كتبت- سناء حشيش: واصل الأزهر الشَّريف عطاءه وجهوده في العام 2017م، انطلاقا من مسؤوليته الدينية والعلمية والاجتماعية، وتفعيل دوره التاريخي في مواجهة التطرف والإرهاب ونشر ثقافة السلام، وشكل ملف "تجديد الخطاب الديني" صدارة اهتمامات الأزهر الشريف في 2017، ولا سيما في ظل ما تشهده دول العالم من عمليات إرهابية، ومحاولة إلباس هذه العمليات عباءة الدين الإسلامي، وقد سعى الأزهر إلى شرح الخطاب الديني عبر العديد من الجولات في الداخل والخارج، ومن خلال المؤتمرات والندوات، التي سعى جميعها للتأكيد على وسطية الدين الإسلامي واعتداله ورفض كل أشكال العنف والتطرف". ومن بين المؤتمرات والفعاليات التي عقدها الأزهر الشريف في عام 2017، يَبرُز مؤتمر "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل" الذي عقد في فبراير الماضي، تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وصدر عنه "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك"، الذي شدد على حتمية العيش المشترك في ظل المواطنة والحرية والمشاركة والتنوع. ونظَّم الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين مؤتمرا عالميا للسلام في إبريل الماضي بحضور البابا فرنسيس الثاني، بابا الفاتيكان، ونخبة من علماء ورجال الدين والساسة بالعالم، جرى خلاله التأكيد على رسالة الإسلام التي تحمل إلى العالم قيم السلام والتعايش والحوار، كما تم تنظيم مؤتمر "التطرف وأثره السلبي على مستقبل التراث الثقافي العربي" بالتعاون مع جامعة الدول العربية، فضلا عن توقيع بروتوكول تعاون مع المركز الثقافي البريطاني لتوصيل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الناس في مختلف أنحاء العالم. حرص الأزهر الشَّريف على مكافحة التطرف الفكري باعتباره القضية الأبرز على الساحة والتي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات والسلام العالمي، وجرى عقد سلسلة ندوات من أجل التواصل مع جميع فئات المجتمع وتعريفهم بما يقوم به الأزهر من جهود لإرساء السلام المجتمعي، ومحاربة الفكر المتطرف، والعمل على إرساء قيم المواطنة والحفاظ على الهوية والثقافة المصرية. ولمكافحة الكراهية، شكَّل فضيلة الإمام الأكبر لجنة لإعداد مشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، بهدف تجريم الحض على الكراهية ومظاهر العنف التي تمارس باسم الأديان، وتم الانتهاء من مشروع القانون وتسليمه إلى رئاسة الجمهورية، ليأخذ مساره التشريعي. شهد العام 2017 نشاطا مكثفا لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشَّريف، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وارتكزت كل زياراته وتحركاته الداخلية والخارجية على أهداف رئيسة، تتمثل في نشر السلام العالمي، ومواجهة التطرف، ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، وقد شهد العالم بأهمية دور فضيلة الإمام الأكبر وتأثيره في الحد من التطرف، والإسهام في إرساء السلام، وهو ما أكدته العديد من الشخصيات والقيادات والمؤسسات السياسية والدينية العالمية. كما تم اختيار لفضيلة الإمام الأكبر الشخصية الإسلامية الأكثر تأثيرا في العالم للعام الثاني على التوالي، وبات العالم يدرك الدور المحوري للأزهر في مواجهة الإرهاب وترسيخ السلام العالمي؛ ولذلك شهدت مشيخة الأزهر الشريف توافد العديد من الشخصيات والقيادات السياسية والدينية في العالم، بما يؤكد الدور المحوري والمهم للأزهر الشَّريف على مختلف المستويات. وكان لقاء فضيلة الإمام الأكبر مع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مرتين الأولى في القاهرة والثانية في روما هذا العام، هما اللقاءان الأبرز والأهم خلال هذا