رسالة الكويت- عبد المنعم السيسى: بعد ولادة متعسرة استمر مخاضها أربعين يوماً منذ إعلان الحكومة السابقة استقالتها، أعلن فى الكويت منتصف الأسبوع الماضى عن التشكيل الحكومى الجديد، والذى يحمل رقم (35) فى تاريخ الكويت، والسابع لرئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، وعلى الرغم من التغيير والتدوير شبه الجوهرى، إلا أنه قوبل ك«العادة» بصيحات ونبرات حادة من التهديد والوعيد النيابى، وردود فعل متباينة. وقد هدد عدد من النواب صراحة بمقاطعة جلسة القسم وتقديم أكثر من استجواب إلى وزيرة الشئون الاجتماعية هند الصبيح. وهو ما ينذر باصطدام محتمل ووشيك جداً بين السلطتين فى أقرب فرصة ممكنة والتنبؤ بانتخابات برلمانية جديدة. وبعد أداء اليمين الدستورية وبنبرة تحمل الكثير من المعانى والرسائل الأكثر وضوحاً، وضع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح السلطة التشريعية أمام مسئولياتها مشدداً على أن التشكيل الجديد يأتى فى ظل ظروف خارجية دقيقة، وتحديات داخلية صعبة تستدعى التعامل معها بحكمة وبعد نظر، تتطلب مضاعفة الجهد والعطاء للقيام بالمهام والمسئوليات المنوطة بهم لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ومواصلة جهود الإصلاح الاقتصادى، والإسراع فى استكمال المشاريع التنموية القائمة. وأكد الشيخ صباح الأحمد أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالعمل بروح الفريق الواحد القائم على التكاتف والتعاضد وبالتعاون التام المبنى على الثقة والاحترام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. حرص حكومي وأكد رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح حرص حكومته السعى الدؤوب وبذل أقصى الجهد للوفاء بمسئولياتها الوزارية والتعاون الإيجابى البناء مع مجلس الأمة إيماناً بوجوب هذا التعاون تجسيداً لأحكام الدستور وللأعراف البرلمانية المستقرة. ولم يخف الشيخ جابر المبارك المخاوف والاستحقاقات الوطنية المطلوبة لمواجهة التحديات والرفض القاطع لأى اصطفافات طائفية أو قبلية أو فئوية، مؤكداً أن الأمن والاستقرار لا يكونان إلا بتحقيق مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون تفريق أو تمييز وإعلاء سلطة القضاء وإرساء مبادئ الحق والعدل والمساواة. وأشار إلى ضرورة مراجعة برنامج عمل الحكومة السابقة ودراسة ما إذا كان يتوافق مع الرؤى لمواجهة التحديات ويلبى الاحتياجات وقابلاً للتنفيذ وفق جدول زمنى محدد وآليات مناسبة للمتابعة ومكافأة المجدّ ومجازاة المقصر ومنع التسيب وإهدار المال العام تمهيداً لإمكانية تبنيه كبرنامج عمل للحكومة الحالية. تقليص وبالنظر إلى أعضاء الحكومة الجديدة يلاحظ أن التشكيلة الجديدة قلصت عدد أبناء الأسرة الحاكمة إلى خمسة شيوخ مقابل ستة فى الحكومة السابقة، ودخول الشيخ ناصر صباح الأحمد الذى يتمتع بنفس إصلاحى كبير، كنائب أول لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع، ووجود وزير واحد من النواب هو ذاته لم يتغير منذ التشكيلة السابقة، ويرى المراقبون أن التشكيل الحكومى الجديد يحاول بقدر الإمكان الابتعاد عن خطأ الحسابات المحتملة وهو ما ظهر فى التجاوز الواضح لتقاليد الاختيار المعهودة للوزراء والمسئولين مؤخراً. كما حافظت التشكيلة على ثبات التمثيل الشيعى بوزير واحد فقط، وزيادة حصة وزراء القبائل من اثنين إلى خمسة، وهو الأعلى فى تاريخ التشكيلات الحكومية الأخيرة، وهو ما قد يعكس مزاجاً داخلياً سائداً يتقاطع مع الأجواء الإقليمية. حنكة ويبدو أيضاً أن الحكومة من خلال هذا التشكيل قد ألقت بحنكة بالغة الكرة فى ملعب السلطة التشريعية وتجنب المواجهة المبكرة مع المجلس بالتخلى عن فكرة عودة الشيخ محمد العبدلله، والذى كان يعتبر اللاعب الأساسى فى الفريق الحكومى فى أى أزمة تواجه السلطتين، وخروج الشيخ محمد الخالد من الحكومة، وهو الذى كان مهدداً دائماً بالاستجواب منذ أن كان وزيراً للداخلية فى الحكومة قبل السابقة. ويفسر المراقبون هذا التكتيك بأن الحكومة تحاول أن تؤكد بأنها قدمت كل ما يمكن أن تقدمه للحيلولة دون حل مجلس الأمة. وأكد المراقبون أيضاً أن قائمة أعضاء التشكيل تؤشر إلى ما اعتبرته تغييراً هيكلياً فى المنهج، حيث عززت التشكيل الجديد بخمسة من أبناء القبائل هم: وزير المالية د.