وصلت مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود وفقاً لتصريحات الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى، وأصبحت مصر أمام كارثة حقيقية، فتداعيات إنشاء هذا السد ستضر بمصالح مصر المائية، خصوصاً أن حصة مصر من مياه النيل والمقدرة ب 55.5 مليار متر مكعب لا تكفى لاحتياجاتنا، حتى دخلت البلاد فى مرحلة الفقر المائى، ومع تزايد النمو فى عدد السكان تزداد المشكلة أكثر وأكثر، حيث يقل نصيب المواطن من المياه، وتصبح مصر على شفا كارثة إنسانية. ومع استمرار تعثر المفاوضات، أصبح البحث عن بدائل على المستويين الدولى والمحلى ضرورة حتمية، حيث أكد الخبراء أن مصر أمامها أوراق كثيرة يمكن الاعتماد عليها فى المرحلة المقبلة لتقليل الخسائر التى ستتعرض لها جراء إنشاء السد، والتى تقدر بأكثر من 30 مليار دولار بالإضافة إلى بوار ما يقرب من مليونى فدان. ومع زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى المرتقبة خلال الأسبوع المقبل، فلابد أن تلوح مصر بأوراقها التى تضمن لها الحفاظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل ضمانا لمستقبل أبنائها. ومنذ إعلان إثيوبيا عن البدء فى بناء سد النهضة ومستقبل مصر المائى فى خطر، فحصتنا من مياه النيل ثابتة عند 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، والسدان اللذان ستقوم إثيوبيا ببنائهما على النيل الأزرق سعتهما التخزينية تقدر بحوالى 75 مليار متر مكعب، وإن كان السد الرئيسى الذى يبلغ ارتفاعه 145 متراً تبلغ سعته التخزينية 14.5 مليار متر مكعب فقط، فإن الكارثة تكمن فى السد الثانى. فرغم أن ارتفاعه يبلغ 50 متراً فقط، إلا أن سعته التخزينية تقدر ب 60 مليار متر مكعب. ومع قرب الانتهاء من أعمال الإنشاء والبدء فى ملء السدين ستصبح الكارثة محدقة بمصر، خصوصاً أننا نعانى من مشكلة نقص فى المياه منذ سنوات عديدة بسبب ثبات حصة مصر من مياه النيل، والزيادة المطردة فى عدد السكان، وإذا كانت حصة مصر ثابتة منذ اتفاقية 1929 الخاصة بتقسيم مياه النيل، فقد كان عدد سكان مصر وقتها لا يتعدى 20 مليون نسمة. أما اليوم فعدد السكان تخطى ال 100 مليون نسمة، وحصة المياه ثابتة وليس لدينا موارد مائية أخرى، ومن ثم فإن أى إخلال بهذه الحصة سيؤثر بالسلب على مصر ومستقبل أبنائها. ومنذ توقيع دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبى عام 2010 ورفض مصر التوقيع عليها، ثم شروع إثيوبيا فى بناء السد عام 2012 مستغلة الظروف السياسية فى مصر، ودخولنا فى مفاوضات معها ومع السودان حول تداعيات بناء السد على مصر باعتبارها دولة المصب، فطوال هذه الفترة والجانب المصرى يحاول توضيح الآثار الضارة لبناء السد، فى حين يجرى العمل على قدم وساق فى البناء. ومع ذلك استمرت المفاوضات بين الدول لثلاث حتى أبدت إثيوبيا والسودان تحفظهما على التقرير المبدئى الذى أعده المكتب الاستشارى الفرنسى والذى أكد على الأضرار التى ستلحق بمصر جراء إنشاء السد وملئه فى الفترة التى حددتها إثيوبيا، وهو ما جعل الحكومة المصرية تعلن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، ومن