة، صاحبها يقوم بإيقاف المارة مؤكداً لهم أن نقوده ضاعت أو سرقت منه وهو على سفر ويريد شراء بنزين لسيارته. ورغم مواجهة جهات الأمن لمنع انتشار المتسولين، لأن أعدادهم فى زيادة مستمرة نتيجة للأموال الطائلة التى يجمعونها فى اليوم الواحد، ألقت رجال مباحث شرطة النقل والمواصلات القبض على متسول وبحوزته 4850 جنيهاً حصيلة يوم تسول بمحطة قطارات القاهرة فى شهر أبريل الماضى، وبمواجهة المتهم بما أسفر عنه الضبط اعترف بارتكابه الواقعة، وأن المبلغ المضبوط حصيلة تسوله، بالكشف عنه تبين أنه مطلوب ضبطه لتنفيذ أحكام فى 7 قضايا (تسول – ضرب) بمدد حبس مختلفة تتراوح ما بين (أسبوع حتى شهرين) آخرها قضية «ضرب» حضورى بالحبس لمدة شهر. ولجأ شاب لحيلة ماكرة للحصول على المال بطريقة سهلة وسريعة، حيث تقمص دور سيدة منتقبة وتحرك فى شوارع القاهرة يتسول من المواطنين، مستغلاً موهبته فى تقليد أصوات السيدات، ودأب على التسلل للمناطق الراقية فى القاهرة للحصول على مبالغ طائلة من رجال الأعمال، بعد التوسل إليهم واستعطاف قلوبهم، حيث اعتاد على نسج قصص من خياله عن الظروف المادية الصعبة التى يعانى منها، وتارة يتقمص دور سيدة مطلقة تعول عدداً كبيراً من الأطفال ويلقى فصولاً من حياتها على مسامع المواطنين الذين يتعاطفون مع حديثه المعسول فيغدقون عليه بالمال، رجال الأعمال لم يكونوا بمفردهم مقصداً للمتسول، وإنما احتراف استهداف السائحين واستعطافهم للحصول على حفنة من العملات الخضراء، حيث يتسلل بمحيط المناطق السياحية والأثرية بالقاهرة للقاء الأجانب وجمع الأموال منهم. ورغم تزايد ظاهرة التسول المستمر، أنه لم توجد إحصائية رسمية بعدد المتسولين بمصر، ولكنه وفقاً لإحصائيات لعدد من المؤسسات غير الرسمية، يتراوح عدد المتسولين ما بين مليونى إلى ثلاثة ملايين شخص، الغالبية منهم تتمركز فى القاهرة والإسكندرية، ومنهم ما يزيد على 97 ألفاً من الأطفال وكثيراً ما يُستغلون من قبل عصابات الاتجار بالبشر حيث يستأصلون أعضاءهم بمقابل مادى زهيد. وبحثاً عن أسباب تفشى ظاهرة التسول وتنوعها بشكل أصبح يهدد المجتمع سألنا الخبراء عن تأثير تلك الظاهرة وأسبابها. الدكتور عبدالمعطى عبدالحميد، الخبير الاقتصادى، قال: إن هناك أسباباً عديدة تدفع المواطنين للتسول أولها الرغبة فى الثراء السريع، بالإضافة إلى انتشار الفقر، مؤكداً أن حجم أموال التسول تصل إلى العديد من الملايين فى شهر رمضان فقط، لافتاً إلى أن التسول يعد أحد ظواهر الاقتصاد الخفى غير المرئية وغير المرصودة، الذى ينطوى تحت بند الدخول غير الشرعية، لافتاً أن ظاهرة التسول قديماً تحولت إلى عصابات لها قوانين وقواعد لا أحد يستطيع خرقها، وعلى المتسول أن يقدم فروض الطاعة والولاء لرئيس عصابة المتسولين، كما أن هناك الكثير من يعملون لحسابهم. وأكد أنه لا أحد يستطيع فى المرحلة الحالية التصدى للظاهرة، مشيراً إلى أن الكثير من حارسى العقارات والبسطاء يقومون بتوزيع أبنائهم على الكثير من المناطق الأكثر ازدحاماً، للتسول وجمع الأموال للقدرة على مواكبة الحياة. وقالت البرلمانية آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفقه بجامعة الأزهر، إن التسول أصبح ظاهرة فى كل مكان، لافتة أن الشارع والمؤسسات الحكومية مليئة بالمتسولين، وأن هناك حالة من المطاردة عند دخول المؤسسات، أو أى مكان تحت مسمى «كل سنة وأنت طيب .. رمضان كريم». وأضافت أستاذة العقيدة والفقه، المتسولون رغم إعطائهم بعض الأموال، إلا أنهم دائمو التكرار بين اليوم والثانى، مضيفة، أن مشكلة التسول شىء غير مشرف، ومنظر «قبيح»، مطالبة المواطنين بألا يجعلوا شهر رمضان شهراً للتسول، سواء فى الشارع أو المؤسسات الحكومية، متمنية أن ينصرف المواطنون عن تلك الظاهرة، مؤكدة أن الكثير من المتسولين، من الممكن أن يكونوا فى حاجة، ولكن هناك أيضاً الكثيرين أصبحوا يستسهلون التسول عن العمل وشقائه.