يُعد الروائى الدكتور يوسف زيدان بحسب قوائم الكتب الأعلى توزيعا فى الوطن العربى هو اكثر كاتب مقروء فى بلادنا, كما لاقت اعماله المترجمة إلى اللغات الأخرى رواجا كبيرا فى اللغات التى نشرت بها . زيدان باحث فى التراث نالت أعماله أكبر جائزة بحثية فى الوطن العربى (جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى نالها مرتين فى 1994, 2005). ونالت روايته الأشهر عزازيل الجائزة العاملية للرواية العربية (البوكر 2009) وهى الرواية التى اقتربت طبعاتها خلال ثلاث سنوات فقط الى 27 طبعة متتالية لتكون بذلك اوسع الروايات انتشارا فى تاريخ الأدب العربى, كما نالت كتبه الأخرى مثل اللاهوت العربى ورواياته "ظل الافعى, النبطى, محال" نجاحا كبيرا وقبولا لدى القراء فى مصر والبلاد العربية ونفدت منها طبعات متتالية فى وقت قياسى..وكان زيدان احد بناة مكتبة الاسكندريةالجديدة التى بدأ بها عام 1994 حتى الايام القليلة الماضية حيث فوجئ الجميع بخبر تقديم استقالاته من المكتبة! فكان ل"بوابة الوفد"، السبق فى إجراء هذا الحوار معه. *ما رأيك فيما نشر عام 2008 عن تطويرك لمتحف المخطوطات واعمال المركز وبعد تقديم استقالتك نسبت الى د. اسماعيل سراج الدين؟ -لا أريد الخوض فى هذا الموضوع الذى يدعو الى التقزز والغثيان. *ما الاسباب التى دفعت اسماعيل سراج الدين لإلغاء مناصبك بالمكتبة ومن ثم تقدمت باستقالتك؟ - لقد أغلقت هذا الملف ولن افتحه مرة أخرى . وكل ما أردت أن أعلنه كتبته فى المقالاتين المنشورتين الشهر الماضى وكانت المقالة الاولى بعنوان (النداء الاخير لإنقاذ مكتبة الاسكندرية) , فلم تحدث أى استجابة فكانت المقالة الثانية: (وداعا مكتبة الاسكندرية) وكانا فى جريدة المصرى اليوم. *كيف تقيم الاوضاع التى تعيشها مصر حاليا؟ - هذا السؤال واسع وفضفاض وكل تناول من هذا النوع لن يؤدى الى شىء مفيد بل سيكون كلاما فى كلام والاصواب ان ننظر الى هذه الامور بشكل محدد وواضح يبتعد عن هذه النظره شديدة العمومية. فمثلا هناك ظروف اقتصادية وأخرى ثقافية وثالثة سياسية وهكذا, فلابد من النظر فى هذه المكونات العامة للحالة المصرية, كل منها على حدة, ثم نقوم بوضع التصورات العامة بنا على استقراء هذه الجوانب. * هل يوجد ارتباك فى الحالة الثقافية المصرية؟ - نعم يوجد ارتباك شديد فى الاحوال المصرية كلها, فالمثقفون الذين شاركوا فى صناعة هذه الثورة الاحياء منهم والذين ماتوا خلال الفترة الماضية, كانت لهم جميعا مشاركات متنوعة فى قيام ثورة يناير . مثلا فالدكتور عبد الوهاب المسيرى توفى قبل الثورة لكنه كان أحد العوامل الممهدة لها خلال رئاستة لحركة(كفاية) ومن المثقفين الاحياء أمثلة كثيرة على الفعل الثقافى, الذى ادى لقيام الثورة, ولكن عقب اندلاعها اقتحم كثير من الكتبة والكتّاب الساحة وتصدروا قنوات الاعلام المرئى أملا فى اقتناص الفرص السانحة مع أنهم كانو قبلهم يسارعون إلى التقاط الصور التذكرية مع (المخلوع) وابنه (الرئيس المنتظر), وبالطبع