كتب - حسام أبوالمكارم رسميًا.. ما زال العام الدراسى «فى الخدمة».. ما زال أمام المدارس فرصة لإنهاء المناهج وعمل المراجعات اللازمة لتجهيز الطلاب لخوض امتحانات آخر العام.. التى يبعدنا عنها أسابيع قليلة. لكن.. واقعيًا.. انتهى العام الدراسى بالنسبة للطلاب.. منذ شهر مضى وعلى أرض الواقع.. خلت معظم الفصول من التلاميذ.. بل اكتضت جداول الدروس الخصوصية بالحصص ال«أوفر» وفى مواعيد صباحية «المخصصة لليوم الدراسى» وخلع الطلاب «اليونيفورم» المدرسى، وألقوا بالحقائب والكتب أرضًا.. وحملوا الملازم والملخصات، استعدادًا للامتحانات. هذا هو الواقع الذى نعيشه كل عام منذ سنوات طويلة؟ أدمن فيها المسئولون تصريحات من نوعين «انتظام العام الدراسى لآخر يوم» وفرصة للمراجعة فى الفصول والتدريب على الامتحان داخل الدرسة، ولكن حقيقة الأمر أن المسئولين أنفسهم يدركون هذا الواقع.. فيبدأون فى حذف الدروس المقررة، وإلغائها لأن الوقت المتبقى فعلاً قصير.. «ويداهم الجميع»، ويبرع المدرسون فى إنهاء المهمة بأسرع وقت وشرح ما يمكن شرحه فى موسم «سلق المنهج». مشكلة التعليم لا تتركز على سلبيات وأخطاء يمكن تداركها، لكنها منظومة متكاملة تخللها الفساد حتى وصل بها الحال إلى انخفاض عدد الساعات الدراسية الكافية لتغطية المناهج والمقررات على الطلاب فى المراحل الدراسية المختلفة للفصل الدراسى الثانى لعام 2018، ومنذ الأيام الأولى لبدء الترم لم ينتظم الطلاب فى الحضور إلى المدارس بسبب كثرة الاجازات الرسمية والأحداث السياسية. ومنذ انطلاق الفصل الدراسى الثانى لعام 2018، فى 4 فبراير الماضى لم يمر أسبوع دون إجازة للطلاب نظرًا لوجود مناسبة، ما جعلة ينطبق علية مقولة «الترم القزم» بعد أن شعر الطلاب وأولياء الأمور بتقليص فترة الدراسة به وعدم تغطية المناهج والانتهاء من دراستها داخل المدارس الحكومية، دون وجود خطة استراتيجية من قبل وزارة التربية والتعليم للحفاظ على الساعات التى يتطلبها الترم حتى يستطيع الطالب تحصيل المعلومات والدروس المقررة عليه. وحصل طلاب المدارس خلال الفصل الدراسى الثانى على 6 أيام إجازة رسمية بجانب إجازات الجمعة والسبت، وتتضمن الخريطة الزمنية للفصل الدراسى الثانى 12 أسبوعًا بواقع 90 يومًا منها 6 أيام إجازات رسمية بجانب 13 يومًا هى عدد أيام الجمع يتبقى 71 يومًا للدراسة والمراجعة. وتشمل أيام الإجازات 3 أيام لاستغلال المدارس كلجان انتخابية فى الانتخابات الرئاسية 2018، التى بدأت من الاثنين 26 مارس الماضى، وفى المحافظات يبدأ الأسبوع فيها يوم الأحد يحصل الطلاب على جمعة وسبت إجازة. وبالإضافة إلى ذلك يحصل الطلاب على إجازات رسمية فى 9 أبريل بمناسبة شم النسيم، وفى 25 أبريل بمناسبة عيد تحرير سيناء، وفى 1 مايو بمناسبة عيد العمال، ما أدى إلى دفع العديد من الطلاب والأسر المصرية لتكثيف الدروس الخصوصية لتحصيل ومراجعة كافة المناهج لأبنائهم قبل بدء الامتحانات التى تنطلق فى الأيام الأولى من الشهر المقبلة. معلمون: انخفاض الساعات الدراسية دفع الطلاب