فوجئ المصلون في مسجد سياج بالمنطقة السياحية بمدينة 6 أكتوبر، بدخول موكب مهيب عليهم ساعة صلاة الجمعة. احتل الموكب الصفوف الأولي، والأخيرة وحاصر أبواب المسجد، من كل جهة ،في مشهد غير مألوف بالنسبة لأناس بعيدين كل البعد عن الزحام والمناطق السيادية في الدولة. عقب الصلاة انطلق الموكب بمن فيه، مخلفا الغبار على وجوههم، وحسرة في نفوسهم، بعد أن لاحظوا أن جارهم الطيب الدكتور سعد الكتاتني الذي كان يجلس بينهم في تواضع، ظهر بينهم في موكب على هذه الصورة. الجيران غاضبون ومازالوا يتساءلون لماذا حضر الكتاتني في هذا الموكب، فالناس كانت تحميه عندما كان مطلوبا لكل جهات الأمن، أفلا يشعر بالأمان بين الناس بعد أن أصبح رئيسا للبرلمان؟!. هذا التساؤل انتقل بنفس قوته إلى أروقة برلمان الثورة. فالأغلبية المسيطرة على مجلس الشعب، نراها وقد تخلت عن قوتها في مواجهة الحكومة، وأصبحت مناقشاتها ضحلة مترهلة. فهي إما مكشرة الأنياب للمعارضة أو متربصة بخصومها، بينما القضايا الحيوية التي يثيرها النواب لا تلق اهتماما كافيا تحت القبة أو خارجها. ظهر الضعف الشديد على أداء البرلمان، الأسبوع الماضي، حينما شارك الزميل حسنى حافظ عضو مجلس الشعب عن الأسكندرية، في القاء القبض على ضابط أمن دولة كان مندسا بين المواطنين، أثناء تحريضه بعضهم على اقتحام مجلس الشعب. المشهد بأكمله مصور من قبل الجهات الأمنية في مجلس الشعب، وبعض المصورين، ونشرناه بالفيديو على "بوابة الوفد" ومازال معروضا حتى الآن. يبدو المشهد وهناك عشرات من المتظاهرين من شركات بترول وغيره يقتحمون الباب الرئيسي لمجلس الشعب الذي يدخل منه رئيس المجلس وكبار الزوار. وتنقل الصور كيف تدخلت قوات من الجيش لمنع المتظاهرين من كسر الأبواب والدخول عنوة، في ظاهرة لم تحدث إلا عندما اندلعت الثورة البولشفية في روسيا واقتحمت فيها البرلمان والقصر الملكي لقتل كل من فيهما، واعلان سيطرة الشيوعيين على الحكم. عندما أثار النواب قضية محاولة اقتحام البعض للبرلمان بتحريض ضابط أمن الدولة، فوجئنا بأن رئيس المجلس يرتبك في إدارة جلسة تاريخية فارقة. فوزير الداخلية الذي أتى مهرولا، وقف متنمرا للنواب، ولم يأت شارحا لقضية أو معتذرا عن الحدث الذي أثاره أحد ضباطه، الذي يبدو أنه مكلف بهذا الفعل، في اطار سياسة ضباط أمن الدولة والمباحث، عندما يريديون الاندساس بين العصابات. بل جاء الوزير معترضا على أداء النواب مستجهنا هجومهم على أداء ضباطه. ومع اصرار الوزير على رفضه لكلام النواب، هددهم بمغادرة الجلسة، وكأنهم هم المساءلون عن أفعالهم وأنه لم يأت للمحاسبة أمام نواب الشعب. في مشهد غريب يأمر رئيس المجلس بدخول شهود القضية الذي ألقوا القبض على الضابط، وساعدوا أمن المجلس في فض المشاجرة التي نشبت حول أسوار البرلمان. تتحول الجلسة التاريخية إلى " سويقة" اختلط فيها الحابل بالنابل. فشل رئيس البرلمان في إدارة الجلسة، ولجأ أخيرا إلى تحويل القضية إلى لجنة الدفاع والأمن القومي. اتضح من المشهد الغريب أن رئيس البرلمان، لا يملك أدواته الإدارية والبرلمانية التي تدفعه إلى مناقشة قضية خطيرة كهذه، على البرلمان وعلى أمنه الشخصي. فرئيس البرلمان الذي يتحصن في عربات " بي أم دابليو" المصفحة والموكب الأمني المهيب، يعتقد أن سيره على نهج رئيس البرلمان السابق، سيجعله في مأمن مما يخطط له وبرلمان الثورة برمته. قد لا يعلم الدكتور الكتاتني أن هناك آلاف من الغاضبين لوجوده فوق مقعده، وهؤلاء