كانت محافظة السويس وخاصة حي الأربعين بمثابة الشرارة الأولي للثورة الشعبية منذ بدايتها حيث شهدت أول الأعداد الكبيرة في المظاهرات وأول أحداث عنف بين الشرطة والشعب كذلك بداية إحراق أقسام الشرطة وسقوط الضحايا برصاص وزارة الداخلية. كما أن السويس كانت المحافظة الأولي التي شهدت نزول الجيش المصري بها في الخامسة مساء يوم 28 يناير وهو جمعة الغضب. اندلعت المظاهرات في حي الأربعين بالسويس مع باقي محافظات مصر والعاصمة في 25 يناير للتعبير عن غضبهم الشديد تجاه الأوضاع في مصر وما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية من تزوير فاضح وفادح لصالح مرشحي الحزب الوطني. إلا أن السويس كانت تختلف في أن خيراتها لم تكن من نصيب أبنائها في الوظائف المختلفة وحرمانهم من التمتع بما تأتي به قناة السويس علي مصر من خير. وكان يوم الخميس 27 يناير يوماً في غاية الصعوبة بعد أن تحولت حي الأربعين إلي ساحة للصدام والمشادات بين رجال الشرطة والشعب بعد قيام الشرطة باعتقال المئات من الشباب وقتل ما يزيد علي 5 أفراد برصاص وزارة الداخلية علي يد جحافل الأمن المركزي. وبدأت أعمال التخريب بقيام المتظاهرون باقتحام مقر الاسعاف بالحي واستولوا علي كل ما فيه من الطفايات حتي خزانة الاسعاف لم تنج من بعضهم كذلك اسطوانات الغاز لتنتقل كل هذه الاعمال الي وحدة بيع وصيانة الاسعاف المجاورة وما هي الا دقائق ليتحول المقرات الي كتلة من النيران. وظلت أعمال العنف تتزايد كذلك استمرار الصدام بين رجال الشرطة والمتظاهرين وباءت كل محاولات التهدئة بالفشل مع تمسك الشباب بالافراج الفوري عن المعتقلين المتواجدين داخل السجون. وقام مدير الأمن بالذهاب إلي قسم شرطة الأربعين في حضور ممثلي الأحزاب والقوي الوطنية ليفرج عن بعض الشباب المعتقل منذ بداية المظاهرات ظنا منه ان ذلك الاجراء قد يهدئ من الأمور، الا انه ظنه كان خاطئا. حيث خرج الشباب من السجن وتبدو عليهم ملامح الانكسار والدهشة وعدم القدرة علي التحدث وذهبوا إلي ذويهم والمتظاهرين ليخبروهم بما حدث لهم داخل السجن. قال الشباب إن مخبري القسم عاملوهم بقسوة شديدة وسكبوا عليهم المياه طوال الوقت لحرمانهم من النوم وكان كل ذلك أمراً عادياً ومتوقع لهم داخل السجن في ظل سياسة الوزير السابق حبيب العادلي وزير الداخلية وزبانيته. أما غير المتوقع هو ادلاء المسجونين من الشباب بأحاديث تؤكد قيام المخبرين بإجبارهم علي ممارسة اللواط داخل الحجز حتي يكونوا عبرة لزملائهم في الخارج وبالتالي يخشي الشباب من اعتقالهم وتكرار نفس الأمر لهم. إلا أن ذلك كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت النيران في نفوس الشباب قبل ان يشعلوا بأنفسهم النيران في قسم الشرطة نفسه. استمر الصدام والعنف حتي الساعات الأولي من صباح الجمعة في الوقت الذي كانت هناك دعوات للسوايسة للمشاركة في جمعة الغضب 28 يناير بعد أن أشعل الشباب النيران في رئاسة حي الأربعين رغم كل ممارسات الشرطة معهم وإلقاء آلاف القنابل المسيلة للدموع لعرقلة تظاهراتهم والتي واجهها الشباب باستنشاق البصل والخل ليتمكنوا من المقاومة. وجاء صباح يوم جمعة الغضب هادئا للغاية كأن المحافظة لم تشهد أي أعمال سابقة حتي أذان صلاة الجمعة والتي تمركزت الصلاة في مسجد حي الأربعين بشارع الجيش وهو أشهر الشوارع في المحافظة إلي جانب دعوة الآلاف