كتبت:نادية مطاوع - اشراف :- نادية صبحي ما زالت مصر تتحدى العالم، تثبت كل يومها أنها قادرة على الإنجاز، ويبدو أن منطقة قناة السويس ستظل أيقونة هذا الإنجاز، فبعد تفريعة القناة التى تم إنجازها فى عام واحد، شاهد العالم كله ملحمة جديدة أبدعها المصريون، بحفر أربعة أنفاق أسفل القناة تربط سيناء بالوادى والدلتا، على أن يتم افتتاحها فى 30 يونيو القادم، أى بعد عام ونصف العام فقط من العمل، رغم أن النفق الواحد يحتاج إلى 4 سنوات كاملة. هذا الإنجاز الضخم سيؤدى إلى تحقيق الحلم الذى طال انتظاره بربط سيناء بالوادى، والبدء فى مشروعات التنمية التى ستنقل سيناء ومصر كلها إلى مصاف الدول المتقدمة. كان العبور إلى سيناء مشكلة دائمة تواجه مشروعات التنمية، فالسيارات تنتظر بالأيام محملة بالبضائع؛ حتى يتسنى لها عبور القناة، وكوبرى السلام ونفق الشهيد أحمد حمدى وحدهما لا يستطيعان تلبية احتياجات سيناء التى تقدر مساحتها بحوالى 6% من مساحة مصر، ولذلك تعثر حلم التنمية طوال السنوات الماضية، وظلت سيناء تعانى الفقر والبطالة حتى أصبحت مرتعاً للإرهاب، ومن هنا كان مشروع الأنفاق الذى تفقده الرئيس مؤخراً بمثابة شرايين لبث الحياة فى هذا الجزء المظلوم من أرض مصر. وتؤكد الأرقام، أن هذا المشروع العملاق يعد ملحمة لا يقدر على تحقيقها سوى المصريين، فيكفى أن نذكر أنه بمجرد أن قرر الرئيس السيسى إنشاء أنفاق للسيارات أسفل القناة جنوب بورسعيد وشمال الإسماعيلية، انطلقت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة لتنفيذ المشروع بأموال وسواعد مصرية، وبالتعاون مع 4 شركات وطنية مصرية وهى: (بتروجت وكونكورد بأنفاق شمال الإسماعيلية – المقاولون العرب وأوراسكوم بأنفاق جنوب بورسعيد)، وبدلاً من الاستعانة بماكينات حفر أجنبية، أمر الرئيس بشراء ماكينات حفر الأنفاق لتكون مملوكة للقوات المسلحة؛ لترشيد تكلفة التنفيذ ولاستخدامها فى مشروعات أخرى. ومن ثمَّ قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بدراسة ومقارنة مواصفات جميع ماكينات حفر الأنفاق المستخدمة عالمياً حتى وقع الاختيار على الشركة الألمانية (هنركرشت)، وبعد المفاوضات تم الاتفاق على تخفيض التكلفة بنسبة 25%، وتم التعاقد معها على تصنيع وتوريد 4 ماكينات، كما تم إنشاء مصنعين للحلقات الخرسانية، ومحطتين لتوليد الطاقة، ومحطتين لفصل وتنقية البنتونيت، ومحطتين لخلط الخرسانة، كما تم الاتفاق مع الشركة الألمانية على تدريب نحو 40 مهندساً مصرياً، بالإضافة إلى القيام بالمعاونة فى الإشراف على أعمال الحفر. وخلال الفترة من نوفمبر 2015 حتى مارس 2016 توالى وصول ماكينات الحفر، وتم تجميعها بمواقع العمل بأيدى المهندسين والعمال المصريين بإشراف الشركة الألمانية، لتبدأ أعمال الحفر فى يونيو 2016، وقامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالتعاون مع الشركات الوطنية بإنشاء المصانع والمحطات المكملة لأعمال التنفيذ بكل موقع، فعند العلامة 73.25 ترقيم قناة السويس، بدأت أعمال الحفر فى نفقى شمال الإسماعيلية بطول 5820 متراً لكل نفق، مع إنشاء مصنع لإنتاج الحلقات الخرسانية لتبطين جسم النفق على مساحة 14500 متر، بطاقة إنتاجية 15 حلقة يومياً، وتم إنشاء منطقة تخزين للمنتجات على مساحة 25900 متر مربع تكفى لتخزين 928 حلقة خرسانية. وتزامن مع هذا