د. يوسف زيدان أحد الكتاب والمفكرين المعاصرين الذين أثارت أعمالهم الإبداعية و آراؤهم الفكرية في الآونة الأخيرة الكثير من الجدل بين المثقفين وعامة الناس، له العديد من الأبحاث والدراسات في مجالات الفلسفة الإسلامية والعقائد الدينية مما جعل له مكانا مميزا بين قادة الفكر الذين يساهمون بشكل أو بآخر في تشكيل الرأي العام. حول دور المفكر في رسم خارطة المستقبل ومكانة المثقف السياسي وكيف تساهم العقول المفكرة في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية للخروج من عنق الزجاجة نحو حياة أفضل بعد ثورتنا المجيدة ..كانت لنا معه وقفات فاصلة ومحددة وضع يوسف زيدان النقاط فوق الحروف دون تواري أو التواءات فكرية وكان هذا الحوار بعد نجاح الثورة في إسقاط النظام ورمرز الفساد، أصبح دور المفكر لا يقل أهمية عن دور الثوري الذي قام بالتغيير، لان المطلوب الآن هو تغيير الواقع وهو ما يمكن أن نطلق عليه الثورة الاجتماعية.. في ضوء ذلك، كيف تري دور المفكر في رسم خارطة المستقبل ؟ لا أعتقد، أن ثورتنا المصرية قد نجحت »بعد« في إسقاط النظام! مع أنها خلعت رأس الفساد واسقطت معه حوالي عشرة أشخاص ممن ظهر فسادهم في البر والبحر، ولكن ذلك لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن "النظام" القديم قد سقط. لأن هذا النظام لم يكن مرتبطاً فقط بهذا العدد المحدود من الأشخاص، ولم يكن مرهوناً بالأفراد، بقدر ما هو قائم علي »نهج« معين، ظهرت في طريقة إدارة البلاد علي أساس »الاحتقار المتبادل« و»الاحتفاء بالمنحرفين« و»اجتماع المال والسياسة« و»خداع البسطاء« و»التعتيم المتعمد« و»القهر الأمني« .. وغير ذلك من الأسس التي قام عليها ما يسَمي النظام القديم، وهي »أسس« كانت دوماً »أُس« الفساد، بصرف النظر عن ممثليه المحدودين عدداً، الذين نحاكمهم حالياً. واضاف: لا تزال آثار هذا النظام ممتدة في مصر، في طريقة اختيار رجال السلطة، كالمحافظين، وطريقة إدارة البلاد علي قاعدة بالونات الاختبار، ومغازلة رجال الدين المسيحي والإسلامي أملاً في ضمان سكوت أتباعهم بإرضاء زعمائهم.. تلك هي بعض ملامح »النظام السابق« التي لا نستطيع أن نقول إنها اختفت من مصر، وليس من المنطقي أن نعتقد أنها سوف تختفي بين يومٍ وليلة! فهي لم تقم في يومٍ وليلة، وإنما تراكمت عبر السنوات الثلاثين »المباركية« والسنوات الستين »الضباطية الأحرارية« وبالتالي، فهي تحتاج وقتاً طويلاً للخلاص منها والشفاء من آثارها، وهو الأمر الذي قد يمتد ما بين عامين إلي خمسة أعوام. ولا يعني ذلك أن الثورة المصرية لم تحقق الكثير، بل بالعكس، استطاعت ثورتنا تحقيق عدة أهداف كانت تبدو حتي السنة الماضية مستحيلة وغير ممكنة. فقد جعلت الثورة من »الكرامة« صفةً للمصريين، وأزاحت وجوهاً قبيحة ومؤسسات عتيدة، كجهاز أمن الدولة، ما كان لها أن تنزاح عن البلاد لولا هذه الثورة.. كما