قلت قبل ذلك إن هيبة الشرطة لن تعود وحدها ومن تلقاء نفسها دون تكاتف كل القوى السياسية والشعبية من ورائها، وقلت أيضًا إننا نظلم جهاز الشرطة ونحمله أكثر من طاقته دون أن يلتف جميع الشعب المصرى من خلف وزارة الداخلية، حتى تعود لها مكانتها الجديدة فى ظل الحياة المدنية الجديدة التى تنتظرها البلاد.. وعندما يتحدث اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بأن جهاز الشرطة يعمل بنسبة 60٪ من طاقته، ولم يفصح الوزير عن النسبة المتبقية والتى تعادل 40٪.. هل هؤلاء متقاعسون فى أداء عملهم؟!.. أم أنهم غير متواجدين أصلاً فى الخدمة؟!.. أم أنهم اختاروا الانزواء فى منازلهم ويتعمدون رفض العمل؟!.. كل هذه الاسئلة لم تتم الاجابة عنها أو كشف تفاصيلها..! لكن رغم كل ذلك هناك داخل جهاز الشرطة رجال أوفياء صادقون حملوا على عاتقهم مسئولية العطاء للوطن دون انتظار مقابل، ومنهم من يعمل فى صمت دون ضجيج إعلامى سواء مازال فى الخدمة أم تم انخراطه فى العمل العام وتولى مسئوليات أخري.. وأذكر فى هذا الصدد اللواء فتح الله الجندي، هذا الرجل الذى أنهى خدمته فى الشرطة عندما كان مأمورًا لمركز شرطة كوم حمادة، ثم رئيسًا لمدينة كوم حمادة، ومدينة رشيد، ثم رئيسًا لحى العجوزة وأخيرًا رئيسًا لحى الهرم.. هذا الرجل نموذج مشرف للمصرى الذى يعطى بغير حساب ودون انتظار مقابل ودون انتظار تقدير من أحد. لقد كان ولا يزال فتح الله الجندى نموذجًا للمواطن المصرى الذى يعشق تراب مصر، فهو رجل لا يعرف الجلوس على مكتب، ليؤدى عملاً.. إنما يرى أن عمل المسئول الحقيقى هو النزول إلى الشارع وكشف أحوال الناس والسعى بكل السبل إلى حلها، سواء أصابه التوفيق أم لم يصبه.. إنما الأمر هو التجول بين الناس والبحث عن مشاكلهم وآلامهم ومحاولة ايجاد حلول للأزمات بقدر ما يستطيع أى عاشق لمصر وأهل مصر. فتح الله الجندى الذى أعرفه منذ سنوات طويلة صاحب حركة دؤوبة، لا يعرف الملل أو الكسل، وكل الذين عملوا معه أو لازموه فى عمل يعرفون هذه الحقائق وأكثر.. فلا يخجل أن يقود بنفسه عمال النظافة فى الشارع، ولا يركبه الغرور مثلاً فى التجول بين أصحاب الميكروباص بشارع الهرم للاستماع إلى شكاوى الناس، ولذلك استحق أن ينال وسام حب المواطنين له وسمعته التى تسبقه تجعله يتفانى أكثر فى خدمة الجماهير.. لو أن كل رؤساء المدن والأحياء على شاكلة هذا الرجل الدؤوب لتغيرت مصر تمامًا.. وهذا ما تنشده الثورة فى مصر الجديدة.. ولذلك أتمنى أن يتم اختيار رؤساء المدن والأحياء على هذه الشاكلة، لو تم ذلك ستجد مصرًا أخرى غير التى عرفناها طوال حكم الاستبداد والقهر. الناس بحاجة شديدة جدًا إلى مثل هذه النماذج المشرفة المعطاءة التى تخدم الناس، والامانة اقتضت منى أن أوفى هذا الرجل حقه بهذه الكلمات.. ويسعدنى أن أتناول كل النماذج الرائعة التى تشبه نموذج فتح الله الجندى المعطاء الذى يحمل على عاتقه وكاهله أوجاع أهالى الحى الذى يتولى مسئوليته.. والإعلام وكل أجهزة الدولة مطالبة بالوقوف إلى جوار كل من يسعى إلى نهضة الوطن والعبور به إلى بر الأمان.. والأولى أن يتكاتف الجميع وراء الشرفاء فى أجهزة الشرطة لمساندتهم حتى يعود الاستقرار إلى رجال الأمن، وبغير ذلك لا يمكن أن تقوم قائمة للداخلية بدون المساندة القوية والفعالة طالما أن هناك حرصًا على هيبة الدولة، لأن هيبة الشرطة من هيبة الدولة.