أحدث حديث هؤلاء وامثالهم خبلا واضطربا لدى المتلقى. لكن مثقفين مصر آخرين, ظلوا محافظين على مواقفهم المحترمة قبل الثورة وبعدها ولكن من المؤسف فى الامر هو أن هؤلاء يتساقطون بالوفاة أو يسقطون فى حالة الاحباط العام من دون ان يعوض الواقع الثقافى غيابهم, فقد توفى فى زمن الثورة مثقفون وكتاب كبار من أمثال خيرى شلبى, إبراهيم أصلان, جلال عامر. وحوصر مثقفون آخرون من أمثال بلال فضل, أحمد فؤاد نجم, الاسوانى وجرى تجريحهم علانية والصق التهم المجانية بيهم لتشويههم فهذا الكاتب (يمنى) وليس مصرى وهذا الشاعر (يدخن الحشيش), وهذا الكاتب يغازل العرب, لتكون هذه الاتهامات الشخصية سبيلا للتشويش على المثقف او ذاك لصرف النظر عما يقوله أو يكتبه . وعلى هذا النحو أحدثت الثورة خلخلة كبيرة فى الواقع الثقافى المصرى الذى هو حجر الزاوية فى الواقع الثقافى العربى العام. *ما رأيك فى اكتساح التيار الدينى لمقاعد البرلمان؟ - لهذا الحدث عدة اسباب لا يمكن التغافل عنها أو إهمال واحد منها . فمن ذلك الطريقة التى تمت بها الانتخابات بعد يومين داميين من أحداث شارع محمد محمود, وانشغال الرأى العام والقوى السياسية بما يجرى فى الشارع وهو الامر الذى أحدث ارتباكا كبيرا لدى الجماعات السياسية والقوى المصرية, التليدة والجديدة والوليدة, وقد رأينا كيف اعترف رئيس حزب الوفد بالتقصير فى المراحلة الاولى للانتخابات وهى المرحلة التى شهدت قصورا كبيرا فى عدد المقاعد التى كانت من نصيب حزبه ومن هذه الاسباب ايضا أن القوى السياسية ذات التواجهات الليبرالية والعلمانية واليسارية لم تكن تعتقد أن الانتخابات سوف تجرى فى موعدها وبالتالى لم يقوموا بما كان واجبا عليهم من تعريف للناخبين ببرامجهم واهمية وجودهم فى البرلمان . ومن هذه الاسباب ايضا إحجام المرأة المصرية عن الدخول فى المعترك الانتخابى, مع أن المرأة كانت لها مشاركات وحضور قوى فى الثورة, ولكن عمليات الاستبعاد وكشف العذرية والسحل ادات الى النفور الانثوى الذى رأينا نتائجه فى البرلمان الذى لايعكس طبيعة البرلمان المصرى او الثورة المصرية بشكل مطابقا للواقع ومن هذه الاسباب ايضا, بل من أهمها أن الجماعات الدينية كانت نتاجا طبيعيا لحالة غياب الضبط الاجتماعى (الرسمى وغير الرسمى) فى المناطق العشوائية المكدسة بالبشر على حواف المدن, وعلى القرى والنواحى المصرية البعيدة عن خطط التنمية الحكومية فاختارهم الناس هناك بشكل تلقائى لانهم ببساطة لا يعرفون غيرهم ونهيك عن ان هناك شروعا اجتماعيا تم الترويج له مؤخرا من أن (الاسلام فى خطر) فظن العوام من الناخبين أن اختيار ممثلى التيار الدينى الاسلامى هو إنقاذ للدين والدنيا وهناك اسباب أخرى لا يتسع المجال الآن لذكرها . * كيف ترى المطالب التى تدعو المجلس العسكرى الى تسليم السلطة فى الوقت الراهن؟ - لابد عند إعلان هذه المطالب من تحديد الجهة التى يجب على العسكريين أن يقدموا أو يتنازلوا عن السلطة اليها. فهل المطلوب تسلم السلطة الى البرلمان الذى هو جهة تشريع, أم إلى رئيس الجمهورية الذى لايزال فى علم الغيب! أم إلى الثائرين فى ميادين الحرية, أولا يجب الاجابة عن ذلك قبل المطالبة بتسليم السلطة. * فى مقالتك الاسبوعية خلال السنة الماضية وفى روايتك الجديدة (محال) نلمح الانشغال بالهم العام والقضايا الجارية. هل يمثل ذلك تحولا فى مسار الكتابة لديك؟ - انشغالى بالواقع قديم, وممتد قبل الثورة وبعدها ولكن عبر أشكال مختلفة يتنوع فيها الخطاب المعرفى بحسب عملية التفاعل مع القراء, فالكتابة لاتكتمل ولا يكون لها معنى الا بالفعل المقابل لها وهو القراءة . وفى مقالاتى المنشورة قبل قيام الثورة المصرية كان فيها انشغال بالواقع واستبصار له من خلال رؤية الماضى واستشراف المستقبل, وكذلك الامر فى رواياتى ذات الطابع التاريخى مثل عزازيل والنبطى, فيهما الاطار القديم والخطاب المعاصر معا, وقد كانت أولى أعمالى الادبية الصريحة "ظل الافاعى" تدور احداثها فى المستقبل, وتحديدا عام 2020 بينما رواية محال الجديدة تدور فى الفترة القريبة الممتدة من سنة 1993 إلى وقتنا الحالى إذن التاريخ والتراث هما إطار عام يتم من خلاله النظر فيما يتعلق بالانسان عموما, وجوهرة الموجود فى الماضى وسوف يكون موجودا فى المستقبل . * حدثنا عن إنتاجك الادبى وكيف تتوقع مستقبل الكتب والنشر خلال الفترة القادمة فى ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر حاليا؟ - هناك عدة مؤشرات جيدة تدل على حالة القراءة بشكل عام منها اللجوء إلى النسخ الرقمية للكتب عبر مواقع الانترنت ومنها المنتديات الثقافية الكثيرة المنتشرة فالواقع الفعلى وفى الوسائط الحديثة كا لانترنت والفيس بوك بالاضافة الى التفاعل الكبير على تويتر, وهناك قوائم الكتب الاعلى توزيعا التى تعلنها دور النشر والمكتبات الكثيرة التى يتم أفتتاحها مؤخرا فى المدن المصرية وتحظى برواج ملحوظ هذه كلها مؤاشرات جيدة على المستقبل فى عالم القراءة والنشر وهى تتجاوز حالة الركود الاقتصادى العام ولكنها بالطبع تتاثر به سلبا, لكن الجانب الاقتصادى ليس هو الجانب الوحيد الذى يتحكم فى هذا الامر . فهناك أيضا حالة الشغف إلى المعرفة التى تزداد عند عموم الناس, والنقاشات الجادة التى صار المصرين يدخلون فيها بعد سنوات من انصرافهم عن الشأن العام بسبب عمليات التصحيح الذهنى المتعمد حكوميا. *لماذا لم تنتقد وتكشف عن المخالفات المتواجدة داخل المكتبة مبكرا؟ - هذه المخالفات كانت تتم سرا ولم يعلمها احد حتى كشفتها تحقيقات النيابة, هناك مطالب عديدة داخل المكتبة تطالب باقالة سراج الدين وتتهمه بانه فلول النظام السابق (عضو لجنة السياسات) ومن رجال سوزان مبارك. *لماذا لم تتم الاستجابة لمطالب العاملين بالمكتبة بإقالة د. اسماعيل سراج الدين ومتى تتوقع رحيله؟ - عدم الاستجابة لاقالته يسأل عن هذا المجلس العسكرى ورئيس الوزراء .. وسوف يرحل ,إذا استعملت سوزان مبارك حقها بصفتها رئيس مجلس أمناء المكتبة لانها هى الوحيدة فى استخدام هذا الحق الآن .