طالب العديد من الخبراء الاقتصاديين «مجلس الشعب» بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول المعونات الأجنبية والعربية التي تلقتها مصر طوال ال30 سنة الماضية وأوجه تخصيصها واستخدامها والعائد الذي تحقق منها؟ بعدما أعلنت كاثرين اشتون المنسق العام للسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي عقب زيارتها لمصر أن ثروة مصر تكفي لمساعدة ربع دول أوروبا وأن نظام الرئيس السابق حسني مبارك قد أهدر 5 تريليونات دولار كانت تكفي لظهور 90 مليون مليونير كبير في مصر من بينها 100 مليار دولار من المعونات التي تلقتها مصر بعد حرب الخليج 1991 فقط و100 ملياردولارأخري من المعونات الخارجية ونحو 50 مليار دولار من إيرادات قناة السويس خلال هذه الفترة ونحو 300 مليار دولار من السياحة بمتوسط 10 مليارات دولار في السنة وصلت أحيانا الي 14 مليار دولار في العام و50 مليار دولار من تحويلات المصريين في الخارج ونحو 500 مليار جنيه من أموال الخصخصة حسب تقديرات البنك الدولي بما كان يكفي لتدخل مصر في مصاف الدول الغنية علي مستوي العالم. مؤكدين أن تصريحات آشتون تصريحات رسمية ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد وأن يشكل البرلمان لجنة لكشف الحقائق حول عملية النهب الاستعماري المنظم لمصر طوال عهد مبارك ونظامه لنعرف أين بدد مبارك هذه الثروة؟! وكم استفاد محاسيبه وحاشيته من هذه الثروة؟ وأين تم تهريبها؟ فالفساد في عهد المخلوع لم يكن ظاهرة استثنائية ولكنه كان منظومة كاملة يديرها المخلوع ونظامه الذي عاش علي الفساد السياسي بدءا من تزوير انتخابات مجلس الشعب والشوري واستفتاءات الرئاسة وصولا الي الفساد الاقتصادي وتزاوج السلطة والثروة حتي وصلنا الي هذه الحالة وبعدما كانت ثروة مصر تكفي لظهور 90 مليون مليونير كبير فقد استبدلهم مبارك بخلق نحو 50 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر. وفي باب المعونات فقط وحسب دراسة حديثة لمركز الدراسات الاقتصادية فإن نظام مبارك قد أهدر نحو 87٪ من إجمالي 213 مليار دولار معونات اقتصادية حصلت عليها مصر منذ عام 1982 حتي عام 2010 أي ما يساوي 185.3 مليار دولار منها نحو 63.5 مليار دولار من الولاياتالمتحدةالأمريكية و32 مليار دولار من اليابان و25 مليار دولار من السعودية و20 مليار دولار من الإمارات وطالب الخبراء فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي التي تتولي هذه الوزارة منذ عام 1999 أي منذ 13 عاما والمسئولة عن دخول هذه المعونات بتوضيح حجمها وأوجه انفاقها. في البداية يري د. أحمد صقر عاشور الخبير الدولي في مكافحة الفساد وممثل منظمة الشفافية بالأمم المتحدة أن ما تم تبديده من ثروة مصر لا يتوقف فقط علي المعونات التي تلقتها ولكن في الكثير من الموارد التي تدفقت عليها طوال عهد مبارك وعلي ثروات مصر نفسها ولذلك لم يكن أن تهدر آلاف المليارات من الدولارات في بيع شركات القطاع العام وعشرات الآلاف من الأفدنة وأراضي الدولة بأبخس الأثمان الي مجموعة من المحاسيب والحاشية وإهدار مليارات الجنيهات في توقيع عقود تصدير الغاز الي إسرائيل وغيرها وهذا الفساد متسق تماما مع نظام مبارك الذي لم يكن يستهدف التنمية بقدر ما يهدف الي ملء جيوب حفنة صغيرة من الذين تربوا في حجر النظام وتحت رعايته. ووصف عاشور حقيقة المعونات الأجنبية التي تلقتها مصر طوال عهد مبارك وبددها بفساده بالصناديق الخاصة أو بالأحري الصناديق السوداء التي تغلق دون أن يعرف أحد محتواها فليست هناك شفافية كاملة لا في الأموال التي تدخل عبرها ولا في طريقة تخصيصها وإنفاقها؟! لذلك فقدت مصر فرصا تنموية هائلة كان في المقدور صنعها. وأكد صقر عاشور أن نظام مبارك لم يكن فيه أي آليات للمحاسبة أو للرقابة وكافة الأجهزة التي كان من مهمتها ذلك وفي المقدمة منها مجلس الشعب كانت أجهزة مصطنعة طوال عهده ومزورة مشيرا الي أن الأمر يتطلب من مجلس الشعب الحالي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول المعونات التي تلقتها مصر طوال ال30 سنة الماضية وأوجه تخصيصها واستخدامها والعائد الذي تحقق منها؟ ومعرفة المنتفعين من الخبراء والحاشية ورجال الأعمال الذين كانوا علي صلة بهذه المعونات وصلته بالنظام الفاسد ومن منطلق المسئولية الوطنية لابد من لجنة جرد وتحقيق لكل هذه المعونات لغلق الأبواب التي لا تزال مفتوحة للفساد. ويلفت عاشور الي أن الفساد في عهد مبارك لم يكن ظاهرة استثنائية ولكنه كان منظومة في بنية النظام نفسه الذي جثم علي قلب مصر نحو 30 سنة وكان يخشي الرحيل خوفا من المساءلة والحساب وهذا هو حال كل الديكتاتوريات العربية من مبارك وبن علي الي القذافي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد. ويشير رشدي أحمد المدير السابق للبنك الأهلي الي أن ما ذكرته كاثرين آشتون لا يحتاج الي رأي ولكن الي تحقيق من جانب مجلس الشعب في هذا الموضوع فالفساد في عهد مبارك كان من نوعية الفساد «الجامبو» - علي حد قوله - فساد عظيم لا يجب أبدا أن يمر هكذا مرور الكرام والفرصة متاحة الآن للبحث والتحقيق بعد سنوات طويلة من قمع المعارضة وتزوير إرادة الناس. ويطالب رشدي أحمد بطرق باب آخر للفساد في عهد مبارك وتحديدا فيما يخص مبلغ ال9 مليارات دولار التي تلقتها مصر من دول الخليج في أعقاب الزلزال التي وضعت في البنك المركزي باسمه ولا يجوز الصرف منها إلا بإذنه فلماذا لم تنفق هذه المليارات لحل مشكلة السكن الأزلية في مصر وإذا كانت هذه المبالغ الضخمة قد وضعت في البنك المركزي باسمه - كرئيس للجمهورية - وبقيت كما هي.. فأين ذهبت فوائد هذا المبلغ الضخم علي مدي أكثرمن 20 سنة ومن الذي سحبها فوضع 9 مليارات دولار في البنك المركزي ربما تكون حققت فوائد تصل الي أضعافها خلال هذه الفترة فأين ذهبت لابد أن يبدأ مجلس الشعب المنتخب الآن بفتح القضايا الحقيقية للفساد وعملية التطهير والتحقيق مع كل رموز الفساد في عهده حسين سالم وأبنائه ويوسف بطرس غالي. ويكشف الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار جانبا آخر من النهب الهائل لمصر طوال عهد المخلوع مبارك يتوازي مع عشرات المليارات التي تلقتها مصر من المعونات الأجنبية تتجلي في الفارق الهائل بين الناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي الإجمالي.. والناتج المحلي الإجمالي هو إجمالي قيمة الناتج من السلع والخدمات داخل مصر سواء تم إنتاجها من خلال عناصر إنتاج محلية أو أجنبية عاملة، أما الناتج القومي فيساوي قيمة الناتج المحلي الإجمالي مضافا اليها عوائد عناصر الإنتاج المصرية العاملة في الخارج وتشير البيانات الصادرة عن البنك الدولي والنشرة الاحصائية الشهرية للبنك المركزي أن صافي النزح الأجنبي للموارد في مصر خلال 3 سنوات فقط هي 2008 - 2009 - 2010، مبلغ 52.8 مليار دولار. وحسب البيانات الرسمية فقيمة الناتج المحلي الإجمالي المصري قد بلغت 218.9 مليار دولار عام 2010 بينما بلغت قيمة الناتج القومي 197.9 مليار دولار والفارق بينهما 21 مليار دولار تشكل صافي النزح الأجنبي للموارد من مصر للخارج وفي عام 2009 بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 188.4 مليار دولار وبلغ الناتج القومي الإجمالي نحو 172.1 مليار دولار والفارق بينهما 16.3 مليار دولار أما في عام 2008 فإن الفرق بين الناتجين كان 15.5 مليار وهذه من بين كوارث الفساد والنهب للموارد المصرية لذلك لم أندهش عندما ذكرت آشتون وغيرها أن المعونات الأجنبية التي تلقتها مصر طوال 3 عقود وتبلغ نحو 200 مليار دولار لا يعرف أحد بالتحديد أين ذهبت أو فيم بددت؟! والأمر بحاجة الي تحقيق كافة ملفات الثروة والموارد المصرية طوال عهد مبارك. ويضيف د. حمدي عبدالعظيم بأكاديمية السادات أن جزءا كبيرا من هذه المعونات التهمها الفساد وذهبت الي جيوب كبار المسئولين وتجديد المكاتب والحصول علي السيارات الفارهة وصرف مكافآت طائلة للمقربين والاتباع في أماكن مختلفة وعمل مشروعات بأضعاف قيمتها الحقيقية وذهاب جزء كبير من ميزانيتها وتلاشيها بسبب التلاعب والسرقة وهذا ما أكده السيد كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي أكد أن 25٪ من معونات التنمية تذهب في بالوعة الفساد. وحسب عبدالعظيم فالمرحلة الراهنة التي تعيشها مصرتقتضي عمل كشف حساب ختامي للأموال والمعونات التي دخلت وزارة التعاون الدولي وكيف توزعت وأوجه انفاقها؟! مشيرا الي أن جزءا كبيرا من هذه المعونات كان يذهب الي رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية وسفريات الكبار ومكافآتهم وحوافزهم. وفي عصر مبارك طال الفساد كل شيء ولابد أن يبدأ جهاز الكسب غير المشروع في التحقيق في هذا الأمر بدقة كاملة ويتقصي مجلس الشعب عن كل الأموال والمعونات التي دخلت مصر طوال ال30 سنة خاصة أن المعونات لم تقتصرعلي الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الخليج فقط ولكن كندا واستراليا واليابان والصين وغيرها.