يحيطون به في كل مكان، وأقرب إليه من الهواء الذي يتنفسه. وبعض هؤلاء يكيدون له بجعله يسير على نفس النهج للنظام الفاسد الذي كان يعتمد على المناورات السياسية، لفض المناقشات الحيوية والتي تهم المجتمع. فإذا كان يدفع بالمناقشات نحو التهدئة في أمور مصيرية مستعينا بأغلبية غير مدركة للكارثة التي تخطط لها، ووقوف بعض الأحزاب والقوى السياسية الصغيرة معه، فالنهاية السوادء ستأتيته بلا شك. إن محاولة رئيس المجلس اصطناع هدنة مع الحكومة والمجلس العسكري وقوات الشرطة، تمنع البرلمان من محاسبة هؤلاء على ما ارتكبوه في حق الشعب، لن يحول دون انقضاضهم عليه في الوقت المناسب. وها نحن أمام واقع قانوني جديد، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا، حكما للمحكمة الدستورية العليا، حول بطلان انتخابات مجلس الشعب. قد تكون الاحالة جزء من المناورة السياسية بين بقايا النظام الفاسد ورئيس البرلمان حيث أن حكم الإداريةالعليا، متعلق بأمر نجاحه شخصيا واستمرار البرلمان الحالي. وقد تصبح هذه الإحالة ورقة ضغط سياسية على الدكتور الكتاتني وأغلبيته البرلمانية إذا جد الجد، واحتاجت الحكومة أو المجلس العسكري تسيير البرلمان في الاتجاه الذي يحددانه. ونرى في الأفق محاولات خطيرة لضرب البرلمان في مقتل، فبعد أن شجعت قوى سياسية الناس على اقتحام البرلمان,ومنع دخول نوابه لأداء القسم ورأت أن الشعب قام بنفسه لحماية برلمان الثورة، تراجعت، بينما وجدنا نائبا يطالب بمحاسبة لواء شرطة يحرض أمناء الشرطة في محاضرة رسمية بمعهد الأمناء على التمرد. النائب الجرئ، الذي أعلن ذلك تحت قبة البرلمان، لم يجد لصوته أذنا صاغية، ولم يحول الأمر للتحقيق أمام القضاء ولا جهات الأمن القومي ولا البرلمان ذاته. وكأن النائب الذي ذكر أسم اللواء ومكان حدوث الواقعة وتوقيت التمرد ذهب سدى، ولم يذكره على الإطلاق. وهكذا ضاعت أقوال جريئة، في الهواء رغم علمنا بأن هناك أمرا خطيرا ،لا يحاك ضد البرلمان فحسب بل ضد الثورة ذاتها من فصيل هائل من رجال الشرطة يرفع شعار الانتقام من الشعب الذي ثار عليه. حدد هذا الفصيل موعد الانتقام بثورة من أمناء الشرطة، يوم 22 مارس الحالي، يعقبه خروج جماعات من الضباط الغاضبين لإثارة الفوضي الأمنية في البلاد، يتبعه تداخل قتالي بين قوات الشرطة الملتزمة والغاضبين تدفع بقوات الجيش إلى المشاركة في الصدام، واثارة حالة من الفوضي في المجتمع. ستؤدي حالة الفوضي حتما إلى وقف الانتخابات الرئاسية، ولن يبقي من كيان دستوري في الدولة سوى البرلمان، الذي سيتم دعوة الغاضبين عليه للانقضاض على أسواره، واقتحامه بجد هذه المرة. سيصبح الأمر أمام المجلس العسكري والجهات الأمنية سهلا، لإعلان الأحكام العرفية وحل البرلمان والعودة إلى نقطة الصفر من جديد. ساعتها لن تحمي رئيس مجلس الشعب السيارات المصفحة ولا موكبه، الذي ورثه ويعلم أن خلفه السابق، تعرض لنفس الموقف، عندما أُمر بعد اندلاع الثورة، بالعودة إلى منزله مصطحبا نفس السيارة المصفحة التي يركبها الكتاتني الآن. هذه الكلمات لا تستهدف تقريز الكتاتني أو اخافته ممن حوله، بل تنبيهه إلى أن المناورات السياسية والمواكب الرئاسية، لا تحمي أحد، فالحامي هو الله . فقط نقول له: لولا إرادة الشعب القوية لما جاء إلى منصبه، فعليه أن يظل ملحتما بهم وشاعرا بما يضيق صدروهم، وأن يظل يقظا إلى ما يحاك له ولبرلمان الثورة التي يتربص بها ذيول النظام، وكثرة من العملاء المحيطين به.