كتب: باسل عاطف عُرف بالدهاء وسرعة البديهة وقدرته على المراوغة في الحوار، كان من أهم الكتاب في ستينيات القرن الماضي، وأشتهر أكثر في العالم العربي والإسلإمي من خلال برنامجه "العلم والإيمان" والتي يتحدث فيه دومًا عن الله والعلم الدنيوي والمخلوقات الغريبة. مصطفى كمال محمود حسين الشهير ب"مصطفي محمود" فيلسوف وطبيب وكاتب مصري. ميلاده ولد مصطفي محمود في 27 ديسمبر 1921، درس الطب وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ثم تفرغ بعد ذلك للكتابة والبحث عام 1960. ألف مايقرب من 89 كتابًا منها الكتب العلمية والفلسفية الدينية والاجتماعية والسياسية، وعدداً من الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات. وتميز أسلوبه بالتشويق والبساطة مع عمق الفكرة وحسن الاختيار، تزوج في عام 1961 وانتهى الزواج بالطلاق ورُزق بولدين هما "أمل" و"أدهم"، ثم تزوج مرة ثانية عام 1983 وانتهى أيضًا بالطلاق عام 1987. تاريخه الفكري عاش مصطفى محمود في ميت الكرماء بجوار مسجد "المحطة" الشهير، وهو أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر؛ مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته. بدأت تتفتح باكورة فكرة حينما أنشأ معملاً صغيرًا في بيته وهو طفل يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر ب"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طوال اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما. مصطفى محمود والوجودية تزايد التيار المادي في الستينات وتظهر الوجودية، لم يكن مصطفى محمود بعيدا عن ذلك التيار الذي أحاطه بقوة، حيث يقول عن ذلك: "احتاج الأمر إلى 30 عاما من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت ، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين" 30 عاماً من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عاماً من البحث عن الله!، قرأ وقتها عن البوذية والبراهمية والزرداشتية ومارس تصوف الهندوس القائم عن وحدة الوجود حيث الخالق هو المخلوق والرب هو الكون في حد ذاته وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات" الثابت أنه في فترة شكه لم يلحد فهو لم ينفِ وجود الله بشكل مطلق، ولكنه كان عاجزاً عن إدراكه، كان عاجزاً عن التعرف على التصور الصحيح لله، هل هو الأقانيم الثلاثة أم يهوه أو (كالي) أم أم أم..... ! لم يكن مصطفى محمود، أول من دخل في هذه التجربة، ففعلها الجاحظ قبله، وأبو حامد الغزالي، تلك المحنة الروحية التي يمر بها كل مفكر باحث عن الحقيقة. ثلاثون عاماً أنهاها بأروع كتبه وأعمقها "حوار مع صديقي الملحد"، "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، "التوراة"، "لغز الموت"، "لغز الحياة"، وغيرها من الكتب شديدة العمق في هذه المنطقة الشائكة..المراهنة الكبرى التي خاضها ألقت بآثارها عليه. اعتمد مصطفى محمود على الفطرة، حيث الله فطرة في كل بشري وبديهة لا تنكر، يقترب في تلك النظرية كثيرا من نظرية (الوعي الكوني) للعقاد. العلم والإيمان يروى مصطفى محمود أنه عندما عرض على التليفزيون مشروع برنامج العلم والإيمان، وافق التلفاز راصدًا 30 جنيه للحلقة !، وبذلك فشل المشروع منذ بدايته إلا أن أحد رجال الأعمال علم بالموضوع فأنتج البرنامج على نفقته الخاصة ليصبح من أشهر البرامج التليفزيونية وأوسعها انتشاراً على الإطلاق، ولكن تم إيقاف البرنامج من قبل الرئاسة مرفوعًا لصفوت الشريف، وزير الإعلام اّنذاك - على حسب أقوال أبنه أدهم. الأزمات تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) وطلب عبد الناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر!..إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب، بعد ذلك أبلغه الرئيس السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى. كان صديقاً شخصياً للرئيس السادات وحزن على مصرعه يقول في ذلك "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلاً رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم"، عرض السادات الوزارة عليه ولكنه رفض بحجو عدم إدارتها. الأزمة الشهيرة أزمة كتاب الشفاعة (أي شفاعة رسول الإسلام محمد في إخراج العصاة من المسلمين من النار وإدخالهم الجنة) عندما قال إن الشفاعة الحقيقية غير التي يروج لها علماء الحديث وأن الشفاعة بمفهومها المعروف أشبه بنوع من الواسطة والاتكالية على شفاعة النبى محمد وعدم العمل والاجتهاد أو أنها تعنى تغييراً لحكم الله في هؤلاء المذنبين وأن الله الأرحم بعباده والأعلم بما يستحقونه، هوجم الرجل بألسنة حادة وصدر 14 كتاباً للرد عليه على رأسها كتاب الدكتور محمد فؤاد شاكر أستاذ الشريعة الإسلامية. مصطفى محمود لم ينكر الشفاعة ولكن يتلخص في أن الشفاعة مقيدة أو غيبية إلى أقصى حد وأن الاعتماد على الشفاعة لن يؤدى إلا إلى التكاسل عن نصرة الدين والاتكال على الشفاعة وحده هو ما يجب الحذر منه. اعتزاله مر مصطفي محمود بمحنة شديدة أدت إلى إعتزاله الكتابة وانقطاعه عن الناس حتى أصابته جلطة، وفي عام 2003 أصبح يعيش منعزلاً وحيداً. قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي "إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدءا بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم". وفاته توفي في 31 أكتوبر 2009 بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاماً، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين ولم يزره أي من المشاهير أو المسؤولين ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام إلا قليلا مما أدى إلى إحباط أسرته.