قد تكون هي بسبب سلوكيات الناس.. ما إن يسمعوا - ولو حتي شائعة - عن نقص سلعة ما حتي يتسابقوا إلي شرائها وتخزينها فتتفاقم الأزمة وتزداد.. لأن الناس يريدون أن يوفروا لأسرهم حاجتهم من هذه السلعة أو تلك.. دون اعتبار لمتطلبات الآخرين. ويزداد هذا السلوك وسط الاضطرابات والمشاكل.. والثورات.. وأيضاً ضعف الحكومات.. وهذا ما نراه الآن في أزمة البنزين بكل انواعه وأزمة السولار.. والمشكلة أنها ليست المرة الأولي خلال الشهور القليلة الماضية. وخلال الأزمة الحالية للبنزين والسولار تبرز عدة أمور فقد تكون الأزمة بسبب زيادة الطلب الناتج عن اضراب سائقي وعمال النقل العام.. ولكنها تكون في هذه الحالة مقصورة علي اقليمالقاهرة الكبري بينما المشكلة الآن موجودة في كل المحافظات.. أي هي أزمة تعم الوطن كله. وهي ليست المرة الأولي التي تحدث فيها هذه الأزمة وإلا قلنا إنها «مرة.. وتعدي»، وقد تكون أيام شدة البرد ولجوء البعض إلي الاحتياط. وعلينا أن نعترف بأن مصر لم تعد تملك هذا الانتاج المعقول من البترول وما كنا نتحدث عنه من أن إنتاج مصر يزيد علي 900 ألف برميل يومياً،وقد يصل إلي رقم المليون برميل.. هذه الايام ولت وانتهي عصرها ولا أريد أن أصدم الناس بالرقم الحالي للانتاج البترولي في مصر ولولا «شوية الحقول الصغيرة» الموجودة الآن لتحولت مصر إلي دولة مستوردة للبترول منذ أول التسعينيات.. ولا تخدعنكم هذه الاخبار عن اكتشاف هنا أو هناك.. فهذه الاكتشافات تأتي من حقول كانت معروفة ومتروكة بسبب عدم اقتصادية انتاجيتها اللهم إلا إذا كانت موجودة في وسط حقول قديمة كبيرة حتي وإن انخفض انتاجها أي في مناطق تتوافر فيها مستلزمات الانتاج، خصوصاً في الصحراء الغربية أو في شمال الدلتا براً أو بحراً، واسألوا كل خبراء البترول في مصر. ولكن في وقت ينهار فيه انتاج البترول الخام داخل مصر.. نجد تصاعداً رهيباً في حجم الاستهلاك.. واسألوا عن تصاعد عدد السيارات في مصر في السنوات العشرين الأخيرة.. ثم قفزاتها في العشر الاخيرة من السنين.. بما لا يتناسب مع دخول المصريين لأن السيارة اصبحت من مظاهرة التفاخر والتباهي تماماً كما لجأ إليها الناس بسبب نقص وسائل النقل العامة والجماعية.. وشاهدوا معنا تصاعد عدد سيارات الميني باص والميكروباص.. والتوك توك.. وصولاً إلي.. الموتوسيكلات.. «ومن السخرية أن المصري يطلق عليها الآن لفظ «موتوا» أي ترحموا علي حياتكم.. ثم «سيكلات»!! ومهما أنفقت الحكومة علي مشروعات الطرق وعلي مد خطوط مترو الانفاق فإن المشكلة تتصاعد أكثر واكثر واعتقد ان نسبة مالكي السيارات في مصر اكبر مما هو موجود في بعض دول العالم.. هذا كله يدفع الناس إلي شراء السيارات.. وفي مصر الآن تتسابق شركات تجميع السيارات لإغراق الاسواق المصرية بمئات الألوف من السيارات كل عام.. وتقدم التسهيلات للمشترين، هي والبنوك. كل هذا أحدث هذا الضغط علي استهلاك الوقود بكل انواعه.. واصبح ذلك يمثل ضغطاً علي الاستيراد سواء من البترول الخام لتكريره في مصر - ومصر والحمد لله تمتلك معامل كافية لتكرير البترول وإنتاج المكررات أي الوقود بانواعه.. ولكن يبقي عنصر الاستيراد للمنتجات وهذا تلجأ إليه الحكومة لتعويض انتاج المكررات في مصر وتأتي الناقلات بالبنزين بانواع ويتم تغريقه في موانئ السويس والإسكندرية وبورسعيد.. ولكن حسب الظروف.. وأنا أصدق الدكتور عبدالله غراب وزير البترول عندما يقول انه تم ضخ كميات كبيرة من البنزين والسولار في الايام الاخيرة.. والساعات الأخيرة.. ولكن علينا ان نصبر بعض الشيء.. والا نلجأ لاسلوب التخزين لأن معظمنا الآن يعمدون إلي استكمال الوقود في سياراتهم حتي ولو كان فيها نصف الكمية.. معني هذا ان سياراتنا تحولت إلي خزانات متحركة أو واقفة في الشوارع.. وهذا في رأيي نصف المشكلة.. ثم قضية التهريب.. وما اعلنه وزير البترول من ضبط مليوني لتر في عملية واحدة خير مثال علي ما تشهده البلاد. أما تهريب السولار فتلك قصة اخري نعود إليها غدا.. ولكن وسط كل هذه الظروف تقوم مصر الآن بتزويد قطاع غزة بكميات ضخمة «مليون لتر من البنزين والسولار» لإنقاذ أبناء غزة من هذا لقحط في الوقود.. حقيقة المثل يقول إن ما يحتاجه البيت يحرم علي الجامع.. ولكن هؤلاء أيضاً علينا واجب مساعدتهم.. بشرط أن يضبطوا عملية التسلل عبر الانفاق وتهريب الاسلحة من غزة إلي مصر.. وتهريب السولار من مصر إلي غزة.. وإذا كنا نوافق علي مساعدة أبناء غزة فنحن نوافق علي شرط أن يكفونا شرورهم التي تأتي إلينا عبر الحدود.. وإلا فإن مصر أولي بما يتبقي لديها من بترول.. مش كدة وإلا إيه؟!