»إن مت يا أمي ما تبكيش.. سامحني ياوالدي.. أنا رايح وطالب الشهادة«. كانت هذه هي الطلبات الأخيرة التي أطلقها الشهيد أمير مجدي عبده الرفاعي »26 سنة« من قرية أبوعوالي بمركز أشمون بمحافظة المنوفية والحاصل علي بكالوريوس التجارة. عبارات حملت من الأسي والحزن والاصرار والصمود علي المشاركة في ثورة »25يناير« والتي ذهب ضحيتها المئات من شباب مصر الأبرياء الذين أصروا علي اسقاط النظام الفاسد الظالم.. ولم يقف الأمر عند ذلك بل كانت دموع الجميع شاهدة علي المشهد الأخير والذي أضاف اليه الشهيد »أمير« بقوله: »ياحبيبتي.. سلام عليكم الي اللقاء.. إذا لم نتقابل ثانية في الدنيا.. فسوف نتقابل ان شاء الله في الآخرة بالجنة«.. هذه هي آخر كلمات قالها لخطيبته التي يستعد للزفاف عليها«. ووسط نهر من الدموع والأحزان.. بل والأفراح والتهاني التقت »الوفد« مع أهل الشهيد وعائلته بالقرية التي زينتها أعلام مصر. في البداية يقول والده: أمير مات شهيداً واحتسبته عند المولي سبحانه وتعالي وكان شاباً متديناً ومحباً للآخرين واجتماعياً وخجولاً جداً ويخاف علي الجميع.. وكان متحمساً جداً لمصر وللثورة وللتغيير ودائماً كان يتحدث عن الفساد ويتساءل.. متي سنقضي عليه؟! حاولت اثناءه عن الذهاب للمظاهرات لانه ابني الأكبر الا انه بكي وأصر علي الذهاب وقال لي: »ياوالدي لما أنا أنام هنا وشباب مصر يموت هناك.. يبقي نلبس كلنا طرح.. يبقي هذه خيانة لبلدي ولمصر كلها«، إلا أنني أمام اصراره وافقت والدموع تنهمر من عيني لأنني كنت حاسس انه حيموت شهيد.. وحسبي الله ونعم الوكيل. الفراق صعب جداً.. ولكن هو لم يمت بل عايش في قلوبنا في قلوب الشعب المصري الحر. ووسط الدموع قالت والدة الشهيد: أنا بردت ناري لما الرئيس مبارك تنحي والشعب أسقطه عرفت وقتها ان دم أمير لم يذهب »هدر« وخلعت الملابس السوداء وارتديت الملابس العادية ووزعنا الشربات وجاء كل أهالي القرية يقدمون لنا التهنئة بعد صلاة العشاء وعقب اعلان خطاب التنحي لأن ابني مات شهيد.. وتضيف الأم قائلة: لم يمت لأنه كان مثالاً ونموذجاً للتدين والأدب والشهامة وكان يعطي دروساً مجانية بالمسجد للأطفال بالمدارس لوجه الله تعالي وقالها لي الاطفال.. أمير حبيب الله.. لأنه مات شهيداً.. وقدمته فداء لمصر وأطالب بمحاكمة كل المجرمين والقتلة والفاسدين من المسئولين وكل رجال الشرطة وبلطجية الوطني الذين استباحوا دماء الأبرياء الأطهار.. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وتقول شقيقته »أميرة« الطالبة بكلية التربية جامعة طنطا: تألمنا لفراق »أمير« لكننا خرجنا لاستشهاده وكانت آخر كلماته لي بالهاتف: »ياأميرة أنا عاوز أموت شهيد فداء لمصر وفداء لفلسطين«.. وكان متديناً ومؤدباً ومحبوباً بين أهالي القرية ومتواضع ويخاف علينا وعلي أهالي القرية جداً وحاولت كثيراً أن أثنيه عن الذهاب إلا انه بكي لنا وقال »حرام عليكم.. امال مين يحرر مصر من الفساد والاستعباد؟!«.،. وتناول معنا الافطار قبل السفر وسلم علينا وقال »ادعو لي لأن الظلم حرام ولن أرجع الا بعد الانتصار«.. وظل ينظر الينا كثيراً حتي بكي والدي ووالدتي لأننا كان عندنا احساس غريب انه حيموت ويستشهد. وأضاف ياسر عبدالعزيز بن عم الشهيد ان »أمير« كان متحمساً جداً لكل القضايا الوطنية ويكره الظلم وقبل استشهاده ب»15« يوماً ذهب لاستقبال والده القادم من السعودية بالمطار وله »4« أشقاء هم آمال ونعيمة وأميرة وعبده واقتنع والده بالذهاب بصعوبة بعد أن تحايل عليه حتي وافق وقبل يديه وبكي وقال »أنا عاوز أموت شهيد« واستشهد ب»3« رصاصات اخترقت جسده الطاهر اثناء قيامه بعمل درع بشري مع باقي الشباب حول النساء والأطفال بميدان التحرير بعد اعتداء البلطجية وأرباب السوابق بالجمال والبغال والسنج والمطاوي علي المتظاهرين العزل.. ورغم اصابته في البداية ب»3« اصابات كثيرة من اثار الطوب قام بتضميد الجراح بالمستشفي الميداني ورجع ثانية إلا انه لقي ربه فجر الخميس بعد الاعتداء عليه بالرصاص والمولوتوف وانقطع الاتصال معه تماماً وبحثنا عنه في كل مكان حتي تم العثور عليه داخل ثلاجة قصر العيني. وطالب عم الشهيد الجميع بالقصاص ومحاسبة القتلة والمجرمين من الحزب الوطني والمسئولين والأمن والشرطة مؤكداً أن دماء جميع الشهداء الأطهار من شباب ثورة »25 يناير« ستغير وجه مصر والمنطقة العربية بل وجه العالم كله نحو العدل والديمقراطية والمساواة.