د. محمد داود الإسلام هو الذى علمنا.. أن نسأل وألا نقبل الإيمان إلا بالحجة والبرهان، (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) «الأنبياء:24». ومنع الإكراه فى الدين.. لأن الإكراه على الإيمان لا يصنع المجتمع المؤمن الحقيقى، قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) «البقرة: 256». وعلى حد تعبير (جيفرى لانج) أستاذ علم الرياضيات بجامعة واشنطن: إنه فى الإسلام السؤال متاح بدون سقف أعلى، حتى الملائكة تسأل، والذى جعله عنوانًا لأحد كتبه، وطرح أسئلة تُعدُّ من أهم المهم، تدور فى أذهان الأمريكان وبخاصة حديثو العهد بالإسلام: لماذا خلقنا الله؟.. هل أتى بنا إلى الأرض ليعذبنا؟.. لماذا يعاقبنا؟.. إلخ.. وعرض جملة من الإجابات العقلية والعلمية. وليس بعد أن سأل الخالق العقل البشرى: (أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ)؟؟؟ وكرر السؤال مرات فى سورة النمل.. ثم يدعو الخالق بعد تكرار السؤال: (أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ)؟؟؟ إلى التفكير فى ذلك بالمنهج العلمى من خلال البرهان العلمى والحجة العقلية.. قال الله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) «النمل: 64». ليس بعد ذلك لأحد كلام فى ادعاء أن الإسلام يخشى النقد. هل الإسلام دين يلغى العقل ويخضعه للنصوص الدينية فى القرآن والسنة؟ عزيزى... العقل هو مناط التكليف فى الإسلام، والقرآن الكريم اشتمل على (1260) ألف ومائتين وستين سؤالًا للعقل البشرى، والقرآن ذاته معجزة عقلية، وليس معجزة حسية، كعصا موسى، أو ناقة صالح، أو نار إبراهيم، معنى هذا أن القرآن خطاب للعقل البشرى، كما وضحنا فى مواضع سابقة. فالإسلام لم يُلغِ العقل، وإنما دعا إلى إعماله من أجل أن يصل الإنسان إلى اليقين عن اقتناع وبرهان، ولا أدل على ذلك من وجود آيات كثيرة فى القرآن الكريم تدعو إلى النظر فى الأنفس وفى السماوات، وما فيها من سحب وبروق ورعود وشمس وقمر وكواكب، وفى الأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار.. قال تعالى: (وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون َ(21) «الذاريات»، (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «البقرة»، (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ (190) «آل عمران»، (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) «الغاشية». ما معنى دعوة القرآن الكريم للنظر والتفكر فى هذه الأمور؟ أليست هذه الآيات حثًّا للإنسان أن يعمل عقله؟ حتى يكون مقتنعًا وبالدليل، لا مقلِّدًا أو متبعًا للظنون؛ فإن الظن لا يغنى من الحق شيئًا. هل ألغى الإسلام العقل أمام النصوص الدينية؟ إن الإسلام لم يُلغِ العقل أمام النصوص الدينية، وإنما دعا إلى فهمها ومعرفة المراد منها، دون تقليد أعمى أو تأدية لحركات اعتيادية دون وعى أو إدراك لما تقول أو تفعل، إننا نقرأ فى القرآن الكريم قول الله تعالى: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «التوبة»، وقال: «مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ» (متفق عليه). أليست هذه دعوة صريحة للتفقه فى الدين؟.. وهل يكون التفقه إلا بإعمال العقل؟!