لا يعرف أحد سر التأكيد على أن القمة العربية الدورية ستعقد في العراق في موعدها المحدد في 29 آذار (مارس) الجاري. ولا يدرك أحد بواعث التفاؤل بنجاحها رغم الظروف التي تمر بها المنطقة وحالات التشرذم والفرقة والانقسام في المواقف والغايات والأهداف. يضاف إلى ذلك الحالة التي وصل إليها العراق بعد انسحاب القوات الأميركية وإنهاء احتلال دام 9 سنوات، ولو من الناحية الصورية، إذ إن الضياع هو سيد الموقف والخوف على المستقبل هو الرائج لدى كل الفرقاء، وأخطار التقسيم والعنف وصولاً إلى الحرب الأهلية الطائفية والمذهبية العرقية ما زالت قائمة وباقية حتى إشعار آخر، من دون أن نهمل ارتباطات الحكم العراقي إقليمياً وعربياً. قمة تائهة في دوامات العنف والاضطراب بعد «تسونامي» ضرب معظم الدول العربية بالتلازم مع زلازل متتالية وارتدادات متوالية ومرتقبة على مدى السنين القادمة في خضم صراعات دولية أعادت إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة التي كان العرب أول من دفع ثمنها الباهظ، ومؤامرات صهيونية لا تنتهي فصولاً للإسراع بإكمال التهويد والضم والقضم ودفن القضية الفلسطينية والقضاء على آخر معالم القدس الشريف ودكّ آخر حجر في المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. قمة تائهة تضم دولاً متناحرة ومتخاصمة ومضطربة ومجهولة الهوية وخائفة على المستقبل ومنهارة اقتصادياً، لم يكفها الصراع الدولي والتآمر الصهيوني الإسرائيلي بل زاد عليها الصراعات الداخلية بين أنظمة ونشوب تيارات ليبرالية وسلفية وإسلامية وتكفيرية، فوقع العرب بين مطرقة الدول الكبرى وسندان إسرائيل، وزاد الطين بلة فأسس الصراع الإقليمي الخفي والمعلن بين تركيا وإيران. قمة تائهة قد تعقد رغم كل تأكيدات العراق والجامعة العربية، تواجه مجالات انقسام داخلي لم تشهد له الأمة مثيلاً مع كل المآسي والهزائم والنكسات والصراعات والخلافات والأزمات التي أدمت قلبها منذ أكثر من قرن وأفرغتها من مصادر قوتها ودمرتها سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. فتن طائفية ومذهبية تغذيها الصراعات الإقليمية والخارجية ويصب الزيت على نارها أهل الدار عن سابق تصميم وتصور أو عن غباء وجهل لخدمة أهداف الطامعين، ظناً منهم أنهم يدافعون عن مبادئهم وأوطانهم أو عن قبول البعض من أبناء جلدتنا القيام بدور الأدوات لخدمة النوايا الخبيثة والمآرب الهدامة. قمة تائهة يجري الحديث عنها كأن شيئاً لم يكن، أو كأننا نعيش في ديار الأمان في اسكندنافيا أو في بلاد «الواق الواق». وأين وفي أي ظرف؟ في العراق المقسم عملياً والرابض على مراجل الصراعات الإقليمية والعربية، والفتن المذهبية وأخطار انفجارها حرباً لا تبقي ولا تذر، وسط دعوات لإقامة أقاليم وحكم ذاتي ودويلات بين السنة والشيعة والأكراد فيما الأقليات ترزح تحت نير التهميش وأخطار التهجير والقتل والابتزاز. زد على ذلك العامل الأمني الخطير في وسط بغداد، وحتى المنطقة الخضراء التي يدعون أنها آمنة، ثم على امتداد العراق الأبي الذي يخضع شعبه الكريم لكل أنواع العذاب والاضطهاد والإهمال وكأنه لم يكفه ما عاناه من عهود الظلام في أيام صدام وقبله من مذابح وسحل وظلم ونهب لممتلكاته وثرواته وقيمه وحضارته وتراثه ليعيش اليوم في ظل نظام شاذ يقوم على الإقصاء والتعصب والتفرد والنكايات والأحقاد، كأن القائمين عليه لا يتقون الله ولا يأخذون في الاعتبار مصير البلاد وحياة العباد وحاضرهم ومستقبلهم. هذا المشهد البانورامي للمسرح المعد لانعقاد القمة والأجواء المحيطة به والمحبطة بكل المقاييس وزوايا النظر إليها عبر مجهر الواقع المزري يدفع المراقب إلى طرح أسئلة عدة عن إمكانات انعقاد القمة ومستوى التمثيل فيها وجدوى انعقادها في الأساس ومنها: •كيف سيتم الإعداد لهذه القمة وأي جدول أعمال سيوضع لها ومن سيتفق مع من على بنوده؟ •من سيحفظ الأمن ويؤمن الحماية للملوك والرؤساء والوفود في بلد لا يأمن فيه أحد على روحه وماله وعرضه، ولا يضمن المسؤول عدم تعرضه لتهديد فيما شبح السيارات المفخخة والعمليات الإرهابية والاختراقات الأمنية يخيم على بغداد والمدن الأخرى؟ •كيف سيتم التوافق أو حتى الحوار في ظل الأوضاع المتردية في معظم الدول العربية بعد «تسونامي» الربيع العربي والمتغيرات الكبرى التي أطاحت أنظمة وأودت بحياة قادة من أعضاء القمة من بينهم رئيسها وعميدها الراحل العقيد معمر القذافي الذي كان يوزع النصائح والأوامر على زملائه الجدد بعد صفة الأقدم والأكثر «خبرة»! •من سيضمن الاتفاق، أو التوافق بين القادة الجدد والقدامى، وسط ما يقال عن نواة تكتلات جديدة لا بد أن تغير قواعد اللعبة التي كانت قائمة خلال عهود ما يسمى النظام العربي القديم، وتعد لقيام نظام عربي جديد؟ •كيف ستعالج قضية الوضع في سورية في حال استمرار الأحداث الدامية حيث أن عضويتها مجمدة بقرار من مجلس الجامعة، وهناك قرارات بفرض عقوبات عليها، واللجوء إلى مجلس الأمن بعد فشل المبادرة العربية؟ وتبدو سورية حاضرة بكل ثقلها حتى ولو غابت عن الجلسات لأن البند الرئيسي وربما الوحيد سيكون المبادرة العربية ووسائل الخروج من المأزق الراهن ووقف سفك الدماء. •هل يمكن التمهيد لتوافق بين كتلة مجلس التعاون الخليجي ومعها المغرب والأردن، وكتلة غير معلنة كتحالف وهي تمثل الجزائر والسودان والعراق مع سورية الغائبة فيما مصر تقف بين بين بسبب ظروفها المعروفة؟ أما التكتل الجديد الذي يتوقع أن يبصر النور ويكون له دور مهم فيتألف من الأنظمة الجديدة التي يسيطر عليها الإسلاميون وهي تونس وليبيا، وربما انضمت إليه مصر بعد تمكن «الإخوان المسلمين» من الإمساك بزمام الأمور في شكل جلي كامل. كما يمكن أن يتعاطف معها المغرب الذي سلم بدوره زمام حكومته للحركة الإسلامية الصاعدة. •هل ستسمح إيران وتركيا باستعادة العرب لزمام الأمور في المنطقة وتظهير موقف عربي موحد بعد سنوات سلب القرار منهم لمصلحة القوى الإقليمية، أي تركيا وإيران ومعهما الغرب والولايات المتحدة بالذات، وإسرائيل؟ •من سيضمن تنفيذ أي قرار، لو افترضنا جدلاً أنه سيتم التوصل إليه، ومهما كان نوعه ومستواه ومحتواه، فيما الجامعة العربية مشلولة ولا تملك أدوات التنفيذ، وهي في الأساس لم تكن قادرة على النهوض حتى في أيام العز والاستقرار وتوافقات وتفاهمات الحد الأدنى من التضامن العربي. •من سيضمن وقف التجاذبات الدولية وأجواء الحرب الباردة المتجددة بين القوى العظمى؟ لكل هذه الأسباب مجتمعة ومتفرقة، ليس من الممكن ولا المناسب انعقاد القمة وهي تائهة ومحتارة في بلد ضائع ومهتز أمنياً وسياسياً. لأنها إن انعقدت سيكون مصيرها الفشل، وإن لم تعقد ستتيح تأجيل الملفات الساخنة ومنع حدوث طلاق نهائي بين الدول العربية ودق المسمار الأخير في نعش الجامعة العربية المسماة «بيت العرب»، ولو من الناحية الرمزية والمعنوية حتى لا نبكي على أطلالها. هذه المعطيات لا تبشر بالخير، ولكن يبقى هناك بصيص نور بأن تحدث معجزة تتغير فيها الأحوال وتحل العقد القائمة وتظهر بعض الانفراجات ويسود العقل وتنتصر الحكمة وينحاز الجميع إلى المصلحة العليا للعرب من المحيط إلى الخليج... إنه حلم بعيد المنال وما علينا إلا الدعاء بأن يتحقق؟! نقلا عن صحيفة الحياة