للصلاة في المساجد المحيطة بحي الأربعين. وبمجرد انتهاء الصلاة كانت هتافات »يسقط يسقط حسني مبارك« تخرج من داخل صحن المسجد ليتحرك بعدها المصلون بمشاركة الوافدين من المساجد الأخري في أروع مسيرة سلمية شارك فيها مئات الآلاف تحت شعار »الشعب يريد إسقاط النظام«. ولم يستطيع المرء مشاهدة بداية المظاهرة واخرها التي سيطرت علي شارع الجيش بأ:مله لتذهب إلي مبني محافظة السويس تطالب بسقوط النظام وإقالة المحافظ. ولم يتواجد أمام مبني المحافظة إلا مدير الأمن بعد مدة من بداية المظاهرة وتحدث الي الناس من خلف رجال الأمن المركزي في صورة تعبر عن الخوف والقلق أكثر من أي شيء آخر. بدأت جموع المتظاهرين تتحرك في الشوارع الجانبية وحدثت مشادات بين الشباب والأهالي ورجال الشرطة للمطالبة بالافراج عن المسجونين الذين تم اعتقالهم خلال المظاهرات، الأمر الذي لم يستجب له رجال الشرطة وظنوا أن اقامة الموانع وسيارات الأمن المحيطة بقسم الشرطة قد تحميهم من المواطنين. ازداد الغضب واشتعلت الثورة وسط الغازات المسيلة للدموع التي ملأت شوارع المحافظة الا ان المتظاهرين اقتحموا قسم شرطة حي الأربعين وأخرجوا كل المحتجزين به وللأسف فقد استولي بعضهم علي قطع السلاح بالمئات بعدها تم اقتحام بعض المحلات المملوكة لرجال الحزب الوطني والمؤيدين له وبعض مقرات البنوك بشارع الجيش. وفي الفترة ما بين الثالثة عصرا حتي الخامسة مساء كان المطلب الأول لشعب السويس هو نزول قوات الجيش بها بعد أن سيطرت حالة من الرعب والخوف علي المواطنين لانعدام الأمن وسحب رجال الشرطة ولجأ الكثيرون الي الاقامة الجبرية داخل منازلهم وحرصوا علي عدم نزول أبنائهم خاصة البنات للشوارع لحضور الدروس الخصوصية أو التسوق الذي يمنع بقوة المظاهرات منذ الثانية عشرة ظهراً. وقام بعض الشباب الذين استولوا علي السلاح بمحاصرة مداخل المحافظة وحي الاربعين حتي جاءت الساعة الخامسة مساء بنزول رجال الجيش ومدرعاته إلي شارع الجيش في السويس. وكان اللافت للنظر هو نزول مدرعات الجيش حاملة لافتات مكتوب عليها »الجيش مع الشعب«، و»من أجل مصر وطننا جميعا« وهو ما لم يحدث مرة أخري بنزول المدرعات في العاصمة والتي خلت من هذه اللافتات. واستقبل أهالي السويس قوات الجيش استقبال الفاتحين وشعروا أن أركان النظام البائد أوشكت علي الزوال وازدادت الطمأنينة في نفوس السوايسة ليبدأ بعدها سريان قرار حظر التجول في الشوارع استجابة لأوامر القوات المسلحة. لقد واجه أهالي السويس ظروفا قاسية للغاية إن تلك الثورة بدءا من شرارتها وفقدان خيرة الشباب لأرواحهم ومئات الجرحي كذلك قطع الاتصالات التليفونية وخدمة الانترنت منذ جمعة الغضب الا ان ذلك كله لم يحرك ساكناً أمام قوة الشباب وارادتهم وعزمهم علي ضرورة التخلص من نظام حكم وكتم علي أنفاسهم لمدة 30 عاما من الظلم والقهر والاستبداد السياسي. لقد كانت المدينة الباسلة الخطوة الأولي لنجاح ثورة الشعب المصري بأكمله وهذا ليس غريبا عليها فهي المدينة التي كان لها دور عظيم وبارز في مواجهة العدوان الثلاثي علي مصر وتحقيق الانتصار في حرب أكتوبر 1973. ويستطيع المشاهد للأحداث في حي الأربعين والسويس أن يقول »من هنا بدأت الثورة بعد أن شهد شارع الجيش أعظم مظاهرات في تاريخ المحافظة والتي انتهت بنزول الجيش نفسه لأرض المدينة الباسلة بعد تخلصها من رجال النظام الحاكم.