للدروس الخصوصية قال عبدالله عبدربه، مدرس، إن الفصل الدراسى الثانى من العام الحالى هو أقصر فترة دراسية مرت على التعليم فى مصر، لافتاً إلى أن قلة الأيام الدراسية بمثابة حافز لتوجه الطلاب إلى الحصول على الدروس الخصوصية، خاصة أن التلاميذ لم يحصلوا على الشرح الكافى للمناهج المقررة فى المراحل التعليمية المختلفة. وأكد عبدربه، أن كثيراً من المعلمين التابعين لوزارة التربية والتعليم لجأوا لإعطاء الدروس نظراً لرغبة الطلاب فى الإلمام بالمناهج قبل دخول فترة الامتحانات دون أن يتلقى الطلاب شرحاً وافياً للمواد داخل المدارس. وتابع: «هناك أسباب عديدة لضغط الفصل الدراسى الثانى لهذا العام منها كثرة الإجازات وتعطيل المدارس ما أعاق حصول الطالب على حقوقه المشروعة داخل المدرسة». وطالب عبدربه، وزارة التربية والتعليم بضرورة وضع استراتيجية لمدة الدراسة لتعويض فترة الترم الحالى الذى قلص مراحل حصول الطالب على الشرح ومراجعة دروسه من خلال تقليل المناهج ومد فترة الفصل الدراسى حتى يتمكن جميع الطلاب من الإلمام والمذاكرة للاستعداد لدخول الامتحانات، والحفاظ على حقوقهم المشروعة للحصول على تعليم يحدد مستقبلهم ويفيد الوطن لتحقيق التقدم والازدهار الذى تسعى إلى تحقيقه القيادة السياسية فى البلاد. وشدد المعلم على أهمية الاهتمام بالمدرسين وإعطائهم أجراً يسد احتياجاتهم ومتطلباتهم لكى يتغاضوا عن فكرة الدروس الخصوصية التى يلجأ إليها لتعويض العجز الذى يعيشه بسبب الرواتب، قائلاً: «أعمل فى التربية والتعليم منذ 15 عاماً ولم يتخط راتبى فى الفترة الحالية 2200 جنيه لا تكفى لسد احتياجات الحياة والمعيشة». من جانبه لفت شعبان عبدالستار، مدرس لغة عربية، إلى أن الفترة الزمنية التى عاشها الطلاب فى الترم الحالى سوف تؤثر على مذاكرة ومراجعة المناهج الدراسية المقررة عليه، مشيراً إلى أن هناك العديد من الطلاب تكتفى بشرح المدرسة لتحصيل المعلومة والمنهج الذى يقوم بدراسته، لأن ظروفه المادية لا تسمع بالحصول على دروس خصوصية ما يجعله عرضة لتدمير مستقبله فى التعليم. وأوضح أن جميع الطلاب فى القرى والنجوع لا يعتمدون إلا على شرح المدرسة لذا كان من الواجب مد فترة الفصل الدراسى الحالى لتعويض النقص، وتمكين الطالب من دراسة مواده بهدوء حتى يحقق كافة أهدافه التعليمية التى يسعى إليها. وقال السيد محمد يوسف مدرس تاريخ، إن مشكلات المنظومة التعليمية فى مصر لا تقف عند حد بل تتشعب وتتفرع فى اتجاهات كثيرة منها قلة فترة الترم فى الوقت الراهن، وعدم وجود حوافز للمعلمين لتقديم شرح كاف داخل المدارس لكى يستطيع الطالب تحصيل المعلومة دون الحصول على دروس خصوصية، وعدم وجود ربط بين البيئة المحيطة والمناهج التى يقوم بدراستها الطلاب فى مصر، وعشوائية فى اختيار المعلمين الذين يمثلون القدوة للطلاب فى المدارس. وأكد يوسف أن علاج المشكلات التى يواجهها التعليم، يجب أن تبدأ بكيفية تطوير التعليم الأساسى وإصلاح العيوب التى تعانى منها المنظومة منذ سنوات ورفع الرواتب وتدريب المعلمين ومواجهة