الوزير جمال العربي وزير التربية والتعليم، أعلن أن الوزارة في طريقها للانتهاء من دراسة مشروع لتغيير نظام امتحانات الثانوية الحالي، وأنها - أي الوزارة - سوف تتقدم قريباً بالتعديل إلي الحكومة لتتقدم بالمشروع إلي البرلمان لإقراره.. بين الحين والآخر الكل يتحدث فقط عن التعليم قبل الجامعي، وتنشط الاقتراحات والآراء بصدد ذلك، صحيح أن هناك تخبطاً كبيراً في هذا القطاع، وكلنا يئن ويتوجع من الفوضي التعليمية في المراحل الثلاث الإبتدائية والإعدادية والثانوية.. وكم تناولت ذلك بالتفصيل علي مدار سنوات طويلة.. لكن لا أحد يفكر علي الإطلاق فيما يحدث من مهازل وكوارث داخل جامعات مصر المختلفة.. وهذا هو حديثي اليوم.. لم نسمع بأي وزير للتعليم العالي منذ عقود طويلة يناقش أزمة الجامعات المصرية والفساد الكبير الذي استشري بها حتي بات أساتذة الكليات يؤهلون أنفسهم لأن يكونوا جبارين يبطشون بمن يريد العلم من الطلاب وأولياء أمورهم. داخل الجامعات المصرية فوضي عارمة خاصة في قطاع الدراسات العليا، ولأن المجلس الأعلي للجامعات مشكل أصلاً من أعضاء هيئات التدريس، لم يسلط الضوء علي الفساد الذي استشري بالجامعات، وأصبحت جامعات مصر أشبه بالمدارس الابتدائية، كثرت فيها الدروس الخصوصية وازدادت بها المحسوبية والرشاوي.. وضاعت هيبة الجامعات المصرية، لدرجة أنها تحتل حالياً مراتب متدنية في التصنيف الشرق أوسطي، وكذلك التصنيف العلمي العالمي .. فلقد تحولت الجامعات المصرية إلي مرتع للرشاوي والمحسوبية، وضاعت هيبة الأستاذ الجامعي، حتي أن بعض هؤلاء الأساتذة يحال إلي المعاش دون أن يحصل علي درجة الأستاذية، لأنه ترك البحث العلمي في كل فروع المعرفة بلا استثناء، وتفرغ الأساتذة فقط إلي «البيزنس» ابتداءً من مص دم الطلاب وأولياء أمورهم حتي فتح المقاهي.! ولأن الرقابة معدومة علي الأستاذ الجامعي، راح هؤلاء المنوط بهم العلم والمعرفة يجاملون بعضهم البعض علي حساب الطلاب، وأذكر في هذا الصدد وقائع مريرة يشكو منها الطلاب سواء طلاب الليسانس أو البكالوريوس والدراسات العليا التي تحدث فيها قمة المهازل والمساخر.. فمثلاً الطالب الذي لا يدفع لأستاذ المادة ولا يرضخ لابتزاز الدكتور الجامعي تكون عاقبته الرسوب ليس في مادة هذا الأستاذ، وإنما في مادة زميله لإبعاد الشبهة عن نفسه.. والوقائع في هذا الصدد كثيرة ومتعددة وغالباً لا يحصل الطالب علي حقه لأن هناك عقبات كثيرة تقف أمامه. أولي هذه العقبات أنه ليس من حق الطالب الجامعي أو طالب الدراسات العليا، أن يراجع ورقة إجابته، ولو طالبت الدنيا كلها بذلك لا أحد يستجيب للطالب المتضرر، وليس أمامه إلا ضرب رأسه في الأسفلت أو أقرب حائط له.. وهناك وقائع كثيرة في هذا الصدد وكم من طلاب تضرروا من ذلك ولم يسأل أحد فيهم، بل اعتبر الأساتذة هذا التصرف من الطلاب بمثابة تحد لهم، ويجب تأديب الطالب والنيل منه إما بالرسوب