نايف الحجرف ووزير النفط بخيت الرشيدى ووزير التربية والتعليم العالى د.حامد العازمى، ووزير العدل والأوقاف والشئون الإسلامية د.فهد العفاسى، ووزير الإعلام محمد الجبرى. تعاون وطموحات من جانبه أكد رئيس مجلس الأمة مرزوق على الغانم ضرورة التعاون بين المجلس والحكومة الجديدة لتحقيق طموحات الشعب الكويتى، وأن يكون الحكم على الأداء وليس على الأسماء. وقال الغانم إن وجود تسعة وجوه جديدة يعنى أنه فريق عمل شبه جديد، ويجب أن يكون الحكم على الأداء وليس على الأسماء. وعبر الغانم عن رأيه بالقول «إن الحكومة جديدة والتشكيل جديد، ومن كان يعتقد أن التغيير سيكون بسيطًا بوزير أو وزيرين فإن التغيير جاء بتسعة وزراء جدد». وفى هذا الاتجاه وصف نائب رئيس المجلس عيسى الكندرى التشكيل بالمنطقى والمعقول، مطالباً النواب بإتاحة الفرصة له ليقدم ما لديه من عطاء ومن ثم تقديم كشف حساب أعماله. نفس إصلاحي وشدد التحالف الوطنى الديمقراطى على أن التشكيل الحكومى الجديد ضم عناصر ذات نفس إصلاحى، مع التأكيد على وجود ملاحظات على بعض الوزراء، ولا سيما ممن كان توزيرهم بناء على صفقات انتخابية. وأشاد فى بيان له بإبعاد بعض العناصر الوزارية من الحكومة السابقة، إلا أنه أكد أن تقييم الحكومة مرتبط فى ما تحققه من إصلاحات وإنجازات، وأن تعمل على احترام الدستور وحفظ الحريات العامة وحماية الأموال العامة. تفاؤل غير مبرر وعلى الجانب الآخر استنكر التيار التقدمى أن يتركز الاهتمام حول الأسماء الوزارية، خصوصاً التى استجدت فى التشكيل الحكومى، وتجرى إشاعة جو من التفاؤل غير المبرر حولها، مع أن النهج الحكومى لم يطرأ عليه أى تغيير يستدعى مثل هذا التفاؤل. وانتقد التيار فى بيان له نهج الحكومة، الذى لا يزال على ما هو عليه فى عدم استجابتها لمطلب تحقيق انفراجة تطوى صفحة الأزمة السياسية التى تخيّم على الكويت منذ 2010، متهماً إياها بمواصلة سياسة التضييق على الحريات العامة عبر ترسانة من القوانين والإجراءات المتعارضة مع أبسط مبادئ الديمقراطية، وعرقلتها قانون العفو الشامل لقضايا الرأى والتجمعات. مساءلة وعبرت أوساط سياسية مطلعة عن تخوفها من أن يكون أجل الحكومة الجديدة قصيراً وألا تعمر طويلاً، ووصفها بعضهم بأنها «حكومة انتقالية موقتة»، بالنظر إلى ردود الفعل النيابية السلبية، والتهديد الصريح باستجواب وزيرة الشئون الاجتماعية هند الصبيح. وانتقد النائب د.عادل الدمخى الآلية التى يتم بها اختيار الوزراء، كما لوحت النائبة صفاء الهاشم بمساءلة الوزيرة الصبيح فى حال عدم إجابتها عن أسئلتها المرتبطة بالسند القانونى للتكفل بالوافد المتشاجر مع مواطن وقضيتهما التى لا تزال منظورة أمام القضاء. وذلك على الرغم من نفى وزيرة الشئون تكفلها بعلاج الوافد المصرى وإعلان القنصلية المصرية تكفل إحدى الشخصيات المصرية بنفقات علاجه، وهو ما يؤكد تعنت وإصرار النائب الهاشم لجر العلاقة بين السلطتين إلى الصدام بناءً على معلومات غير دقيقة. وفى نبرة تهديد واضحة قال النائب الحميدى السبيعى «أنا أتقبل عودة الوزيرة الصبيح لكن عليهم تقبل نتائج هذه العودة وخير الكلام ما قل ودل، مشيراً إلى أن استجوابه جاهز. رقابة صارمة وأكد النائب رياض العدسانى أن النهج لم يتغير، مؤكداً أن رقابته ستكون أشد من ذى قبل. وجدد النائب خالد العتيبى رفضه عودة الصبيح، لافتاً إلى أنه حذر فى أكثر من مناسبة من إعادة توزيرها وتساءل عما لديها من إمكانات لتعود على الرغم من أدائها السيئ وعدم تعاونها مع أغلبية النواب. وأضاف: إن عودة الصبيح بمثابة مشروع أزمة ولن نهادن ونتجاهل الغضب الشعبى المتنامى ضدها أو نخشى الحل. الموقف ذاته تبناه سعدون حماد الذى رأى أن عودة الصبيح مشروع أزمة بين السلطتين، لأن نواباً أعلنوا عن استجوابها خلال الفترة الماضية ولكن استقالة الحكومة هى التى أخرته. وقال إنه إذا قدم الاستجواب فستكون هناك ورقتا طرح ثقة لا واحدة لوجود إجماع نيابى.