غياب الطلاب عن الحضور، بدلًا من الحديث عن ظاهرة الدروس الخصوصية التى لا تعد جوهر أزمة التعليم فى مصر. واستكمل: «حذف المناهج وتسمية ما يتم حذفه بالحشو الزائد يعطى انطباعاً سلبياً عن منظومة التعليم وأن من تلقوا تلك الجرعة من المناهج كانوا يتلقون تعليماً خاطئاً»، معتبراً أن تطوير المناهج لا يأتى بالحذف وإنما يجب أن تؤسس المناهج الدراسية على شعارات ثورتى 25 يناير و30 يونيو من حرية وكرامة وعدالة إنسانية وألا تعتمد على التلقين والحفظ، لافتاً إلى ضرورة الاهتمام بتأهيل وتدريب المعلم وأن يكون المعلم نفسه مؤمناً بالأهداف والقيم التى يسعى المنهج لغرسها داخل الطلاب. خبراء: «التربية» أهملت المدارس الحكومية لصالح المدارس الدولية قال أشرف الفضالى، خبير شئون التعليم، إن وزارة التربية والتعليم تسخر أكثر من 80% من جهودها للمدارس الدولية والإنترناشونال، وتتجاهل المدارس الحكومية التى تضم آلاف الطلاب، لافتاً إلى أن الوزارة لم تراع المدة المطلوبة لتحصيل كافة المواد الدراسية فى الفصل الدراسى دون النظر إلى المناسبات والإجازات والأعياد الرسمية التى يتم اقتطاعها من حق الطالب فى تحصيل العلم، ما فتح المجال أمام السناتر ومراكز الدروس الخصوصية لاستقطاب الطلاب ما يؤدى إلى انهيار العملية التعليمية أكثر مما هى عليه الآن. قال الدكتور محمد عبدالعزيز، الخبير التربوى، إن عيوب التعليم الأساسى فى مصر لم تقتصر عند حد تقليص فترة الدراسة فى الفصل الدراسى الثانى لهذا العام، وتشعبت المشكلات حتى أصبحت أحد الدوافع الرئيسية لإجبار أولياء الأمور والطلاب على اللجوء للدروس الخصوصية لتحصيل المناهج حتى يتمكن الطالب من تحقيق أهدافة التعليمية للوصول إلى كليات القمة واجتياز المراحل الدراسية المختلفة. وعن أهم النتائج السلبية التى تسببها قلة ساعات الدراسة فى الترم الحالى، أكد الخبير التربوى، أنها تؤدى إلى تشتيت الطلاب واعتماده على الدروس وتجاهل دور المدرسة وعدم الاهتمام بالحضور ما يفتح الباب أمام المراكز لاستقبال أكبر عدد من الطلاب حتى أصبح التعليم مستحيلاً بالنسبة للطالب دون الاعتماد على الدروس الخصوصية، قائلًا: «عدم وجود استراتيجية لدى الوزارة للحفاظ على ساعات العمل الدراسية جعل الطالب ينظر إلى المدرسة بأنها مضيعة للوقت والمجهود». وتحدث عبدالعزيز قائلًا: «الوضع فى المدارس أصبح سيئاً للغاية فى الفصل الدراسى الحالى بسبب عدم حضور المعلمين فى الفصول واقتصر دورها على التوقيع فى دفاتر الحضور والانصراف فقط ما أدى إلى «فرم» الطلاب الذين لا تلجأ للدروس الخصوصية وتعتمد على شرح المدرسة والاجتهاد الشخصى نظرًا لظروفهم المادية الطاحنة ما يجعلهم عرضة للفشل، بالرغم من أن بعضهم يعتبر نماذج ناجحة وتستطيع تحقيق نجاح كبير فى المجتمع الدولى». أكدوا أن الذهاب للمدرسة مضيعة للوقت: طلاب: المناهج تعتمد على الحفظ وشرح المدرسين غير كاف على صعيد آخر أردف ياسر طه، طالب بالصف الثالث الإعدادى، أن تقليص مدة الترم لا تؤثر على الطلاب، مضيفًا أن الجميع لا