ثم أصبح الآن لابد من البحث عن أوراق جديدة تمتلكها مصر بعيداً عن الحل العسكرى الذى يرفضه الجميع. فى البداية يؤكد الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى وعميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق أن استمرار المفاوضات هو الحل، وإن كانت المفاوضات قد تعثرت حالياً، فيمكن دخول أطراف أخرى لتقريب وجهات النظر، مثل الاتحاد الأفريقى، خصوصاً أن ما يحدث من إثيوبيا يعد تهديداً للأمن والسلم فى القارة وهو ما يرفضه الاتحاد الذى تتضمن أهدافه حفظ الأمن والسلم فى القارة. وطالب الدكتور حلمى بإعداد ملف قانونى يتضمن كل ما قامت به إثيوبيا من مخالفات لقواعد القانون الدولى بإنشاء السد، وتعديها على حقوق مصر فى مياه النيل، ومخالفتها للاتفاقيات الدولية. وأوضح أن هذا الملف سيكون سند مصر أمام الاتحاد الأفريقى وكذلك الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولى، فهذا السد يعد عدوانا على حقوق مصر المائية، وهو ما يرفضه القانون والاتفاقيات الدولية، حيث يمكن العودة لاتفاقيات 1929 و1959 والتى تحدد حصة مصر من مياه النيل، ولدينا قاعدة قانونية مهمة وهى اتفاقية فيينا للاستخلاف الدولى أو التوارث، والتى تنص على التزام الدول بتنفيذ الاتفاقيات الدولية التى أبرمت فى الماضى ،حتى ولو كان التوقيع تم من حكومات غير الحكومة الحالية، وعدم جواز تعديلها إلا بموافقة الدول الموقعة عليها، كذلك لدينا اتفاقية فيينا للأنهار الدولية والتى تضمن حق مصر فى النيل وعدم الإضرار بحصتها خاصة أنها دولة المصب، وليس لديها أى موارد مائية أخرى، وأشار إلى أنه لا يمكن اللجوء للتحكيم الدولى أو محكمة العدل الدولية لأن هذا يتطلب موافقة الدولتين، وهو ما سترفضه إثيوبيا بالطبع، لذلك على مصر اللجوء للاتحاد الافريقى ثم الأممالمتحدة لعرض قضيتها، فالمياه قضية حياة أو موت، لا يمكن التفريط فيها وعلى الدولة استيفاء كل الخطوات القانونية. د. نادر نور الدين: إجراءات دولية ومحلية لمواجهة الكارثة إثيوبيا لديها 20 نهراً وتزرع 35 مليون فدان.. وسد النهضة سيفقدنا مليونى فدان كل عام لا يفتى فى قضية سد النهضة دون الأخذ فى الاعتبار رأى الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، فهو واحد من كبار العالمين ببواطن هذه القضية وطرق حلها، لذلك فهو يرى ضرورة تزعم مصر حملة دولية لتعريف العالم كله بمساوئ هذا السد وأخطاره على مصر، اعتماداً على تقرير المكتب الاستشارى العالمى، حتى لا تتهم مصر بعدم الالتزام بتعهداتها الدولية، وأشار إلى أن مصر اعترفت بشرعية السد وأحقية إثيوبيا فى بنائه بتوقيعها على إعلان المبادئ، ومن ثم لا يمكن الرجوع فى هذا، لذلك لابد من أن يعلم الجميع أن إثيوبيا هى من أخلت بالاتفاقيات الدولية حينما شرعت فى بناء السد دون انتظار تقرير المكتب الاستشارى، كما أنها لم تف بتعهداتها الدولية بالحفاظ على حقوق مصر فى مياه النيل. و يرى الدكتور نور الدين أن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى لمصر يمكن أن تكون فرصة لضمان حصة مصر من مياه النيل، و ذلك