المتكرر لبعض المواد، وإما بالفصل من الكلية، وإما أن الطالب، خاصة في الدراسات العليا، يلعن اليوم الذي قرر فيه أن يكون باحثاً وراء العلم والمعرفة.. جرائم أساتذة الجامعات استفحلت بشكل تعدي الوصف والحدود بسبب عدم وجود رقابة حقيقية علي الجامعات المصرية بلا استثناء وراح الأساتذة يعبثون بمستقبل راغبي العلم والباحثين عن المعرفة.. هذه الجرائم الكثيرة التي تحدث في الجامعات كان يجب علي المجلس الأعلي للجامعات.. وهو لا يمكن أن يكون خالياً من شرفاء، أن يناقشها ويبحثها بحثاً دقيقاً لردع من يقوم بها.. لكن مع عظيم الأسف لم نسمع أبداً أن المجلس الأعلي للجامعات تناول في أي اجتماع له مخالفات الأساتذة وما يفعلونه في حق الطلاب، وشغل المجلس نفسه بمسائل أخري تكاد تكون فرعية أمام الظواهر السلبية الخطيرة التي اجتاحت جامعات مصر وأهمها علي الاطلاق الظلم الفادح الذي يمارسه الأساتذة علي الطلاب، وتفرغ قطاع كبير منهم للبيزنس ومص الطلاب وأولياء أمورهم.. ولذلك تحولت الجامعات المصرية إلي أضحوكة للعالم، بعد ما خلت من أبسط الأمور وهي تفرغ الأستاذ للعلم والمعرفة.. والدليل علي ذلك ليس ببعيد عنا، فمستوي خريجي الجامعات المصرية لا يسر حبيباً ولا عدواً، إنه مستوي متدن جداً بسبب المحسوبية والرشوة. ثم إن هناك شبه اجماع لدي الأساتذة علي إذلال طلبة الدراسات العليا الراغبين في البحث العلمي، هذا الإذلال لا ينطبق إلاّ علي الذين لا يدفعون أو الذين لا يقدمون الهدايا الغالية، ووجدنا الطلاب الوافدين وما أكثرهم في الجامعات المصرية يتهافت عليهم الأساتذة مثلما يتهافت الذباب علي الحلوي المكشوفة.. عطايا الوافدين كثيرة تشفي غليل الباحثين عن الربح في مقابل طلاب جاءوا يشترون درجات علمية سواء جامعية أو درجات الماجستير والدكتوارة. إنني حزين جداً لأن المجلس الأعلي للجامعات ترك الحبل علي الغارب لكل هذا الفساد الذي استشري بشكل مخيف.. ولو أن علي مبارك وطه حسين وقبلهما محمد علي باشا الكبير كانوا يعلمون هذا المآل الذي آلت إليه الجامعات المصرية ما فكروا في إنشاء الجامعات أو توسعوا فيها، لأن الهدف من وجودها انتفي تماماً الآن.. نعم هدف الجامعات الأسمي ضيعه أساتذة، وصلوا إلي مكانتهم إما بالمجاملات في بدء التعيين أو الحصول علي تقديرات إرضاءً لآبائهم، وبعدها وصلت الجامعات إلي هذا الحد من الحضيض. قد يرد علّي وزير التعليم العالي بأن هذا الحديث بدون أدلة، وأقول له الأدلة كثيرة ومتنوعة وأعدك بنشرها تباعاً حتي آخر نفس في حياتي، حتي تتطهر الجامعات من كل هذا الفساد بسبب الأساتذة الذين باعوا ضمائرهم وتفرغوا لجلب الأموال علي حساب البحث العلمي والمعرفة وتخريج أجيال لا تهش ولا تنش، وكذلك الأمر بالنسبة للدراسات العليا التي أصبحت لها تسعيرة في كل جامعة، والماجستير له حساب بخلاف الدكتوراة.. والوافدون بأسعار طبعاً تزيد علي أبناء البلد.. وللحديث بقية