يذهب إلى المدرسة لأنها لا تضيف للطلاب إلا قليل من المناهج والشرح، ما يجعلهم يعتمدون بشكل أساسى على تحصيل المناهج من خلال الدروس الخصوصية. وتابع: «تقليص مدة الترم بسبب الاجازات والمناسبات وضع الأسر فى ضغط كبير تواجه بسبب كثرة الدروس وتكثيف الحصص فى جميع المواد لضمان أعلى مجموع من الدرجات لأبنائهم ما جعلهم يشعرون بعبء كبير فى الفصل الدراسى الحالى»، مؤكدًا أهمية وضع مناهج تعتمد على فهم الطالب وتفيده فى المستقبل والحياة العلمية دون الحشو الزائد التى لا يضيف سوى المشكلات للطلاب فى المراحل التعليمية المختلفة. وأكدت ميرنا جمال، طالبة بالصف الثانى الإعدادى، أنها تعتمد على المدرسة بشكل كلى لدراسة المناهج المقررة عليها، لكنها تواجه مشكلة أكبر فى الوقت نظرًا للمناسبات الرسمية والأحداث التى تمنع الطلاب من الحضور. وأشارت إلى أن شرح المدرسين لا يكفى فى الفترة الحالية نظرًا إلى اهتمامهم بالطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية لديهم ما يعرض بعض الطلاب إلى الظلم من عدم وجود معلم يقوم بشرح كافى حتى لا نلجأ للدروس الخصوصية رغم ظروف الأسرة المادية. وأضاف علاء جمال طالب بالصف الأول الثانوى، أن المناهج الدراسية تعتمد بشكل أساسى على الحفظ دون فهم ما يجعل الطالب يحتاج إلى وقت طويل فى العام الدراسى لتحصيل كافة المواد، لافتًا إلى أن النظام التعليمى يعتمد على الاختبارات التحريرية المكتوبة لمعرفة مدى تحصيل الطالب للمواد وهو ما يجعلها أزمة تواجة كافة الطلاب فى عدم استيعاب المناهج حتى يتم تطبيقها فى الحياة العملية دون أخطاء أو نسيانها بمجرد انتهاء العام الدراسى، ما يدفع الجميع لتكثيف الدروس الخصوصية لتعويض فترة الترم الذى لا يغطى سوى بعض المقررات التى يدرسها الطالب. وأكد أهمية تعديل النظام التعليمى الحالى والاعتماد على مناهج يستوعبها الطلاب بدلاً من الحفظ الذى يتبخر من عقل الجميع بمجرد الانتهاء من الدراسة، ما يجعل كثيراً من خريجى الجامعات غير مؤهلين للعمل نتيجة التعليم السيئ. وتحدث الطالب محمد يونس، عن أهمية وضع مناهج متطورة تعمل على الارتقاء الذهنى للمتعلم، حتى لا يتأثر بتقليص فترات الدراسة والحد من الاعتماد على الدروس الخصوصية، وتمكن المدرسين من إعطاء المعلومة للطالب بكل بساطة ويسر. وأكد أن نظام التعليم الصحيح يجب أن يعنى ببناء الشخصية الوطنية القادرة على التفكير والنقد أيًا كان النظام الحاكم وتوجهه. ولفت معتز حسين، طالب بالصف الثالث الإعدادى، إلى أن الطلاب ينظرون إلى المدرسة على أنها مكان للفسحة ولا يعتمدون عليها فى تحصيل المعلومات ودراسات المناهج، خاصة فى ظل الإهمال التى تشهده المدارس الحكومية وغياب الرقابة وعدم وجود شرح كافى فى الفصول للقدرة تحصيل المعلومات فى المناهج. وأكد أن شرح المعلمين داخل المدارس ليس كافيًا لأنه لا يهتم إلا فى الدروس الخصوصية، ولا يعتمد على شرح المدرسين فى المؤسسات التعليمة لدخول الامتحانات وتحقيق حلم كل طالب فى الحصول على أعلى مجموع للالتحاق بكليات القمة.