بأخذ تعهد عليه بعدم الاقتراب من حصة مصر من مياه النيل، خصوصاً حصتها من مياه النيل الأزرق التى تقدر ب 49 مليار متر مكعب، مشيراً إلى أن سد النهضة مكون من سدين : الرئيسى يبلغ ارتفاعه 145 متراً وسعته التخزينية 14.5 مليار متر مكعب، وهذا السد ليس عليه أى تحفظات، أما المشكلة الحقيقية فتكمن فى السد الجانبى فرغم أن ارتفاعه يقدر ب 50 متراً فقط، إلا أن سعته التخزينية تقدر ب 60 مليار متر مكعب، ولابد من خفض هذا الارتفاع إلى 25 متراً، وتقليل سعته التخزينية إلى النصف، و هو ما يجب أن تسعى مصر إليه بكافة الطرق، لأن تأثيرات إنشاء هذا السد ستضر بمصر على كافة الأصعدة، حيث سيقلل حصة مصر من الماء، كما أنه سيعمل على إطماء بحيرة السد نتيجة انخفاض منسوب المياه بها. وأضاف الدكتور نادر نور الدين أن الخسائر التى قد تتعرض لها مصر جراء إنشاء سد النهضة قد تصل إلى 30 مليار دولار على الأقل، حيث إن أى نقص فى حصة مصر من المياه يجب أن يعوض من مصادر أخرى وعلى رأسها تحلية مياه البحر. ومن المعروف أن تحلية المتر المكعب الواحد تتكلف 10 جنيهات، وأغنى دول العالم ومنها أمريكا والسعودية لا تستطيع تحلية أكثر من 6 مليارات متر مكعب سنوياً، أى أن هذا البند وحده سيحتاج إلى 60 مليار جنيه بخلاف تكلفة إنشاء محطات التحلية ومحطات إنتاج الطاقة، وهى تكاليف مرتفعة جداً لا تقدر عليها مصر. كما أن انخفاض نصيب مصر من مياه النيل يحتاج إلى تطوير نظم نقل المياه فى الترع والقنوات والتى تمثل 35 ألف متر من الترع المكشوفة، وتغطيتها تتطلب حوالى 20 مليار جنيه على الأقل، بالإضافة إلى إجراء تجارب لإنتاج أنواع من المحاصيل تستهلك كميات قليلة من المياه، مع تقليل مساحات زراعات الأرز وقصب السكر والمحاصيل كثيفة الاستهلاك من المياه، وبالطبع ستضطر مصر إلى تعويض هذا النقص من خلال زيادة الاستيراد من هذه المحاصيل مما يزيد من مشكلاتها الاقتصادية. وأشار أستاذ الموارد المائية والرى إلى أن الكارثة التى ستتعرض لها مصر لن تكون بسبب ال 75 مليار التى ستملأ بها إثيوبيا الخزانين فقط، ولكن المشكلة فى استمرار العجز المائى الذى سيتراوح بين 12 إلى 17 مليار متر مكعب سنويا، مقسمة إلى : مليارى متر فاقد بسبب عمل توربينات توليد الكهرباء، و5 مليارات متر مكعب فاقد البخر فى بحيرة السد، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 5 إلى 10 مليارات فاقد بسبب الرشح العميق للمياه فى بحيرات السد حتى تتم عملية الإطماء التام، وهذه الكمية التى ستخسرها مصر من المياه ستؤدى إلى بوار حوالى مليونى فدان كل عام، وبالتالى ستفقد مصر كمية كبيرة من المحاصيل الزراعية وبالتالى ستزيد الفجوة الغذائية. كما أن الفلاحين الذين يقومون بزراعة هذه المساحات سيفقدون أعمالهم، وبالتالى ستزداد مشكلة البطالة وتصبح الدولة ملزمة بتوفير فرص عمل لهم، مشيراً إلى أن مصر لا تزرع سوى 8 ملايين فدان، فى حين تزرع إثيوبيا ما يقرب من 35 مليون فدان، و بها 20 نهراً، أما مصر فلا يوجد بها سوى نهر واحد، ومن ثم فلابد من الحفاظ على حقوق مصر المائية، وهذه المعلومات يجب أن يعرفها الجميع ويضعها