العام، باعتبارهما يمثلان أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، وخلال اللقاءين كان العنوان الرئيس هو التأكيد على العمل المشترك من أجل السلام الشامل بين جميع البشر. وشهدت مشيخة الأزهر بالقاهرة توافد العديد من الشخصيات والوفود الغربية للقاء فضيلة الإمام الأكبر، من أبرزهم: المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووفد من مجلس الشيوخ الإيطالي، ومسؤولون معنيون بمكافحة الإرهاب من أستراليا، وألمانيا، بولندا، وقد أكدت كل هذه الوفود حرصها على التعاون مع الأزهر الشريف في مجال مكافحة التطرف، ونشر مفاهيم الوسطية والاعتدال، كما أشادت بجهود فضيلة الإمام الأكبر وخطابه العالمي الذي أسهم في تصحيح صورة الإسلام وتبرئته من ممارسات التنظيمات الإرهابية. أما لقاء فضيلة الإمام الأكبر برئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير نهاية 2017م، فقد ركز الإمام الأكبر فيه على رفضه للقرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني واستنكاره نقل السفارة الأمريكية إليها، وتأكيده أن هذا القرار سيقود إلى عدم الاستقرار في المنطقة والعالم أجمع. بالإضافة إلى زيارة إيطاليا، توجه الإمام الأكبر إلى ألمانيا مرتين خلال هذا العام، الأولى كانت في شهر مايو؛ لحضور احتفالية حركة الإصلاح الديني بمناسبة مرور 500 عام على تأسيسها، وخلال هذه الزيارة التقى فضيلته بالعديد من القيادات الألمانية، أما الزيارة الثانية فتمت في سبتمبر الماضي، والتقى خلالها فضيلة الإمام الأكبر مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كما ألقى الكلمة الرئيسية في مؤتمر "طرق السلام". حرص الأزهر خلال عام 2017 على تقديم الدعم العلمي والدعوي لدول القارة، ومساعدتها على مواجهة الإرهاب، كما استقبل فضيلة الإمام الأكبر العديد من الوفود الأفريقية الرسمية، وكذلك الأمر بالنسبة للقارة الآسيوية، حيث زارت عدة وفود من دولها مشيخة الأزهر الشريف، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك في المجالات الدعوية والتعليمية. كما كان تأثير فضيلة الإمام الأكبر على الساحة العربية واضحا، وقصدته الوفود من دول عربية عديدة، هذا فيما زار فضيلة الإمام الأكبر المملكة العربية السعودية مرتين خلال 2017م: إحداهما لحضور الملتقى العالمي "مغردون" حيث وجه فيه كلمة إلى شباب الأمة، حذر فيها من استخدام البعض وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم صورة مشوهة عن الدين الإسلامي، كما زار فضيلته دولة الإمارات العربية المتحدة، لترأس الجولة الرابعة للحوار بين الشرق والغرب في أبوظبي. في ضوء ما واجهته مصر خلال 2017م من أحداث إرهابية أليمة، كان موقف الأزهر الشريف وإمامه الأكبر واضحا في إدانة تلك العمليات ووصف منفذيها ب"الخوارج"، الذين يجب على مؤسسات الدولة محاربتهم، كما أكد الأزهر ضرورة اصطفاف الشعب المصري خلف مؤسساته من أجل القضاء على تلك الجماعات الإرهابية، فيما حرص فضيلة الإمام على زيارة المصابين في معظم هذه الأحداث. وشكلت زيارة فضيلة الإمام الأكبر إلى قرية الروضة، بشمال سيناء، بعد تعرض مسجدها لهجوم إرهابي غادر أسفر عن استشهاد أكثر من ثلاثمائة من أبنائها.. شكلت الزيارة نقطة تحول فاصلة في مواجهة الأزهر للإرهاب، حيث تحدى الإمام الأكبر كل المحاذير الأمنية وأصر على المرور على بيوت القرية لتعزية أهلها ومواساتهم بنفسه، واتخذ عدة قرارات مهمة لصالح القرية، من بينها صرف معاش شهري لذوي الشهداء والتكفل برحلات حج مجانية لهم وبناء مجمع أزهري متكامل لخدمة أبناء القرية. منذ تصاعد موجات العنف بحق المسلمين الروهينجا في ميانمار سعى فضيلة الإمام الأكبر إلى