زرعت ثورة المصريين »الأمل« في المستقبل، بعدما كان الناس قد فقدوا كل أمل في الحاضر. أما عن دور المفكر في رسم خارطة المستقبل، فهو سؤال غير مشروع بصورته الحالية، لأن صياغة التصورات المستقبلية هي أساساً مسئولية »المفكر« سواء كان فيلسوفاً أو صاحب اجتهاد ديني أو مستشرفاً لآفاق العلم والمعرفة.. وبالتالي فإن »خارطة المستقبل« التي تسألين عنها، لا يرسمها أصلاً غير هؤلاء المفكرين . علاقة متلازمة إذن، ما العلاقة بين المفكر وصناع القرار.. وهل يجب أن يشارك المفكر في صنع القرار، أم أن دوره استشاري، أم يكتفي بكونه معلِّقاً علي الأحداث؟ العلاقة بين المفكرين وصناع القرار، علاقة عضوية يجب دوماً أن تكون متلازمة.. لأن كل »قرار« لا يعبر عن رؤية وفكر، هو تهريج سياسي من ذلك النوع الذي شبعت منه البلاد قبل الثورة، ولا مجال لمعاودة السير علي هذا الدرب الفوضوي. ولكي تتحقق العلاقة الرشيدة بين المفكر وصانع القرار، لا بد من الاحتفاظ بالمسافة المناسبة بينهما. فلا المفكر ينبغي له أن يسعي لمنصب صاحب القرار، ولا صاحب السلطة يجوز له الادعاء بأنه مفكر. وإلا لاختلطت الأدوار، وصار الواقع نهباً للاضطراب وحقلاً لصيادي الفرص، علي النحو الذي رأيناه مؤخراً في وقائع عجيبة أعقبت الثورة، منها استرضاء أحد الهواة، وإسكاته بإعطائه منصب »مدير مكتبة عامة« مع أنه في الأصل خريج "دبلوم الصنايع الزخرفية" ولا شأن له أو خبرة بإدارة المكتبات.. ومنها الهجوم العشوائي علي كل صاحب منصب، أملاً في إزاحته عن مكانه والقفز علي كرسيه.. ومنها اقتناص الفرص السانحة، والخلط بين المكان والمكانة.. ومنها انهماك المحسوبين علي »المفكرين« في تسويق أنفسهم بأنهم قواد الثورة والناطقون باسمها والمستشرفون لمستقبلها.. ومنها تفرغ البعض للإدلاء بالأحاديث التلفزيونية، حتي إنني رأيت أحدهم في ثلاث حلقات أذيعت »علي الهواء« في يوم واحد، وكان كلامه: هواء في هواء، وخواء في خواء! لسببٍ بسيط، هو أنه لا يفكر قبل أن يتكلم، ولا يعرف أن الفيلسوف اليوناني القديم »أبيقور« قال: للإنسان لسان واحد وأذنان اثنتان، ليتكلم قليلاً ويسمع كثيراً. وما اقوله الآن هو المنهج الذي سرتُ عليه دوماً ولا أحب أن أحيد عنه. ولذلك، اعتذرت العام الماضي عن قبول منصب رئيس هيئة الكتاب، بدرجة نائب وزير، لأنني رأيت أن الدور الفكري الذي أقوم به من خلال عملي »هوايتي« بمكتبة الإسكندرية، ومن خلال ما أكتبه، هو دوري الأساسي في هذا الوطن. وإذا اختلطت الأمور واختفت المسافة الفاصلة، فلن أستطيع استكمال الدور الذي اخترته .. أو اختارني. الادب والصدفة تجربتك الإبداعية، أثارت الكثير من الجدل حول التاريخ والثقافة والفلسفة والأديان خاصة ما أثارته رواية »عزازيل« في سياق نقدك للفكر الديني الكنيسي، وما تكشف عنه رواية »النبطي« من علاقة حميمة بين العربي والقبطي في الثقافة الإنسانية التي أكدتها الثورة المصرية مؤخراً.. هل كنت تؤكد علي هذه الأفكار قاصداً أم أنها صدفة السياق الأدبي في أحداث الروايتين ؟ كيف يكون الأمر مصادفة، هل نكتب الأدب من دون وعي؟ وماذا عن المقالات والدراسات والبحوث التي من نوع »اللاهوت العربي« هل تكون أيضاً مصادفة. أو بحسب سؤالك »صدفة السياق الأدبي«.. إن الكتابة لا تخضع لمنطق الصدفة، بل تنطلق من هندسة الرؤية واستراتيجية الاستشراف، وقد تؤتي ثمارها أو تذهب سُدَي، ولكن »النتائج« ليست مسئولية الأديب أو الروائي أو الكاتب عموماً. نحن نكتب، ونترك النص بين يدي القارئ ليهتم به أو يهمله. الكتابة عمل الروائي والباحث، ولكن أثرها ليس بيده. غضب الكنيسة بعد حصول رواية »عزازيل« علي جائزة البوكر أثيرت حولك اتهامات أغضبت الكنيسة هل في رأيك إذا لم تحصل الرواية علي الجائزة فهل كانت العاصفة ستمر بسلام؟ ماذا تقصدين بكلمة »الكنيسة« تحديداً؟ إن الذين ثاروا علي رواية "عزازيل" وأثاروا حولها الغبار، مجرد أربعة أشخاص أو خمسة كانوا يستغلون هذا النضال الوهمي لتأكيد أنهم هم المدافعون عن الإيمان القويم.. ومن ورائهم عشرات من رجال الكنائس المختلفة، وآلاف من المسيحيين، الذين رحبوا بالرواية وتحمَّسوا لها، وقد أدركوا أنها تهدف لإدانة العنف الذي قد يمارسه البعض باسم الدين.. وعندما بهرج أحدهم بإقامة دعاوي قضائية ضدي بسبب الرواية، بادرت جماعة لمؤازرتي في وجه هذه الهجمة الشرسة، وأنشأوا لذلك صفحةً علي الفيس بوك بلغ عدد أعضائها خلال يومين، أكثر من ألفين، كان فيهم الكثير من الأقباط والمسلمين، غير المتعصِّبين بالطبع. أما جائزة البوكر، فقد جاءت بعدما صدرت تسع طبعات من الرواية »وخمس طبعات مزوَّرة!« ثم توالت الطبعات حتي وصلت الأسبوع الماضي إلي الطبعة الثانية والعشرين، بالإضافة إلي عشر طبعات مزوَّرة صدرت سِراً في سوريا ولبنان والجزائر ومصر، وما يزيد عن سبعمائة ألف عملية تحميل من مواقع الإنترنت. وهو ما جعل »عزازيل« بعد ثلاث سنوات من صدور طبعتها الأولي، في مارس 2008 أوسع الروايات العربية انتشاراً في تاريخ الأدب العربي.. وتلك هي الجائزة الأكبر من »البوكر« لأنها جائزة منحها القراء لا النقاد. أما هؤلاء »المهاجمون« فقد رأيناهم دوماً يهاجمون في كل مناسبة أو بدون .. والعجيب في أمرهم، أنهم علي الرغم من زعمهم أنهم حماة اللاهوت وحراس الإيمان القويم، لم يتعرضوا من قريب أو بعيد لكتابي »اللاهوت العربي وأصول العنف الديني« مع أنه كان العام الماضي بحسب التقرير الذي نشرته دار الشروق، هو أكثر الكتب العربية توزيعاً خلال العام 2010. الخطاب الديني هل هناك تشابه بين مشكلات الخطاب الديني المسيحي والإسلامية؟ وما الإشكالية الأساسية برأيك في الخطابات الدينية: اليهودية والمسيحية والإسلام؟ وهل هناك سبل متاحة لتقويم وتجديد هذه الخطابات بما يتناسب والعقلية الجديدة التي نحلم بتغييرها بعد الثورة ؟ اليهودية والمسيحية والإسلام، ديانة واحدة لها ثلاث تجلِّيات.. والخطاب الديني في هذه التجلِّيات الثلاث يخضع لنظام واحد، سواء كان هذا الخطاب إنسانياً متسامحاً مثلما هو الحال في »القبالة« اليهودية أو الرهبنة »المسيحية« أو التصوف »الإسلامي«.. أو كان في الجماعات الدينية المتشددة، والمتأهبة للعنف، في اليهودية والمسيحية والإسلام. لكنني مستبشر بأن الثورة المصرية سوف تخرج بالناس من هذا المأزق، أعني مأزق التوجيه السياسي للدين، لأن كثيراً من المصريين أدركوا بعد الثورة بؤس اللعب السياسي بورقة الدين.. ولذلك رفض المسلمون عند اندلاع الثورة، دعوة شيخ الأزهر لفض التظاهر بالميادين »والحضور إلي ساحة الأزهر للحوار« ورفض المسيحيون دعوة البابا شنودة إلي الكفِّ عن المطالبة بإسقاط النظام، وعدم المشاركة في الثورة. لكن ثورة المصريين صنعها كل المصريين: الأقباط والمسلمون، الشباب والكبار والأطفال، النخبة والعوام، الأغنياء والفقراء.. وهذا يؤسس لواقع جديد، ومستقبل يدعو للاستبشار. كيف تري الصورة السياسية لمصر حاليا ؟ وكيف نخرج من عنق الزجاجة ومن الأزمات الاجتماعية في المرحلة القادمة ؟ سنخرج بعد حين، حين نستفيق من آثار العقود الماضية، وحين يتواري عن الأنظار هؤلاء الذين لحقهم التشوه.. وهذا يلزمه وقت، لكنه ليس وقتاً طويلاً إذا صحَّت النية وانعقد العزم. كيف تري صورة مصر في الفترة القادمة؟ مشرقة بأهلها، أو مظلمة بأفعالهم.. فلا يوجد مستقبل جاهز التصنيع، فالناس في مصر وفي غير مصر، هم الذين يصنعون المستقبل. كيف تقرأ الجرائد وكيف تشاهد البرامج الحوارية علي شاشة التليفزيون هل أصبحت أكثر مصداقية أم أن الإعلام المرئي والمقروء ما زال يعيش في أثواب قديمة وباهتة؟ طبعاً تغير الإعلام، مثلما تغير كل شيء بعد الثورة، لكنه لا يزال يرزح تحت وطأة التشوهات التي أحدثتها المرحلة السابقة.. ما العمل الإبداعي الذي يشغلك حاليا ؟ وما الموضوع الذي يدور حوله ؟ انتهيت مؤخراً من كتاب (سباعيات، التوهم والتدين والثورة) وهو إعادة كتابة للمقالات التي نشرتها تحت عنوان »السباعيات« أو بالأحري لمجموعة منها، وقد جعلتها علي هيئة فصول مكتوبة بما يناسب النشر بين دفتي كتاب.. ومنذ أواخر العام الماضي، عقب نشر روايتي »النبطي« أقوم بكتابة رواية جديدة عنوانها »حاكم« تدور في الفترة الممتدة ما بين عاميْ 386، 114 هجرية »زمن الحاكم بأمر الله« لكنها تدور في معظم أحداثها بالفسطاط، لا القاهرة.. وقد أُضطر لتأجيل الانتهاء من هذه الرواية، نظراً للاضطراب الكبير في مجال النشر، وعدم قابلية القارئ العربي لاستقبال نص روائي شديد التركيب وبالغ الحساسية، مثل »حاكم«. وهنالك بعض الأعمال ذات الطابع البحثي، التراثي، سوف تصدر قريباً عن مكتبة الإسكندرية. منها مؤتمر »المخطوطات المطوية« وبحوث ودراسات المستشرق الكبير »ماكس مايرهوف« وكتاب شاناق في السموم والترياق.