المفاوض المصرى على طاولة المفاوضات حتى تكون النتيجة فى صالح مصر وشعبها. ترشيد الاستهلاك.. حياة أو موت أزمة المياه هى قضية أمن قومى حقيقية، فإذا قامت إثيوبيا بملء سدها الجديد «سد النهضة» خلال 3 أو 5 سنوات، فإن مصر ستكون فى ورطة، وحتى لو تراجعت واحتفظت مصر بحصتها كاملة، فمع الزيادة المضطردة فى عدد السكان لابد من البحث عن حلول لتوفير موارد ماء إضافية من المياه، خصوصاً أن مصر دخلت بالفعل فى مرحلة الفقر المائى نتيجة انخفاض حصة الفرد من المياه عن المعدل العالمى الذى يقدر ب1000 متر لكل فرد، ومن ثم أصبح على المواطن المصرى دور جوهرى للحفاظ على كل قطرة مياه. وجميع الدراسات تؤكد أن نسبة فقد المياه فى بعض المنشآت تصل إلى حوالى 30% بسبب تلف المواسير والصنابير. وتعد قضية ترشيد استهلاك المياه من أهم القضايا الحيوية التى يجب أن يحرص عليها المواطن قبل الدولة، فإذا كان المفاوض المصرى يمتلك أوراق ضغط لتقليل أضرار إنشاء السد على مصر، فليس أمام المواطن سوى ترشيد الاستهلاك، لأنه مهما كانت نتائج المفاوضات فالمصريون فى ورطة بسبب قلة المياه. وإذا كانت الدولة بدأت تفكر فى بدائل لحل مشكلة المياه سواء بتحلية مياه الصرف الزراعى وإعادة استخدامها فى رى الأرض الزراعية، أو تحلية مياه البحر على نطاق محدود بمحافظات البحر الأحمر وسيناء نظراً لتكلفتها العالية، أو التفكير فى تحلية مياه الصرف الصحى واستخدامها صناعياً، فعلى المواطن مسئولية أخرى وهى ترشيد الإنفاق. ورغم أن الترشيد واجب بحكم القانون الذى ينص على منع رش الشوارع بالمياه، ومنع غسيل السيارات، ومخالفة هذا القانون تتراوح غرامتها بين 200 جنيه وحتى 5 آلاف جنيه فى حالة تكرار المخالفة، إلا أن الإدارات المحلية فشلت فى تطبيق هذا القانون لعدم قيامها بدورها الرقابى. وقضية الترشيد يجب أن تكون قضية محورية فى التعليم والثقافة الحياتية للمواطنين الذين يجب أن يعلموا أن الترشيد قضية حياة أو موت. فحصتنا من مياه النيل ثابتة عند 55.5 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى كمية محدودة من المياه الجوفية تصل إلى حوالى 5 مليارات متر مكعب، فى حين أن الاستهلاك السنوى من المياه يصل إلى 78 مليار متر مكعب، وهذا العجز يتم تغطيته من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى وتحلية مياه البحر، وهذا العجز مرشح للزيادة بعد إنشاء السد. ومع الزيادة المضطردة فى عدد السكان، أصبح ترشيد الاستهلاك واجباً قومياً، وهو ما أكده الخبراء الذين قالوا إن الترشيد يجب أن يبدأ من المنازل لتستهلك المياه بمقدار حاجتها فقط، مع تركيب عداد لكل وحدة على حدة، وإصلاح التالف من صنابير المياه فى المصالح الحكومية ودور العبادة ومبردات المياه فى الشوارع. كما أن على العلماء دوراً فى استنباط أنواع من المحاصيل الزراعية قليلة الاستهلاك للمياه، والعمل على تغطية الترع لمنع الفاقد منها بالبخر، وتبطينها لمنع الفاقد بالتسرب، والتوسع فى مشروعات الرى بالتنقيط لتوفير المياه. وأكدوا أن الجميع يجب أن يعمل على ترشيد الاستهلاك من المياه حفاظاً على حياة مصر والمصريين.