حوار: صابر رمضان أكد الدكتور عبدالسلام العبادى، أمين عام مجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى ووزير الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية الأردنى الأسبق، أن الأمة الإسلامية بخير لكنها تحتاج إلى جهود كثيرة مخلصة من أبنائها فى مجالات عدة، خاصة فى موضوع بناء الذات على مستوى بناء القوة والبناء الاقتصادى ومتابعة الأجيال من الجانب التربوى والثقافى، وطالب «العبادى» بتحقيق اكتفاء ذاتى وتنمية شاملة، وأوضح الوزير الأردنى الأسبق أن التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى تجارة محدودة للغاية إلى الآن ولا تتجاوز 8 فى المائة من إجمالى التجارة بهذه الدول، مما يسبب ضعفاً لاقتصاد الأمة، وأكد «العبادى» أنه لا عراك بين الدين والسياسة شريطة ألا يكون مطية لتحقيق مآرب سياسية، فالسياسة تكون فى خطر دون الدين، فإذا كان السياسى بلا دين فلا ننتظر منه إلا سياسة ميكيافيلية غير أخلاقية، «الوفد» طرحت عليه العديد من الأسئلة فكان هذا الحوار. بداية.. ماذا عن رؤيتكم لواقع الأمة الإسلامية؟ - يا سيدى.. الأمة الإسلامية إن شاء الله بخير.. نعم تحتاج إلى جهود كثيرة مخلصة فى مجالات عديدة خاصة فى موضوع بناء الذات على مستوى بناء القوة والبناء الاقتصادى ومتابعة الأجيال من حيث البناء التربوى والثقافى، لكن بحمد الله هناك جهود كبيرة على مستويات عديدة تحتاج إلى تفعيل وتعميق، وإن شاء الله يكون فى ذلك خير كبير بعون الله تعالى. إذن.. ما أهم الآليات التى تراها لنهضة الأمة الإسلامية من عثراتها؟ - الأمة الإسلامية لابد أن يكون أى عمل لتحقيق نهضتها يغطى كل آفاق حياتها، ولابد أولاً من البناء التربوى الثقافى الدقيق للأجيال، لابد من البناء الاقتصادى الشامل للمجتمعات، بمعنى أن نحقق اكتفاءً ذاتياً ونحقق تنمية شاملة، هذا يثير قضايا فى غاية الأهمية فى مجال التكامل الاقتصادى بين الدول العربية والإسلامية وما يسمى بالأسواق المشتركة وما يسمى بخطط التعاون الثنائى أو الجماعى فى المجالات الاقتصادية، أيضاً على مستوى التكامل بكل ظروف الحياة بين أبناء الأمة الإسلامية، فمن الواضح على سبيل المثال أن التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى تجارة محدودة للغاية لا تتجاوز 8٪ من تجارة هذه الدول، وفى تخطيط منظمة المؤتمر الإسلامى رفع هذه النسبة إلى 20٪ ويعتبر هذا إنجازاً كبيراً إذا استطاعوا تحقيقه، وغريب أن يكون هناك تفعيل لهذا الأمر بنسب أعلى من ذلك، لكن حتى الوصول إلى نسبة 20٪ فإنها تتعثر فهناك آفاق واسعة لتحقيق نهضة بين الدول. بصفتك أميناً عاماً لمجمع الفقه الإسلامى فماذا عن تقييمكم للمجامع الفقهية الإسلامية وما خطة هيكلة المجمع وتطويره؟ - هى لها دور كبير لكنها تحتاج إلى مزيد من التفعيل والتخطيط وإلى متابعة من أجل أن تحقق هذه المجامع ما أنيط بها من مسئوليات، ومنذ أن توليت الأمانة لمجمع الفقه الإسلامى الدولى قمت بوضع مشروع لتطويره لتحقيق المعنى الذى ورد فى قرارات مؤتمر مكة الاستثنائى عام 2005 وقد نص على أن مجمع الفقه الإسلامى يجب أن يكون مرجعية فقهية للأمة، وينص على أن من واجبه أن يقوم بعملية التعريف بالإسلام على أساس الوسطية والاعتدال، وأن يقوم أيضاً بالتنسيق بين جهات الفتوى وأن يقوم بمواجهة الفكر المتطرف، وأن يقوم بمهام عديدة نص عليها النظام الأساسى الذى تم وضعه فى عام 2006 ووافق عليه مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية فى «باكو» بأذربيجان، والخطة تقوم على ملاحظة كل القضايا والأهداف والوسائل التى نص عليها النظام الأساسى والتى وردت أيضاً فى مؤتمرات القمة ومؤتمرات وزراء الخارجية، بحيث يصبح هذا المجمع مؤسسة مرجعية فقهية للأمة، ومؤسسة اجتهاد جماعى متقدمة تنظر فى كل القضايا الحادثة التى تقع على مستوى الحياة المعاصرة، وأيضاً يتصدى لموضوع التنسيق بين جهات الفتوى مثل كل ما يتعلق بالاقتصاد الإسلامى والمصرفية الإسلامية، خاصة فى ظل الأزمة المالية العالمية التى تنشب مخالبها فى العالم كله. وقد اقترح لتحقيق هذا التنسيق ومحاربة فوضى الفتاوى أن يوضع على موقع الإنترنت إجابة كاملة لكل القضايا التى يسأل عنها المسلم بما يجعله مجمعاً عاماً وشاملاً للفتاوى، وأيضاً طلب هذه الفتاوى وتوزيعها على نطاق واسع، بالإضافة إلى إعداد المادة العلمية لمواجهة التطرف والحوار الداخلى بين المذاهب الإسلامية بهدف ترسيخ وحدة الأمة والابتعاد عن أى مظاهر تؤدى إلى الصراع بين أفرادها، بالإضافة إلى حوار الحضارة ومواجهة ما يسمى ب«الإسلاموفوبيا» والطعون التى توجه لهذا الدين والرد عليها بأسلوب علمى موضوعى، بالإضافة إلى التعريف بالصورة المشرفة لهذا الدين وكشف الممارسات الخاطئة التى ترتكب باسمه إلى غير ذلك من مشروعات وقضايا. ما مدى علاقتكم بمنظمة «الإيسيسكو» سواء على مستوى المجمع أو وزارة الأوقاف الأردنية؟ - علاقتنا متميزة مع منظمة «الإيسيسكو» سواء على مستوى مجمع الفقه الدولى الذى كنت أميناً له أو على مستوى وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية التى كنت أتولى رئاستها، وحقيقة أن «الإيسيسكو» مهتمة بالشأن الثقافى بكل أبعاده، ومهتمة بالقدس، مهتمة أيضاً بموضوع الحوار «حوار المذاهب والحضارات» وبالتالى نقاط الالتقاء واسعة مع الإيسيسكو وهناك تعاون مشترك، وكانت هناك اتفاقية موقعة بين مجمع الفقه الدولى وبين الإيسيسكو لكثير من مجالات العمل المشترك، وبالتالى العلاقة مع الإيسيسكو عملية فى غاية الأهمية وهى منظمة نشطة وفاعلة وتحظى برئاسة وإدارة الدكتور عبدالعزيز التويجرى وهو من الشخصيات العلمية المتميزة فى هذا المجال. هل المنظمات والمؤسسات الإسلامية الآن تقوم بدورها المنشود فى خدمة قضايا الدعوة الإسلامية؟ - هى تعمل كثيراً من الإنجازات لكن الجهد الذى يبذل مازال يحتاج إلى تفعيل وتخطيط وبرمجة وانفتاح بلغة يفهمها المجتمع المعاصر، وبالتالى لابد من استخدام وسائل العصر فى الاتصال مثل الشبكة العنكبوتية والفضائيات وبلغة تخاطب العقل المعاصر، ولابد أن ننتبه وأن نفرق بين المسلمين والدعوة للمجتمع الإنسانى، ولكل مقام مقال، وخاطبوا الناس على قدر عقولهم، وكل هذه قضايا تتطلب منا أن نضع برامج وخططاً لعملية مخاطبة المجتمع المعاصر، وهذا يقتضى هنا أن نتقن لغاتهم، وهو ما دعانا إليه ديننا وأن نعرف المجتمعات المعاصرة، فكيف نريد أن نخاطب هذه المجتمعات دون أن نعرف حقيقتها وأيضاً أن نكون واعين لأحكام الشريعة وأن هذه الشريعة جاءت لخير الإنسانية «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». د. «العبادى» هناك من يدعو إلى عزل الدين عن السياسة منعاً -كما يعتقدون- للصراع والعراك بينهما فماذا تقول؟ - نحن ضد استخدام الدين لأغراض سياسية، بمعنى أن يكون مطية لتحقيق مآرب سياسية لكن الدين لا يمكن فصله عن السياسة، وسياسة بدون دين فى خطر أن تصبح غير أخلاقية، فالدين هو الذى يهذب من السياسة ويوجهها التوجيه السليم، خاصة أن شريعتنا تعنى بالجانب السياسى فى الحياة الإنسانية، كما تعنى بالجانب الاقتصادى والجانب الاجتماعى، ولذلك نحن لسنا مع فصل الدين عن السياسة، نحن ضد استغلال الدين لأغراض سياسية وفرق بين الأمرين، لأنه إذا كان السياسى دون دين فماذا تنتظر منه غير سياسة ميكيافيلية غير أخلاقية والغاية تبرر الوسيلة، والواسطة، وعند ذلك ستنهار المجتمعات الإنسانية ولن يضبطها إن كان فى المجال السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى إلا قواعد الدين الضابطة للسلوك الإنسانى التى تحرص على القيم والأخلاق فى العلاقات الإنسانية. هناك عقول إسلامية وعلمية فذة مهاجرة احتضنها الغرب ولم تحسن الأمة الإسلامية الاستفادة منها، كيف يمكن الاستفادة من علمائنا لنهضة الأمة الإسلامية؟ - التحدى الأكبر لتحقيق التنمية فى العالم الإسلامى هو توطين التكنولوجيا والمعرفة فى بلاد المسلمين وهذا يقتضى جهوداً كبيرة، مثل أن تدرس العلوم بلغاتها، باللغات الإسلامية وليس فقط أسلمة العلوم إنما تدريسها بلغاتها، فالعلوم مسلمة بطبيعتها مادامت تتحدث عن القوانين التى صنعها الله عز وجل، المهم توظيفها بشكل سليم لخيرنا وخير الإنسانية. أخيراً.. كيف ترى عمل المنظمات الإسلامية التى تعنى بالتراث على وجه التحديد؟ - هى تقوم بجهود كبيرة، لكن لابد من دعمها ولابد من إثراء مسيرتها، فمن الواضح أن آفاق العناية بالتراث الإسلامى آفاق واسعة، أولاً لابد من إحياء هذا التراث، فعيب أن كثيراً من مخطوطاتنا مازالت مخطوطة وكثيراً من آثارنا مهددة فى كثير من بلاد الدنيا، لابد فى الواقع أن نسعى -خاصة فى القدس الشريف- إلى تعاون عربى إسلامى دولى لدعم كل جهة تريد أن تؤدى دوراً فى الحفاظ على التراث العربى الإسلامى.