شهد الإعلام المصرى وخاصة إعلام الصورة حاله من الفوضى قبل إندلاع أحداث الثورة ، تمثلت فى عدم وجود نظام عمل ورؤيه إستراتيجيه ومعايير إختيار مهنيه للقيادات ، وكانت بوصلة هذا الإعلام موجهه ناحية النظام دون إعتبار للمصلحه العامه الحقيقيه للوطن ، وإنعدم الإهتمام بتوجهات هامه مثل التوجه العربى على سبيل المثال ، ودار هذا الإعلام فى فلك النظام ولم يحد عنه ، مهملا لأى مستجدات أو تطورات على الساحه السياسيه والإعلاميه داخليا وخارجيا . ومع إندلاع أحداث ثورة يناير ، إنعكست فوضى الإعلام على شاشاته الرسمية ، فشاهدنا التخبط وعدم القدره على رؤية الواقع واستقرائه ، والإصرار على تقديم رؤية ذاتية نابعة من رؤية النظام الذى لم يكن يرى سوى نفسه . وقد شاهدنا هذه الفوضى أيضا فى بعض القنوات الخاصة ، فغياب الرؤيه والقدرة على فهم مايحدث ، كان سمة من سمات الإعلام المصرى أثناء الأحداث ، فالإعلام الرسمي كان مغيبا ، والإعلام الخاص تضاربت رؤيته وإختلفت توجهاته من برنامج لآخر . ومع سقوط النظام بدا عدم التوازن جليا على شاشة الإعلام المصرى ، وكنا قد دخلنا مرحلة من الفوضى المجتمعيه ( وهى حاله طبيعيه فى أعقاب الثورات ) ، شملت تلك الفوضى مناحى متعددة من حياتنا ، وأثمرت تلك الفوضى إعلاما جديدا ، هو نتاج طبيعى لفوضى المرحلة . فقد شهدنا فوضى فى إطلاق القنوات الفضائيه فضلا عن الصحف المطبوعة والألكترونية والمحطات الإذاعية ولم نر من يقول لنا ماهى أهداف تلك القنوات وإستراتيجية عملها لتحقيق أهدافها ؟ ولماذا فى هذا التوقيت ؟ والأخطر فى هذه الفضائيات هو" رؤوس أموالها "، فظهرت علينا بعض الوجوه التى نعرفها من قبل وغيرها التى تعد جديدة تماما على الساحة الإعلامية ، وبدأت التساؤلات عن حقيقة تلك الأموال والغرض من ضخها بهذا الشكل والكم فى هذا المجال ، وهل هناك شخصيات أخرى غير تلك المعلنة تقف وراء هذه المشروعات الضخمه ماليا ، وهل هى أموال لمصريين لهم مآرب غير معلنة ، أم لغير مصريين يسعون لتكريس أوضاع معينة تتفق مع مصالحهم على حساب صالح مصر والمصريين ، وما هى حقيقة العلاقات التى تربط هؤلاء ببعضهم البعض ، وإقبال بعضهم على الشراء المتبادل من حصص الآخرين ، بما يوحى بترابطهم فى شبكه مثيره للشكوك ، أم أنها أموال نظيفة حقا تسعى لتحقيق أهداف نبيلة بجانب الربح المادى ؟! و المثير حقا ويطرح علامات إستفهام عديدة هو "ميردوخ " الإعلام المصرى الجديد الذى يسعى الى الإستحواذ على أكبر كم من مؤسسات الإعلام المصرى ، بشراء نسب مختلفه من صحف و فضائيات منافسة وغير منافسة ، فمن هو هذا الإمبراطور الجديد ؟ ، ومن يقف وراءه ؟ وماهو دور مجموعة الإعلاميين المحيطين به فى هذا السعى ؟ أما المظهر الآخر للإعلام الناتج عن الفوضى فتمثل فى هذه الوجوه القديمة والجديدة التى تطل علينا يوميا ، وما تقدمه تلك الوجوه من مضامين إعلامية مختلفة ، تثير كل يوم زوبعة وتخلق مشكلة وقد تشعل فتنة . فهل هذه الوجوه تقدم ذلك وفق تخطيط مسبق ، أم هى فوضى الكلام ؟ وهو مايستوى فيه أهل الإعلام الرسمى والخاص ، لدرجة أن كل مذيع أصبح له مريديه ومن لايرون أي مصداقية لغيره ، ومن ثم فغيره كاذبون أو فلول أو خونه ، وبدأت عملية تفتيت واضحه للمشاهدين ، وأصبحنا نشاهد وصلات النقد والرد بين مقدمى البرامج على الهواء ، وأصبح التجريح سمة والتخوين لغة فى كلام البعض . والتساؤل المشروع الآن : من هو المسئول عن هذه الفوضى ؟ومتى ستنتهى ؟ لقد عانى كثير من أصحاب رؤوس الأموال فى ظل النظام السابق من قيود إدارية وسياسية كثيرة حالت دون إطلاقهم لفضائيات خاصة ، والآن بعد زوال النظام ، فهل إستبدلنا قيود الماضى بفوضى"خلاقه" ؟ وهل إستبدلنا تعتيم الماضى بتعويم الحاضر وضبابية المستقبل ؟ فلنرسخ نظاما قانونيا واضحا ، يسري على الجميع ، يتيح لنا إعلاما يحترم عقولنا ، ونحترمه جميعا . وليكن لدينا رؤيه واضحة للإعلام المصرى ، نعرف محدداتها وسبل تنفيذها . وليظلنا جميعا ميثاق شرف إعلامى ننضوى تحت لوائه ، ونلتزم بمعاييره ولانحيد عنها . ولنفك هذا الرباط الوثيق بين الإعلام والفوضى ..