الإنجار إنجاز آخر، بدأ العمل به عند العلامة 19.15 ترقيم القناة، وهو مشروع إنشاء نفقى سيارات جنوب بورسعيد بطول 3920 متراً لكل منهما، كما تم إنشاء مصنع لإنتاج الحلقات الخرسانية اللازمة للأنفاق على مساحة 10 آلاف متر، كما تم تخصيص مساحة 20310 أمتار مربعة تكفى لتخزين 700 حلقة، حيث أنتج المصنع خلال الفترة الماضية 240 ألف متر خرسانة، باستخدام 24 ألف طن حديد تسليح، وتم صب 5068 حلقة خاصة بالأنفاق. يذكر أن كل نفق يضم 4 آبار للصيانة، و4 ممرات عرضية حيث يتم ربط كل نفق بعدد من ممرات الهروب العرضية لتحقيق الأمان الكامل عند نقل الأفراد فى حالة الطوارئ. المواصفات الفنية أما المواصفات الفنية للأنفاق فقد تم وضعها بما يلبى احتياجات التنمية المستقبلية لسيناء، حيث يبلغ القطر الخارجى للنفق 12.6 متر، والقطر الداخلى 11.4 متر، وارتفاعه 5.5 متر، ويستغرق زمن مرور السيارات خلال هذه الأنفاق 10 دقائق فقط، وبذلك يتم توفير الوقت والمال، وهو ما أكده السفير جمال بيومى، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، مشيراً إلى أن هذه الأنفاق دليل على عزم مصر تعمير سيناء، فمشروعات التنمية تحتاج إلى تمويل ضخم وإرادة حقيقية، خاصة أن العائد سيكون بطيئاً، لذلك فهذه الأنفاق ستسهم فى سرعة إحداث التنمية فى سيناء، ما سيسهم فى القضاء على الإرهاب، وأشار إلى أن سيناء بها موارد جيدة لإحداث تنمية سريعة وقوية بها، وإنشاء هذه الأنفاق سيسهم فى سرعة الاستفادة من موارد سيناء وتنميتها. وتعد هذه الأنفاق الأربعة نقطة الانطلاق لإنشاء عدد من الأنفاق أسفل القناة لربط سيناء بباقى الأراضى المصرية، وتنمية شبه الجزيرة المصرية التى غابت عن خريطة التنمية منذ تحريرها عقب حرب اكتوبر 1973، إذ إنه من المقرر أن يتم إنشاء 7 أنفاق أسفل القناة، تضم 3 أنفاق ببورسعيد، منها نفقان للسيارات ونفق سكة حديد، و4 أنفاق بالإسماعيلية منها نفقان للسيارات ونفق سكة حديد ونفق للمرافق بتكلفة تصل الى 4.2 مليار دولار، أما الأنفاق الأربعة الجارى العمل بها الآن فتبلغ تكلفتها حوالى 30 مليار جنيه، ويعمل بالمشروع حوالى 10 آلاف مهندس وعامل وفنى مصرى. هذه الملحمة المصرية لا يقتصر تأثيرها على الجانب الاقتصادى التنموى فقط، بل تتخطاه إلى الجانب الاستراتيجى، وفقاً للواء دكتور نبيل فؤاد، الخبير العسكرى، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، حيث إن هذه الأنفاق سيكون لها دور كبير فى حماية سيناء وقت الخطر، فدائماً كان العبور إلى سيناء يتم من خلال كبارى متحركة يتم إنشاؤها عند الضرورة، وهذه الكبارى غير عملية ومعرضة للإصابة. أما الأنفاق فهى أكبر ومحمية بمياه القناة، ومؤمنة تأميناً جيداً، بالإضافة إلى سرعتها فى نقل القوات من الغرب إلى الشرق فى حالة الحاجة إلى ذلك، وبالتالى يسهل الدفاع عن سيناء ضد أى أخطار، بالإضافة إلى فوائدها الاقتصادية الخاصة بربط سيناء بالوادى والدلتا، وسرعة نقل البضائع واختصار زمن الرحلة لدقائق معدودة، ما يسهم فى قيام مشروعات التنمية بسيناء. هذه الملحمة التى بدأها المصريون تحت مياه قناة السويس ظهرت أول معالمها بخروج ماكينتى الحفر المصرية العملاقة 1 و3 من النفق الذى يمتد طوله 4 كيلومترات، لتؤكد أن المصريين قادرون على التحدى والإنجاز، وهم الآن يسابقون الزمن لإتمام هذا الإنجاز بحلول يونيو 2018.