إنهاء هذه المأساة الإنسانية من خلال الحوار، فعقد في بداية يناير 2017م مؤتمرا للسلام بين أبناء ميانمار، واستمع إلى رؤية الجميع؛ بغية الوصول إلى تفاهم مشترك، وبعد استمرار السلطات في ميانمار في ارتكاب المجازر بحق المسلمين في البلد.. خرج الإمام الأكبر في بيان متلفز تناقلته وسائل الإعلام العالمية، دعا فيه المجتمع الدولي إلى التصدي بكل السبل لسلطات ميانمار التي ترتكب أبشع أشكال الإبادة الجماعية والتهجير القسري بحق المسلمين في بورما. احتل الملف الفلسطيني بصفة عامة والقدس بصفة خاصة حيزا كبيرا من اهتمام الأزهر الشريف وإمامه الأكبر، الذي ندد وأدان الانتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين، ورفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، محذرا من التداعيات الخطيرة المترتبة عليه، ومشدّدا على أن القدسالمحتلة، وهويتها الفلسطينية والعربية، يجب أن تكون قضية كل المنصفين والعقلاء في العالم، رافضا طلبا رسميا من نائب الرئيس الأمريكي، مايك بينس، للقاء فضيلته قائلا: " كيف لي أن أجلس مع من يزيفون التاريخ ومن منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب علي الرئيس الأمريكي التراجع فورا عن هذا القرار الباطل شرعا وقانونا". شهد عام 2017م توسعا كبيرا في أنشطة بيت الزكاة والصدقات المصري، الذي يشرف عليه شيخ الأزهر بما يبرهن على حجم الثقة التي يحظى بها لدى عموم المصريين، وقد تحمل بيت الزكاة تكاليف إجراء العمليات لقوائم انتظار مستشفى أطفال أبوالريش، وتم توسيع دائرة علاج قوائم الانتظار بمعهد القلب ومعهد ناصر، وإنشاء مركز لعلاج الفيروسات الكبدية بمستشفى الأزهر التخصصي، وعلاج 26 ألف مريض بفيروس (سي)، كما أطلق بيت الزكاة حملة "صحتك هتنور حياتك" حيث قام بعمل مسح ميداني على أكثر من 20 ألف مواطن، وإجراء التحاليل الطبية بالمجان وتحويل الحالات التي يتم اكتشافها دون تحميل المرضى أية أعباء مالية. وقدم البيت إعانات شهرية استفاد منها حوالي 80 ألف شخص, إلى جانب قيامه بتوزيع أكثر من 750 ألف كرتونة رمضانية. كما أنشأ بيت الزكاة مبنى للأطفال بلا مأوى لتدريبهم على المهن الحرفية، وأطلق حملة "تيسير الزواج" كمشروعٍ وقائي للقضاء على ظاهرة الغارمين، والمشاركة في الإفراج عن الغارمين. وقرّر البيت تَبَنّي مشروعٍ جديد لدعم القرى الأشدّ فقرا في مصر؛ من خلال اختيار قرية من كل محافظة، وتَبَنّي الفقراء في هذه القرى بتوفير احتياجاتهم الضرورية، كما تبني مشروعا جديدا لدعم المرضى من مستحقي الزكاة المترددين على معهد القلب، وتقديم العلاج وإجراء العمليات لهم بالمجان على نفقة بيت الزكاة. جسدت أنشطة مجلس حكماء المسلمين، الذي يترأسه فضيلة الإمام الأكبر، في عام 2017م انعكاسا لدوره في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وتنوعت أنشطة المجلس ما بين عقد المؤتمرات والندوات وقوافل السلام التي تجوب مختلف أرجاء المعمورة، أو البيانات التي يسجل من خلالها المجلس مواقفه تجاه الأحداث والتطورات الجارية. وحرص المجلس خلال عام 2017م على إرسال قافلة سلام إلى فرنسا بتاريخ 14 يونيو، بمشاركة عدد من علماء الأزهر، كما أطلق قافلة سلام إلى جمهورية كولومبيا في 30 يوليو، تم خلالها إلقاء عدد من المحاضرات التي توضح جوهر الإسلام ورسالته السامية، والحديث عن ثقافة السلام ونبذ العنف. وأطلق المجلس في يناير الماضي حوارا بين عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع في ولاية راخين بميانمار من جميع الدِّيانات (البوذية والإسلام والمسيحية والهندوسية)، تحت عنوان: "نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار"، كما أرسل المجلس في نوفمبر الماضي قافلة مساعدات إنسانية لمسلمي الروهينجا اللاجئين في بنجلاديش. وانطلق مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية في 2017م، حيث حمل على عاتقه مسؤولية محاربة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الديني، وشهد هذا العام تطويرا كبيرا في آليات عمل المركز واستحداث آليات أخرى بهدف الوصول لأكبر قطاع ممكن من المستهدفين، كما شهد افتتاح أقسام جديدة، هي: وحدة رصد اللغة العربية، وحدة رصد اللغة الإيطالية واللغة اليونانية، وحدة رصد اللغة الصّينية، وحدة رصد اللغة التركية، وذلك بجانب ثمان لغات أجنبية حية يعمل بها المرصد منذ إنشائه هي (الإنجليزية- الفرنسية- الألمانية- الأسبانية- الأوردية- الفارسية – اللغات الأفريقية). وأصدر المرصد عددا من الإحصائيات الشهرية التي تناولت أنشطة الجماعات الإرهابية عبر العالم، إضافة إلى التقارير الربع سنوية والسنوية، والمتابعات باللغات المختلفة، وهو ما كان محل إشادة واهتمام المتخصصين في مجال مكافحة التطرّف والإرهاب، فضلا عن المشاركات البحثية لعددٍ من باحثي المرصد في المؤتمرات والندوات الدولية. وأطلق المرصد عددا من الحملات التوعوية عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدرت اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف خلال عام 2017 أكثر من 50 تقريرا تتناول ردودا شرعية وفقهية منضبطة لبعض القضايا التي تشغل المجتمع فضلا عن تفنيد الأفكار المتطرّفة التي تبثها الجماعات المتطرّفة، وتحليل ادعاءات وشبهات المتطرّفين. وفي إطار جهود الأزهر الشريف للقضاء على فوضى الفتاوى والفتاوى الشاذة وتصحيح المفاهيم المغلوطة، جاء إنشاء مركز الفتوى الإلكترونية، الذي يضم علماء متخصصين، يتولون الإجابة عن أسئلة المستفتين عبر الهاتف والشبكة الإلكترونية، من خلال نظام الاتصالات الذكي (Avaya)، والذي يعمل إلكترونيا بنسبة 100% ويسمح باستقبال 120 مكالمة في وقت واحد. وبلغ إجمالي عدد المكالمات التي استقبلها المركز من نوفمبر 2016م حتى نوفمبر 2017م حوالي 13 ألف مكالمة هاتفية مقسمة ما بين الوحدات المختلفة للقسم وهي: العبادات – المعاملات – الأحوال الشخصية – الشبهات – البوابة الإلكترونية – فتاوى النساء. كما قام قسم البحوث الشرعية والنشر خلال عام 2017م بإعادة تنقيح الفتاوى الواردة في "كتاب فتاوى علماء البلد الحرام" وفق منهج الأزهر وإعداد ردود فقهية حولها فيما يتعلق بقسم المعاملات، وإعداد أبحاث متعلقة بالشبهات، وإجراء مقابلات شخصية مع الملحدين والمستفتين داخل المركز، كما قام بإعداد أبحاث شهرية عن المعاملات المالية المعاصرة وما يستجد من أسئلة تتعلق بالمعاملات. وأطلق قسم البوابة الإلكترونية تطبيقا هاتفيّا يسهل على الناس التواصل مع المركز حيث بلغ معدل الفتاوى الواردة إلى هذا القسم عبر التطبيق الذكي بالهاتف80 فتوى في اليوم الواحد، ويقوم قسم الفتاوى باللغات الأجنبية بتقديم الفتاوى بثلاث لغات – كمرحلة أولى– وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية. تبنى الأزهر الشَّريف خلال عام 2017م تكريم المرأة وإنصافها، ومن أبرز الملفات التي دافع فيها الأزهر عن حقوق المرأة خلال العام مسألة زواج القاصرات، والطلاق الشفهي، الذي تم حسم الجدل حوله بقرارٍ من هيئة كبار العلماء التي ارتأت أن وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ، وأنه على المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبة تعزيريَّة رادعة على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه، مع تحذير المسلمين كافَّة من الاستهانة بأمرِ الطلاق، ومن التسرُّع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد.